اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/rasael/937.htm?print_it=1

التفاؤل سمة المسلم

د. عبدالرحمن بن عبدالله الطريّف


بسم الله الرحمن الرحيم
 


في خضم هذه الأحداث في العالم أجمع المؤمن بحاجة للفأل الحسن ، بحاجة ليحسن الظن بربه - جل وعلا -
هناك عدة تعريفات جاءت لتعريف التفاؤل منها :

*الفأل* :
ضد الطيرة والجمع فؤول ، وتفاءلت به .
أن يكون الرجل مريضا " فيسمع آخر يقول : ياسالم .
أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول : يا واجد .
فيقول : تفاءلت بكذا ، ويتوجه له في ظنه كما سمع أنه يبرأ من مرضه أو يجد ضالته .

وفي الحديث كما جاء عند البخاري : ( لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح ) - والفأل الصالح : الكلمة الحسنة .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( والكلمة الطيبة صدقة ) -متفق عليه .

من أعظم الأوقاف التي يوقفها العبد في حياته ، ويجري له أجرها بعد مماته ، هذه الكلمة الطيبة التي تؤثر في النفوس ، وتزرع الفأل عندالمسلم ، وقيل من تعريف الفأل كما قال الماوردي :
فأما – الفأل - ففيه تقوية للعزم ، وباعث على الجد ، ومعونة على الظفر ، فقد تفاءل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزواته وحروبه .
وروى أبو هريرة-رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع كلمة فأعجبته ، فقال : ( أخذنا فألك من فيك ) - ورد في المعجمالصغير .

وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - كل حياته هي عبارة عن فأل حسن ، كان إذا رأى من أصابته أم ملدم .
أم ملدم : كنية الحمى ، قال الليث : والعرب تقول : قالت الحمى أنا أم ملدم آكل اللحم وأمص الدم .
قيل : اللدم واللطم واحد - والالتدام الاضطراب .
ويقال لها : أم الهبرزي - تعريف اللغة الجزء الثاني لأبي منصور محمد الهروى .

عن ابن عباس - رضي الله عنه – قال : وكان إذا دخل على من يعوده قال : ( لا بأس ، طهور إن شاء الله ) - رواه البخاري .
فأل مبارك – أي : هذا الذي أصابك طهور لك إن شاء الله من الذنوب .

وورد عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابي يعوده فقال له : ( لا بأس طهور إن شاء الله تعالى.
قال : قلت : طهور كلا بل هي حمى تفور - أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور .
فقال النبي : فنعم إذا " ) - وقيل في شرح المشكاة : يعني أرشدتك بقولي : لا بأس عليك - أي إن الحمى تطهرك وتنقي ذنوبك فاصبر واشكرالله عليها ، فأبيت إلا اليأس والكفران فكان كما زعمت ، وما اكتفيت بذلك بل رددت نعمة الله عليه قاله غضبا " عليه .
وقال غيره : يحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - علم أنه سيموت من ذلك المرض ، فدعا له بأن تكون الحمى طهرة لذنوبه فأصبح ميتا " –
صحيح البخاري - كتاب المرضى - باب عيادة الاعراب ج 3.

المواقف العظيمة التي ينتفع بها المؤمن عندما يستمع إليها ، فتكون لها الاثر الايجابي في نفسه .

¤ { فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين } ¤ .

عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس - رضي الله عنه – قال : لما انتهى موسى إلى البحر، وهاجت الريح العاصف ، فنظر أصحاب موسىخلفهم إلى الريح ، وإلى البحر أمامهم - قال اصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين - قال موسى لقومه : ليس الامر كماذكرتم ، كلا لن تدركوا إن معي ربي سيهدين قال : سيهديني لطريق أنجو فيه من فرعون وقومه - تفسير الطبري ج19 / ص 356.

كأني بموسى لم يلتفت ، وهكذا عندما يمتلئ القلب يقينا " - بالله جل وعلا - لا يبالي ، لذلك من أعظم الدلائل بأن قلب المؤمن إمتلئ تفاؤلا " هو أن يلجئ دائما " إلى الله ، أن يسأل الله - جل وعلا - وأن ينكسر ويتذلل بين يديه،يفتقر فيدعو الله أن يرفع عنه الفاقة ، يمرض فيسأله أنيشفيه .

عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب ، فليكثرالدعاء في الرخاء ) - رواه الترمذي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة .

قال المناوي - رحمه الله - في فيض القدير : فتعين على من يريد النجاة من ورطات الشدائد والغموم ، أن لا يغفل بقلبه ولسانه عن التوجه إلىحضرة الحق - تقدس بالحمد - والابتهال إليه ، والثناء عليه .
إذ المراد بالدعاء في الرخاء كما قاله لامام الحليمي : دعاء الثناء والشكر ، والاعتراف بالمنن ، وسؤال التوفيق والمعونة والتأييد ، ولاستغفارلعوارض التقصير .

العافية رخاء ، الأمن رخاء ، فليكثر العبد من الدعاء .
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – قال : دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ذات يوم المسجد ، فإذا هو برجل من اﻷنصار ، يقالله أبو أمامة ، جالسا " فيه ، فقال : ( يا أبا أمامة ، مالي أراك جالسا " في المسجد في غير وقت صلاة ؟ ! قال : هموم لزمتني وديونيارسول الله ، قال : ألا أعلمك كلاما " إذا قلته أذهب الله - عز وجل – همك ، وقضى عنك دينك ؟
فقال : بلى يارسول الله .
قال : قل -إ ذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من البخل والجبن ، وأعوذبك من غلبة الدين وقهر الرجال ) - فقلت ذلك ، فأذهب الله همي ، وقضى عني ديني -أ خرجه أبو داود بإسناد حسن.

أعظم أهداف الشيطان التي يحققها في المؤمن أن يجعله حزينا " ، يجعله متشائما " ينظر إلى الأمور بسوداوية ، وأن النهاية مظلمة .

قال الله تعالى : ¤ { إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا " إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون } ¤ .
يريد الشيطان أن يعيش لانسان حياة حزينة مؤلمة ، أن يعيش في الحياة مسجون حزنه وفي الأخرة عياذ بالله أشد وأنكى .
فالمؤمن يتفاءل ويحسن الظن بالله - سبحانه وتعالى - لأن الفأل الحسن يجلب السعادة ، كم توقع لانسان وتشائم بأنه سوف يحصل له كذا ؟! ولم يحدث .

المؤمن بالتفاؤل يروح عن نفسه يقول إن كان مريضا " : سوف أشفى وما هي إلا أيام ويعافى .
لذلك إذا مررت بأزمة وجاءك الشيطان فقال : هذه الأزمة لن تغادرك ، فتذكر كم أزمة مرت بك وأذهبها الله عنك ، كما أذهب الأولى سوف يذهبالثانية بفضله ومنه - سبحانه وتعالى -
التفاؤل تقوية للعزائم ومعونة على الظفر وباعث على الجد ولاجتهاد ، لأن لانسان المتشائم لا يجتهد ، لأن التشائم باعث للفشل ، فالعبدعندما يتوقع الأحسن ويتفائل بأنه سينجح وبأنه سيكون مضرب للمثل ، فإن ذلك سيحثه على لاجتهاد وكما قيل :
قال الخليفة أبي جعفر المنصور :
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ** فإن فساد الرأي أن تترددا .

في التفاؤل إقتداء بالسنة المطهرة ، وأخذ بالأسوة الحسنة لنبينا -صلى الله عليه وسلم - فكان يتفائل في حروبه وغزواته وسائر حياته - عليهالصلاة والسلام –

لو نظرنا في كتاب الله - جل وعلا - وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لوجدنا فيها المئات من هذه المبشرات .
يعقوب - عليه السلام - يأتيه أبناءه ويخبروه أن يوسف أكله الذئب ، وتمر السنوات ويفقد ولده الثاني ، ومع ذلك الموقن بالله المتفائل يقول : ¤ { يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } ¤ .
ولا تيأسوا من روح الله : أي لا تقنطوا من فرج الله - قاله ابن زيد ، يريد : أن المؤمن يرجو فرج الله ، والكافر يقنط في الشدة .

وقال قتادة والضحاك : من رحمة الله .
إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون : دليل على أن القنوط من الكبائر، وهو اليأس - تفسير لامام الطبري .
هذا الأمل ينبغي أن يمتلئ قلب المؤمن به ، المؤمن بحاجة لأن يكون متفائلا " .
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يرى الصغير عبد الله بن عمر فيقول محفزا " له مشجعا " له : ( نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل )- رواه البخاري ومسلم .
قال سالم : فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا " .
وأحسن القائل عندما قال :
ولقد بلغت من التفاؤل أوجه
وقلائل من يفعلون قلائل
حتى تفاعيل البحور قرأتها متفائل متفائل متفائل.

إعداد د. عبدالرحمن بن عبدالله الطريّف

وصلى الله وسلم على نبينا محمد


 

رسائل دعوية

  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية