بسم الله الرحمن الرحيم

نداء إلى شباب الصحوة..
اعلموا إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله


الحمد لله رب العالمين، ولا عداون إلا على الظالمين، الحمد لله القوي الجبار، المنتقم القهار، مذل الجبابرة، قاصم الأكاسرة، مهلك القياصرة، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، والصلاة والسلام على قائد المجاهدين، محب الاستشهاديين، مبغض المنافقين، وعلى آله وصحبه الكرام الطيبين، ثم أما بعد..
فيا من رضيتم بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبياً ورسولا، اعلموا أن الله قد أنزل في محكم التنزيل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة:214).
إخوتي فى الله.. إن ثمن الدعوات باهظ بقول الحق العظيم، وعلى لسان نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، ثمن حمل المبادئ ونقلها من عالم الأفكار والنظريات إلى عالم التطبيق والواقعيات يحتاج إلى كثير من التضحيات، حتى يكون واقعياً حيا في عالم الأرض و فى آفاق الواقع الملموس. اعلموا أنه لن تنتصر دعوة - أرضية كانت أم سماوية، بشرية كانت أم ربانية - أبداً إلا بالتضحيات..الدماء، الأشلاء، الأجساد، الأرواح، الشهداء، هي وقود المعركة، وقود معركة المبادئ، وقود معركة الأفكار، وقود معركة العقيدة. فهذه الآية تنبيه إلى قضية هامة في هذا الميدان؛ أنه لا جنة لمن لا يريد أن يضحي ويبذل.."أم حسبتم"؟! هل تظنون أنكم تدخلون الجنة قبل أن يمسّكم ما مسّ الذين من قبلكم، ثم يشير رب العزة إلى قضية هامة؛ أنكم لستم أعز من أحب خلقه إليه، لستم أحسن من صفوة عباده. "اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ".
وكما جاء في الحديث الصحيح عن خباب بن الأرت قال : قلنا يا رسول الله ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا فقال "إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه" ثم قال "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون وقال الله تعالى "الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" وقد حصل من هذا جانب عظيم للصحابة رضي الله عنهم في يوم الأحزاب كما قال الله تعالى "إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا" الآيات.

ليس تبليغ الدعوات بأمر سهل ورحلة ممتعة "لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" إنما هي طريق طويل شاق، كله أشواك، وكله تضحيات، وقد تخرج من هذه الدنيا ولا تنال ثمرة واحدة نتيجة عملك. عندما وضع أمام عبد الرحمن بن عوف طعام طيب فبكى وقام، وقال: "لقد خرج أصحابنا من الدنيا ولم يروا هذا، لقد كان مصعب بن عمير خير منا وما رأى مثل هذا". يقول سيد قطب رحمه الله: "إن الجيل الأول كله إنما يذهب وقوداً للتبليغ، وزادا لإيصال الكلمات التي لا تحيا إلا بالقلوب وبالدماء. إن كلماتنا ستبقى ميتة، عرائس من الشموع لا حراك فيها جامدة، حتى إذا متنا من أجلها انتفضت حية وعاشت بين الأحياء". يظن الناس المبادئ لعبة أو لهوا أو متاعاً، يبلغها إنسان بخطبة منمقة مرصعة بالألفاظ الجميلة، أو يكتب كتاباً يطبع من المطابع ويودع في المكتبات، لم يكن هذا أبداً طريق أصحاب الدعوات ! طريق الدعوات محفوف بالمكاره، مليء بالمخاطر، سجون، وقتل، وتشريد، ونفي. فمن أراد أن يحمل مبدأ أو يبلغ دعوة، فليضع في حسابه هذه، ومن أرادها نزهة ممتعة، وكلمة طيبة، ومهرجاناً حافلاً، وخطبة ناصعة في كلماتها، فليراجع سجل الرسل والدعاة من أتباعهم، منذ أن جاء هذا الدين، بل منذ أن بعث الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وإلى يومنا هذا.
أيها الأخوة إنه لا عزة للأمة الإسلامية ولا مكانة لها ما دامت لا تضحي لدينها، ولا تثأر لعقيدتها. أفيقوا واعلموا أنكم أصحاب أمجاد وتاريخ عريق، وأصحاب بطولات لم يعرف التاريخ لها نظيراً، فاربؤوا بأنفسكم أن تكونوا أذلاء صاغرين لا قيمة لكم ولا عزة لكم.. إخوة الإيمان.. لقد جاء الوقت لنطور نظريتانا تجاه المرحلة. عهد التنظير انتهى وفات، الآن هو وقت التحرك و التفاعل. كفوا عن صمتكم، أخرجوا ما لديكم لدنيا الناس، جيشوا الطاقات، وحدوا الصفوف، انتشروا فى كل ميدان..وارفعوا أصواتكم عالية فى الآفاق..و على كل منا أن يعيّ جيداً أن ما مضى فات المؤُمل غيب وليس لأحد منا إلا الساعة التي هو فيها و قد يكون الطريق للدارين واحداً و لكن المهم استقامة الفكر و نقاء النية و سلامة الفطرة..

و الحمد لله الذي جعل العاقبة للمتقين، و صلي اللهم على سيدنا محمد و على آله و صحبه آجمعين،
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

كتبه أبو حَيْدرة أحمد بن رجب الأزهري
(الشهير بـ: ابن رجب السلفي)

الصفحة الرئيسة