اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/monawein/m/20.htm?print_it=1

لماذا دعوة الإمام، ولماذا الآن؟

أ.د.ناصر العمر


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما فتئ أهل البدع يطلون بقرنهم ملبسين في كل حين فترة وانقطاع من أهل العلم الذين ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وإذا كان الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب، مجمعين على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم -نعوذ بالله من فتن المضلين- إذا كانوا كذلك فلا عجب أن ينسبوا لأهل العلم ما هم منه برءاء، ولا عجب كذلك من تعلقهم بحروف عجيبة من أجل نصرة الآراء والأهواء.

وكلامنا هنا عما بدأ يشيع ويذاع في الآونة الأخيرة عن دعوة الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله- ومن بعده أتباع دعوة التوحيد من الأئمة المرضيين، وليس ذلك غريباً أو جديداً، بل قد بدأ الكلام في الإمام ودعوته مع بزوغ فجر هذه الدعوة المباركة، وهذه سنة الله في الذين خلو من قبل، فما من صاحب دعوة حق إلاّ أوذي وعودي "وكذلك جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّك مَافَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْه وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُون"، وقال: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا"، وهكذا أتباع الأنبياء فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل كما ثبت عند البخاري وغيره.

ولكن الجديد هو عودة الطعن في هذه الدعوة من المعاصرين، بل من أناس تنكروا لفضلها فصوبوا سهامهم وسلوا أقلامهم فيمن علمهم العقيدة والتوحيد، متناسين تاريخاً مظلماً من الشرك والانحطاط عاشه من سبقهم، لم يشهدوه ولم يكونوا رجاله بعد أن من الله عليهم بدعوة التوحيد.

هذا مع أنهم يرون النصال تتكسر تلو النصال دون أن تصاب تلكم الدعوة المباركة بأذى، بل يرون كيف قامت بفضلها دولة إسلامية عجزت عن إقامتها زرافات وجماعات، بل يرون كيف قامت بها الدولة ابتداءً، ثم لما سقطت الدولة عادت بها فقامت ثم سقطت أخرى فقامت، وفي هذا مصداق كلمة ابن خلدون في تاريخه ومقدمته التي قرر فيها أن لكل دولة عصبية تقوم عليها، قال: "العصبية بها تكون الحماية والمدافعة والمطالبة وكل أمر يجتمع عليه، وقدعلمنا أن الآدميين بالطبيعة الإنسانية يحتاجون في كل اجتماع إلى وازع وحاكم يزع بعضهم عن بعض، فلا بد أن يكون متغلباً عليهم بتلك العصبية، وإلا لم تتم قدرته على ذلك"، ثم قال: " إذا استقرت الدولة وتمهدت قد تستغني عن العصبية والسبب في ذلك أن الدول العامة في أولها يصعب على النفوس الانقياد لها إلا بقوة قوية من الغلبة للغرابة، وأن الناس لم يألفوا ملكها ولا اعتادوه، فإذا استقرت الرئاسة في أهل النصاب المخصوص بالملك في الدولة وتوارثوه واحداً بعد آخر في أعقاب كثيرين ودول متعاقبة نسيت النفوس شأن الأولية، واستحكمت لأهل ذلك النصاب صبغة الرئاسة، ورسخ في العقائد دين الانقياد لهم والتسليم، وقاتل الناس معهم على أمرهم قتالهم على العقائد الإيمانية، فلم يحتاجوا حينئذ في أمرهم إلى كبير عصابة، بل كأن طاعتها كتاب من الله لا يبدل ولا يعلم خلافه، ولأمر ما يوضع الكلام في الإمامة آخر الكلام على العقائد الإيمانية، كأنه من جملة عقودها، ويكون استظهارهم حينئذ على سلطانهم ودولتهم المخصوصة، إما بالموالي والمصطنعين الذين نشؤوا في ظل العصبية وغيرها، وإما بالعصائب الخارجين عن نسبها الداخلين في ولايتها.

ومثل هذا وقع لبني العباس، فإن عصبية العرب كانت قد فسدت في عهد دولة المعتصم وابنه الواثق، واستظهارهم بعد ذلك إنما كان بالموالي من العجم والترك والديلم والسلجوقية وغيرهم، ثم تغلب العجم الأولياء على النواحي وتقلص ظل الدولة فلم تكن تعدو أعمال بغداد، حتى زحف إليها الديلم وملكوها، وصار الخلائق في حكمهم، ثم انقرض أمرهم وملك السلجوقية من بعدهم فصاروا في حكمهم، ثم انقرض أمرهم وزحف آخر التتار فقتلوا الخليفة ومحوا رسم الدولة".

وحتى لايسهب بنا المقام ألخص أسباب فتح هذا الملف لدعاوى المعاصرين على دعوة الإمام في النقاط التالية:
1- بيان خطر إسقاط هذه الدعوة التي نجحت في إقامة دولة، وأن نهايتها تعني نهاية الدولة كما قرر ابن خلدون.
2- بيان خطأ المنتسبين إليها ممن يسعون إلى إسقاطها بقصد أو بغير قصد، وتنبيه العقلاء لئلا يكونوا أدوات يحركها الغربي متى شاء وكيف شاء.
3- تنبيه الغافلين على حقيقة المحرضين على الدعوة من الغربيين، ومرادهم من ذلك، فهم ما أرادوا النيل ممن أفضوا إلى ربهم، ولكن مرادهم هدم الإسلام وتغير معالمه، ولهم في ذلك مداخل عدة، منها: محاربة الإسلام تحت شعار محاربة ما يسمونه الوهابية، ومنها: حربهم على الإسلام تحت شعار حربهم على ما يسمونه الإرهاب.
4- بيان أن هذه الدعوة ليست ديناً جديداً، بل ليست مذهباً دخيلاً أو أقوالاً مختصة بأناس ولكن ما جاءت به وقاله أئمتها أمر سبقهم أعلام الإسلام إليه وقالوا به، ثم جاء هؤلاء فجددوه.
5- بيان أن هذه الدعوة ليست مختصة بأهل نجد أو المملكة، بل هي دعوة لاتفرق بين من يلتزم منهج أهل السنة والجماعة أين كان وحيث وجد، سواء في أقصى الأرض أو أدناها، منتم لجماعة أو دولة، لافرق طالما أنه يلتزم الكتاب والسنة.
6- بيان بعض الشبه التي رمي بها الإمام ورميت بها دعوته، والتي طالما تبرأ منها الإمام وأتباعه، ومنها دعوى التكفير لغير مستحقه التي قال فيها الإمام: "وأما القول إنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم " (الرسائل الشخصية 15/101)، ومن ذلك أيضاً رميها بأنها تتشوف للدماء، وهذا باطل قال الشيخ الإمام: "وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكناً، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة " وجزاء سيئة سيئة مثلها "، وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه والسلام. " (الرسائل الشخصية 5/37)، إلى غير هذه الشبه مما سيجمع مع الوقت ويفند، والله المستعان، هو حسبنا وعليه التكلان.

هذا وفي الختام، أنبه القارئ الكريم إلى أن دعوة الشيخ الإمام دعوة تجديد لما اندرس من معالم التوحيد.
والتوحيد مما اتفقت عليه الشرائع السماوية فأنى له أن يأت بجديد فيها!
فمن المقرر أن الأنبياء إخوة لعلات كما جاء في حديث البخاري وغيره، قال الحافظ ابن حجر(الفتح 6/489): "ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد، وإن اختلفت فروع الشرائع"، وقال من قبله الحافظ ابن كثير(التفسير 2/67): "ديننا واحد": يعني بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله وضمنه كل كتاب أنزله، كما قال _تعالى_: "وما أرسلنا قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنه لا إله إلاّ أنا فاعبدون"، وقال _تعالى_: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"، "واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون".

وهذه الآيات ظاهرة في توحيد الله بأفعال العباد، قال القرطبي في تفسير قول الله _تعالى_: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" (10/103): "أي بأن اعبدوا الله ووحدوه، واجتنبوا الطاغوت، أي: اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم وكل من دعا إلى الضلال".
أما توحيد الله بأفعاله كالخلق والرزق والتدبير، فهو مما أقرت به الخلائق وإن جحده أفراد ظلماً وعلواً.
وكذلك مما اجتمعت عيه الشرائع توحيد الله بأسمائه وصفاته، فإن الأسماء والصفات من قبيل الأخبار المحققة والخبر المحقق لا يدخله النسخ ولو دخله لكان كذباً (1).

فإذا كان الأمر كذلك، فكيف للشيخ أن يأتي بجديد في أمر اتفقت عليه شرائع الرسل الصحيحة، فضلاً عن أئمة الإسلام المعتبرين من أهل السنة على اختلاف المذاهب.

هذا والله أسأل أن ينفع بهذا الجهد القراء، وأن يجزل للمشايخ المشاركين فيه أحسن الجزاء، وأشكر كل من تجشم مشقة الكتابة في سبيل نصرة السنة وأهلها، داعياً الله أن يجمعنا بهم عند حوض نبيه _صلى الله عليه وسلم_ غير مبدلين ولا مغيرين، والحمد لله رب العالمين.

_____________
(1) انظر( المحلى 2/14)، وغيره.

المصدر : موقع المسلم
 

دعاوى المناوئين

  • ترجمة الشيخ
  • حقيقة دعوته
  • ما قيل في الشيخ
  • أثر دعوته
  • كتب ورسائل
  • مؤلفات في دعوته
  • مقالات ورسائل
  • شبهات حول دعوته
  • صوتيات
  • english
  • الرئيسية