اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/mohamed/81.htm?print_it=1

النصرة لنبي الأمة صلى الله عليه وسلم

أبو عبدالرحمن

 
الخطبة الأولى :
الحمدلله القائل في محكم كتابه المبين : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } ، وأشهد ألا إله إلا هو سبحانه ولي الصالحين ، ولا عدوان إلا على الظالمين عبدة الهوى والشياطين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين ، صاحب الحوض المورود والمقام المحمود والشفاعة العظمى يوم الدين ، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } ، يوم { َتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ، كفاه الله ونصره وحماه ، فقال جل وعلا : { إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ } ، وقال سبحانه : { إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ } ، أما بعد :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ، أيها المسلمون : إن من أعظم ما يفتخر به المسلم إيمانه ومحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع أنّ المسلم يؤمن بالأنبياء جميعاً عليهم الصلاة والسلام ، ولا يفرِّق بين أحد منهم إلا أنه يعتبر النبي محمد بن عبدالله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتمهم ، وأفضلهم ، وسيدهم ، وهو الذي يُفتح به باب الجنة ، وهو الطريق لنجاة هذه الأمة فلا يؤذن لأحد بدخول الجنة بعد بعثته إلا أن يكون من أتباعه المؤمنين به عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } .

ومما زادني شرفا وتيهـــا *** وكدت بأخمصي أطأ الثريـا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيّرت أحمد لي نبيــا

أيها المسلمون: ترى ماذا نقول أمام ما نشرته الصحف الدنمركية والنرويجية ، من رسوم ساخرة تسخر فيها بأعظم رجل وطأت قدماه الثرى ، بإمام النبيين وقائد الغرِّ المحجلين محمد بن عبدالله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، صورٌ آثمةٌ وقحةٌ وقاحة الكفر وأهلة ، أظهروا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحدى هذه الرسومات عليه عمامة تشبه قنبلة ملفوفة حول رأسه !! وكأنهم يريدون أن يقولوا إنه – مجرم حرب – { أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} ، ثم في هذه الأيام وفي يوم عيد الأضحى بالتحديد – إمعاناً في العداء - تأتي جريدة نرويجية لتنكأ الجراح وتشنَّ الغارة من جديد ، فتُعيد نشر الرسوم ألوقحة التي نُشرت في الجريدة الدنمركية من قبل! {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } ، بالله ماذا يبقى في الحياة من لذة يوم يُنال من مقام محمد بن عبدالله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم لا يُنتصر له ولا يُذاد عن حياضه ، ماذا نقول تجاه هذا العداء السافر ، والتهكم المكشوف .. هل نغمض أعيننا ، ونصمَّ آذاننا ، ونطبق أفواهنا .. وفي القلب عرقٌ ينبض ، والذي كرَّم محمداً وأعلى مكانته لبطن الأرض أحبَّ إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحقِّ ونُدافع عن رسول الحق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ألا جفت أقلامٌ وشُلت سواعدٌ امتنعت عن تسطير أحرفٍ تذود بها عن حوضه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وتُدافع عن حرمته : فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم فداء
نعم ، إنه النبي الأعظم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأي عبارةٍ تحيط ببعض نواحي تلك العظمة النبوية ، وأي كلمةٍ تتسع لأقطار هذه العظمة التي شملت كل قطر ، وأحاطت بكل عصر، وكُتب لها الخلود أبد الدهر ، وأي خطبةٍ تكشف لك عن أسرارها وإن كُتبت بحروف من النور، وكان مداده أشعة الشمس ، إنها العظمة الماثلة في كل قلب ، المستقرة في كل نفس ، يستشعرها القريب والبعيد ، ويعترف بها العدو والصديق ، وتهتف بها أعواد المنابر ، وتهتزُ لها ذوائب المنائر .

ألم تر أنَّ الله خلّـَد ذكـره *** إذ قال في الخمس المؤذن: أشهـد
وشـقّ له من اسمه ليجلــه *** فذو العرش محمود وهذا محمــد

إنه النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث الكمال الخُلقي بالذروة التي لا تُنال ، والسمو الذي لا يُسامى ، أوفر الناس عقلاً ، وأسداهم رأيًا ، وأصحُّهم فكراً ، أسخى القوم يدًا ، وأنداهم راحةً ، وأجودهم نفسًا أجود بالخير من الريح المرسلة ، يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، يبيت على الطوى وقد وُهب المئين ، وجاد بالآلاف ، لا يحبس شيئًا وينادي صاحبه بلال بن رباح : "أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً" ، أرحب الناس صدرًا ، وأوسعهم حُلُمًا ، يحلم على من جهل عليه ، ولا يزيده جهل الجاهلين إلا أخذًا بالعفو وأمرًا بالمعروف ، يمسك بغُرّة النصر وينادي أسراه في كرمٍ وإباء: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" ، أعظمُ الناس تواضعًا ، يُخالط الفقير والمسكين ، ويُجالس الشيخ والأرملة ، وتذهب به الجارية إلى أقصى سكك المدينة فيذهب معها ويقضي حاجتها ، ولا يتميز عن أصحابه بمظهر من مظاهر العظمة ولا برسم من رسوم الظهور ، ألين الناس عريكةً وأسهلهم طبعًا ، ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن مُحرمًا ، وهو مع هذا أحزمهم عند الواجب وأشدهم مع الحق ، لا يغضب لنفسه ، فإذا انتُهِكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء ، وكأنما يُفقأ في وجهه حَبُّ الرمان من شدة الغضب ، أشجع الناس قلبًا وأقواهم إرادةً ، يتلقى الناس بثباتٍ وصبر ، يخوض الغمار ويُنادي بأعلى صوته: " أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" ، وهو من شجاعة القلب بالمنزلة التي تجعل أصحابه إذا اشتدَّ عليهم البأس يتقون به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن قوة الإرادة بالمنزلة التي لا ينثني معها عن واجب ، ولا يلين في حق ، ولا يتردد ولا يضعف أمام شدّة ، أعفُّ الناس لسانًا ، وأوضحهم بيانًا ، يسوق الألفاظ مُفصّلةً كالدر ، مشرقةً كالنور، طاهرٌ كالفضيلة في أسمى مراتب العفّة وصدق اللهجة ، أعدلهم في الحكومة وأعظمهم إنصافًا في الخصومة يَقِيدُ من نفسه ويقضي لخصمه ، يُقيمُ الحدود على أقرب الناس ، ويُقسِم بالذي نفسُهُ بيده: " لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمدٌ يدها " ، أسمى الخليقة روحًا ، وأعلاها نفسًا ، وأزكاها وأعرفها بالله ، وأشدّها صلابةً وقيامًا بحقِّه ، وأقومَها بفروض العبادة ولوازم الطاعة ، مع تناسقٍ غريبٍ في أداء الواجبات ، واستيعابٍ عجيبٍ لقضاءِ الحقوق ، يُؤتي كلَّ ذي حق حقه ، فلربِهِ حقه ، ولدينه حقه ، ولصاحبه حقه ، ولزوجه حقها ، ولدعوته حقها ، أزهدُ الناس وأبعدهم عن التعلق بعرض هذه الدنيا ، يُطعِم ما يقدّمُ إليه فلا يردُّ موجوداً ولا يتكلف مفقوداً ، ينام على الحصير والأُدْمِ المحشو بالليف ، قضى زهرة شبابه مع امرأة من قريش تكبرُهُ بخمس عشرة سنة ، قد تزوجت من قبله وقضت زهرة شبابها مع غيره ، ولم يتزوج معها أحدًا وما تزوج بعدها لمتعة ، وما كان في أزواجه الطاهرات بكرًا غير عائشة التي أعرس بها وسنها تسع سنين ، يَسرُبُ إليها الولائد يلعبن معها بالدمى وعرائس القطن والنسيج ، أرفق الناس بالضُعفاء وأعظمهم رحمةً بالمساكين والبائسين ، شملت رحمته وعطفه الإنسان والحيوان ، ويحذِّرُ أصحابه ، فيقول لهم: "إنّ امرأة دخلت النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" ، "ودخلت امرأة الجنة في كلب سقته بعدما رأته يأكل الثرى من العطش" ، لو لم يكن للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هداية السماء إلى الأرض ، وإيصال هذا القرآن الكريم إلى العالم نوراً وهدىً للعالمين لكفى ، فمهما عملت الإنسانية فلن تستطيع أن تقوم بكفائه ، ولن يُوفيه الناس ولو بعض جزائه ، ذلك قبسٌ من نور النبوة ، وشُعاعٌ من مشكاةِ الخُلُقِ المُحمدي الطاهر ، وإنَّ في القولِ بعدُ لسعةً وفي المقامِ تفصيلاً ، وسلِ التاريخ ينبئك هل مرِّ به عظيمٌ أعظم من النبي محمد بن عبدالله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فقد عُصِمَ من النقائص ، وعلا عن الهفوات ، وجلّ مقامُهُ عن أن تُلصقَ به هفوة : خُلقتَ مُبرءًا من كل عيب *** كأنك قد خُلقت كما تشاءُ
فإن كان ذلك كذلك فإنَّ من واجب العالمِ كُلَهُ – ولا محيص لهم عن ذلك – أن يجعل عظمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخلق جميعًا فوق كلِّ عظمة ، وفضله فوق كلِّ فضل ، وتقديره أكبر من كل تقدير ، ولو لم يكن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مؤيدات نبوته وأدلة رسالته إلا سيرته المطهرة وتشريعه الخالد لكانا كافيين ، لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد .
أيها المسلمون : إن من واجب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا أن نحبه ونُجِلهُ ونعظمه ونتبع سنته في الظاهر والباطن ، وأنَّ نذُبَّ عنه كيد الكائدين ومكر الماكرين ، وفي هذا العصر المليء بالفتن والشرور على الأمة الإسلامية ، فإننا نجدُ حملةً ضاريةً سيئةً من عدد من الرهبانِ والقُسُسِ وضعافِ النفوس وضعافِ العقول على شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام ، فيا لله كيف تنبري فرقةٌ أومنظمةٌ أوأفرادٌ بالقدح أو الحطِّ من قدر هذا النبي الخالد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

كذبتم وايم الله ، يُبزى محمــدٌ *** ولمّا نُطاعنُ دونهُ ونناضــلُ
ونُسلمه حتى نُصّرّعَ حولـَـهُ *** ونَذهلُ عن أبنائنا والحلائـِلُ

أيها المسلمون : إنّ الهجوم الإعلامي على الإسلام ذو جذورٍ قديمة قِدَمَ الإسلام ، وهو أحدُ الأساليب التي اتخذها الكفار للصدِّ عن سبيل الله تعالى ، بدأ من كفار قريش وحتى عصرنا الحاضر ، وهذا الهجوم له ألوان كثيرة ولكنها في أغلبها كانت محصورةً في نطاق الشُبهات والمُغالطات والطعون ، لكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، انتقل الهجوم إلى لونٍ جديدٍ قذرٍ لم يُعهد من قبل وهو التعرض لشخص الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والنيل من عرضه وذاته الكريمة ، وقد اتسم هذا الهجوم بالبذاءة والسخرية والاستهزاء ، مما يدل دلالةً واضحةً أنَّ هذا التهجم له منظماتٌ وله استراتيجياتٌ خاصة ، تتركز على استخدام وسائل الإعلام بل ويقومُ به أناس متخصصون مدعومون من بعض قساوسة النصارى وحكوماتهم ، وهكذا انتقل الهجوم على الإسلام من طرحِ الشبهات إلى إلقاء القاذورات ، ولم يجِدِ المهاجمون في الإسلام ولا في شخص خاتم الأنبياء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يرضي رغبتهم في التشويه ، ووجدوا أنّ الشبهات والطعن الفكري من الأمور التي يسهُلُ تفنيدها وكشفُ زيفها أمام قوة الحقِّ في الإسلام ، فلجئوا إلى التشويه الإعلامي ، وخاصة أنهم يملكون نواصيه في الغرب ، أيها المسلمون : إنَّ الله عز وجل يغار على دينه ، ويغار على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومن غيرته تعالى أنه ينتقم ممن آذى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لأنَّ من آذى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد آذى الله ، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} ، والله تعالى قد تولى الدفاع عن نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال :{ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا} ، وأعلن عصمته له من الناس فقال : { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ } ، وأخبر أنه سيكفيه المستهزئين فقال : {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} سواءً كانوا من قريش أو من غيرهم ممن جاءوا بعدهم ، قال الشنقيطي رحمه الله: وذكر - الله - في مواضع أخرى أنه كفاه غيرهم كقوله في أهل الكتاب (فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ..) وقال (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) ، وقال ابن سعدي رحمه الله: " وقد فعل تعالى ، فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة ".أهـ ، وأخرج الطبراني والبيهقي ، عن ابن عباس في قوله تعالى :{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} قال: المستهزئون ، الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عبطل السهمي والعاص بن وائل ، فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال: أرني إياهم ، فأراه كلَّ واحدٍ منهم ، وجبريل يُشيرُ إلى كلِّ واحدٍ منهم في موضع من جسده ويقول : كَفَيْـتُكَهُ ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما صنعت شيئا ! فأمّا الوليد ، فمرَّ برجلٍ من خُزاعة وهو يَريشُ نبلاً فأصاب أُكْحُلَهُ فقطعها فمات ، وأمّا الأسود بن المطلب ، فنزل تحت سمُرةٍ فجعل يقول: يابنيّ ، ألا تدفعون عني؟ قد هلكت وطُعنت بالشوك في عينيّ فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً فلم يزل كذلك حتى عتمت عيناه ومات ، وأمّا الأسود بن عبد يغوث ، فخرج في رأسه قروحٌ فمات منها ، وأمّا الحارث فأخذه الماءُ الأصفر في بطنه حتى خرج خراؤه من فيه فمات منه ، وأما العاص فركب إلى الطائف فربض على شُبْرُقةٍ فدخل من أخمص قدمه شوكة فقتلته ، وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا ، فَكَانَ يَقُولُ:" مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ"، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ) رواه البخاري ومسلم ، وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : (بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قُلْتُ نَعَمْ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ قُلْتُ أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ أَيُّكُمَا قَتَلَهُ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ) رواه البخاري ، اللهم زدنا محبةً لرسولك صلى الله عليه وسلم واحشرنا في زمرته وارزقنا شفاعته وأوردنا حوضه وأسقنا بيده الشريفة شربةً لا نظمأُ بعدها أبدا بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والعلم والهدى والحكمة ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ...
(( النصرة لنبي الأمة صلى الله عليه وسلم ))

الخطبة الثانية :
الحمد لله ذي الطول الإنعام والفضلِ والإحسان ، أنعم علينا ببعثة سيِّد الأنام ، وجعلنا من أهل الإسلام ، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله وخليله ومصطفاه ، هدانا الله به من الضلالة ، وبصّرنا به من العمى ، بلَّغ الرسالة ، وأدَّى الأمانةَ ، ونصحَ الأمّة ، وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين ، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أيّها المسلمون : إنَّ مِن المتقرِّر أنَّ رسولَ الله محمّدًا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياءِ وأفضلُ الرسل وأزكَى البشر ، وأنَّ حرمتَه أعظم الحرمات ، وأنَّ محبّتَه دينٌ وانتقاصَه كفر ، ومن تعرّض له بسوءٍ فدمُه هَدر ، قال الله تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } ، ومِن أعظم الأذَى الاستهزاءُ به والسّخرِيّة منه وتنقُّصُه بأيِّ أسلوبٍ وأيّ طريقَة ، ومع أنَّ مِن أركان الإيمان لدينا نحن المسلمين الإيمان بالرّسُل جميعا المقتضِي محبّتَهم وتوقيرَهم واحترامهم إلاّ أنَّ حِقدَ الكافرين وضلال الضالين يأبى إلاّ أن يَنفُثَ سمومَه ما بين فينةٍ وأخرى عبرَ وسائلَ إعلامية في بلادٍ تدَّعي العدالةَ واحترام الأديان وحرّيّةَ التّديّن ، { قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } ، لم يوقِّروا ربَّ العالمين حين جعَلوا له الصاحبةَ والولَد ، ولم يقدُروا الله حقَّ قدرِه حين نسبوا له الخطأَ والندم ، وألصَقوا بأنبيائِه التُّهَم ، وها هم يتطاوَلون على جنابِ المصطفى صلى الله عليه وسلم بطريقةٍ تؤجِّج الفتَنَ ، وتزرَع الكراهيةَ ، وتنمّي الأحقادَ ، وتذكي العداءَ بين الشعوب ، وتبرّرُ لردودِ أفعالٍ تجني منها الأمُمُ القَلَق والعذابَ ، ولئن لم يأخُذ عُقلاؤهم على أيدي سُفهائِهم ولئن لم يحترِموا مشاعر المسلمين ويكفُّوا ألسنَتَهم وأقلامهم فإنَّ العواقبَ وخيمة ، والعالَم اليوم ليس بحاجةٍ لمزيدِ احتقانٍ وتوتّر ، وجنابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقَ كلّ جَناب ، وكرامتهُ فوقَ كلّ كرامة ، وحرمتُه فوقَ حرمةِ الناس أجمعين ، وما من مسلمٍ إلاّ ويفدِيه بكلّ ما لديه وبروحِه التي بين جنبيه ، وعلى وسائل الإعلام وأربابِ الفكر والأقلام من المسلِمين أن يقوموا بواجِبِهم تجاه هذه القضية ، ومن الواجب المُتحتِّمِ علينا نحن أن ننصر نبينا صلى الله عليه وسلم بكلِّ ما نستطيع ، نقـاطع منتجات ذلك البلد سواءً كُنا مستهلكين أم تُجـارا ، ونرسل ونستنكر هذه الجريمة النكراء والمنكر العظيم عبر الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المختلفة ، { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً }.


عـدمنا خـيلنا إن لـم تروها *** تـثير الـنقع مـوعدها كداءُ
يـبارين الأعـنة مـصعدات *** عـلى أكـتافها الأَسلُ الظِماءُ
تـظـلُّ جـيادنا مـتمطراتٍ *** تـُلـطمهنَّ بـالخُمر الـنساءُ
وجـبـريلٌ أمـين الله فـينا *** وروح الـقدس لـيس لهُ كِفاءُ
وقـال الله : قد أرسلت عبداً *** يـقول الـحقَّ إن نفع البلاءُ
شـهدت بـه فقوموا صدقوه *** فـقـلتم لا نـقوم ولا نـشاءُ
وقـال الله : قـد يسرتُiجنداً *** هـم الأنصار عُرضتُها اللقاءُ
لـنا فـي كـل يومٍ من مَعدٍّ *** سِـبابٌ أو قِـتالٌ أو هِـجاءُ
فـنحكم بـالقوافي من هجانا *** ونـضربُ حين تختلطُ الدماءُ
هـجوتم مـحمداً فأجبت عنه *** وعـند الله فـي ذاك الجزاءُ
أتـهجونه ولـستم لـه بكفءٍ *** فـشـركما لـخيركما الـفداءُ
هـجوتم مـباركاً بـرّاً حنيفاً *** أمـيـن الله شـيمته الـوفاءُ
فـمن يـهجو رسول الله منكم *** ويـمدحه ويـنصره سـواءُ
فـــإن أبـي ووالــده وعـــرضي *** لـعرض مـحمدٍ مـنكم وقـــــاءُ


عباد الله صلوا على هادي الإنسانية ومعلم البشرية الخير رسول الله محمد بن عبدالله فقد أمركم الله بذلك فقال في محكم كتابه العظيم فقال جل وعلا : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ...

 

أعظم إنسان

  • اعرف نبيك
  • إلا رسول الله
  • الدفاع عن السنة
  • اقتدي تهتدي
  • حقوق النبي
  • أقوال المنصفين
  • الكتب السماوية
  • نجاوى محمدية
  • دروس من السيرة
  • مقالات منوعة
  • شبهات وردود
  • أصحابه رضي الله عنهم
  • أعظم إنسان