بسم الله الرحمن الرحيم

خوض الانتخابات العامة ضرورة اجتماعية وواجب شرعي
فاضل بشناق / فلسطين


بداية يجب أن نوضح ما يلي:
أولاً: إن قضية المشاركة السياسية في ظل الأنظمة والقوانين السائدة، قضية خلافية، وقد حظيت باهتمام العلماء والفقهاء وبرز بشأنها رأيان ، أحدهما يحرم مثل هذه المشاركة ويرتكز هذا الرأي أن الحكم كله لله وإن مشاركة الأنظمة ( التي يعتبرها كافرة وفاسقة ومشركة لأنها تطبق قانون لا يحتكم بكليته إلى شرع الله) فيه دعم لها ويوقع صاحب هذه المشاركة في شرك الشرك ، ويتزعم هذا الرأي حزب التحرير، أما الرأي الثاني وهو رأي جمهور العلماء فيرى بالجواز قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقاعدة المصلحة المرسلة ونحن نميل إلى هذا الرأي كما سيتبين لا حقاً .
ثانياً: أن المشاركة السياسية من حيث المبدأ هي حق طبيعي لكل أفراد المجتمع، وهي محصلة لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلماً رئيساً من معالم المجتمعات الحديثة.
ثالثاً: أن خوض الإنتخابات تحت مظلة أحزاب دينية ، ليس أمراً معيباً ، بل يجب أن ينافح رموز وأنصار هذه الأحزاب ، لفرض وجهة نظرهم ، وبيان أن التعددية السياسية لا ترفضها الأحزاب الدينية بل على العكس من ذلك ، نجدها تدعو وتتبني وتدعم كل من ينادي بالتعددية السياسية وكذلك الحرية في التعبير ضمن حدود الذوق والأخلاق والقيم الإنسانية العامة، وإن أي حزب ديني كان أو غير ديني لا يتبنى التعددية السياسية ، يعمل على تدمير نفسه ينفسه، لأنه بذلك يعمق الجمود ويقتل الإبداع ويعادي الآخرين، لأنه سيجد نفسه في لحظة من اللحظات مضطر إلى ممارسة العنف والإستبداد ويتبنى التطرف والتعصب المقيت،وينقلب في نهاية المطاف إلى نظام شمولي يحرم التعددية، ويقول الباحث عبد الحميد حاج خضر _ ألمانيا :) نحن نفاضل بين نظم ديمقراطية حيث التعددية أحد مسلماتها الأساسية ولا يوجد مجال للمقارنة بينها وبين النظم الشمولية التي تحرم التعددية أصلاً وتعاقب كل مظاهر التعبير عنها بأشد العقوبات ، والأكثر غرابة وسفاهة أن الأحزاب التي تعاني من فقدان الحرية بكل مفرداتها ، والتعددية السياسية بأبسط أشكلالها تضم صوتها إلى صوت الاستبداد وتنادي بمنع الأحزاب ذات المرجعية الدينية)، ولو تابعنا واقع أمتنا العربية والإسلامية ومدى الدمار والتخلف الذي أصابها ، وكان نتيجته أن وقعت كل بلاد العرب والمسلمين تحت نير الإستعمار بشكل أو بآخر، نجد أن من أهم وأخطر وأكثر الأسباب التي مكنت الإستعمار من البلاد والعباد ، كانت الأحزاب الشمولية التي قامت في بلادنا ، وحاربت فكرة أن يكون هناك أحزاب دينية بشتى السبل ، والشواهد كثيرة في عرض وطول الوطن العربي والإسلامي الكبير، وإن تجربة الإخوان المسلمين المريرة في مصر وسوريا وتونس والجزائر مع الأنظمة المستبدة والأحزاب الشمولية لهي دليل واضح وبرهان جلي على أن التعددية، تمنع الإستبداد، وتقضي على الجهل ، وتؤسس للتقدم والتطوير، وإن خوض الأحزاب الدينية معترك الحياة السياسية يعجل من عودة الناس إلى سبل النجاة في الدنيا والآخرة ، ويقصر من عمر قوى الظلم والإستبداد والإحتلال، ومن هنا نجد أن مسألة خوض الحركات والأحزاب الدينية المعركة الإنتخابية، يجعلها أكثر تأثيراً وإيجابية في القرار السياسي العام، مما يقوي ويعزز ثقة الجماهير بها ، الأمر الذي يجعل قاعدتها وأنصارها أعرض وأوسع، .
ويقول الباحث عبد الحميد: (إن المرجعية الدينية للأحزاب ضرورة وطنية وحضارية كما هي واجب ديني ، وهي صمام الأمان أمام الاحتقان الغريزي الذي تعاني منه الحضارة الغربية ذات المرجعية الدهرية أو الدنيوية . على سبيل المثال لا الحصر . كل الدساتير الأوربية تدعو إلى حماية الأسرة وتتلقي المؤسسات الاجتماعية دعم مالياً محترماً ، ومع ذلك لم تستطيع كل الجهود المبذولة لهذا الغرض أن توقف تفكك الأسرة ، تماماً كما توقع كارل ماركس وأنجلز . وقد أثبتت الاحصائيات الدقيقة أن 90% من الذين قادوا حركة التمرد الطلابية في ألمانيا هم شباب لم يعرفوا حياة الأسرة لأنهم عاشوا في كنف أمهاتهم دون آبائهم لأسباب عدة . غالبية أو قل 90% منهم مارس العنف. يوجد الآن 3 ملاين طفل في ألمانيا لا يعرفون حياة الأسرة ويعيشون في كنف أمهاتهم ، نتيجة تفكك الأسرة وفقدان حس المسؤولية عند الرجال ، ولهذا يتوقع أهل الاختصاص تجدد ظاهرة العنف في المجتمعات الأوربية يكون العنف الذي تعرفه المنطقة العربية أهون الشرين ).
من هنا نعود ونؤكد على ضرورة أن تخوض الحركات الإسلامية مختلف المعارك الإنتخابية رئاسيةً كانت أم نيابية أم بلدية أم نقابية، حتى لا تترك المجال مفتوحاً للظلم والإستبداد والفساد ، الذي استشرى في المجتمعات العربية والإسلامية، وإن عدم الشاركة يعتبر أكبر خدمة للفكرة الصهيونية والعلمانية الشمولية، وإلا كيف نفسر التدخلات الخارجية بشكل مباشر أو غير مباشر في كل بلد تحقق فيه الحركات الإسلامية فوزاً أو تقدماً ملحوظاً في أي انتخابات، وإن ما حصل في الجزائر أكبر دليل ، .
إننا في فلسطين وبعد أن قررت الحركة الإسلامية خوض المعركة السياسية وتوسيع دائرتها من خلال قرارها الحكيم في المشاركة في انتخابات المجلس النيابي ، بعد أن كانت تحصر مشاركتها في انتخابات المجالس المحلية، والنقابية، حيث أعلنت حماس بتاريخ 2/3 /2005 على لسان محمد غزال في نابلس وخلال مؤتمر صحفي رسمياً أنها قررت المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة وذلك على قاعدة التمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحماية برنامج المقاومة كخيار استراتيجي حتى زوال الاحتلال وحرصاً منها على تعزيز نهجنا في خدمة شعبنا الفلسطيني في كل المجالات والميادين، ورعاية شؤونه ومصالحه، وحماية حقوقه ومكتسباته،وإسهاماً منا في بناء مؤسسات المجتمع الفلسطيني على أسس سليمة، ومعالجة كل جوانب الفساد والخلل، وتحقيق الإصلاح الوطني الشامل والحقيقي، ليكون شعبنا أقدر على الصمود في مواجهة الاحتلال والعدوان، واستجابة لنبض شعبنا ورغبته، وحرصه على مشاركة جميع القوى والفصائل في الحياة السياسية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبناءً على المتغيرات التي فرضتها المقاومة والانتفاضة وتضحيات شعبنا طوال السنوات الماضية، وقد تلقى الشعب الفلسطيني كله هذا النبأ بإعجاب وتقدير واصفاً قرار المشاركة خطوة حكيمة من حركة حماس التي تحظى بتأييد واحترام شعبي فلسطيني وعربي وإسلامي ، حيث اثبتت لعالم كله أنها حركة شعبية مجاهدة مخلصة وصادقة ومبدأية تقف الى جانب مصالح شعبها وتنحني عند حدود هذه المصلحة ، خاصةً أنها أخططت لنفسها نهجاً سليماً له عمقه ومنبعه العقدي كان له أثره في مسلكيات الحركة ومواقفها المشرفة والتي ترجمت من خلال مواقف عناصرها وأفرادها ، وهذا ما جعل العدو قبل الصديق يصف الحركة على أنها حركة منظمة وموحدة صوتها واحد وشعارها واحد وهدفها واحد ونسيجها التنظيمي قوي وعزيز على التمزيق أو التمزق رغم كل المحاولات الصهيونية والعربية والدولية لإضعافها واجتثاثها ، إنها حركة شامخة كالنخيل ، طيبةً كالزيتون ، قوية راسخة كالجبال ، ثابتة لا تهزها الأعاصير ولا تزيدها العقبات إلا قوة وإصراراً ،
إن هذا القرار حكيم ، وتكمن الحكمة في أن حركة حماس تنظر الى الوضع الفلسطيني كلاً لا يتجزأ فالمقاومة حق مشروع وهو استراتيجية ثابتة للحركة كما أن العمل السياسي هو حق لكل القوى الفلسطينية وهي إحدى أهم هذه القوى السياسية الفاعلة وإن العمل في المجال السياسي لا يعني أن الحركة قد غيرت من سياستها وثوابتها بشأن خيار المقاومة بل إنها تسعى ليكون النشاط السياسي مدخلاً لدعم هذا الخيار ، وبالتالي فإن الحركة بقرارها المشاركة في الإنتخابات التشريعية تؤكد للعالم أنها حركة تحرر تسعى بشتى السبل المشروعة لتحقيق الحرية والإستقلال وانهاء الإحتلال الجاثم على صدور شعبنا الفلسطيني والمبتلع لأرضنا ، وإنها ليست حركة إرهابية وفق التفصيلة الأمريكية ، وإن مقاومتها للإحتلال الصهيوني هو حق طبيعي ومشروع ، كما وتتجلى الحكمة على الصعيد الداخلي في أن الحركة تأكد لها وللشريحة العريضة من الشعب الفلسطيني أن ظاهرة الفساد والذي سببها التفرد في القرار من قبل الحزب الحاكم الواحد لا يمكن معالجتها من خارج المؤسسات التشريعية والسياسية والإقتصادية الفلسطينية ، بل لا بد من العمل على الإصلاح الشامل وفق منهجيةً واضحة وسليمة تستند على مبادئ اسلامنا العظيم .
إن حماس ترى أن رأسمال أية قوة سياسية يكمن في ثقة الشعب بها وحماس ترى أن الشعب الفلسطيني يثق بها كقوة سياسية قوية ونزيهة وفاعلة وقادرة على أن تحمل هموم الشعب وتسعى الى تحقيق مطالبه وتعمل على الدفاع عنه ولأنها كذلك فلإنه يطالبها بالمشاركة في الإنتخابات التشريعية وبالتالي لا تملك ( وهذا نهجها ) إلا أن تكون محل هذه الثقة وتستجيب لمطلب الشعب في المشاركة ولكن هذا لا يعني أن مبرر دخول الحركة ومشاركتها في الإنتخابات التشريعية يكمن في استجابتها لنبض الشعب بل إن في المسألة معطيات ودوافع ومبررات أخرى ومن أهمها المسوغ الشرعي والمصلحة السياسية والتغيرات في الوضع السياسي العام ،
كما ترى حماس أن الوحدة الوطنية الفلسطينية مطلب وهدف وركن رئيس من اركان مواجهة الإحتلال وتتعزز هذه الوحدة التي تصب في المصلحة العليا للشعب الفلسطيني من خلال المشاركة في القرار الى جانب المشاركة في العمل ولا تتم هذه المشاركة الا من خلال المشاركة في الإنتخابات التشريعية ، والذي من خلاله تثبت حماس للعالم أنها حركة مقاومة وحزب سياسي ناضج له سياسته واستراتيجيته وينطلق من قواعد وأفكار واضحة تتمتع بالتطور والمرونة والشفافية ، وهذا ما جعلها تتخذ قرار المشاركة بكل سلاسة وجرأة ومعها كل الإجابات الشافية لمن يحاول أن يصور قرار الحركة بأنه خطوة تراجع وخاصةً ما يتعلق بموقف حماس من اوسلو وكيف بها تقرر المشاركة والدخول في مجلس هو في مكوناته افرازة من افرازات أوسلو ، وهنا كانت الإجابة بسيطةً وواضحة وهي أن أوسلو وخلال سنوات الإنتفاضة قد تم تجاوزها ولم يبق منها إلا الإسم وإن الواقع الجديد الذي فرضته الإنتفاضة والتي هي بالأساس ثورة على أوسلو وأنصارها ، خلق سقفاً سياسياً جديداً مستنداً الى التمسك بحقوق شعبنا المشروعة وثوابته الوطنية وبخيار المقاومة فضلاً عن أن المشاركة في الإنتخابات ليست مقيدةً بأي نص يربطها بأوسلو .
قد يسأل سائل حول التأصيل الشرعي للمشاركة في التشريعي ، فنقول- كما ورد في دراسة فقهية للحركة الإسلامية في الخليل- أن جمهور علماء الأمة الإسلامية قد أجازوا هذه المشاركة ،وعلى رأسهم الإمام الشهيد حسن البنا، والإمام أبو الأعلى المودودي، والعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، ، والإمام محمد أبو زهرة، ، والشيخ محمد عبد الله الخطيب، والشيخ علي الخفيف، والعلامة الشيخ مناع القطان، والعلامة الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور عمر سليمان الأشقر، والشيخ حسن الهضيبي، والشيخ عمر التلمساني، والشيخ مصطفى مشهور، والشيخ فتحي يكن، والدكتور محمد عبد القادر أبو فارس، ، والشيخ عباسي مدني، والدكتور سالم البهنساوي، وغيرهم كثير.
كذلك على رأس القائلين بجواز المشاركة في انتخابات المجالس البرلمانية، كبرى الحركات الإسلامية العاملة، "جماعة الإخوان المسلمون" والجماعة الإسلامية في الباكستان وفي ماليزيا وتركيا غيرها .
وقد استدلوا على قولهم بالقرآن والسنة والمصلحة.

أولا: أدلتهم من القرآن:
1- قوله تعالى: ( ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأوْلئك هم المفلحون). [آل عمران /104].ووجه الدلالة في الآية: أن هذه المجالس منبر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تماماً كمنبر المسجد والتلفاز والمجلة، بل هي أجدى وأقوى وأبعد أثرا في حياة المجتمعات. ولا يعقل أن نترك مكانا كهذا - مع ما له من تأثير في الحياة العامة للأمة - يعتدى فيه على الشرع، ويقرر فيه نقيضه، دون أن نأمر بالمعروف وندعمه، وننهى عن المنكر ونقمعه. قال الإمام القرطبي:(فإذا تركوا التغيير وتواطؤوا على المنكر، زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببا لهلاكهم).[تفسير القرطبي:4/152].

2- قوله تعالى: ( ادْعُ إلى سبيل ربِّك بالحكمة والمعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربَّك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين). [النحل/125]. قال الإمام الطبري: (يقول تعالى لنبيه: ادع يا محمد من أرسلك ربك إليهم إلى طاعته وإلى شريعته التي شرعها لخلقه، وهو الإسلام). [تفسير الطبري: 8/194].
فإذا أمكن للحركات الإسلامية أن تعلن حكم الشرع في المسائل المعروضة على رؤوس الأشهاد في تلك المجالس، وتدعو إلى تطبيق شريعة الله، وتنقل ذلك وسائل الإعلام للأمة كلها، كان حينئذ لزاما علينا فعل ذلك.

3- قوله تعالى: ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السُّحت لبئسَ ما كانوا يصنعون ). [المائدة/63].
فالآية ذمت هؤلاء لعدم قيامهم بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الإمام ابن كثير: (أي كان لا ينهى أحد منهم أحدا عن ارتكاب المآثم والمحارم، ثم ذمهم على ذلك، ليحذر أن يركب مثل الذي ارتكبوه فقال: [لبئس ما كانوا يفعلون]).[تفسير ابن كثير:2/618].
والمشاركون في هذه المجالس من الدعاة المسلمين سينهون عن المنكر والمأثم قطعا، فهم يصرحون بأن مشاركتهم قائمة على أساس الأمر والنهي.

أدلتهم من السنة:
1- قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) .[أحمد ومسلم والترمذي والنسائي].
فما دام التغيير في مقدورنا، فعلينا القيام به، وهذه المجالس لا يتيسر إزالة أو إنكار المنكر الذي يعلن فيها إلا لمن دخلها، فكيف نترك الأمر والنهي في هذه المجالس مع عظيم تأثيرها في الأمة. قال الإمام النووي:(ثم إنه قد يتعين - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كما إذا كان [المنكر] في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو).[شرح النووي على مسلم:2/24].

2- قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، يَقْدِرون على أن يُغيِّروا ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يَعُمَّهم الله منه بعقاب). [أبو داود]. قال الإمام النووي: ( وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله - تعالى - بعقابه). [شرح النووي على مسلم:2/24].
هذا والجميع يرى أن للنواب في هذه المجالس حق الكلام والمناقشة لكل مسؤول في الدولة، وحق الاعتراض على كل ما تقوم به الحكومة، وهذا تغيير للمنكر باللسان. وإذا كان النواب الملتزمون بالشرع لهم اليد العليا في المجلس، أمكنهم حينئذ تغير المنكر باليد.

3- فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -: حيث عمد إلى الاستفادة من نظم المجتمع الجاهلي التي كان يتحاكم إليها أهل الجاهلية في إفادة الدعوة الإسلامية، والأمثلة على ذلك كثيرة نقتصر على أهمها:

1- إجارة أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم :حيث ظل النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإسلام تحت حماية عمه دون أن تمسه قريش بسوء قرابة عشر سنوات، ولم يتخل أبو طالب عن ابن أخيه، أو يرفض ابن أخيه حمايته.[سيرة ابن هشام:1/264].

2- حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوة السلاح الجاهلي في شعب أبي طالب:
فعندما رأت قريش إصرار أبي طالب مع بني هاشم وبني المطلب على حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - عمدت إلى مقاطعتهم، وتمالأ على ذلك الأحلاف وهم: بنو عبد الدار وبنو جمح وبنو مخزوم وبنو سهم وبنو عدي، وحصروا بني هاشم وبنو المطلب جميعا مسلمهم وكافرهم في الشعب، مطالبينهم بتسليم النبي لهم ليقتلوه. وكان أبو طالب في الشعب يحتاط لحفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يأمر أحد بنيه بالنوم في فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رآه الناس يستلقي فيه تمويها عليهم.[سيرة ابن هشام:1/351].[الرحيق المختوم/98].

3- دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة في جوار المطعم بن عدي عندما عاد من الطائف:
حيث إن قريشاً منعت النبي - صلى الله عليه وسلم - من دخول مكة بعد عودته من الطائف، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الأخنس بن شريق وسهيل بن عمرو والمطعم بن عدي تباعا ليدخل في حماية أحدهم، فرفض الأخنس وسهيل لأسباب تتعلق بقانون الإجارة الجاهلي، وأجاب المطعم بن عدي، حيث أمر بنيه وقومه بني نوفل بحمل السلاح وقال لهم: أني قد أجرت محمداً، فكونوا عند أركان البيت بسلاحكم، ثم نادى في قريش يعلمهم إجارته للنبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فطاف بالبيت وصلى ركعتين ثم دخل منزله.[سيرة ابن هشام:1/381]. كل ذلك وسيوف المشركين من بني نوفل مشرعة تحميه من مشركي قريش.
وتعقيبا على كل ذلك نقول: إن واقع الحركات الإسلامية يتطلب منها حسن الاستفادة من النظم القائمة لتحقيق بعض المنجزات لدعوة الإسلام ودعاته، أو حماية الدعوة من الفناء والهلاك، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يسمى هذا العمل من قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - رضىً بأحكام الكفر، أو رضىً بما يشرعونه من دون الله، أو ركونا ومساندة للذين ظلموا. وإن دخول المجالس التشريعية لا يخرج عن هذا المعنى، فلا يقال لمن عمد إلى الاستفادة من نظم لا تحكم بالإسلام دون الرضى بها: إنه رضي بالكفر وقوانين الكفر، وأن هذا كفر.

4- توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة بالهجرة إلى الحبشة:
حيث قال لهم موجهاً: ( لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه).[سيرة ابن هشام:1/321].
والنجاشي ملك الحبشة كان نصرانيا، وحكمه قائم على أسس من التوراة والإنجيل، غير أن هذا لم يمنع من الاستفادة من ميزة العدل في نظام حكمه الجاهلي.
ومما يذكر في تاريخ الدعوة المعاصر، أن الحكومة المصرية لما اعتقلت الداعية الكبير محمد قطب عام 1966م، أقام الشهيد سيد قطب دعوى على الحكومة المصرية لخرقها قانون الدولة أثناء اعتقال أخيه. والشهيد سيد هو من هو في تحرره من فكرة الاحتكام إلى الجاهلية وقوانينها. وهذا هو الفقه العظيم للشهيد حين يفرق بين القناعة بنظام حكم كافر، وبين الاستفادة من نظام حكم كافر لحماية الدعوة وشبابها ورجالها.[المنهج الحركي للسيرة النبوية/73].

استدلالهم بالمصلحة: وقبل أن نبين طريقة الاستدلال بالمصلحة على موضوعنا، نتقدم بمقدمة موجزة نُعَرِّف فيها المصلحة، ومن قال بها من أهل العلم.
المصلحة في اللغة الخير والصلاح، وهي خلاف الشر والفساد، والمصلحة كاسمها شيء فيه صلاح قوي، والذي حققه العلامة ابن عاشور في تعريفها أنها: (وصف للفعل يحصل به الصلاح - أي النفع منه - دائما أو غالبا للجمهور أو الآحاد).[مقاصد الشريعة الإسلامية/65].
وقد استقرأ العلماء أحكام الشريعة فوجدوا أنها إنما وضعت لتحقيق مصالح العباد، يقول الإمام الشاطبي: ( المعلوم من الشريعة أنها شُرِعَت لمصالح العباد، فالتكليف كله إما لدرء مفسدة، وإما لجلب مصلحة، أو لهما معا).[الموافقات:1/199]. ويقول ابن القيم: ( فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحِكْمَة كلها).[أعلام الموقعين:3/11].

والمصلحة ثلاثة أنواع:
1- معتبرة: وهي التي اعتبرها الشرع ورعاها، فشرع الأحكام الموصلة إليها، كالجهاد لحفظ الدين، والقصاص لحفظ النفس، وحد الشرب لحفظ العقل، والرجم والجلد لحفظ العرض، وحد السرقة لحفظ المال.
2- ملغاة: وهي التي أهدرها الشرع ولم يعتد بها فيما شرعه من أحكام، كتحريم الخمر والميسر مع ما فيهما من مصالح للناس، نظرا لأن الفساد المترتب عليها أكبر من المصالح.
3- مرسلة: وهي المصلحة التي لم ينص الشرع على اعتبارها بعينها أو إلغائها، فهي مصلحة لأنها تجلب نفعا وتدفع ضرا، وهي مرسلة لأنها مطلقة عن اعتبار الشرع أو إلغائه لعينها.
وقد اختلف العلماء في حجيتها وجعلها دليلا من أدلة الأحكام، فالظاهرية ألغوها مطلقا لعدم قولهم بالقياس أصلا.
ونسب للحنفية والشافعية القول بإنكارها، ولكننا نجد في فقههم اجتهادات قامت على أساس المصلحة، كقول الحنفية بجواز حرق الغنائم إذا عجز المسلمون عن حملها لئلا ينتفع بها الأعداء. وكقول الشافعية بجواز إتلاف الحيوانات التي يقاتل عليها الأعداء إذا كان القتال يتطلب ذلك، وكذلك جواز رمي الكفار وإن تترسوا بأسرى من المسلمين إذا خيف انتصار الكفار أو فوات النصر على المسلمين.
والخلاصة في المصلحة المرسلة: أنها مقصود شرعي عرف بشهادة الشرع الإجمالية، وليست بأصل معين، فالشرع دعا إلى الخير والصلاح بإطلاق، وبهذا المفهوم عمل العلماء.
وأشهر من اعتبر المصالح مصدرا من مصادر التشريع له حجيته، هم المالكية والحنبلية والإمام الغزالي. وهذا الخلاف يراجع في كتب أصول الفقه لمن أراد التفصيل.
والاستدلال بالمصلحة على هذه المسألة التي نحن بصددها عائد - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - إلى:(ترجيح خير الخيرين، وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين، بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما).
فاستدل المجيزون للمشاركة في هذه المجالس بما يتحقق للدعوة ولعموم المسلمين من مصالح راجحة على مفاسد المشاركة، هذا مع عدم إنكار وجود بعض المفاسد في هذه المشاركة، لكنها أخف - بلا شك - من المفاسد المترتبة على عدم المشاركة.
وفي هذه الحالة تطبق القاعدة الفقهية (إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما)، والقاعدة القائلة: (يزال الضرر الأشد بالأخف). وهنا تُقَدَّم المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة، على الرغم من تفاوت إمكان تحقيق هذه المصالح من بلد لآخر.
ويمكن إجمال أهم المصالح المترتبة على المشاركة بالآتي:
1 - الاعتراض على القوانين المخالفة للشرع، وهذا من إنكار المنكر.
2 - تقديم مشاريع قوانين موافقة للشرع الإسلامي، تسهم في تغيير القوانين المخالفة للشرع، وهذا من الأمر بالمعروف.
3 - محاربة الفساد والمفسدين، وقمع الظلم والظالمين، حسب القدرة بالقلب أو اللسان أو اليد.
4 - دعم الخير وأهله، ومحاربة الشر وأهله، على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حلف المطيبين الجاهلي - الذي أسس لدعم الخير ومحاربة الشر -: ( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت). [سيرة ابن هشام:1/134]
5- تحقيق الحرية لعمل بعض الدعاة من خلال الحصانة البرلمانية، وتخفيف القيود المفروضة على تحرك الدعاة عموما، فلا يتعرضون للإجراءات التعسفية تحت مبررات الإرهاب كما يحدث، وكشف ما يحاك في الخفاء ضد الدعوة والدعاة، والعمل على إفشال ذلك. وقد رأينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفيد من قوانين الجاهلية ونظمها لتحقيق ذلك.
6 - إعادة الثقة بالإسلام والمسلمين بتقديم النموذج القوي الأمين للناس والمجتمع، وإثبات أن الإسلام دين كامل شمولي قادر على تنظيم حياة الناس الخاصة والعامة عملياً لا كلاماً فقط، ولا يكون ذلك إلا من خلال المشاركة الفعالة للدعاة في هذه المجالس لإحقاق الحق وإبطال الباطل.
7- دفع شر البديل عن الحركة الإسلامية إذا هي تركت الساحة لهم، الذين سيسخرون كل إمكانياتهم لمحاربة الحركات الإسلامية.
8 - محاسبة الوزراء واستجوابهم، بل وطلب سحب الثقة منهم، لأن كل وزير مسؤول أمام المجلس عن عمل وزارته.

بعد هذا العرض التفصيلي لآراء العلماء والحركات الإسلامية في موضوع المشاركة في انتخابات المجالس البرلمانية أو التشريعية، وعرض أدلتهم، نخرج بالنتائج والتوصيات التالية:
1- منذ ظهور هذه المجالس في عالمنا العربي والإسلامي، لم يكن في هذه المسألة سوى رأيين فقهيين فقط،
أحدهما يمنع المشاركة ويحرمها، والآخر يجيزها.
2- ليس في المسألة نص قاطع يحسم الموضوع لأي من الفريقين، فالمسألة خاضعة لاجتهاد العلماء، والاختلاف فيها مقبول شرعا. وإنه يسعنا ما وسع السلف الصالح، اختلفوا فكان خلافهم رفيعا أديبا، وكان رائدهم رضوان الله ونصر الإسلام.
3- الراجح في المسألة بعد عرض الأدلة جواز المشاركة، وهذا قول جماهير أهل العلم، وعليه عمل الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي، كما في مصر والجزائر والمغرب والسودان والأردن ولبنان والكويت واليمن وباكستان وبنغلاديش وتركيا وغيرها.
4- المشاركة يجب أن تخضع لضوابط المصلحة، وعلى الحركات الإسلامية التي تجيز المشاركة مراجعة هذه المصالح وضوابطها بين فترة وأخرى، لمعرفة ما يترتب على المشاركة من مصالح ومفاسد وتقييمها للموازنة بينها، ومن ثم اتخاذ القرار بالمشاركة أو عدمها بناء على ذلك، بعيدا عن الأهواء و العصبية.
5- نؤكد على أننا حينما نسعى لتحقيق بعض مصالح الأمة والشعب من خلال المشاركة في الانتخابات، لا يعني أننا نتنازل عن أي من مبادئنا الشرعية، وعلى رأسها: أن الحاكمية لله وحده، وأنه لا شرع فوق شرع الله. ومشاركتنا لا تعني موافقتنا على مواد الدستور والقوانين، بل إننا نرفض كل نص دستوري أو قانوني يخالف شرع الله.
6- ظهر في ثمانينيات القرن العشرين نابتة في الفقه والعمل الإسلامي، قليل عددهم، ضعيف جهدهم، عال صوت جعجعتهم، أطلقوا لفظ الكفر على من أجاز المشاركة في هذه المجالس. ولم يوافقهم أحد من أهل العلم المعتبرين - على اختلافهم مناهجهم في الفقه - على قولهم هذا، بل رأينا أهل العلم يتصدون لهذا القول مبينين ومرشدين.
7- نعجب أن ينبري حزب التحرير اليوم ليعلن حرمة المشاركة في هذه المجالس، رغم أنه شارك فيها في الماضي بترشيح بعض قياداته لها، ففي الأردن رشح الحزب الشيخ عبد القديم زلوم، والشيخ أحمد الداعور، والشيخ عبد العزيز الخياط، والشيخ فارس إدريس، والشيخ يوسف الزغير، والشيخ أسعد بيوض التميمي، السيد محمد موسى عبد الهادي، والسيد غانم عبده. وفي لبنان رشح كلاً من الشيخ عثمان صافي، والسيد يوسف بعدراني، والسيد علي فخر الدين. وفي سوريا رشح السيد عبد الرحمن المالكي.
وكان الحزب كذلك قد أصدر نشرات فقهية بتاريخ: [16/5/1990م] يبين فيها جواز المشاركة في هذه المجالس إذا كان بغرض الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومحاسبة الحكام على أساس الأحكام الشرعية. فلماذا تغير الحكم الشرعي عند الحزب بعد ذلك؟!!!!! فيقول: بعدم جواز تغير الأحكام بتغير الزمان. [ راجع ملف النشرات الفقهية لحزب التحرير/ص:62-63].
وبعد أن تجاوزنا مسألة التأصيل الشرعي للمشاركة ، نخلص إلى أن المشاركة ضرورة اجتماعية وواجب شرعي، وإن على الحركة الإسلامية عدم الإلتفات إلى أصوات المعطلين لكل عمل اسلامي، والمضي بخطى واثقة من صحة القرار وسلامة النهج ، والعمل بقوة من خلال تسخير كل الطاقات لإنجاح وتكثيف الوجود الإسلامي داخل المجلس حتى يكون تأثير الحركة أكثر فاعلية واكبر حجماً ، خاصةً بعد أن تكون قد وفرت لهذه المرحلة كل مقومات نجاحها، لأن المسألة ليست بهرجة وشعار وعرس اعلامي الهدف من ورائه بيان حجم الحركة في الشارع بل القضية جد مهمة والمسؤولية ضخمة وعظيمة والحمل ثقيل وكبير ، وهذا كله يحتاج إلى جهود ضخمة وكثيفة ، وعمل حثيث ومدروس ومعد بشكل علمي متخصص، لأنه من السهل في هذه المرحلة على الحركة الإسلامية أن تغزو المجلس وربما بكثافة بفعل الظروف والتراكمات السلبية التي عملت سياسة الحزب الواحد على ايجادها وفشلت بشكل ذريع في حلها ، ولكن أن تحافظ على استمرارية وجودها في مراحل لاحقة هو الإمتحان الصعب الذي يحتم عليها تجاوزه، وإن حسن أدائها لمسؤولياتها داخل المجلس يقوى لديها كل عناصر القوة والبقاء ويعزز من ثقة الناخبين بها .
وعود على ذي بدء ، فإن خوض الإنتخابات بات ضرورة ومصلحة وواجب شرعي ، والحركة الإسلامية مطالبة بأن تسعى إلى تنظيم حملة تثقيفية للناخبين والمواطنين حول رؤيتها وموقفها من هذه الإنتخابات ثم الإنتقال إلى بيان وتوضيح ماهية وطبيعة هذه الإنتخابات ودور المواطن بها ، ومكانته منها وتأثيره فيها، وهذا يتطلب جهود منظمة ومنسقة وعلمية تعتمد اسلوب الخلايا الميدانية والمقسمة وفقاً للشريحة الإجتماعية المستهدفة وما تستلزمة من أدوات وعناصر وخطاب للتواصل.

وحتى تعم الفائدة فإننا نورد أنواع الأنظمة الإنتخابية المتبعة كما يلي:
أنواع الأنظمة الانتخابية:
تتنوع النظم التي تحدد شكل الإنتخابات من دولة لأخرى ، وإختيار النظام الإنتخابي يتم بمقتضى تشريع خاص ، تقره السلطة التشريعية ويتناول بمتن نصوصه جميع المسائل الموضوعية والإجرائية المتعارف عليها ، ونقتصر بإيجاز للحديث عن أكثر النظم إنتشاراً في العديد من الدول المتحضرة ألا وهي :
أولاً : نظام التمثيل النسبي:
يقوم هذا النظام على أساس تحديد مسبق لعدد الأصوات الإنتخابية الواجب حصول المرشح عليها للفوز بالمقعد البرلماني وغالباً ما تأخذ بهذا النظام الدول التي تأخذ بنظام التعددية الحزبية ، في هذا النظام تقوم الأحزاب السياسية بتقديم مرشيحها من خلال القوائم الحزبية ويقوم الناخبين بالتصويت لإحدى القوائم المتنافسة وبناءً على نسبة الأصوات التي يحصل عليها الحزب يحصل على نفس النسبة من المقاعد في المجلس المنتخب ، وتكون البلاد عادة دائرة انتخابية واحدة مثل هولندا وإسرائيل.
مزايا وعيوب نظام التمثيل النسبي
* المزايا :
- إتاحة فرصة خوض الإنتخابات أمام الأحزاب الصغيرة والأحزاب العقائدية وأحزاب الإقليات
- تشجيع الأفراد والجماعات على تكوين ما يعبر على تطلعاتهم من أحزاب سياسية .
- تحقيق العدالة السياسية من خلال تمثيل مختلف المصالح والإتجاهات والفئات في المجتمع .
* العيوب :
- حصر المنافسة من الأحزاب فقط .
- التعددية الحزبية وتنوعها قد يؤدي إلى ظهور الأحزاب القومية والعرقية .
- إعتماد هذا النظام يفرض على الأحزاب السياسية تشكيل حكومة إئتلافية قد تكون متنافرة سياسياً وأيدلوجياً مما يؤدي إلى تعريض النظام السياسي إلى هزات وزارية بسبب الخلاف بين الأحزاب المؤتلفة .
- نظام تقسم فيه الدولة إلى دوائر إنتخابية كبيرة أو إعتماد الدولة كدائرة إنتخابية واحدة مما ينشأ عنه ضعف الصلة بين الناخب والمرشح وأحياناً جهل الناخب بالمرشحين وقوائمهم .

ثانياً : نظام الأكثرية العددية :
يقوم هذا النظام على تقسيم البلاد إلى دوائر إنتخابية ينتخب في كل دائرة منها نائب واحد أو عدد من النواب ، وتعتمد نتائج الإنتخابات على الأكثرية العددية ، حيث يعتبر المرشح فائزاً إذا حاز على أكبر عدد من أصوات الناخبين ، في هذا النظام يقوم الناخب بالتصويت لأفراد مستقلين أو مرشحين من قبل أحزاب سياسية ، يفوز في الانتخابات المرشح الذي يحصل على أكثر الأصوات ويتم عادة تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية ويخصص لكل دائرة عدد من المقاعد في المجلس المنتخب بما يتناسب مع عدد السكان والناخبين وكثيراً من الدول تتبع هذا النظام منها فرنسا، ألمانيا، بريطانيا.
أقسام نظام الإنتخاب بالأكثرية :
1. نظام إنتخاب فردي : فيه يتم تقسيم الدولة إلى عدة دوائر حيث تمثل كل دائرة بنائب واحد ، لهذا يتعين على الناخب إختيار مرشح واحد فقط .
2. نظام إنتخاب على أساس اللائحة : فيه تقسم الدولة إلى عدة دوائر كبيرة تمثل كل منها بمجموعة من المقاعد يتفاوت عددها بتفاوت عدد السكان ويجب على الناخب إختيار عدد من المرشحين يساوي عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة ، ولهذا النظام طريقتان هما :
- القائمة المغلقة : بموجب هذه الطريقة يقيد الناخب بإختيار عدد من المرشحين من لائحة إنتخابية أو قائمة واحدة فقط يكون مساوياً لعدد المقاعد النيابية المخصصة للدائرة وهنا تقتصر المفاضلة على القوائم بإختيار واحدة منها .
- القائمة المفتوحة : في هذه الطريقة يمنح الناخبين فرصة الإختيار بين مجموع المرشحين المدرجة أسمائهم في اللوائح المختلفة لإختيار العدد المطلوب .

طرق عقد الإنتخابات وفقاً لنظام الأكثرية العددية
لنظام الأكثرية العددية طريقتان تمارسهما الدول التي تأخذ به في بلادها هما :
1. الإنتخابات على دورة واحدة :
في هذه الطريقة يفوز المرشح بمجرد حصوله على أكبر عدد من أصوات الناخبين مقارنة بالمرشحين الآخرين .
2. الإنتخابات على دورتين :
بموجب هذه الطريقة لا بد أن يحصل المرشح على 50% من أصوات الناخبين في الدورة الأولى والتي بها يعتبر فائزاً في الإنتخابات ، أما في حال فشله في هذه الدورة وعدم حصوله على هذه النسبة يتم عقد دورة ثانية بين المرشحين الحائزين على أعلى نسبة من الأصوات وفي هذه الحالة يتحدد الفائز على أساس الأكثرية النسبية ، وبذلك يكون الفوز للمرشح الحائز على أغلبية أصوات الناخبين المشاركين في الإنتخابات .
مزايا وعيوب الإنتخاب بالأكثرية العددية :
* المزايا :
- إفساح المجال أمام المستقلين لخوض غمار المعركة الإنتخابية .
- سهولة إجراءاته خاصة مرحلة فرز الأصوات .
- سرعة إعلان النتائج .
- يعمل على تقوية الروابط بين النائب والناخبين وهذا يحقق الإتصال بين الناخب والنائب فيما بعد .
- يعطي الفرصة للناخب لإختيار المرشح الذي يعبر عن تطلعاته .
- يؤدي إلى التماسك السياسي ويخلق حالة من التجانس بين أفراد السلطة التشريعية .
* العيوب :
- إفراز القبلية والطائفية من خلال أنه يتيح الفرصة أمام العائلات لإختيار مرشحين معينين للوصول إلى الإنتخابات .
- يؤدي إلى سيطرة الأحزاب الكبيرة وتهميش الأحزاب الصغيرة ويؤدي إلى تكريس الحياة السياسية بين حزبين كبيرين أو هيمنة الحزب الواحد .
- يحول دون مشاركة المرأة في الإنتخابات مما يؤدي إلى تكريس المزيد من عزلتها وغيابها عن العملية السياسية .

ثالثاُ : النظام المختلط
في سبيل تلافي عيوب نظام التمثيل النسبي ونظام الإنتخاب بالأكثرية العددية إتجهت بعض الدول ومنها فلسطين نحو إعتماد نظام جديد يقوم على الجمع بين هذين النظامين وفيه يتم تقسيم الدولة إلى قسمين ، قسم يتم به إنتخاب مقاعد بطريق الأغلبية وبالتالي يفوز بملئ المقاعد الإنتخابية المرشحون أو القوائم التي حصلت على أكبر عدد من أصوات الناخبين ، وينتخب نفس الناخبين بموجب هذا النظام مرشحين لما تبقى من المقاعد البرلمانية المحددة بموجب نظام التمثيل النسبي أو ما يعرف بالقوائم الحزبية .

رابعاً : نظام الكوتا
تعتمد بعض النظم الإنتخابية على تبني نظام كوتا نسوية لتخصيص عدد معين من المقاعد البرلمانية للنساء ، يؤخذ بهذا النظام في الدول التي تهمش دور المرأة أو الطفل أو طائفة صغيرة فيها ، ولا تمنحها فرصة المشاركة في العملية الإنتخابية .
أشكال نظام الكوتا
- كوتا مغلقة : هذه الطريقة لا تجيز للنساء الترشيح خارج إطار القائمة .
- كوتا مفتوحة : هذه الطريقة تجيز للنساء الترشيح خارج القائمة .
- كوتا الحد الأدنى : بهذه الطريقة يمكن أن يزيد عدد النساء الفائزات في الإنتخابات اللواتي تقدمن للترشيح وفقاً للنظام الإنتخابي السائد في الدولة عن عدد النساء الفائزات من خلال نظام الكوتا .
- كوتا الحد الأعلى : هذه الطريقة تحقق فوز عدد محدود من صاحبات أعلى أصوات من المرشحات وبالتالي تبقى لها حصة ثابتة .
مزايا وعيوب نظام الكوتا
* مزايا :
- نظام لا تنافس فيه المرأة الرجل في ظروف غير عادلة وغير متوازنة ولكن تنافس على مقاعد مضمونة .
- يحفز المرأة على إختيار الأفضل .
- يفتح مجال واسع لمشاركة المرأة مع جميع الجهات والأحزاب .
- فرص تمنح الشعب لمراقبة أداء النساء .
- يسمح هذا النظام بإختيار النخبة من أصحاب النفوذ من أجل الوصول إلى مواقع صنع القرار .
* العيوب :
- إنجاح نساء غير جديرات أو مؤهلات لعمل القانون .
- نظام غير ديمقراطي في ظل وجود قانون يعطى حقوق إنتخابية متساوية .

شروط ممارسة حق الانتخاب:
عادةً جميع مواطني الدولة ممن استوفوا الشروط القانونية لهم الحق في المشاركة بالانتخابات العامة تصويتاً وترشيحاً حسب القانون المتفق عليه ففي النظم الديمقراطية جملة من الشروط يجب توافرها في الناخب هي:
1. أن يكون فلسطيني الجنسية .
2. أن يكون قد بلغ الثامنة عشر من العمر أو أكثر.
3. أن يكون مسجلاً في الدائرة الانتخابية التي سيمارس فيها حق الانتخاب .
4. ألا يكون محروماً من ممارسة حق الانتخاب نتيجة لصدور
5. ألا يكون قد حكم عليه بارتكاب جناية أو جنحة مخلة بالشرف والأمانة .
6. و ألا يكون فاقد الأهلية القانونية .

وفي النهاية نقول أن الحركة الإسلامية وبعد أن حسمت أمرها وقررت المشاركة تكون قد انتقلت الى مرحلة جديدة من الجهاد ، والذي يعرف بالجهاد السياسي ، وهذا النوع لا يقل عن الجهاد العسكري، وعليها أن تجيد إدارة دفته كما ابدعت في ادارة الجهاد العسكري، ولكن دون أن يكون ذلك على حساب العمل المسلح، بل يجب أن تعمل في كلا المجالين وبشكل رشيد ومنظم بحيث يكمل البعض الآخر.

 

الصفحة الرئيسية      |      فلسطين والحل الإسلامي