اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/mktarat/flasteen/307.htm?print_it=1

كلمة حق في قضية مقتل الناشط الإيطالي في غزة

وليد ملحم


بسم الله الحمد والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم أما بعد :

لقد سمع أكثرنا بقصة قتل الناشط الايطالي في غزة لذا فمن المناسبة توضيح موقف الإسلام من قتل المعاهدين أو المستأمنين أو الأعتداء عليهم وذلك حتى لا ينسب إلى الإسلام ما ليس فيه .

ان ديننا دين العدل والإنصاف وينهى عن الظلم والعدوان وفي الدين الإسلامي قواعد وضوابط وقيم ومثل عليا لا تجدها في أي ملة ولا جماعة, فالدين الإسلامي ينهى عن الظلم حتى على الكفار وقد نظم فقهائنا الأجلاء وعلى مدى التاريخ الإسلامي طريقة التعامل مع الكفار على حسب أصنافهم فهناك الكافر الحربي وهناك الكافر المستأمن وهناك المعاهد وهناك الذمي وهناك رسل الكفار وتُجارهم إذا دخلوا بلاد المسلمين في تفصيلات دقيقة وشرح موسع وشامل, ومن ثم إعطاء الحكم الشرعي لكل صنف من تلك الأصناف, نجد كل هذا في بطون الكتب والموسوعات الفقهية مثل المغني لابن قدامة والمحلى لابن حزم والمجموع شرح المهذب للإمام النووي ومجموع ابن تيمية . وقد زخرت كتب التاريخ الإسلامي بأروع الأمثلة من قصص الفاتحين في التعامل مع الكفار من أهل الذمة وغيرهم .

ولكننا دائما نؤتى من قبل الجهلة من المسلمين وأنصاف المتعلمين بل وأرباعهم الذين لم يتفقهوا ولم يثنوا الركب عند مجالس أهل العلم ولم يتعبوا أنفسهم في قراءة السيرة النبوية أو بعض كتب التاريخ الإسلامي فأصبحت الفتوى تؤخذ من قبل متصفحي الإنترنت أي بعبارة أخرى أصبح النت هو المفتي وكما قال أهل العلم \" لا تأخذ العلم من صُحُفي ولا القرآن من مُصحفي \" ( صحفي أي الذي يأخذ العلم من الصحف وليس من أفواه العلماء ) وكما قيل أيضا \" من كان شيخه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه \" و قال ابن مسعود رضى الله عنه: \"ولا يزال الناس بخير ما آخذوا العلم عن أكبارهم وعن أمنائهم وعلمائهم ، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا .

وثبت في الحديث عن أبى أمية الجمحى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر .(تحقيق الألباني: صحيح )

وقد ذهب أبن قتيبة ( رحمه الله): إلى أن الصغار هم صغار الأسنان ، فقال على أثر ابن مسعود الآنف الذكر : يريد لا يزال الناس بخير ما كان علمائهم المشايخ .

لقد أصبح يتكلم في دين الله من هب ودب, وانقاد بعض الشباب لعواطفهم الجياشة واعتمدوا على ردات الفعل في اتخاذ المواقف دون أي حساب لعواقب الأمور ونهاياتها في الدنيا والآخرة .

وأصبحت أفعال بعض المسلمين السيئة يستثمرها أعدائنا لتشويه صورة الإسلام أي أصبحنا معول هدم للإسلام من حيث لا ندري .

حرمة الاعتداء على المعاهد والذمي والمستأمن :

في كتاب ربنا وسنة نبينا نصوص في تحريم الاعتداء على من لم يعتدي علينا من الكفار وغيرهم قال تعالى : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الممتحنة8 وقال تعالى : {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }البقرة190.

قال الإمام السعدي رحمه الله : أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلَتهُم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلما: { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا }هـ

وقال رحمه الله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } .

هذه الآيات، تتضمن الأمر بالقتال في سبيل الله، وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة، لما قوي المسلمون للقتال، أمرهم الله به، بعد ما كانوا مأمورين بكف أيديهم، وفي تخصيص القتال { فِي سَبِيلِ اللَّهِ } حث على الإخلاص، ونهي عن الاقتتال في الفتن بين المسلمين.

{ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } أي: الذين هم مستعدون لقتالكم، وهم المكلفون الرجال، غير الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال.

والنهي عن الاعتداء، يشمل أنواع الاعتداء كلها، من قتل من لا يقاتل، من النساء، والمجانين والأطفال، والرهبان ونحوهم والتمثيل بالقتلى، وقتل الحيوانات، وقطع الأشجار [ونحوها]، لغير مصلحة تعود للمسلمين.

ومن الاعتداء، مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها، فإن ذلك لا يجوز هـ.

أما في السنة : فقد روى البخاري في خطورة من تعرض لمعاهد بظلم : عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا. ( رواه البخاري: باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم ).

كما روى أبو داود في سننه عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (رواه أبو داود : باب تعشير أهل الذمة . تحقيق الألباني :صحيح غاية المرام ( 471 )).

وهذا شامل للذمي والمعاهد والمستأمن .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في \"فتح الباري\" : \" وَالْمُرَاد بِهِ مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم \" انتهى .

قال ابن القيم رحمه الله : الكفار إما أهل حرب وإما أهل عهد. وأهل العهد ثلاثة أصناف: أهل الذمة، وأهل هدنة، وأهل أمان. وقد عقد الفقهاء لكل صنف باباً فقالوا: باب الهدنة، باب الأمان، باب عقد الذمة. ولفظ \" الذمة والعهد \" يتناول هؤلاء كلهم في الأصل. وكذلك لفظ \" الصلح \" ، فإن الذمة من جنس لفظ العهد والعقد( أحكام أهل الذمة لابن القيم )

وقال الإمام ابن القيم : \"أهل العهد هم الذين صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم، سواء كان الصلح على مالٍ أو غير مال، ولا تجري عليهم أحكام الإسلام كما تجري على أهل الذمة، لكن عليهم الكف عن محاربة المسلمين، وهؤلاء يسمون أهل العهد وأهل الصلح وأهل الهدنة .\" (أحكام أهل الذمة لابن القيم )

قال الفوزان حفظه الله : و المعاهَد هو الذي بيننا و بينه عهد سواء كان في بلادنا أو في بلاده بيننا و بينه عهد على وضع الحرب بيننا و بينه هدنة هذا المعاهد هـ .

وأما المستأمن فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها وهؤلاء أربعة أقسام : رسلٌ وتجار ومستجيرون حتى يُعرض عليهم الإسلام والقرآن فإن أرادوا الدخول فيه وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم وطالبوا حاجةٍ من زيارة أو غيرها .

وقال الفوزان : المستأمَن الذي يدخل بلدنا بإذن منا آخذ للأمان دخل لعمل أو يؤدي رسالة أو سفارة أو غير ذلك هذا المستأمَن..هـ

قال السرخسي في شرح السير الكبير: \"ولو أن قوما من أهل الحرب لهم منعة دخلوا دارنا بأمان فشرطوا علينا أن نمنعهم مما نمنع منه المسلمين وأهل الذمة فعلينا الوفاء لهم بهذا الشرط، حتى إذا أغار عليهم أهل الحرب فعلينا القيام بدفع الظلم عنهم لقوله : (المؤمنون عند شروطهم) وهذا؛ لأن الالتزام بسبب الأمان التزام بالشرط ، فينظر إلى الشرط كيف كان .

قال ابن قدامة: \"وإذا عقد الهدنة فعليه حمايتهم (أي المستامن أو المعاهد) من المسلمين وأهل الذمة لأنه آمنهم ممن هو في قبضته وتحت يده كما أمن من في قبضته منهم ومن أتلف من المسلمين أو من أهل الذمة عليهم شيئا فعليه ضمانه\".

وحكم هؤلاء ألا يهاجروا ولا يقتلوا ولا تؤخذ منهم الجزية وأن يُعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن ، فإن دخل فيه فذاك ، وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به ولم يعرض له قبل وصوله إليه ، فإذا وصل مأمنه عاد حربياً كما كان ) .

حرمة قتل المستأمنين من الكفار :

الأمان هو إعطاء العهد بالسلامة من الأذى بأن تؤمن غيرك أو يؤمنك غيرك وهو تعهد بعدم إلحاق الضرر من جهتك إليه ولا من جهته إليك . قال تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَه) .

وكل مسلم له حق إعطاء الأمان شريفا كان أو وضيعا رئيسا أو مرؤوسا رجلا أو امرأة:لقوله صلى الله عليه وسلم : ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ (رواه البخاري).

وَقَوْله : فَمَنْ أَخْفَرَ أَيْ نَقَضَ الْعَهْد ، يُقَال خَفَرْته بِغَيْرِ أَلْف : أَمَّنْته ، وَأَخْفَرْتُهُ : نَقَضْت عَهْده .

بل حتى العبد في الإسلام له حق إعطاء الأمان للكافر الذي يدخل بلاد المسلمين :

قال ابن حجر: وَأَمَّا الْعَبْد فَأَجَازَ الْجُمْهُور أَمَانه قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِل ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِنْ قَاتَلَ جَازَ أَمَانه وَإِلَّا فَلَا .

وينعقد عقد الأمان بكل لفظ يُفهم منه معناه ، سواء كان صريحاً أو كناية وسواء كان بالكتابة أو الرسالة أو الإشارة .

قال الحافظ في الفتح : ( ذمة المسلمين واحدة : أي أمانهم صحيح ، فإذا أمن الكافر واحد منهم (أي من المسلمين)حرم على غيره التعرض له ) .

وفي المغنى : ( ويصح - أي عقد الأمان - من كل مسلم بالغ عاقل مختاراً ذكراً كان أو أنثى حراً كان أو عبداً ) ، وبهذا قال النووي والأوزاعي والشافعي وإسحاق وابن القاسم وأكثر أهل العلم وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه .

وفي فتح الجليل مختصر خليل للشيخ عليش : ( ثم الأمان يكون بلفظ أو إشارة مفهمة من شانها فْهم العدو والأمان منها ، وإن قصد المسلمون بها ضره ، كفتحنا المصحف ، وحلفنا أنا نقتلهم فظن - أي كافر - تأميناً فهو تأمين ) .

ما هذه النصوص العجيبة على حفظ المسلمين عهودهم يعني لو لم يقصد المسلم الأمان وفهمها الكافر أمانا فهو أمان !!!.

ومن ثم ينطبق ذلك في عصرنا الحاضر على تأشيرة الدخول وعلى دعوات الآحاد من المسلمين التي توجه إلى أناس من المشركين للزيارة ونحوها وعلى عقود العمل أو استقدام الفنيين ونحوهم من قبل شركات يملكها مسلمون وغير ذلك من كل صورة ينطبق عليها التوصيف الشرعي للأمان .

ومن صور الأمان في هذه الأزمنة : الإذن الرسمي بدخول الدولة ، كالفيزا ، أو كرت الزيارة ، أو ختم دخول ، ونحو ذلك.

ومتى انعقد الأمان صار للحربي المستأمن حصانة من إلحاق الضرر به سواء من المسلم المؤمن أو ما غيره من المسلمين أو حتى الذميين ، وتقدم الحديث آنفاً وفيه: فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله …

جاء في المغني لابن قدامة : ( الأمان إذا أعطي أهل الحرب حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم )

. و الكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه الدية والكفارة ، فكيف إذا قتل عمداً ! فإن الجرم يكون أعظم ، والإثم يكون أكبر كما في الأحاديث السابقة.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله : \"لا يجوز قتل الكافر المستوطن أو الوافد المستأمن الذي أدخلته الدولة آمناً ، ولا قتل العصاة ولا التعدي عليهم ، بل يحالون فيما يحدث منهم من المنكرات للحكم الشرعي ، وفيما تراه المحاكم الشرعية الكفاية \" انتهى .\"مجموع فتاوى ابن باز\" (8/207) .

والكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه الدية والكفارة ، فكيف إذا قتل عمداً ! فإن الجرم يكون أعظم ، والإثم يكون أكبر كما في الأحاديث السابقة.

وقال سبحانه وتعالى في حق الكافر الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ : (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ). هذه جولة مختصرة في كتب الفقه الإسلامي تبين حرمة قتل الكافر المستأمن أي الذي دخل بلاد المسلمين بأمان .

واليكم إخواني بعض القصص العجيبة في التاريخ الإسلامي تبين عدل المسلمين حتى مع الكفار :

ابدأها بشهادة من المستشرق هو توماس آرنولد - في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) – حسب ما أوردته الموسوعة العربية - بأن القبائل النصرانية اعتنقت الإسلام عن اختيار وإرادة حرة، ويذكر أن النصارى كتبوا إلى المسلمين العرب يقولون لهم: \"يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، أنتم أرأف بنا وآنف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا\". وكما قيل والحق ما شهدت به الأعداء .

كانت من وصايا عمر رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عندما ذهب إلى العراق لغزو الفرس :

فأرسل إلى سعد: \"إني ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو غلبتموهم، فمتى لاعب أحد منكم أحداً من العجم بأمان وإشارة أو لسان كان عندهم أماناً، فأجروا له ذلك مجرى الأمان والوفاء فإن الخطأ بالوفاء بقية، وإن الخطأ بالغدر هلكة، وفيها وهنكم وقوة عدوكم\".

يعني من وصية عمر لسعد رضي الله عنهما انه إذا تحرك المسلم حركة ففهم الكافر أنها أمانا فليجري عليهم حكم الأمان, أين إخواننا المتسرعين من هذه النصوص؟ .

وكذلك قال عمر لسعد : ونحَّ منازلهم (أي منازل جيش المسلمين ) عن قرى أهل الصلح والذمة، فلا يدخلنها من أصحابك إلا من تثق بدينه، ولا ترزأ أحداً من أهلها شيئاً فإن لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها، كما ابتلوا بالصبر عليها، فما صبروا لكم فوفوا لهم، ولا تنتصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح.هـ

وفي لقاء الهرمزان مع الخليفة عمر رضي الله عنه عندما أسره المسلمون وجلبوه إلى المدينة النبوية :

استيقظ عمر بجلبة الناس فاستوى جالساً ثم نظر إلى الهرمزان، فقال: الهرمزان؟ قالوا: نعم. فقال: الحمد لله الذي أذل بالإسلام هذا وغيره أشباهه! فأمر بنزع ما عليه، فنزعوه وألبسوه ثوباً صفيقاً، فقال له عمر: يا هرمزان، كيف رأيت عاقبة الغدر وعاقبة أمر الله؟ فقال: يا عمر، إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم، فلما كان الآن معكم غلبتمونا فقال عمر: إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا. ثم قال له: ما حجتك وما عذرك في انتفاضك مرة بعد أخرى؟ فقال: أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك. قال: لا تخف ذلك، واستسقى ماء فأتي به في قدح غليظ، فقال: لو مت عطشاً لم أستطع أن أشرب في مثل هذا! فأتي به في إناء يرضاه، فقال: إني أخاف أن أقتل وأنا أشرب.. فقال عمر: لابأس عليك حتى تشربه، فأكفأه، فقال عمر: أعيدوا عليه ولا تجمعوا عليه بين القتل والعطش. فقال: لا حاجة لي في الماء، إنما أردت أن أستأمن به. فقال عمر له: إني قاتلك. فقال: قد آمنتني. فقال: كذبت. قال أنس: صدق يا أمير المؤمنين، قد آمنته. قال عمر: يا أنس، أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك! والله لتأتين بمخرج أو لأعاقبنك. قال: قلت له: لا بأس عليك حتى تخبرني ولا بأس عليك حتى تشربه. وقال له من حوله مثل ذلك. فأقبل على الهرمزان وقال: خدعتني، والله لا أنخدع إلا أن تسلم. فأسلم، ففرض له في ألفين وأنزله المدينة؛ وكان المترجم بينهما المغيرة بن شعبة، وكان يفقه شيئاً من الفارسية، إلى أن جاء المترجم.

هنا امن الهرمزان وهو احد قادات الفرس وقاتل المسلمين بشربة ماء!! ولو ان الأمر ليس واضحا لان الهرمزان قد احتال والعجيب في الأمر ليس كف عمر عن الهرمزان بل العجيب ان الشاهد من هو انس بن مالك اخو البراء بن مالك الذي قتله الهرمزان فقد شهد للهرمزان قاتل أخيه فما هذا العدل!! .

وهذا صلاح الدين الأيوبي محرر بيت المقدس فأن عدله مع أهل الكتاب وعفوه عنهم في كثير من الأحداث يؤلف به مجلدات وصار مضرب الأمثال .ونأخذ حادثة واحده : قدم عنده احد فرسان الروم الصليبين وقال له ان أختي قد أسرها المسلمين فأطلب منك يا صلاح الدين أما ان تطلق سراحها أو ان تحبسني معها لأني لا استطيع التخلي عنها . لو كان غير صلاح الدين لقال هذه غنيمة وفرصة لأسر فارس من فرسان النصارى, ولكن صلاح الدين العادل ماذا فعل أطلق سراح أخته فأخذها الفارس وذهب . بهذه الأخلاق اسروا قلوب الناس قبل أجسادهم .

وكان من بنود عقد الذمة الذي كتبه خالد بن الوليد رضي الله عنه مع عاهل الحيرة من نصارى العراق: وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام .

وإني نظرت فِي عدتهم فوجدت عدتهم سبعة آلاف رجل ثُمَّ ميزتهم فوجدت من كانت به زمانة ألف رجل فأخرجتهم من العدة ، فصار من وقعت عليه الجزية ستة آلاف(الخراج لابو يوسف ج1ص144) أي يعطى أهل الذمة من بيت المال في حالة عجزهم .

وهذا موقف ابن تيمية الرائع والذي يكتب بماء الذهب عندما طلب من قائد التتار ان يطلق له أسرى النصارى كما أطلق أسرى المسلمين وقال له : لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسارى من اليهود والنصارى، فهم أهل ذمَّتنا، ولا ندع أسيرًا لا من أهل الذِّمَّة ولا من أهل الملَّة، فلما رأى إصراره وتشدُّده أطلقهم له.

ولو ذهبنا نستقصي ففي جعبتنا الكثير الكثير من هذه القصص الممتعة , لقد كان قتال المسلمين تصاحبه الأخلاق وكان قتال رحمه لا قتال عذاب, وكما قال ربعي بن عامر لكسرى لقد جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد .

والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين وهم كفار وقد طعنوا في عرضه صلى الله عليه وسلم وذلك حتى لا يقول الناس ان محمدا يقتل أصحابه \" فلنركز على هذه العبارة جيدا \" حتى لا يقول الناس ان محمدا يقتل أصحابه .

أخوكم : وليد ملحم


 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل