بسم الله الرحمن الرحيم

شاهدُ التاريخ
رسالة عاجلة من المسجد الأقصى
شعر:د. عبدالرحمن بن صالح العشماوي


اسقني من ماءِ نَهرِ الكوثر *** ِشَربَةً تغسل عني كدري
وانطلق بي في ميادين الهدى *** بحصانِ المكرُمَاتِ العبقري
لا تدعني واقفاً وحدي على *** مركب الحُزنِ الذي لم يَعبُرِ
لا تدعني خائفاً من حُلُمي *** ساهراً، همِّي يُغذِّي سهري
أرقبُ النجمَ الذي أَثكله *** في دُجَى الظلماءِ، فَقدُ القمر
اسقني ياحارسَ النَّبع ولا *** تَبقَ مثلَ الآدِبِ المُنتَقِرِ
فأنا أحمل قلباً خافقاً *** بوفاءٍ نادرٍ في البشَرِ
هذه كفّي التي صافحَها *** موسمُ الخصب بكفِّ المَطَرِ
مدَّها نحوَك حُبٌّ صادقٌ *** فَلتُصافحها بروح الزَّهَرِ
أَسأَلُ الأَمجادَ عن تاريخنا *** فتُريني منه أَبهَى الصُّوَر
وتُريني لوحةً مشرقةً *** نُقِشَت فيها أَجَلُّ العِبَرِ
وتُريني صورةَ المجد التي ***  برزت في البيتِ عند الحجرِ
وتُريني المسجدَ الأقصى الذي *** ظلَّ يروي خبراً عن خَبَرِ
صامداً في رحلة الحق التي *** حفظت هذا البناءَ الأَثَريِ
ثابتاً كالجبل الضَّخم الذي *** واجهَ الأزَمانَ لم يندحرِ
عالياً كالكوكب الدُّريِّ في *** سُبُحاتِ الأُفُقِ المزدهرِ
كابتهاج الشمس في رَأدِ الضُّحَى *** في نهار الأَمَلِ المنتظَرِ
أيُّها المسجدُ، ما زلنا نرى *** شاهدَ التاريخ فوقَ المنبرِ
أنتَ أقصى أيُّها المسجدُ في *** داخلِ القلبِ عميقُ الأَثَرِ
لم تزل تُلقي علينا خُطبةً *** لَفظُها الصادقُ لم ينحدرِ:
أيُّها الناسُ اسمعوني إنني *** سوف استنهضكم بالنُّذُرِ
أبحرت بي سُفُنُ الأيام في *** لُجَّةٍ ممزوجةٍ بالَخطَر
كان للأمواج فيها قصصٌ *** أسهبت فيها ولم تختصرِ
كم رأت عينايَ من جيلٍ مضى *** وطوى أيَّامَه في سَفَرِ
هكذا الدنيا، كما جرَّبتُها *** طولُ ما فيها شديدُ القِصَرِ
أيُّها الناسُ اسمعوا، إني *** أرى نارَ حربٍ قذفت بالشَّرَرِ
وأرى قَلبَ اليهوديِّ الذي *** لم يزل يعكس معنى سَقَرِ
وأرى خُطَّةَ حَربِ، ربما *** سبقت كلَّ لبيبٍ حَذِرِ
وأرى دائرةً مُحكَمَةً *** لم تزل واقفةً لم تَدُرِ
ربما دارت بنا نَحوَ الرَّدَى *** لو رضينا بحياةِ الخَدَرِ
أيُّها الناسُ أفيقوا، واذكروا *** صورةَ ابنِ العَلقميِّ الأَشِرِ
واذكروا بغدادَ كيف احترقت *** حين كانت هَجَماتُ التَّتَرِ
واذكروا دَورَةَ أيامِ الأسى *** كيف ساقَتنا إلى المنحدَرِ
واسألوا الأندلُسَ المفقودَ عن *** طائر العزم الذي لم يَطِرِ
أيُّها الناسُ، أنا مسجدكم *** مسجدُ المَسرَى لخير البَشَرِ
مرَّتِ الأحداثُ بي داميةً *** فأنا في وَردِها والصَّدَرِ
فلكم ذقتُ الأسى بعد الأسى *** من خياناتِ الصَّليبِ القَذِرِ
يالَها من ظُلمةٍ حالكةٍ *** سوَّدَت وجه المدى في نظري
ضاقَ بي الأَرحَبُ حتى خِلتُني *** لن أذوق الصَّفوَ بعد الكَدَرِ
وطواني البُؤسُ حتى هزَّني *** ذلك الشَّهمُ الأَبيُّ العبقري
أرسل النورَ إلى أروقتي *** وبغيث الحقِّ روَّى شجري
ما صلاحُ الدين إلا فارسٌ *** شدَّ من أزري وجلَّى بصري
قادني والليل مسكوبٌ على *** ساحتي والموجُ لم ينحسر
غسل الشاطىءَ من أدرانه *** ورمى نحوي بأغلى الدُّرَرِ
وأراني بسمةً مشرقةً *** وصفاءً في جبين القمرِ
ليت أيَّامي هنا قد وقفت *** عند رُمحِ الفارسِ المنتصرِ
ليتَها،لكنَّها أُمنيَّةٌ *** قتلتها غَدرَةٌ من غُدَرِ
وَعدُ بِلفُورَ الذي صيَّرني *** كسبايا الفُرسِ عند الخَزَرِ
أيُّها الناسُ أَفيقوا، وارحموا *** أمَلاً في قلبيَ المُنصَهِرِ
ما يَهودُ الغَدر إلا أَنفسٌ *** غُمِسَت في حقدها المُستَعِرِ
لم أزل أشربُ كأساً مُرَّةً *** من رزاياهم وأشكو ضَجَري
سلبوني نعمةَ الأمن التي *** حفظت قدري وصانت جوهري
زرعوا هَيكَلَهم قنبلةً *** فاحذروا من صوتها المُنفجرِ
ما يَهودُ الغدر إلَّا عُملَةٌ *** نُقِشَت فيها حروفُ البَطَرِ
عُملَةٌ زائفةٌ، قيمتُها *** في تضاعيف الرِّبا والمَيسِرِ
إن مضى قِردٌ، فقردٌ قادمٌ *** وخَبَال الرَّأي للمنتظر
ما لكم يا قوم، هل ترجون من *** قاتلِ الأطفالِ حُسنَ المَعشَرِ؟!
آهِ من أمَّتنا ما لبثَت *** تخسر المجدَ، كأن لم تَخسَرِ
كسَدَت سوق الدَّعاوى حَولَها *** وهي في سوق الدَّعاوى تشتري
أزهرت كلُّ الرُّبَى من حولها *** وهي في جَدب الأسى لم تُزهِرِ
لم تزل تستنجدُ الغَربَ، وهل *** عندَه إلاَّ جنونُ البَقَرِ
كيف ترجو من سرابٍ كاذبٍ *** شَربَةً للظامىء، المُحتضِرِ؟؟!
مسجدُ الاقصى أنا، أُخبركم *** أنني لا أَنثني للخطر
منهج الإسلام عندي واضحٌ *** فبه أسمو عن المنحَدَرِ
وبه أسلك دَربَ المجد، لا *** اشتكي من شوكه والحُفَرِ
صاحبي منكم، هو الشَّهمُ الذي *** يجعل الغُصنَ قريبَ الثَّمَرِ
صاحبي منكم هو الحادي الذي *** يُسمع القُدسَ نشيد الظَّفَرِ
صاحبي، مَن لايُريني غَفلَةً *** ويُريني جَبهةَ المنكسرِ
صاحبي مَن يحمل القرآن في *** قلبه يكسر بابَ الضَّجَرِ
صاحبي طفلٌ أَبيٌّ لم يَزَل *** يُسمع الدنيا غناءَ الحَجَرِ