اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/mktarat/flasteen/241.htm?print_it=1

ميمات كثيرة ....... ولكن هل تكفي!!!

أبو عبدالرحمن سلطان على


الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد..
تتابعت الميمات بعد الأحداث الراهنة : فــ
مبادرات ومؤتمرات في مقابلة  مؤامرات مجلس الأمن
ومناشدات ثم مسيرات ومظاهرات  ثم مقاطعة  في مقابلة مخطط  معركة ومجزرة ومحرقة
  ويبقى حرف تائه لا تعرف أين تأوي؟
بل هو ينأ بنفسه أن يضيع في زحمة (المومياوات) أقصد الميمات
فحرفنا ظل حبيس الصدر والفؤاد .
 فحرفنا لم يخسر لأنه لم يدخل حربا إلا وفزنا بأحدي الحسنيين.
 
تعالى معي نختبر (مومياواتنا) أقصد ميماتنا:
 
- مبادرات ومؤتمرات ومفاوضات:

منذ مبادرة الاستسلام في كامب ديفيد مروراً بوادي عربة ومؤتمر مدريد إنتهاءا بأوسلو ، ماذا جلبت تلكم الميمات لقضايانا إلا الخزي والعار الذي أقوله يعرفه كل أحد :
هل يستطع أي مصري أن يدخل سيناء ويخرج كما يدخل الصهيوني ويخرج؟!
ناهيك عن التسليح والقدرات العسكرية والدفاعية المنزوعة السلاح ......و.....إلخ.
وعن تطوير المناهج  والعبث بشرف التعليم من قبل مجلس التطوير الصهيوأمريكي القابع بوزارة التعليم ،وإدخال التعديلات المناسبة للوضع الراهن ، لاسيما في عهد السلام فيرفع من التعليم كل ما يدعو إلى العداوة والبغض بيننا وبين أعداء الأمس الذين أصبحوا بقدرة قادر أصدقاء اليوم وصانعي السلام في المنطقة ، فلا داعي لذكر آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي فيها ذكر اليهود والنصارى ويوضع ما يدعو إلي التسامح والأخوة الإنسانية ونسينا الماضي والدخول في عصور البزنيس... يا لها من ميمات تأتى لنزع كل ما ينم عما هو مسلم وتدجين الفحل حتى يصير خنثي مشكل لا نستطيع أن نميز شكله فضلا عن ماهيته؟!
أوسلو ... والتنسيق الأمني وبندقية القتال في وجه العدو إلي بندقية العار والخزي بقتل (حرفنا) المجاهدين والمقاومين!
 صارت بندقية للإيجار ولكن لمن وعلى من ؟!
المهم أن يتحول دم المجاهدين إلى أرصدة في جيوب وبنوك أصحاب بندقية التنسيق الأمني .
ماذا صنع أصحاب المبادرات والمؤتمرات في مواجهة مجزرة غزة ؟!:
يصف موقفهم أ.شريف عبد العزيز – مفكرة الإسلام بقوله (وهم الجهات الرسمية والحكومية العربية والإسلامية والتي ضاقت عليها السبل وأعيتها الحيل ونفدت من جعبتها الوسائل سوى طرح المبادرات والدعوة لتجديد مسار المفاوضات، وخلال هذه النازلة – مجزرة غزة - تكاثرت المبادرات التي خرجت من أطراف متعددة، فمبادرة مصرية- فرنسية وأخرى عربية ، وثالثة تركية وهي أفضلها، ورابعة أممية من هيئة الأمم المتحدة، وسادسة أمريكية بنكهة صهيونية، وبالطبع كل مبادرة أو اقتراح تحتاج لبحث وفحص وتداول وتشاور، ووفود تأتي وأخرى تذهب، وأطراف تعترض على بعض البنود، وأخرى توافق عليها، والبعض يطلب تعديلها، وهكذا تمر الأيام والأسابيع على أهل غزة الصابرين المحتسبين وهم تحت القصف الصهيوني الغاشم بلا أدنى رحمة، وفي ظل حصار خانق اشتركت فيه بعض الأطراف العربية وبمباركة الرأي العام الدولي المسرور بما يجري للفلسطينيين، والسؤال الذي يجب أن يفرض نفسه على كل هذه المبادرات: أين حق الفلسطينيين في كل هذه المبادرات؟ وهل تذهب دماؤهم سدى كالمعتاد مع دماء المسلمين في مواطن كثيرة؟ ثم من يملك آلية التطبيق؟ ومن يملك القدرة على إرغام اليهود على الالتزام بها وقد رأيناهم يضربون بقرارات الأمم المتحدة الواحد تلو الآخر عرض الحائط ومنذ عشرات السنين؟ بل رأيناهم  ومنذ صدور القرار الأخير 1860 يشددون قصفهم وهجومهم الوحشي على غزة بصورة هستيرية، كأنهم يقولون للقرار ومتخذيه: لا قيمة لكم ولقراراتكم، ثم يبقى :
سؤال أخير لزعماء العرب والمسلمين: هل تحرر بلد مسلم أو حتى غير مسلم بالمفاوضات والمبادرات؟ وهل نحن البلاد العربية والمسلمة حقًا، لا نملك خيارًا سوى طرح المبادرات والجلوس على مائدة المفاوضات؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فليفعل عندئذ الأمريكان والصهاينة ما يريدون بالأمة المحمدية.)
ولله در العشماوي إذ يقول:


أين النظامُ العالميُّ أَمَا له --- أثرٌ، ألم تَنْعقْ به الأبواقُ
أين السلام العالمي؟ لقد بدا --- كَذِبُ السلام وزاغت الأحداق
يا "مجلس الخوف" الذي في ظله --- كُسر الأمان وضُيِّع الميثاق
أوَ ما يحركك الذي يجري لنا --- أوَ ما يثيرك جرحنا الدَّفاق؟!
 

صارت مبادراتهم ومؤتمراتهم محل استخفاف من الصديق والصديق (إذ لا محل عندهم للعداوات) :
قال الرئيس السوداني حسن البشير ( يدعونا لقمة عربية بعد أية ؟ تكون إسرائيل فرغت وانتهت ، ونجتمع لنشجب ونستنكر )
 (أرسلت وزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي ليفني عدة رسائل شديدة اللهجة إلى جميع وزراء الخارجية العرب والبعثات الدبلوماسية العربية في مجلس الأمن , معلنة  أن أهم ما يشغلها هو أمن إسرائيل وليس أي شيئ آخر أبدا
وقالت الوزيرة الصهيونية التي انتابتها حالة من الغضب الشديد أثناء مؤتمر صحفي جمعها بوزير الخارجية الألماني في تل أبيب قبل قليل : كل الذي يفعلونه لن يثنينا عما نريد فعله من تأمين إسرائيل , ولن يكون إلا ما نريد نحن , والحرب ستتوقف عندما أريدها أنا أن تتوقف !!
وأضافت بلهجة استهانة واضحة وهي تلوح بيديها وتتوعد :  " أنتم يا من تسكنون الآن في نيويورك : يجب أن تعلموا أن قرار مجلس الأمن لا يمثل لنا شيئا ولا يعنينا في شيئ إلا ما كان في مصلحة " إسرائيل"
وقالت ليفني : " عندما تنتهي المهمة سننظر في موضوع فتح المعابر , وفتحها لن يكون على يد حماس , ولكن على يد أبو مازن محمود عباس فقط "
واعتبرت ليفني أن المبادرة المصرية هي المبادرة الجديرة بالنظر والبحث ولكن هذا لن يؤثر في مسار الحرب - بحسب قولها -
وكان رئيس الوزراء الصهيوني إيهود ألمرت في اجتماعه بحكومته صباح اليوم قد رفض أي اقتراح بوقف إطلاق النار قائلا :" لا أريد مواعظ من أحد " .  المصدر: مفكرة الإسلام .
{ تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } ، إذاً فلنختبر ميمات أخر.
 
مظاهرة  ومقاطعة  ومناشدة :
هذا هو رد الفعل على الصعيد العالمي لدى الشعوب كلها تقريبا في مواجهة كثير من باطل الحكومات ،أو للتعبير عما يسمى بالحرية ، وسمعنا عن الثورة البيضاء والبرتقالية .....ولكن أين ؟! ولمن ؟!
ولكن بالنسبة للمسلمين ودولهم لم يعرفوا هذه المظاهرات إلا زمن الاحتلال والاستخراب الغربي لدول الإسلام وعلى مستوى معين لقتل روح الجهاد ومنازلة المستخرب ،لاسيما وأن الجهاد كان يدعى إليه في المساجد كما عرفنا عن ما يسمى بثورة القاهرة الأولى والثانية خرجت من الجامع الأزهر ورجالاته ، وجمعية جبهة العلماء بالجزائر وغيرهم في سائر أنحاء العالم الإسلامي ، فكانوا هم القادة والمخططين لطرد المحتل الكافر من ديار المسلمين،أما المظاهرات صارت مقصورة على أبناء المدارس والجامعات وربما اختلط بهم بعض العمال ،ويحركها المثقفون التابعين للشرق أو الغرب حسب الحزب أو التيار الذي ينتمون إليه ، وكأنها حركة شعبية لمطالبة المحتل بالرحيل سلمياً..... ولا في الأحلام ، وتم استغلال هذه المظاهرات وسذاجة شعوب المنطقة في هذه الآونة لتمييع قضايا الأمة وضرب الإسلام بضرب التعليم الشرعي والحجاب الشرعي و غيرها ، وصار أئمة الشعوب هم الساسة والقادة هم الجيش ، بعد أن كان العلماء هم أئمة الصلاة وقضاة الجهاد ومنار الشعوب والحكام.
والآن يتصدر العلماء مواكب المظاهرات مع الشعوب ، وافدوا وفدهم إلى الملوك والرؤساء فالتقوا مع من التقوا ، واعتذر من اعتذر ولكن ماذا قدموا غير المظاهرات والمناشدات .... ثم سوف ترتفع الأصوات بالمقاطعة الاقتصادية للعدو الصهيوني والأمريكي .
يظل مخطط الصهاينة والصليبين يدفع فاتورته الدم المسلم حيث كان ويصف أ.شريف عبد العزيز – هذا الموقف بقوله (الطرف الأول هو الجماهير العريضة والشعوب الإسلامية في أرجاء الأرض والذين انصدعت قلوبهم بالمشاهد المروعة لمسلمي غزة الذين يسقط منهم العشرات كل يوم بين شهيد [فيما نحتسبه عند الله] وجريح، وضاقت نفوسهم ذرعًا بالتخاذل المريب والمرير للحكومات العربية، والذي يصل من بعضهم إلى ما يعده البعض تواطؤا ، فقرروا الخروج في مظاهرات حاشدة بعشرات ومئات الآلاف بصورة عفوية لم تكد تخلو منها مدينة عربية أو إسلامية أو حتى أوروبية، وذلك وكالمعتاد للتنديد بجرائم الاحتلال الصهيوني الجبان، ودعوة الحكومات العربية والإسلامية لطرد السفراء وقطع العلاقات كالمعتاد أيضًا، وحرق الأعلام الإسرائيلية والأمريكية كالمعتاد أيضًا، وتخلل هذه المظاهرات الشعارات المدوية بالويل والثبور لإسرائيل وأمريكا وهكذا، ونحن لسنا بصدد مناقشة مدى شرعية المظاهرات من عدمها، ولن ندخل في مساجلات كلامية عبثية بشأنها، ولكن الذي نريد أن نقوله ( ولا يفهم من كلامنا أن يدع المتظاهرون مظاهراتهم وأساليبهم)  أن خلال النوازل الكثيرة التي أصابت أمة الإسلام في العشرين سنة الأخيرة والتي بدأت فيها الشعوب المسلمة تعبر عن غضبها بأسلوب المظاهرات، هل حققت المظاهرات وحدها شيئًا؟ هل أنقذت مسلمي البوسنة والهرسك ومسلمي الشيشان وكشمير والفلبين وتايلاند وغيرهم من المجازر المروعة والمهولة التي تعرضوا لها، وهل منعت المظاهرات الحرب الصليبية العنيفة على أفغانستان ثم العراق، وكان العالم كله يشاهد استعدادات أعداء الإسلام لهذه الحرب، وحتى في البلاد التي صدرت لنا فكرة المظاهرات، مثل أمريكا وإنجلترا وفرنسا، هل حققت المظاهرات الصاخبة ضد الحرب على العراق هدفها في منع الحرب من الوقوع، وهذا هو مربط الكلام ومعقده، أن المظاهرات وحدها لم تحقق يومًا هدفها على الصعيد السياسي والدولي ما لم تقترن بخطوات متلاحقة بناء على هذه الغضبة الشعبية ، نعم قد تنجح على المستوى الداخلي أو التجاري، لكن على مستوى الصراع الدولي والأبدي بين الإسلام والغرب، فلم ولن تفد المظاهرات وحدها فيه شيئًا، ولو خرج المسلمون عن بكرة أبيهم وقاموا في صعيد واحد، وصاحوا صيحة واحدة لم يحققوا شيئًا طالما لم تقترن الأفعال مع الأقوال، ولكن أن يظل العرب والمسلمون ظاهرة كلامية فلن يسترجعوا أرضًا ولن يرفعوا ظلمًا. ). مفكرة الإسلام
 
هل أوقفت المظاهرات والمناشدات المخطط الصهيوني؟
 
{ تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } ، إذاً ماذا تبقي من ميمات؟!
 
فما هو حرفنا يا ترى إنه الجيم
جيمنا .... وما أدراك ما جيمنا؟!
جيمنا ... جهاد في سبيل الله صلى الله عليه وسلم رحمة
جيمنا.... جهاد في سبيل الله صلى الله عليه وسلم عزة
جيمنا ... جهاد في سبيل الله صلى الله عليه وسلم مروءة
جيمنا ... جهاد في سبيل الله صلى الله عليه وسلم قوة
 نعم تلك الكلمة التي ينبغي أن يرد إليها الاعتبار ، ولا يرد لها الاعتبار إلا بدماء الرجال ،لدفع العدوان وتطهير البلاد من رجس الشيطان ،وعبادة الأوثان ، وكفرة أهل الكتاب أيما كان.
قد يقول قائل كيف السبيل ؟!
وقد قطع علينا بنى علمان كل سبيل ، بل وأقسموا مصبحين( ألا تقوم على الحدود إمارة إسلامية على حدودهم الشرقية -ويسمحون بقيام دولة صهيونية عدوانية).
بل كثرت خطابهم بالباطل ليدحضوا به الحق.
بل وعلا عجيجهم على مواطنيهم فلله الأمر من قبل ومن بعد.
  
المهم كيف السبيل ؟

الجهاد حق قائم واجب إلي قيام الساعة ،فما هو الجهاد وما هي أنواعه ومراتبه؟
قال ابن القيم ’ : (فصل
* في هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد والمغازي والسرايا والبعوث
 لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام وقبته ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة كما لهم الرفعة في الدنيا فهم الأعلون في الدنيا والآخرة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في الذروة العليا منه واستولى على أنواعه كلها فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان والسيف والسنان وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد بقلبه ولسانه ويده ولهذا كان أرفع العالمين ذكرا وأعظمهم عند الله قدرا
 وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه وقال : { ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا * فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا } ( الفرقان : 52 ) فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بتبليغ الحجة وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام قال تعالى : { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير } ( التوبة : 73 ) فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل والقائمون به أفراد في العالم والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا فهم الأعظمون عند الله قدرا
 ولما كان من أفضل الجهاد قول الحق مع شدة المعارض مثل أن تتكلم به عند من تخاف سطوته وأذاه كان للرسل - صلوات الله عليهم وسلامه - من ذلك الحظ الأوفر وكان لنبينا - صلوات الله وسلامه عليه - من ذلك أكمل الجهاد وأتمه
 ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ] كان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج وأصلا له فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه لم يجاهده ولم يحاربه في الله بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج
 فهذان عدوان قد امتحن العبد بجهادهما وبينهما عدو ثالث لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده وهو واقف بينهما يثبط العبد عن جهادهما ويخذله ويرجف به ولا يزال يخيل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ وفوت اللذات والمشتهيات ولا يمكنه أن يجاهد ذينك العدوين إلا بجهاده فكان جهاده هو الأصل لجهادهما وهو الشيطان قال تعالى : { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا } ( فاطر : 6 ) والأمر باتخاذه عدوا تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته كأنه عدو لا يفتر ولا يقصر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس
 فهذه ثلاثة أعداء أمر العبد بمحاربتها وجهادها وقد بلى بمحاربتها فى هذه الدار وسلطت عليه امتحانا من الله له وابتلاء فأعطى الله العبد مددا وعدة وأعوانا وسلاحا لهذا الجهاد وأعطى أعداءه مددا وعدة وأعوانا وسلاحا وبلا أحد الفريقين بالآخر وجعل بعضهم لبعض فتنة ليبلو أخبارهم ويمتحن من يتولاه ويتولى رسله ممن يتولى الشيطان وحزبه كما قال تعالى : { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا } ( الفرقان : 20 ) وقال تعالى { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض } ( محمد : 4 ) وقال تعالى : { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } ( محمد : 31 ) فأعطى عباده الأسماع والأبصار والعقول والقوى وأنزل عليهم كتبه وأرسل إليهم رسله وأمدهم بملائكته وقال لهم : { أني معكم فثبتوا الذين آمنوا } ( الأنفال : 12 ) وأمرهم من أمره بما هو من أعظم العون لهم على حرب عدوهم وأخبرهم أنهم إن امتثلوا ما أمرهم به لم يزالوا منصورين على عدوه وعدوهم وأنه إن سلطه عليهم فلتركهم بعض ما أمروا به ولمعصيتهم له ثم لم يؤيسهم ولم يقنطهم بل أمرهم أن يستقبلوا أمرهم ويداووا جراحهم ويعودوا إلى مناهضة عدوهم فينصرهم عليه ويظفرهم بهم فأخبرهم أنه مع المتقين منهم ومع المحسنين ومع الصابرين ومع المؤمنين وأنه يدافع عن عباده المؤمنين ما لا يدافعون عن أنفسهم بل بدفاعه عنهم انتصروا على عدوهم ولولا دفاعه عنهم لتخطفهم عدوهم واجتاحهم
 وهذه المدافعة عنهم بحسب إيمانهم وعلى قدره فإن قوي الإيمان قويت المدافعة فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه
 وأمرهم أن يجاهدوا فيه حق جهاده كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته وكما أن حق تقاته أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر فحق جهاده أن يجاهد العبد نفسه ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله فيكون كله لله وبالله لا لنفسه ولا بنفسه ويجاهد شيطانه بتكذيب وعده ومعصية أمره وارتكاب نهيه فإنه يعد الأماني ويمني الغرور ويعد الفقر ويأمر بالفحشاء وينهى عن التقى والهدى والعفة والصبر وأخلاق الإيمان كلها فجاهده بتكذيب وعده ومعصية أمره فينشأ له من هذين الجهادين قوة وسلطان وعدة يجاهد بها أعداء الله في الخارج بقلبه ولسانه ويده وماله لتكون كلمة الله هى العليا
 
 واختلفت عبارات السلف في حق الجهاد :

 فقال ابن عباس : هو استفراغ الطاقة فيه وألا يخاف في الله لومة لائم وقال مقاتل : اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته وقال عبد الله بن المبارك : هو مجاهدة النفس والهوى ولم يصب من قال : إن الآيتين منسوختان لظنه أنهما تضمنتا الأمر بما لا يطاق وحق تقاته وحق جهاده : هو ما يطيقه كل عبد في نفسه وذلك يختلف باختلاف أحوال المكلفين في القدرة والعجز والعلم والجهل فحق التقوى وحق الجهاد بالنسبة إلى القادر المتمكن العالم شئ وبالنسبة إلى العاجز الجاهل الضعيف شئ وتأمل كيف عقب الأمر بذلك بقوله : { هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج } ( الحج : 78 ) والحرج : الضيق بل جعله واسعا يسع كل أحد كما جعل رزقه يسع كل حي وكلف العبد بما يسعه العبد ورزق العبد ما يسع العبد فهو يسع تكليفه ويسعه رزقه وما جعل على عبده في الدين من حرح بوجه ما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ بعثت بالحنيفية السمحة ] أي : بالملة فهي حنيفية في التوحيد سمحة في العمل
 وقد وسع الله سبحانه وتعالى على عباده غاية التوسعة في دينه ورزقه وعفوه ومغفرته وبسط عليهم التوبة ما دامت الروح في الجسد وفتح لهم بابا لها لا يغلقه عنهم إلى أن تطلع الشمس من مغربها وجعل لكل سيئة كفارة تكفرها من توبة أو صدقة أو حسنة ماحية أو مصيبة مكفرة وجعل بكل ما حرم عليهم عوضا من الحلال أنفع لهم منه وأطيب وألذ فيقوم مقامه ليستغني العبد عن الحرام ويسعه الحلال فلا يضيق عنه وجعل لكل عسر يمتحنهم به يسرا قبله ويسرا بعده فلن يغلب عسر يسرين فإذا كان هذا شأنه سبحانه مع عباده فكيف يكلفهم ما لا يسعهم فضلا عما لا يطيقونه ولا يقدرون عليه.
 
* أنواع العدو المجَهد
([1]):( هذه الأنواع من حيث جهة العدوان ومن هو؟!)
 إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب:
- جهاد النفس
- وجهاد الشيطان
-وجهاد الكفار
- وجهاد المنافقين
 
 * فجهاد النفس أربع مراتب أيضا :

 إحداها : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين
 الثانية : أن يجاهدها على العمل به بعد علمه وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها
 الثالثة : أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله
 الرابعة : أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات
 
* وأما جهاد الشيطان فمرتبتان:

 إحداهما : جهاده على دفع ما يلقى إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان .
 الثانية : جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر قال تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } ( السجدة : 24 ) فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة واليقين يدفع الشكوك والشبهات .
 
* جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب :

بالقلب واللسان والمال والنفس وجهاد الكفار أخص باليد وجهاد المنافقين أخص باللسان  
 
* جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب :

 الأولى : باليد إذا قدر فإن عجز
الثانية : انتقل إلى اللسان فإن عجز
الثالثة : جاهد بقلبه
فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد و من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ) ا.هـ من زاد المعاد بشيء من التصرف جـ3صـ.
 
* جهاد الكفار من حيث وقوعه:

- جهاد دفع .
- جهاد طلب.
 
* جهاد الدفع :

واجب على الأعيان فمن نزل العدو أرضه ، فلا يستأذن فيه ولا غيره ،بل على كافة أهل المحلة الدفع عنها ، فإن لم يتمكنوا فعلى الأقرب فالأقرب حتى ينكسر العدو ويدفع عن ديار المسلمين.
قال ابن القيم ’
(فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوبا ولهذا يتعين على كل أحد يقم ويجاهد فيه العبد بإذن سيده وبدون إذنه والولد بدون إذن أبويه والغريم بغير إذن غريمه وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق
 ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين فكان الجهاد واجبا عليهم لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع لا جهاد اختيار ولهذا تباح فيه صلاة الخوف بحسب الحال في هذا النوع ... وقال أيضاً جهاد الدفع يقصده كل أحد ولا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعا وعقلا )الفروسية - (ص 188)
 
* جهاد طلب:

 وفي المتفق عليه في فتح خيبر : (فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -‘- عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ « امْشِ وَلاَ تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ ». قَالَ فَسَارَ عَلِىٌّ شَيْئًا ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَصَرَخَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ قَالَ « قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ».
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لعلي  رضي الله عنه« انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ».(واللفظ لمسلم)
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ _ قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ .....الحديث([2])))
قال ابن القيم ’ (وأما جهاد الطلب الخالص فلا يرغب فيه إلا أحد رجلين إما عظيم الإيمان يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله ، ... وقال أيضاً جهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين وأما الجهاد الذي يكون فيه طالبا مطلوبا فهذا يقصده خيار الناس لإعلاء كلمة الله ودينه ويقصده أوساطهم للدفع ولمحبة الظفر ) (نفس المصدر). 
فإيانا والخلط فليس الأمر جهاد فحسب بل هو جهاد واجب متعين لدفع أهل الكفر واليهود والصليبيين عن ديار الإسلام.
ولكن أين من يعي هذه المسائل ويعمل بها ؟!
 
* جهاد البيان والبلاغ :

حق قائم  قال صلى الله عليه وسلم { فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا } [الفرقان/52] تفسير الطبري - (ج 19 / ص 280)
فلا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه من أن تعبد آلهتهم، فنذيقك ضعف الحياة وضعف الممات، ولكن جاهدهم بهذا القرآن جهادا كبيرا، حتى ينقادوا للإقرار بما فيه من فرائض الله، ويدينوا به ويذعنوا للعمل بجميعه طوعا وكرها.
وبنحو الذي قلنا في قوله:( وَجَاهِدْهُمْ بِهِ ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس، قوله( فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ ) قال: بالقرآن.
وقال آخرون في ذلك بما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ) قال: الإسلام. وقرأ( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) وقرأ( وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ) وقال: هذا الجهاد الكبير.
وأعلاه ما جاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ  رضي الله عنه قَالَ : (عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ فَسَكَتَ عَنْهُ فَلَمَّا رَأَى الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ سَأَلَهُ فَسَكَتَ عَنْهُ فَلَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لِيَرْكَبَ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ جَائِرٍ )رواه أحمد وابن ماجه وهو صحيح.
 
* فمن وسائل الجهاد باللسان :

- الدعوة إلي القرآن والسنة  علما وتعليما تعبيدا للناس لرب الناس بنبذ عبادة الأضرحة وهدم القباب من المساجد ونفي التمشيخ عن أصحاب الطرق الصوفية والمناهج البدعية ،إظهار التوحيد والسنة وقمع الشرك والبدعة ، وتجيش الألسن والأقلام لنصرة ذلك والرد عليهم المخالفين.
- الدعوة إلي القرآن والسنة  علما وتعليما دحرا للمناهج العلمانية من ديمقراطية لبيرالية ،أو فلسفات غثائية فارغة بل تجيش طلبة العلم لهدم أوثانهم الفكرية فوق رؤوسهم .
- الرجوع إلي القرآن والسنة  علما وتعليما وحكما وتحاكما ، والعمل على تعطيل أحكام الدساتير المناوئة للشريعة الربانية.
 
* إحياء دور العلماء الربانين

- لابد أن نرد للعلماء  شخصيتهم الاعتبارية كما قال صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [النساء/59].
قوله تعالى : { وأطيعوا الرسول } طاعة الرسول في حياته : امتثال أمره ، واجتناب نهيه ، وبعد مماته ، اتباع سُنّته .......والثاني : أنهم العلماء ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وهو قول جابر بن عبد الله ، والحسن ، وأبي العالية ، وعطاء ، والنخعي ، والضحاك ، ورواه خصيف ، عن مجاهد .انظر الطبري وابن كثير وزاد المسير وغيرهم.
-فلابد من إحياء دور العلماء الربانين حتى يجتمع الناس حكامًا ومحكومين حولهم ،وصدق صلى الله عليه وسلم إذ يقول { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }[الحديد/25]. قال شيخ الإسلام : (فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِأَجْلِ قِيَامِ النَّاسِ بِالْقِسْطِ . وَذَكَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْحَدِيدَ الَّذِي بِهِ يَنْصُرُ هَذَا الْحَقَّ فَالْكِتَابُ يَهْدِي وَالسَّيْفُ يَنْصُرُ وَكَفَى بِرَبِّك هَادِيًا وَنَصِيرًا . وَلِهَذَا كَانَ قِوَامُ النَّاسِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَأَهْلِ الْحَدِيدِ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ : صِنْفَانِ إذَا صَلَحُوا صَلَحَ النَّاسُ : الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ . وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } أَقْوَالًا تَجْمَعُ الْعُلَمَاءَ وَالْأُمَرَاءَ وَلِهَذَا نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى دُخُولِ الصِّنْفَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؟ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَكَانَ نُوَّابُ رَسُولِ اللَّه ‘ فِي حَيَاتِهِ كَعَلِيِّ وَمُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَتَّابِ بْنِ أسيد وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي العاص وَأَمْثَالِهِمْ يَجْمَعُونَ الصِّنْفَيْنِ . وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَنُوَّابِهِمْ . وَلِهَذَا كَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَاَلَّذِي يَقُومُ بِالْجِهَادِ صَاحِبُ الْحَدِيدِ . إلَى أَنْ تَفَرَّقَ الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا تَفَرَّقَ صَارَ كُلُّ مَنْ قَامَ بِأَمْرِ الْحَرْبِ مِنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ وَعُقُوبَاتِ الْفُجَّارِ يَجِبُ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ بِجَمْعِ الْأَمْوَالِ وَقَسْمِهَا يَجِبُ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ بِالْكِتَابِ بِتَبْلِيغِ أَخْبَارِهِ وَأَوَامِرِهِ وَبَيَانِهَا يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ وَيُطَاعَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ الصِّدْقِ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ .) مجموع الفتاوى - (ج 18 / ص 157)ومابعدها. وقال أيضا (أَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنَّهُ أَنْزَلَ الْحَدِيدَ كَمَا ذَكَرَهُ . فَقِوَامُ الدِّينِ بِالْكِتَابِ الْهَادِي وَالسَّيْفِ النَّاصِرِ { وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا } . وَالْكِتَابُ هُوَ الْأَصْلُ ؛ وَلِهَذَا أَوَّلُ مَا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ؛ وَمَكَثَ بِمَكَّةَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى هَاجَرَ وَصَارَ لَهُ أَعْوَانٌ عَلَى الْجِهَادِ . )مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 232).
- تولى العلماء تقويم الحكام ونصحهم وعدم خشيتهم في الله لومة لائم ونتذكر مواقف منذر بن سعيد مع عبدالرحمن الناصر في الأندلس ، والعز بن عبد السلام مع الصالح أيوب،وكيف صان بيت مال المسلمين وباع الأمراء ؟،وكيف تربي قطز؟، وموقف ابن تيمية من غازان وكذلك جهاده ’ ، وغيرهم من أهل العلم .
فجهاد اللسان: يكون بالكلمة الطيبة، بالنصيحة، بالدعوة، بالأمر بالمعروف، بالنهي عن المنكر، بالإصلاح، بالتوجيه، بقدر ما يستطيع الإنسان، ولكن أين القائمون به؟!
 
* الجهاد بالمال :

قال شيخ الإسلام ’ (وَأَمَّا فِي الْأَمْوَالِ فَإِذَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَى سِلَاحٍ لِلْجِهَادِ فَعَلَى أَهْلِ السِّلَاحِ أَنْ يَبِيعُوهُ بِعِوَضِ الْمِثْلِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ أَنْ يَحْبِسُوا السِّلَاحَ حَتَّى يَتَسَلَّطَ الْعَدُوُّ أَوْ يُبْذَلَ لَهُمْ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا يَخْتَارُونَ وَالْإِمَامُ لَوْ عَيَّنَ أَهْلَ الْجِهَادِ لِلْجِهَادِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ‘ " { وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا } " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " { عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِي عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ ؛ وَمَنْشَطِهِ وَمَكْرَهِهِ وَأَثَرَةً عَلَيْهِ } " . فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ : فَكَيْفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْجِهَادِ بِعِوَضِ الْمِثْلِ ؟ وَالْعَاجِزُ عَنْ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِمَالِهِ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْجِهَادِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَقَالَ النَّبِيُّ ‘ " { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . فَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْجِهَادِ بِالْبَدَنِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْجِهَادُ بِالْمَالِ كَمَا أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْجِهَادِ بِالْمَالِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْجِهَادُ بِالْبَدَنِ .) مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 87).
 
 * تقديم الأموال على الأنفس في الجهاد

(تقديم الأموال على الأنفس في الجهاد حيث ما وقع في القرآن الكريم إلا في موضع واحد وهو قوله { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  }[التوبة/111]
 وأما سائر المواضع فقدم فيها المال نحو قوله { وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ }[الصف/11] وقوله { وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } [التوبة/20]  وهو كثير فما الحكمة في تقديم المال على النفس وما الحكمة في تأخيره في هذا الموضع وحده ...،فيقال :
 أولا : هذا دليل على وجوب الجهاد بالمال كما يجب بالنفس فإذا دهم العدو وجب على القادر الخروج بنفسه فإن كان عاجزا وجب عليه أن يكتري بماله وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد والأدلة عليها أكثر من أن تذكر هنا .
 ومن تأمل أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته في أصحابه وأمرهم بإخراج أموالهم في الجهاد قطع بصحة هذا القول والمقصود تقديم المال في الذكر وأن ذلك مشعر بإنكار وهم من يتوهم أن العاجز بنفسه إذا كان قادرا على أن يغزو بماله لا يجب عليه شيء فحيث ذكر الجهاد قدم ذكر المال فكيف يقال لا يجيب به .
 ولو قيل إن وجوبه بالمال أعظم وأقوى من وجوبه بالنفس لكان هذا القول أصح من قول من قال لا يجب بالمال وهذا بين وعلى هذا فتظهر الفائدة في تقديمه في الذكر .
  وفائدة ثانية : على تقدير عدم الوجوب وهي أن المال محبوب النفس ومعشوقها التي تبذل ذاتها في تحصيله وترتكب الأخطار وتتعرض للموت في طلبه وهذا يدل على أنه  هو محبوبها ومعشوقها فندب الله تعالى محبيه المجاهدين في سبيله إلى بذل معشوقهم ومحبوبهم في مرضاته فإن المقصود أن يكون الله هو أحب شيء إليهم ولا يكون في الوجود شيء أحب إليهم منه فإذا بذلوا محبوبهم في حبه نقلهم إلى مرتبة أخرى أكمل منها وهي بذل نفوسهم له فهذا غاية الحب فإن الإنسان لا شيء أحب إليه من نفسه ، فإذا أحب شيئا بذل له محبوبه من نفسه وماله فإذا آل الأمر إلى بذل نفسه ضن بنفسه وآثرها على محبوبه هذا هو الغالب وهو مقتضى الطبيعة الحيوانية والإنسانية ولهذا يدافع الرجل عن ماله وأهله وولده فإذا أحس بالمغلوبية والوصول إلى مهجته ونفسه فر وتركهم فلم يرض الله من محبيه بهذا بل أمرهم أن يبذلوا له نفوسهم بعد أن بذلوا له محبوباتهم وأيضا فبذل النفس آخر المراتب فإن العبد يبذل ماله أولا يقي به نفسه فإذا لم يبق له ماله بذل نفسه فكان تقديم المال على النفس في الجهاد مطابقا للواقع .
 وأما قوله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم فكان تقديم الأنفس هو الأولى لأنها هي المشتراة في الحقيقة وهي مورد العقد وهي السلعة التي استلمها ربها وطلب شراءها لنفسه وجعل ثمن هذا العقد رضاه وجنته فكانت هي المقصود بعقد الشراء والأموال تبع لها فإذا ملكها مشتريها ملك مالها فإن العبد وما يملكه لسيده ليس له فيه شيء فالمالك الحق إذا ملك النفس ملك أموالها ومتعلقاتها فحسن تقديم النفس على المال في هذه الآية حسنا لا مزيد عليه )ا.هـ(بدائع الفوائد).
قال الشيخ العودة حفظه الله تعالى ( فالجهاد بالمال: ومع الأسف حين نقول الجهاد بالمال ماذا يفهم الإنسان؟! يفهم الجهاد بالمال أنه يدفع تبرعات للمجاهدين، وهذه صورة لا أقلل من شأنها، يجب دفع الزكاة وغيرها للمجاهدين في أفغانستان، والمجاهدين في كل مكان، ويجب دعمهم، وحين يصاب المسلمون المجاهدون في أفغانستان، أو غيرها بهزيمة، بسبب قلة ما في اليد، فإننا جميعاً --ممن يستطيع- مؤاخذون بهذا الأمر ومطالبون به، والآن من أخطر القضايا التي تهدد المجاهدين في أفغانستان قضية المجاعة، أصبح المجاهدون في بعض المناطق يلقون سلاحهم ويستسلمون لأنهم لم يجدوا لقمة العيش التي يأكلونها، -ومع الأسف- تجد كثيراً منا يتقلبون في ألوان النعيم، لو حسبنا وجبة -الطعام الغذاء والعشاء التي تقدم لنا- تجد أن الوجبة لا تقل عن عشرة أنواع، أو خمسة عشر نوعاً، وقد نلقي بها في الزبالة إذا انتهينا منها، وفي بعض المناسبات يحمل الطعام الكثير، ويلقي به أكواماً في الشوارع، أو في البيارات، في الوقت الذي هناك الكثير من المسلمين المجاهدين، من الذين يقاتلون بالنيابة عنا، يموتون جوعاً.
ولذلك أقول: من أعظم ألوان الجهادِ الجهادُ بالمال، ومن الجهادِ بالمال، أن تدفع المال للمجاهدين في أفغانستان، أو فلسطين، أو في الفلبين، أو في غيرها، متى وجدت السبيل الذي تطمئن إن شاء الله إلى أنه يوصل المال فعلاً إلى هؤلاء، لكن، ليس هذا هو المجال فقط.
 
 دعم المشاريع الإسلامية:

 إلا تعلم أخي الكريم، أنه يوجد لا أقل مئات، ولا أقول ألوف، بل ربما أقول: عشرات الألوف وقد وقفت بنفسي على أشياء كثيرة، من هذا القبيل، من المشاريع الإسلامية العظيمة، لا يحول بينها وبين أن تقوم وتثمر وتؤدي دورها إلا قلة المال، كم من مدرسة في العالم الإسلامي، وفي الجاليات الإسلامية، في البلاد الغربية تحتاج إلى الدعم المالي، وكم من مؤسسة، وكم من جمعية، تستطيع أن تقوم بدور جبار، وهيئة الإغاثة الإسلامية لها جهود مشكورة في هذا المجال، لكن لازالت الجهود أقل مما يجب بكثير، يقولون أحياناً أعطونا فقط مناهج دراسية، ولا نريد مناهج لكل طالب، نريد نسخة واحدة فقط، يتداولها الأساتذة، وعند الحاجة نصورها للطلاب، وبكل أسف أذكر لكم قصه عجيبة: في أحد البلاد، أعتقد أنه في بلد غربي، في فرنسا، طلب مجموعة من المسلمين كتاباً، وما هذا الكتاب؟! إنه كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ’ فجاءوا إلى عدد من الذين يمثلون المسلمين هناك، في السفارات التي تمثل البلاد الإسلامية، قالوا: نريد كتب، قالوا ماذا تريدون؟ قالوا: نريد كتاب التوحيد.
قالوا: ندرس الموضوع إن شاء الله، المهم شهر أو شهرين أو ثلاثة لم يجيء الكتاب، في يوم من الأيام كان هؤلاء المسلمون جالسون في مدرستهم، أو في مؤسستهم، فأتاهم جماعة من الشيعة، وقالوا لهم: نحن إخوانكم وعرضوا عليهم المساعدة، جاءوا إليهم، وقالوا: عندنا استعداد أن ندعمكم، ونمدكم بما تريدون، وكذا، وكذا.
قالوا: نريد كتب، قالوا: أي كتب.
قالوا: من ضمنها كتاب التوحيد.
قالوا: موجود عندنا حتى كتاب التوحيد يوزعونه ذراً للرماد في العيون، فأتوهم بكميات كبيرة من كتاب التوحيد.
وقالوا: هذه هدية منا، طبعاً بعد كتاب التوحيد ليس هناك مانع غداً يأتون لهم بكتاب تحرير الوسيلة، وبعد غد كتاب الكافي، وبعده، وهكذا يعطونهم الكتب السيئة، فيهدمون ما بنوا، المهم يريدون مدخلاً إلى هؤلاء القوم، -فمع الأسف- نشكو إلى الله ضعف التقي وجور الفاجر.
وأقول لبعض الإخوة، في بعض المناسبات، بكل أسف الإحصاءات الرسمية تقول: إن عدد المسلمين، كم يا إخوة؟ ألف مليون -مليار- ألف مليون مسلم، لو تصورنا ألف مليون مسلم، نريد من كل واحد منهم ريالاً واحداً فقط، نريد حملة تبرعات -ريالاً واحداً- معناه في حملة واحدة، بكل سهولة تجمَّع عندنا ألف مليون ريال، هذه تقيم مشاريع وهائلة جبارة، وريال ماذا يضر الواحد منا، يعطي طفله عشرة ريالات ولا يلتفت، خمسين ريال ولا يلتفت، إذا صاح سكته بخمسين ريال، ريال واحد ما يضر! لكن المشكلة، مشكلة السلبية من جهة، ومن جهة أخرى ضيق الأفق، فنحن نتصور أن الجهاد بالمال محصور في أمور معينة لا يتعداها.
 
 واقع الأمة مع الجهاد في سبيل الله صلى الله عليه وسلم

أريد أن أشير في النهاية إلى قضية تتعلق بواقع الأمة في موضوع الجهاد في سبيل الله، واقع الأمة تركت الجهاد تشريعاً وتنفيذاً، إذا كنت قلت لكم: إن الجهاد باق من حيث الشرع، وباق من حيث الواقع العام، فإن الأمة في هذا الوقت بالذات، تركت الجهاد من حيث الشرع، والتشريع، والتنفيذ.
أما من حيث التشريع، فإن الأمة وقَّعت كما ذكرت ميثاق الأمم المتحدة الذي يلغي الجهاد ويعتبر الجهاد جريمة، فكأن المسلمين عطلوا الجهاد تشريعاً، ولا أعتقد أن مسلماً يكذب بوجوبه، لأنه يرتد حينئذٍ، لكن المهم أنهم وقّعوا على هذا الأمر، واعترفوا به على الأقل علانية.
أما من حيث التنفيذ، فإن المسلمين قد آل بهم الضعف، والقلة، والذلة، وغلبة العدو، إلى الحد الذي أخبر عنه الرسول ‘ في حديثين عظيمين جليلين.
أولهما: حديث ابن عمر ù وهو صحيح يقول عليه الصلاة والسلام: { إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم } لاحظ الحديث { تبايعتم بالعينة } يعني: الربا.
وهذا تعبير نبوي، معناه تعاملتم بالربا، وتحدث ما شئت عن قيام الاقتصاد في البلاد الإسلامية كلها على الربا، هذه واحدة، { ورضيتم بالزرع } الزرع أيضاً نموذج ومثال للدنيا والتعلق بالدنيا، ليس ضرورياً الزرع فقط، الذي يرضى بالزرع، أو يرضى بالتجارة فقط، أو يرضى بالمنصب والوظيفة، { أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ } [التوبة:38] { وتركتم الجهاد } تركتموه قولاً وعملاً.
أما قولاً: فحين وافقتم الأمم الكافرة على ميثاقها الظالم الجائر الذي يعتبر الجهاد جريمة، وأنه يعرّض السلام والأمن الدوليين للخطر، وتركتم الجهاد حين ألقيتم السلاح، وقلتم لا جهاد، واشتغلتم بالدنيا، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم.
وقد يقول قائل: أين الأحاديث الدالة على أن الجهاد باق، مع أنه في حديث ابن عمر ذكر أنهم تركوا الجهاد، فنقول: حتى حديث ابن عمر ذكر أن الجهاد باق؛ لأن قوله: { لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم } يدل على أن هذه الحالة من الذل لن تستمر، بل سوف يعقبها رجوع إلى الدين، بما في ذلك إحياء لشعيرة الجهاد، ومن الجهاد: القتال في سبيل الله سبحانه وتعالى.)ا.هـ.
فهل وعينا الدرس ؟! فلابد من قيام المجاهدة للنفس والشيطان حتى ننال المجاهدة بالنفس في سبيل الله صلى الله عليه وسلم بالبيان والبلاغ ،وبالسلاح والسنان وصدق ربنا صلى الله عليه وسلم { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت /69] .


------------------------------------------
([1]) وهناك تقسيم أخر ينبغي مراعاته (باعتبار الآلة ):
- جهاد  باليد والسنان
- جهاد باللسان البيان والبلاغ
- جهاد بالمال التجهيز والإمداد
- جهاد بالقلب البغض وبعمل اللسان بالدعاء 
([2]) رواه مسلم عن بُرَيْدَةَ والنُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ  .

 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل