اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/mktarat/flasteen/159.htm?print_it=1

حسم العبور نحو القدس

زياد بن عابد المشوخي


عام مضى على ما سُمي بـ"الحسم العسكري" لحركة حماس في قطاع غزة، وإن كنت أفضل تسميته التحرير الثاني، إذ كان الأول من الاحتلال، والتحرير الثاني من بقاياه وعملائه الذين استولوا على قيادة فتح والسلطة وانقلبوا سابقاً حتى على الرئيس الراحل ياسر عرفات.
ولست هنا بصدد الحديث عن الأسباب التي اضطرت الحركة للقيام بالحسم، أو الحديث عن مدى صبر الحركة ورجالاتها على ما قام به الانقلابيون، ويكفي أن نطالع الصحف والمجلات وبعض التصريحات خلال العام الماضي التي كشفت عن المخططات والمؤامرات التي كانت تُحاك ضد الحركة، لعل من أبرزها ما كشفته مجلة "فانيتي فير" الأمريكية عن وثائق سرية تؤكد تورط واشنطن وتل أبيب وحركة فتح في مخطط القضاء على حركة حماس وإسقاط الحكومة التي تتولاها.
كما نشرت صحيفة المجد الأردنية تفاصيل خطة الجنرال الأمريكي "دايتون" في عددها 30/4/2007م الذي صدر منه النسخة الإلكترونية.
أما قادة الكيان الصهيوني أنفسهم فكانوا يراهنون كثيراً على الفتنة الداخلية، فهذا وزير البنى التحتية بنيامين بن أليعازر يقول في مقابلة مع القناة العاشرة في التلفزيون الصهيوني مساء الثلاثاء 3/10/2006م معلقاً على المواجهات بين حركتي فتح وحماس: " إنني أصلي من أجل أن تنتصر حركة فتح في هذه المواجهة، فمن المهم جداً لـ"إسرائيل" أن تخرج حركة حماس خاسرة بشكل واضح"، واعتبر أن هذه المواجهات يمكن أن توفر فرصة لتجاوز نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وإيجاد قيادة فلسطينية يمكن أن تشكل عنواناً مناسبا لـ"إسرائيل"...على أية حال لم تغن عنه صلواته ولا ما أنفقه الكيان، فها هو المحلل الصهيوني إيهود إيعاري يقول متحسراً بعد الحسم: "ما بني خلال أكثر من عشر سنوات وبأموال أمريكية وموافقة "إسرائيلية" انهار كبرج من ورق"!
ليس من سمع كمن رأى
أما الناس في داخل قطاع غزة فقد كانت الحقائق على الأرض كفيلة بتحديد مسارهم وخيارهم، وقد خسر الانقلابيون كل شيء عندما تجاوزوا كل الحدود وانتقلت معركتهم من معركة إسقاط حكومة حماس والانقلاب على نتائج الانتخابات إلى معركة محاربة الإسلام وشعائره ومظاهره، لتنكشف الأمور عن الوجه القبيح لهم، فكان الحسم في قلوب الناس قبل أن يكون في الميدان، ويبدو أن البعض كان بحاجة لمثل تلك الانتهاكات لتتضح له حقيقة أولئك المتآمرين، حتى إذا ذهبوا لم يأسف عليهم أحد {وما يعلم جنود ربك إلا هو}.
لقد كانت عملية الحسم العسكري موجهة للاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية وعملائها الذين أمدتهم بالمال والسلاح بعد اليأس من إسقاط حماس في فخ السياسة ولم تفلح محاولات الاحتواء، بل فرضت الحركة واقعاً جديداً وهو الجمع بين المقاومة والسياسة، لم تكن عملية الحسم أبداً موجهة ضد فتح أو السلطة بل لتلك الزمرة التي استغلت نفوذها، واستعانت بالاحتلال، ونفذت أجندة الولايات المتحدة الأمريكية لإشعال الساحة الداخلية الفلسطينية.

ولعلنا نطرح بعض التساؤلات بعد عام التحرير الثاني، ومنها:

التساؤل الأول: كيف كانت الأوضاع الأمنية قبل "الحسم" وكيف أصبحت الآن؟
ولن نذهب لأحد قادة حماس لأخذ الإجابة فقد أشادت كارين أبو زيد المفوضة العامة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بالوضع الأمني في غزة بعد سيطرة حركة "حماس"، فقد قالت المفوضة الأممية: "إنهم يمتازون بحسن التنظيم والانضباط.. لقد تراجعت معدلات الجريمة بصورةٍ واضحة، ولم يعد موظفو منظمات الإغاثة الأجانب يخشون التعرض للخطف". وأكدت أن شعبية "حماس" زادت كثيرًا عن السابق في غزة، وقالت: "هذه الحركة تحظى عند الناس في القطاع بأنها منظمة قريبة من الشعب، ليس في مؤسساتها مَن يمارس الفساد".

التساؤل الثاني:
هو للفصائل التي وقفت على الحياد في "عملية الحسم العسكري" ألم تكن هي أول المستفيدين من "الحسم"؟
ألا يمضي مقاتليها اليوم حيث أرادوا لضرب المواقع الصهيونية دون خوف من الأجهزة الأمنية، بل على العكس فإن الأجهزة الأمنية اليوم هي التي تحميهم، فقد غدت وحدة إسناد لهم، أما آن الأوان للوقوف الصريح والواضح مع إخوانهم في حركة حماس!

التساؤل الثالث:
هو للحكومات العربية التي اتضحت لها الأمور، كما اتضح لها حجم المخططات التي كانت تُحاك ليس ضد حماس فحسب، بل ضد الأمن القومي العربي، أما آن الأوان لتقف وقفة شجاعة وتطبق قرار جامعة الدول العربية القاضي بفك الحصار عن قطاع غزة؟
أما آن الأوان لتعلن الحكومات العربية صراحة حقيقة تلك الزمرة التي تجاهلت اتفاق القاهرة ودمشق ومكة المكرمة واليمن، وقبل ذلك أكثر من 21 اتفاقا داخليا، بينما تستمتع تلك الزمرة اليوم بالاجتماع مع رئيس وزراء العدو إيهود أولمرت علناً في القدس المحتلة، بغض النظر هل وقعت مجزرة قبل الاجتماع أم بعده، أو أكان هنالك انتهاكات لمسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا، أو أكان هنالك إعلان عن مغتصبات جديدة، أو أكان هنالك حديث عن أن القدس عاصمة "إسرائيل" إلى الأبد؟
أما دعوة رئيس السلطة محمود عباس للحوار من جديد، فإن الشعب الفلسطيني يأمل أن تكون هذه الدعوة جادة وصادقة بعد أن يأس القوم من وعود واشنطن ومن المفاوضات العبثية مع الاحتلال، وألا يكون وراء الأكمة ما وراءها.

التساؤل الرابع: حصار غزة قبل "الحسم" وبعده هل حقق أهدافه؟
من جديد لن نذهب لأحد قادة حماس لأخذ الإجابة فقد أقر مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية بفشل سياسة الحصار التي تنتهجها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ضد قطاع غزة منذ نحو عامين، في إخضاع الفلسطينيين في القطاع والنيل من شعبية حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية الناطقة باللغة الإنجليزية عن المسؤول الأمريكي قوله: "إن استمرار الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة يعتبر عملاً خاطئاً، وإنه ساعد حركة "حماس" بدلا من إلحاق الأذى بها"، على حد تعبيره.
عملياً لا تزال حركة حماس ترفض الاعتراف بدولة الاحتلال، ولا تزال المقاومة تثخن في العدو ، ولا تزال قوتها في ازدياد.

التساؤل الخامس: ألا يزال قادة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية بحاجة للمزيد من الدروس والعبر؟
ألم يعلموا أن قيادتهم التي فرت من غزة، وعجزت عن حماية القتلة والمرتزقة لن تكون بأحسن حالاً في الضفة الغربية، وأنهم ليسوا بمنأى عن عقاب الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة؟

التساؤل السادس: هل نحن بحاجة لـ"حسم عسكري" جديد؟
أشار البعض إلى حسم قادم وهو"حسم المعابر"، ولا شك أنه خطوة قادمة ولا مفر عنها، إلا أن ما يخشاه العدو الصهيوني اليوم ليس "حسم المعابر" بل حسم العبور نحو القدس، والصهاينة على استعداد لسلوك كل الطرق التي من شأنها تأخير هذا الحسم حتى وإن كانت بالتفاوض المباشر أو غير المباشر مع حركة حماس.
الشعوب الإسلامية تعلق على حركة حماس الكثير من الآمال، وتنتظر منها تحقيق المزيد من الانجازات والانتصارات على مختلف الأصعدة وهي أهل لذلك بإذن الله، وهي بدورها مطالبة بمساندتها للعبور نحو القدس.

يا غزة العزة صبراً
أقر رئيس الوزراء الصهيوني، إيهود أولمرت، بخوف إدارته وقيادة جيش الاحتلال من "الدخول في مواجهة عسكرية ضارية وشرسة" مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن البحث قائم للوصول إلى بدائل تحول دون وقوع ذلك.
ولا يزال البعض ومنذ الحسم العسكري في قطاع غزة خائفاً ومشفقاً على حركة المقاومة الإسلامية حماس ومحذراً إياها من اجتياح غزة، فإلى كل غيور ومشفق على حماس مما قد يقع عليها، أقول: اقرأ معي وردد قوله ربنا عز وجل: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (آل عمران، الآيات: 173 -174) .
وأقول: حماس التي كانت يوماً ما تمتلك رشاشاً واحداً يتناوب عليه المجاهدون، وتزغرد النساء عند رؤيته بأيديهم، لديها اليوم من القوة ما يكفي –بإذن الله – لتحقيق توازن الرعب، وإيقاف الأحلام الصهيونية، وهاهو رئيس وزراء العدو إيهود أولمرت يقول خلال جلسة لجنة الخارجية والأمن البرلمانية في الكنيست: "إن حلم إسرائيل الكبرى أصبح ضرباً من الخيال وعلينا أن نختار بينه وبين خيار الدولة اليهودية، بسبب الفشل الذي مني به المشروع الاستيطاني الإسرائيلي"، وأضاف: "المهووسون والخياليون هم فقط من يؤمن هذه الأيام وفي ظل هذا الوضع، ويرون أن من الممكن التمسك برؤية إسرائيل الكبرى".
ومن الحسم العسكري إلى حسم المعابر إلى حسم العبور نحو القدس، ينبغي أن يساهم كل واحد منا في نصرة المرابطين على الثغور المقدسية، لننال شرف المشاركة في العبور نحو مسرى رسولنا صلى الله عليه وسلم، {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً}(الإسراء: من الآية51).

 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل