اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/mktarat/flasteen/148.htm?print_it=1

حصار غزة الداء والدواء

لؤلؤة


تعيش الأمة الإسلامية في هذه الأيام شكلاً جديداً من أشكال الكوارث الإنسانية والمآسي البشرية في غزة، وهي من تداعيات مؤتمر أنابوليس الذي عقد في مدينة أنابوليس في الولايات المتحدة الأمريكية في 27نوفمبر 2007

وقد تابع بعض المسلمين مؤتمر أنابوليس وقرأوا الكثير من المقالات وشاهدوا الكثير من النشرات والمقابلات التي أظهرت وبوضوح – ولا شيء يخفى في زمن العولمة ووجود وسائل الإعلام والإنترنت- أن الأمة ترتقب هجمة جديدة وشرسة على عضو من أعضائها وهو غزة، لكن لم تزد ردود الأفعال عن تقليب الأكف على بعضها والحسبنة– قول حسبنا الله ونعم الوكيل- على اليهود ، لكن سرعان ما تحول هذا الشعور إلى فوران بعد أن بدأت الحملة العنيفة على غزة، وكأن القدر المملوء بالماء بدأ يغلي تدريجياً مع ارتفاع درجة الحرارة، وما أن نقلت وسائل الإعلام الصورة الحية للواقع حتى بدأت الرسائل النصية بالهاتف والمقالات ورسائل البريد الإلكتروني تنهال من كل حدب وصوب، إما بالتواصي بالدعاء أو قيام الليل وفي أحسن الأحوال بالحث على الإنفاق وتحديد الجهات التي تعهدت بإيصال المبالغ لمستحقيها.

وكم هو جميل هذا الشعور أن يتفاعل المسلمون جميعاً بهذا الحدث وأن يخرج بعضهم في مظاهرات تندد بالعدوان الغاشم على غزة، و كيف أن بعض الجمعيات الخيرية فتحت أبوابها لاستقبال التبرعات والمساعدات، خاصة في وقت أطبق الصمت على الدول الإسلامية حتى إنها لم تندد أو تشجب هذا العدوان، وكم كنا ننتقدها في السابق بأنها لا تملك إلا التنديد والشجب فآثرت الصمت التام هذه المرة، ولو كنا نعلم هذا لما انتقدناها، لذلك أخشى أن ننتقد صمتها فيأتي اليوم الذي تعلن تأييدها لهذا العدوان صراحة !

مع كل ما ذكرت من مظاهر جميلة للتفاعل مع قضية غزة والذي أتصوره أن إسرائيل لو كانت تعرف ذلك لما أظهرته بهذه الصورة إلا أن هذا السيناريو –إن صح التعبير- قد عرفته مسبقاً في أكثر من قضية، فكم هاجت الأمة وماجت إبان حرب إيران والعراق، وهو نفسه حصل في الحرب على أفغانستان، وتكرر الفعل نفسه في البوسنة والهرسك، ومن سنوات قريبة في العدوان على العراق، وكذلك في ما حصل من محاولة من بعض الرسامين الدنماركيين للإساءة إلى نبي الأمة صلوات الله عليه وسلامه، وها هو نفس الأمر يتكرر الآن، نفس ردود الأفعال ونفس الفوران والاندفاع ونفس العاطفة الجياشة التي تفور لتصل إلى درجة الغليان، فالكل يتساءل كيف نساعد وكيف نؤيد وكيف نخفف؟!، فمن داع ومن متصدق ومن باكٍ ومن كاتب إلى آخر تلك الصور من صور التخفيف..

وما هي إلا أيام معدودة حتى كسر فيها الغزيٌون جدار الحصار وانطلقوا متحررين وعابرين المعبر و فرح الجميع وتبادلوا التهاني وهنأ بعضهم بعضاً أن الله استجاب الدعاء و أنهم كانوا سبباً في فك الحصار، بينما اليهود يرقبون من بعيد ويعيدون الحسابات التي لم يكونوا يتوقعونها من تضامن الأمة مع هذه القضية، فكان عليهم أن ينتظروا قليلاً وأن يظهروا بعض التنازل ويدهم على زر التحكم في حرارة القدر يخفضونه شيئاً فشيئاً ليبرد الماء ولا يخرج خارج القدر، وهذا تخصصهم! فهم أصحاب النفس الطويل، ينتظرون قليلاً حتى تنطفئ العاطفة الجياشة وتقل الحماسة والاندفاع وتعود الأمة لحياتها ليغلق الباب من جديد وكأن شيئاً لم يكن كما حدث في الشيشان والعراق وغيرها من الدول، ثم هم يكملون الطبخة دون أن يراهم أحد في هدوء تام..

وقد يرى البعض أن في كلامي شيئاً من السلبية أو التشاؤمية من جهة تفاعل المسلمين، أو أنني ممن أصيبوا "بعقدة الخواجة" وأنني أرى العدو على حق وأنهم دائماً الأفضل وأننا لن نقدر عليهم أبداً، لكني والله لست كذلك، وكيف أكون كذلك وأنا أوقن بما قاله الله تعالى: " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ }الرعد17
إنني جزء من هذه الأمة التي بدأت تتماثل للشفاء وكم أنا حريصة على إتمام شفائها فأنا جزء منها، لكني أتقمص دور الطبيب، الذي عليه أن يرفع الحالة والواقع ويدخلهم مختبر العقل ويختبرهم بمحاليل المنهج الذي يستند إلى القرآن والسنة ومن ثم يكتشف المرض فيعالجه بأنفع العلاجات وأفضلها ليضمن الشفاء التام بإذن الله، وما ذكرته سابقاً جرى عليه ما يجريه الطبيب، وعلي الآن أن أصف العلاج حتى لا أكون طبيباً مخفقاً قد يكتشف العلة ولكنه لا يعالجها.

وجدت من التحاليل المخبرية أن كريات الأمة البيضاء ضعيفة حتى إنها لا تستطيع مواجهة المرض، ومثلنا كمن يحقنها بمضاد حيوي وقت المرض ليخففه ويقلل آثاره، وما أن ينتهي العلاج حتى يصاب بمرض آخر، لذلك علينا تقويتها شيئاً فشيئاً حتى تصبح قادرة على مواجهة المرض بنفسها دون الحاجة لمضادات حيوية، ونحن - المسلمين اليوم نعيش حياة ردود الأفعال فقط فمتى ما انتهكت محارمنا انتفضنا، لذلك من واجبنا أن نوجد أمة تحمي محارمها من أن تنتهتك فالوقاية خير من العلاج، وقد يقول القائل أنني أبالغ فيما أٌقول فأرد وأقول لا أبالغ ولكن الأمر يحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير وهمة عالية.

لذلك سأصف العلاج لئلا نطيل مكوثكم في غرفة الانتظار..


1. يجب أن تؤخذ أدوية للوقاية المبكرة فيربى جيل على الإسلام، بحيث تصبح مناطق الاستثارة كلها للإسلام، فما يحصل الآن هو أن المسلمين يستثارون مرة للإسلام، ومرة للمال ومرة للكرة ومرة للتصويت على مطرب!.
2. أن توضع خطة علاجية طويلة المدى لدعم الأمة والمساهمة في نهضتها، ولا أقصد بذلك أن يكون الجميع محاضرين أفذاذاً أو قادة سياسيين أو علماء كباراً- مع أنه الأفضل-، ولكن كل على قدره فالأم تنوي في تربيتها لأبنائها دعم الأمة ونصرتها، والطالب الذي يجتهد في دراسته، والموظف في عمله ، والفتاة المقبلة على الزواج إلخ.. كل له دوره وما علينا إلا أن نجدد نيتنا في كل عمل نعمله بأن تكون من بين النيات دعم الأمة والمساهمة في نهضتها.
3. أن ندرب الناس على القيام ببعض التمرينات الرياضية التي تفعّل قدراتهم ومهاراتهم ولا يستصغروها، فالحجارة الصغيرة تملأ الإناء المملوء بالحجارة الكبيرة، فمن كان له مهارة معينة، كتصميم المواقع أو تصليح الأجهزة أو الخياطة أو الأزياء أوالتحدث بلغات لا يجيدها الآخرون فعليه أن يفعَلها في الواقع، ويجدد النية ومتى صلحت النية انفتحت أبواب الطاعات وحظي بتأييد الله وتوجيهه للطريق الأمثل لنصرة الأمة من خلال هذه المهارة..
4. لا بد من أخذ الفيتامينات الإيمانية المستمرة للمحافظة على الصحة العامة، فلا ينشغل الفرد في خضم هذه الأحداث عن الزاد الإيماني من صلاة وقرآن وقيام وصيام وغيرها من المغذيات الإيمانية، ليستطيع الاستمرار ولئلا يكون التفاعل تفاعلاً نفسياً لا أكثر.
5. يجب تجنب أخذ المواد المهدئة المخدرة التي تطفئ شعلة الإيمان والعاطفة فيصبح الإنسان حينها بليداً لا يشعر بخير ولا بشر، بل عليه أن يجدد نشاطه بين الفينة والأخرى بأخذ استراحة ينوي فيها استعادة نشاطه وليعود أقوى مما سبق.
هذه بعض العلاجات التي يمكن إتباعها، لكنها كالطب البديل الذي يحتاج وقتا أطول من غيره لتظهر نتائجه، علينا أن نخطط ونصبر ونستعين بالله في الأولى والآخرة وسيأتي اليوم الذي يقوى فيه جسد الأمة ويغلي فيه الماء ويطفح من القدر فلا يستطيع اليهود وأعوانهم أن يطفؤوه والذي يكونون فيه هم أول المحترقين بمائه المحرق إن شاء الله..

 

فلسطين والحل
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل