اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/mktarat/flasteen/047.htm?print_it=1

وقفاتٌ وعبرٌ من سيرة الشيخ أحمد ياسين وحادثة اغتياله

صالح بن فريح البهلال
4 / 2 / 1425هـ


حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على رسوله محمد، وعلى آله، أما بعد:

فقد رُزِئت الأمة الإسلامية، فجرَ الاثنين، الأول من شهر صفر، لعام خمسةٍ وعشرين، بعد الأربعمائة والألف من الهجرة، باغتيال الشيخِ الباسل، المجاهد المناضل: أحمد ياسين، بصواريخ العدو اليهودي، فاللهم ارحم أحمد ياسين، واغفر له، وارفع درجته في المهديين، وأخلفه في عقبه في الغابرين، وإنَّ لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجل مسمى، ولا نقول إلا ما يرضي ربَّنا، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

أيها الأحبة: لا أكاد أبالغ، إذا قلت: لم أرَ أحداً اهتز العالم لمقتله كما اهتز لمقتل هذا الشيخ، فهنيئاً له، وهذه -نحسبها- علامة قبول، والناس شهداء الله في أرضه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم-.

أيها الأحبة: إن اللبيبَ الموفقَ هو الذي يستخلص العبرَ من ثنايا الأحداث، وهذه كلماتٌ سطَّرْتها، ووقفاتٌ جمعْتها، من سيرة الشيخ أحمد ياسين، وحادثةِ اغتياله، فإليكم بعضاً من ذلك:

1- أن صاحبَ الهمة الشريفة العالية، لا يهدأ أبداً في طلب مراده، ولا يعنو كمداً في تجشُّم الصعاب التي تقف في طريقه، لا يثنيه عن ذلك مرضٌ مُقعِد، ولا فقرٌ مدقِع، بل لسان حاله:

كذا المعالي، إذا ما رمتَ تدركها * فاعبر إليها على جسرٍ من التعب

وهذه حال الشيخ أحمد ياسين - رحمه الله – فلقد قعد عن الحركة منذ أن كان ابن ستة عشر عاماً، وعاش آخر سنوات حياته، وهو يكاد أن لا يستطيع أن يحرك أي جزءٍ من جسمه، ويكاد أن لا يبصر إلا قليلاً، ويعاني من ضعفٍ في السمع، والتهابٍ مزمنٍ في الرئة، وأمراضٍ أخرى، ومع ذلك كان –رحمه الله- يحمل همةً فتية، وروحاً وثَّابة، وعزماً لا يلين، يحطم الصخرة، ويفلّ الحديد، كأني به يردد:

دعوني أُجِدُّ السعي في طلب العلا * فـأدرك سؤلي أو أموت فأعذرا

ويردد:

سـأثارُ؛ لـكن لربٍ ودين * وأمضي على سنتي في يقين
فإما إلى النصر فوق الأنام * وإمـا إلى الله في الخالدين

ويردد:

همتي همةُ الملوك، ونفسي * نفس حرٍّ ترى المذلة كفراً

فلنسعَ جميعاً إلى رفعِ همَّتنا، واستنفارِ طاقاتنا، في سبيل هذا الدين الذي لا يرتضي ربنا دينا سواه، لسانُ حال أحدِنا:

ماضٍ، وأعرف ما دربي، وما هدفي * والـموت يرقص لي في كل منعطف
ولا أبـالـي بـأشـواكٍ ولا مـحنٍ * على طريقي، وبي عزمي، ولي شغفي
أهـفو إلـى جـنةِ الفردوس محترقاً * بـنار شـوقي إلـى الأفياء والغرف

2- أن هذا المصاب الجلل، في فقد الشيخ أحمد ياسين –رحمه الله- ينبغي أن نتلقاه بنفسٍ مؤمنةٍ رضيةٍ، عالمةٍ بأنه مقدرٌ ومكتوب؛ لأن الشيطانَ ربما استجرى بعضنا، فرأيت منه تعنُّتاً على القدر، وملامةً له، والحمد لله؛ فإن الشيخ أحمد ياسين -رحمه الله- قد نال أمنيةً كان ينتظرها، وإنا لنرجوا له حياةً أبدية، لا مرضَ فيها ولا كدرَ، وكأني به يقول:

أخي، إن ذرفتَ عليَّ الدموع * وبلَّلتَ قبري بها في خشوع
فأوقد لهم من رُفَاتي الشموع * وسـيروا بها نحوَ مجدٍ تليد
أخـي، إن نَمُتْ نلقَ أحبابنا * فـروضاتُ ربي أُعدتْ لنا
وأطـيارُها رَفـرَفتْ حولنا * فـطوبى لنا في ديارِ الخلود

3- وكذلك، فإن هذا المصاب الجلل، بفقد الشيخ أحمد ياسين –رحمه الله- ينبغي ألا ينفذ منه إلى قلوبنا هوانٌ ولا استكانة، أو يأسٌ في علو الإسلام، كيف وربُّنا قال ( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وطريق الحق صعب، وطويل سُلَّمه، فقد عالج الأنبياء فيه مع أقوامهم أشد الأذى وانكاه، حتى نشر فيه زكريا بالمنشار، وذُبح السيد الحصور يحيى، وكذلك الصحابة، فقد بُقِرَ في سبيله بطن عمر، وقتل عثمان، واغتيل علي، - رضوان الله عليهم أجمعين-، إلى سلسلة طويلة لا تكاد تخفى لمن قلَّب طرفه في التاريخ، وإننا نحسب الشيخ أحمد ياسين –رحمه الله- من رواد هذا الطريق، فيا أخي، إياك واليأس؛ فإنه غاية العدو وشماتته بل:

كـفكف دموعك ليس ين * فعك البكاء، ولا العويل
وانهض، ولاتشك الزما * ن، فـما شكا إلا الكسول
واسـلك بـهمتك السبي * ل، ولا تقل: كيف السبيل
مـا ضل ذو أمل سعى * يـوماً، وحـكمته الدليل
كـلا، ولا خـاب امرؤٌ * يـوماً، ومـقصده نبيل

4- أن هذا الاغتيال الآثم للشيخ أحمد ياسين –رحمه الله- يرسِّخ يقيناً إلى يقيننا، بأن كل محاولات السلام مع هؤلاء اليهود، إنما هي عبثٌ وإضاعةُ وقت، كيف وقد قال ربُّنا (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ..) فليبشر اليهود، بأن دم الشيخ أحمد ياسين –رحمه الله- وغيره من الدماء الطاهرة، لن تذهب هدراً، بل لكم ميعادُ يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون.

اقـتلْ، ومـثِّلْ، وامـلأ الأجواء إرهاباً وذُعْرا
واغمس يمينك بالدما، وانحر أضاحي الحقِ نحرا
واحـشد قواك جميعها، لتدك صرح الحق جهرا
وازرع فـيافي الأرض بالأشلاء، وانثرهن نثرا
واخـنق بـساعدك الغليظ، وجرِّع الأحرار مُرا
واصعد على كتل الجماجم، وارمق الآفاق شزرا
لـكن سـيرتحل الدجى يوماً، ويبدو الفجرُ فجرا
ويـصبها الـرحمن ناراً تجعل الطاغوت صِفرا
ويـحيطك (الـضعفاء) بالجمع الغفير، ولن تَفِرا
وتـود أنـك لـم تـجئ هذي الدُنى وتُنلْك أمرا
لا شـيءَ فـي دنـيا الإله يضيع نسياناً وهدرا
وسـتدفع الـثمن الجسيم، ستدفعن رغماً وقسرا
ثـمن الـدماء أرقـتها، ظلماً، بلا ذنب، وجورا

5- أن كيفية هذا الاغتيال الآثم للشيخ أحمد ياسين رحمه الله يدل على مدى الحقد المستحكم في قلوب اليهود على هذه الأمة، وأنه عداءٌ أبديٌّ دائم، فنزداد إيماناً ويقيناً بقول ربنا:"وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ " وقوله: "وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا.."، وقوله: " وَدَّ كَثِيْرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لو يَرُدُّونَكُم من إِيْمَانِكُم كُفَّاراً حَسَدَاً مِن عِنْدِ أنْفُسِهِم مِنْ بَعْدِمَا تَبَيَّنَ لهم الحَقُ " .. ألا، فليسكت أولئك المبشرون بالسلام العالمي، والنظام الواحد الذي تنصهر فيه كل ثقافات الدنيا، سالكين في ذلك طرقاً شتى للوصول إلى بغيتهم، فسعوا إلى تغيير المناهج الشرعية، وتمييع القضايا العقدية، كقضية الولاء والبراء، تلك القضية التي بينها القرآن أعظم بيان، وأنَّى لهم بتغيير القرآن، وما أولئك الأغمار إلا:

كـناطحٍ صـخرةً يوماً ليوهنها * فلم يَضِرْها، وأوهى قرنَه الوعلُ

6- لقد أبان مقتلُ الشيخ أحمد ياسين رحمه الله حجمَ الضعف الذي وصلت له أمة الإسلام، حيث صار حثالةٌ من شذَّاذ الآفاق، وقتلة الأنبياء، يمارسون ما يشاءون، دون توجُّس من أمةِ المليار، وهذا كله بسبب ذنوبنا، فقد أخرج أحمد وأبو داود عن ثوبان –مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوشك أن تداعى عليكم الأممُ من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال: قلنا: يا رسول الله، أَمِنْ قلة بنا يومئذٍ؟ قال:" أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل، تُنْتَزَعُ المهابةُ من قلوب عدوكم، ويُجْعل في قلوبكم الوهن" قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: "حبُّ الحياة، وكراهة الموت"

فهيا أيها المسلمون، لِنَعُدْ إلى ربنا عودة صادقة، ولِنُقِمْ شعائره ظاهرة وباطنة، ولنوحد صفوفنا، ولنرمِ الشقاق والفرقة بعيداً عنا.

شـمِّر وكـافح في الحياة فهذه * دنـياك دارُ تـناحرٍ وكـفاحِ
وانهل مع النهال من عذب الحيا * فـإذا رقـا فـامتح مع المتاح

7- لقد أعطى الشيخ درساً في آخر لحظات حياته، وهو أن المسلم الصادق صاحب العزم القوي، هو الذي يعتاد المسجد، فهو الذي يتوق للشهادة، ويستروح للجنة، فلقد رزق الشيخ الشهادة - نحسبه كذلك- عائداً من صلاة الفجر في المسجد:

علوٌ في الحياة وفي الممات * لحق تلك إحدى المكرماتِ
كـأنك قـائمٌ فيهم خطيباً * وكـلـهم قـيام لـلصلاةِ
عليك تحية الرحمن تترى * بـرحماتٍ غوادٍ رائحاتِ

فركضاً إلى المساجد أيها المسلمون، لتعُبُّوا من الإيمان، وتَتَرَوَّوا من اليقين، فهذا هو المصداق على حب الجهاد والتضحية لهذا الدين.

فاللهم ارحم الشيخ المجاهد: أحمد ياسين، واخلف لنا خيراً منه

وبعد، فإن نصرَ الإسلام ليس معلقاً بأشخاص، بل كلٌّ على ثغرة من ثغورِ الإسلام، فالله الله أن يُؤْتى الإسلام من قبله، ورحم الله من أعان على الدين ولو بشطر كلمة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
 

أحمد ياسين
  • مقالات ورسائل
  • حوارات ولقاءات
  • رثاء الشيخ
  • الصفحة الرئيسية
  • فلسطين والحل