صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







العيد بين الإنجازات والفرص

مشعل بن عبد العزيز الفلاحي

 
انطلق فجر العيد ، وانبثق يوم جديد في تاريخ المسلمين اليوم ، بالأمس كنا نستقبل شهر رمضان ونحتفي بقدومه ، واليوم بعد أن طويت صحائف ذلك الشهر ، وأوسدت أيامه نستقبل يوماً جديداً عن يوم أمس وهكذا تظل الحياة من يوم إلى يوم ... ترحل أيام وتقدم أيام وبين تلك الرحلة وذلك القدوم إنجازات عظيمة في ما فات ، وفرص كبيرة في هو آت .

أخي الحبيب :

لقد أراد الله تعالى أن يكتب أثرك على وجه الأرض ، وأن يحقق لك ما فاتك من الخير ، فجمع لك في شهر رمضان من الفضائل والأعمال ما يكون في ثلاث وثمانين سنة من العمر ، وأردف لكم في طيات رمضان أبوباً من الخير وكل ذلك لمُّ لشعثكم ، وطمأنينة لقلوبكم ، ودركاً لتقصيركم ، فيا لله ما أعظم ربنا ! وما أرحمه بنا ! لقد كان رمضان فرصة لاستعادة أياماً مشرقة ، وكتابة إنجازات عظيمة ، فكان بحمد الله تعالى من كثير من المسلمين . فلو رأيت أيها المسلم صحفك بين يدي ربك لغبط بتلك الفضائل التي نلتها ، ولو أذن الله تعالى لك برؤية جوائز الفوز اليوم في مصليات العيد لرأيت ما يخلّد ذكرك ، ولك يوم بإذن الله تعالى ترى فيه تلك المكارم بين يديك .

أخي الحبيب :
لقد كان شهر رمضان فرصة عظيمة لتحقيق إنجازات كبيرة ، فالمسلم الذي تجاوز شهوته وترك ملذات الدنيا بين يديه لا يستطيع أن يمد يديه إليها رجاء ما عند الله تعالى مسلم حقق انتصاراً كبيراً لا يقدّر بمثل ، وإذا أردت أن تعرف حجم هذا الفوز وهذا الانتصار فتأمل قول الله تعالى في الحديث القدسي : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به . وإذا أردت أن تدركه يقيناً فتأمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صام يوماًً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ... والمسلم الذي بات قائماً يصلي لله تعالى في التروايح والتهجّد مسلمٌ حقق كذلك إنجازات كبيرة ، وإذا أراد أن يعرف حقيقة إنجازه هذا فليتأمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه .

أخي الحبيب :
لقد كان رمضان فرصة عظيمة لإنجازات كبيرة تخلّد على أرض الواقع ، وكيف لا يكون المسلم من أمثالك حقق بتلك الإنجازات وقد أعاد لصلة الأرحام رونقها ، وجمالها ، وتآلفها حين كان مثالاً للنموذج الناجح وهو يفطر هناك على أرض جاره أو قريبه أو صديقه أو زميله متجاوزاً لكل خلاف بذره الشيطان في يوم من الأيام ، إن روعة الانتصار تكمن حقيقة في مثل هذه اللحمة ، وهذا الائتلاف . لقد أكّد لنا رمضان أن كل إنسان قادرٌ أن يحلّق بروحه في سماء الانتصارات دون الالتفات إلى شهوات عاجلة أو أمنيات رخيصة وكم حقق الإنسان في هذا الجانب من الانجازات الكبيرة ، إن الذي تجاوز بعضاً من العادات السلبية ، أو خلق نموذجاً جديداً من العادات الإيجابية هو ممن حق له اليوم أن يفرح بتلك الإنجازات على أرض العيد من جديد . وذلك الذي كسر شهوة حب المال في نفسه فتصدق هنا ، وبذل هناك هو نموذج من نماذج الانتصار على النفس حقيقة .

أخي الحبيب :
أرجو أن تمعن النظر قليلاً في هذه الإنجازات ، فلا أريدك اليوم واجماً حزيناً على فراق رمضان وهذه إنجازاتك تضرب على أرض الواقع ، إنني أدعوك أيها الحبيب اليوم ومن على أرض العيد أن تعيش متفائلاً مبتهجاً فرحاً مسروراً لا بمضي أيام الطاعات ، لا ، وإنما بتلك الإنجازات الكبيرة التي تمت في ثلاثين يوماً ... إن الحزن على الفائت مذموم في الشرع ، ذلك أنه مجلب للحسرة ، مؤذٍ للنفس ، غير جالب لشيء من الخيرات ... فعش متفائلاً ، وأيام الله تعالى قادمة فامض تكتب فيها إنجازاتك الكبيرة ...

أخي الحبيب :
لقد أراد الله تعالى لك اليوم أن تبتهج فشرع لك العيد ، ثبت في مسند الإمام أحمد و سنن أبي داود من حديث أنس رضي الله عنه أن نبينا صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين فقال صلى الله عليه وسلم : كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى . فتأمل رحمة ربك ، وانظر إلى جمال دينك ، وتمعّن شمول شريعتك ، لقد خلقك الله تعالى يوم خلقك فجعل في نفسك رغبة ملحة في شهود أيام تحتفل وتفرح بها فجعل لك مثل هذا اليوم ، وباعد بين أيامها حتى تجد لها في قلبك لذة ولهفاً ، وجعل يوم الفطر منها بعد شهر من العبادة والإقبال إليه ، فكيف لله تعالى من أسرار في هذه البهجة وانظر فقد شرع الله تعالى لك في هذا اليوم أخذ الزينة ، ثبت في البخاري من حديث ابن عمر أنه قال : أخذ عمر رضي الله عنه جبة من استبرق تباع في السوق فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ابتع هذه تجمّل بها للعيد والوفود . وثبت في حديث جابر رضي الله عنه قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة . وعند البيهقي أن ابن عمر رضي الله عنه كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه . فاللهم لك الحمد على نعمك ، ولك الشكر على عطائك وفضلك . فامض أيها الحبيب اليوم تكتب في عيدك صوراً من صور الفرح والسعادة التي تلبي بها حاجة نفسك ، وتبين عن مشاعرك ، في ضوء رسالة الله تعالى في الأرض .

أخي الحبيب :
مشاهد العيد تكتب في نفسك العزة ، وتترجم في حياتك القدوة ، وتكتب فيك سراً من أسرار العبودية ، فهانت على طريق العيد تصدح بالتكبير معلم من معالم العبودية ، وسر من أسرار العزة المنشودة ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد
الله أكبر من كل معبود على وجه الأرض ، الله أكبر من كل شهوة تخالف منهج الله تعالى ، الله أكبر من كل أمنية تطيش في يوم العيد عن رسالة الله تعالى ، الله أكبر كلمة نروّي بها ٍأسماع الناس على الأرض ، فيسمعها كل منافق أو كافر فيعلم أننا مستعلون بديننا ، راضون بشريعة ربنا ، قائمون على منهج الله حتى نلقاه . إن هذه الكلمة حين يصدح بها المسلم تخلق في روحه عالماً من التميّز ، وعالماً من الروحاينة ، وعالم من العلو بمنهج الله تعالى ، الله أكبر كلمة دوّت بالأمس على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسان صحابته رضوان الله تعالى عليهم فحققوا بها رسالة ربهم في الأرض ، وما رحلوا حتى صنعوا منها العجائب على أرض الواقع ، ولا زالت إلى اليوم دول وأمم على ذكرى هذه الكلمة العظيمة . ونحن اليوم من على أرض العيد ندوّي بها نحي بها رسالة خالدة ، ونكتب بها مآثر قوم سابقون . وعلى طريقهم بإذن الله تعالى سائرون .

أخي الحبيب :
لئن تحقق لك بالأمس في شهر رمضان انتصارات كبيرة ، فإنني أدعوك اليوم ومن على أرض العيد أن تكتب انتصارات أخرى ، ولتعلم أيها الحبيب أن الإنسان كما يقول الطنطاوي رحمه الله تعالى لا يعظم بقدر السنين في الدنيا ، وإنما يعظم بقدر الأحداث التي يخلفها على أرض الواقع ، وبإمكانك اليوم أن تكتب انتصارات أخرى مماثلة لتلك الانتصارات التي علقتها سيرتك نموذجاً من نماذج التحدي في حياة أمثالك من الحريصين . ولتعلم أننا لا نطلب منك اليوم أن تكون نسخة منك في رمضان ، لا ، فإن رمضان شهر واحد من العام ، وقد جعله الله تعالى زمناً للتنافس ، ووقتاً للسباق ، وقد حشد لك فيه من الخيرات ما يسد به عجزك ، ويتم به تقصيرك .

أخي الحبيب :
جولة الانتصار الحقيقية في حياتك ، والانجازات العظيمة تكمن في البقاء على مبادئك ، والثبات على قيمك ، والاستمرار على طاعتك . إن أعظم إنجاز يُكتب في تاريخ الواحد منا حفاظه على قيمه ومبادئه أن تلوّثها الحياة المادية أو تخدشها تشوهات الإعلام المرئية . هذا هو سر العزة الحقيقة بهذا الدين .. إننا في زمنٍ الفابض على دينه كالقابض على الجمر ، لكنها سنن الله تعالى في الأرض تكتب قمة الانتصارات لأشخاص حرروا أنفسهم من ذل الخطيئة ، ووحل المعصية ، وظل الواحد منهم يركض بدينه مستعلٍ على الأرض ومادياتها بعون الله تعالى وتوفيقه ... إن بقاءنا أيها الحبيب على قيمنا ومبادئنا واستقامتنا نموذج من نماذج الاستعلاء الحقيقة على وجه الأرض وهكذا تكون الانتصارات ! واعذرني أيها الحبيب إن قلت لك من على أرض العيد أن النكوص عن الفضيلة ، والجبن عن الحق ، والرضا بالدون انهزامية تخالف سر التكبير في مثل هذا اليوم . لقد قال الله تعالى لقوم كلموا في أرض المعركة ، وتعبوا في ساحة القتال ، وداخل نفوسهم شيء من وهن الحرب ، ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ورحم الله سيد قطب حين علّق في ظلاله على الآية فقال : عقيدتكم أعلى فأنتم تسجدون لله وحده ، وهم يسجدون لشيء من خلقه أو لبعض خلقه ! ومنهجكم أعلى فأنتم تسيرون على منهج من صنع الله ، وهم يسيرون على منهج من صنع خلق الله ! ودوركم أعلى فأنتم الأوصياء على هذه البشرية كلها ، وهم شاردون عن المنهج ، ضالون عن الطريق . اهـ نعم أنتم كذلك حتى مع جرح الحرب ، وانتفاش الباطل ، وصولة الكافرين !

أخي الحبيب :
بالأمس في شهر رمضان بالذات كنت نموذجاً للمسلم المثالي ، كنت عبداً خالصاً لربك ، وفرداً صالحاً في مجتمعك ، واليوم أنت كذلك بإذن الله تعالى ، ولست أريدك أن تكون بنفس المستوى من القوة على مدار العام ، فقد يكون ذلك كبيراً عليك ولا تحتمله ، لكن نريد منك أن تكون نموذجاً في الحرص على العمل وإن كان قليلاً ، لئن صمت بالأمس شهراً كاملاً وذلك بحق إنجاز كبير ، فاليوم يمكن أن يمتد ذلك الإنجاز بصيام ست من شوال ، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، ولئن كنت بالأمس قواماً لليل كله وذلك إنجاز عظيم ، فاليوم يمكن أن يمتد ذلك الإنجاز بقيام ركعتين أو أكثر من كل ليلة ، فإن لم يكن فالحفاظ على الوتر إنجاز يمكن تحقيقه على أرض الواقع ، ولئن كنت بالأمس مثالاً في الصدقة ، فاليوم يمكن أن يمتد ذلك المثال عن طريق دعم الجمعيات الخيرية أو حلق التحفيظ أو الالتزام في برنامج دائم من الإنفاق حتى وإن كان قليلاً . ولئن كنت بالأمس نموذجاً في صلة الرحم ، فاليوم يمكن أن يمتد ذلك النموذج عن طريق تخصيص يوم في الأسبوع لزيارة أرحامك . ولئن كنت بالأمس ربانياً في قراءة كتاب ربك القرآن العظيم ، فاليوم يمكن أن تمتد تلك الربانية عن طريق المحافظة على ورد معيّن كل يوم ولو بضع آيات . وهكذا أيها الحبيب يمكن أن نكون كشهر رمضان أو أكثر ، وقد قال نبيك صلى الله عليه وسلم في وصية جامعة نافعة لما سئل عن أفضل الأعمال فقال : أدومه وإن قل .

أخي الحبيب :
تمعّن يارعاك الله في كلام ربك تعالى وهو يصف جنته فيقول تعالى : ( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفّى ، ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم ... ) وتمعّن مرة أخرى في قوله تعالى في الحديث القدسي : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . لقد خلق الله تعالى الجنة ، وأودع فيها من النعيم ما لا تتصوره الأعين ولا تتخيله العقول ، وكل ذلك تكريماً لك ، فانظر في أيام صومك ! انظر في أيام عطشك وظمئك ! تصوّر قيامك بالطاعة كيف ستجد آثارها من النعيم بين يدي بك يوم القيامة ، واعلم أن نصبك وتعبك مخلوف ، وعاقبتك حميدة ، وفوزك كبير ، حين يصوّر ذلك لك النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : يؤتي بأبأس أهل الدينا من أهل الجنة فيغمس غمسة في الجنة فيقول الله تعالى له : هل مر بك ضُر قط ؟ هل مر بك بؤس قط ؟ فيقول : لا والله يارب مارأيت بؤساً قط ، مامر بي بؤس قط . واعلم أيها الحبيب أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها . متفق عليه . وقد قال رسولك صلى الله عليه وسلم : في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً ، في كل زاوية منها أهلٌ ما يرون الآخرين ، يطوف عليهم المؤمنون ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من كذا آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن . رواه البخاري . هذه أيها الحبيب أيام الجزاء لنصبك ، أيام الوفاء لتعبك ، أيام الراحة لمشقتك ، فهي أيام مخلوفة ، وغداً بين يدي الله تعالى يتذاكر المحبون هذه الآثار ، وهو المسؤول أن نكون وإياك أحد هؤلاء المتذاكرين .

وأخيراً أيها الحبيب :
انطلق في عيدك اليوم مبتهجاً ، انطلق مستبشراً ، حلّق يارعاك الله في عالم الأرواح ، امض قدماً لايستطيع مخلوق أن يعيق هذه الفرحة ، تجاوز يارعاك الله هذه المرة عدوك بتقبيلك لأصحابك وجيرانك ، وأهلك ، وأنتبه أن يعكّر عليك الشيطان في يوم العيد هذه الفرحة فيقتضبها ، ويسلب رونقها ، امض قدماً فمن بينك وبينه سنين طواها الزمن من حرارة الفرفة ، وشعث القاء يمكن لك أن تدملها اليوم مهما كانت تلك الفجوة ، فقط ينبغي أن تعلم أنك أنت والشيطان اليوم في حرب من ينتصر على الآخر ؟ صلتك لأهلك ، وسلامك على أصدقائك دليل تفوقك وعظمتك ، امض في عيدك ، افرح كما أراد الله تعالى لك ، وإياك من المعصية في أيام العيد فإنها سلب لمعاني العيد الروحية لا حرمك الله التوفيق .

مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
Mashal001@maktoob.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
وقفات مع العيد
  • فلاشات العيد
  • عيد الفطر
  • عيد الأضحى
  • أفكار دعوية
  • أحكام العيد
  • مـقــالات
  • قصائد
  • أعياد الكفار
  • الصفحة الرئيسية