صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ملف / أوراق وردية .. [ملف متجدد]

 

(1)

كل حب وأنت عيدي




 
- أنتِ لا تفهمين!

 
- اسمعيني يا منيرة، الطفلة مريضة.. وأنت لا زلت في فترة النفاس.. ووالديك كبيرين في السن..
اعقلي يا منيرة وارجعي لزوجك

 
- أنت لا تعرفين شيئاً.. ولا يمكن أن تعرفي..
لا تتحدثي بما لا تعرفين يا جواهر

 
عضت جواهر شفتها بقلق.. وهي ترمق أختها.. لطالما كانت منيرة مثالاً متجسداً للعناد.. ورغم ذلك لديها شخصية مغناطيسية عجيبة!
لها جمال حاد وشرس.. وملامح تنطق بالغرور والكبرياء.. عيناها الواسعتان مركزتان دوماً على شيء واحد.. هو ذاتها!

 
* *

 
أنهت إرضاع صغيرتها (فرح).. بللت قطنة بزيت الأطفال.. وبدأت بتمريرها على وجهها.. استوقفتها ملامح صغيرتها..
إنها تذكرها بإلحاح بملامحه الهادئة المستسلمة دوماً .. الصدغين الخاليين من الشعر.. الذقن المدور الناعم .. الخدين المكورين وكأنه يبتسم على الدوام..
بدأ الشريط المؤذي يتكون أمام عيني منيرة..
كذرات من الدخان تتجمع وتتكاثف لتشكل صورة مزعجة..
صورة لطالما كرهتها.. وأنكرتها..
إنها تحاول منع هذه الذكريات.. والمضي قدماً في قرار الابتعاد عن تركي.. لاشيء يجبرني على البقاء معه..
تغيره نحوي منذ بداية الزواج.. لقد تغير كثيراً.. ولم أكن أصدق كلام الصديقات حين يرون لهفته أيام الخطوبة فيعلقون بمرح.. هذي أيام العسل الوحيدة.. ستحرمين منها بتاتاً بعد الزواج..!!
لماذا يفضل أمه العجوز علي؟ ويطيعها بكل شيء وكأن كلامها قرآن منزل..؟؟
صمته يقتلني.. أشعر أنه جماد.. لو لمرة أود أن أشعر أني أعيش مع إنسان.. يبادلني المشاعر والأفكار ويناقشني في كلامي..
ثم مع الحمل بدأت شخصيته تتكشف لي.. انه إنسان متقوقع على نفسه.. منطو على ذاته .. يبتعد عني ويتهمني أنني أنا من لا تريد قربه..
ويتكابر الألم في نفس منيرة.. ويتضخم.. ويصور لها الإحساس بالقهر والإهمال كل سلبيات تركي.. ثم فجأة.. تتذكر تلك النظرة المؤلمة في عينيه الندية بالدموع وهو يقول حين غادرت لمنزل أهلها..
(ما في شي يسوى بدونك.. فكري وارجعي لي)

 
* *

 
في شقة مظلمة حزينة.. تتناثر الملابس بإهمال واضح.. وبقايا الأكل مرمية على الطاولة.. ورائحة المبيت والبرود منتشرة..
وهناك.. على سرير خاوٍ من الحياة.. ومن حوله بقايا شموع ذائبة.. يتكئ تركي.. وقد أهمل ذقنه بدأ الاكتئاب يرسم على ملامحه الوادعة مسحة من حزن وقهر دفين ..
لماذا فعلتيها يا منيرة؟
أنت لا تدرين كم.. أحبك..
ألأني لا أستطيع البوح بما في داخلي..؟
لأني رجل يفعل ولا يتكلم..؟
لأني رجل يحبك بكل ذراته.. تتركيني..؟
لا أذكر كم مرة.. جلست أجول في الشوارع مستتراً بليل الرياض.. لأحضر لك كلمات انتقيتها بعناية.. لتشبع غرورك وتشبه كبريائك.. ثم آتي مشتهياً حديثك وجلوسك فتلقيني بعبوسك وجفوتك..
وأفتح فمي لأبدأ الحديث.. فتبادريني بجمود..
تتعشى؟
تعشيت..
وأتهيأ لأن أنطق بـ (حبيبتي...)
وأبدأ بحديثي..
فتصعقيني برصاصتك الباردة:
(تعشيت مع أمك؟ أوكي مو مشكلة.. أنا بعد طلبت عشاء.. وتعشيت من برا.. والحين بعد ما شبعت من أمك وشبعت من ربعك.. تصبح على خير)
فيموت كل الكلام.. وكل الشعور.. وها أنت رحلت.. وأنا بقيت.. ألوك حزني وبرد الحياة من دونك..

 
* *

 
ها هي (فرح) تكمل عامها الأول في
10/12/1426هـ..
وميلادها هو ذاته يوم انفصال والديها ..
اليوم هي ليلة العيد..
يأتي مسج لجوال منيرة.. تقفز لترى رقماً لطالما حفظته كان (توأم روحي) ثم أصبح الآن مجرد رقم.. مسح من ذاكرة الجوال..
(كل عام وأنتِ عيدي يا منيرة.. كل عيد وأنتِ حبي الأول والأخير.. تركي..)
تهاوى بداخلها كل كبرياء.. وبدأ الحنين يصرخ بجنون..
بيتها الصغير..
أحلامهما معاً..
تخطيطهما للحياة..
ولحياة فرح..
حبه..
عطاءه..
تدليله..
كم هي الحياة جافة من دونك يا تركي!
كم ظلمتك.. وظلمت نفسي!

 
* *

 
فجر العيد.. جاء ليعايد.. خرجت منيرة وسلمته فرح.. احتضنها بشوق.. فرفضت أن تترك يدي أمها.. لاحظ الاثنان أن فرح متشبثة بهما جميعاً.. وتجذبها لبعض بطريقة أحرجتهما..
رفعت رأسها إليه..
كان ينظر لها بعمق..
وفاجأته هي بدمعة سقطت على خدها..
فارتبك قائلاً:
(كل حب.. وأنتِ عيدي..) !!

 
* *

 
كيف ذاك الحبُ أمسى خبراً
........... وحديثاً من أحاديث الجَوى
إبراهيم ناجي


 
**
المرجع: مجلة حياة العدد (70) صفر 1427هـ


 



 

(2)

لا .. لن أبكي



 

اثنان وثلاثون عاماً.. لم تهزمني فيها امرأة.. كما فعلت هي..
كلهن عرفتهن بنفس الطريقة.. إلا هي..
كلهن كنت الخارج بأقل الخسائر من العلاقة إلا هي..
عرفوني أنا (بندر) صاحب العلاقات المتعددة.. أتناول الفتيات كما أتناول طبق فاكهة..
لا تهمني سمراء أو حمراء أو بيضاء..
المهم أني أمضي أيامي.. وليالي..
أعرف فلانة وعلانة.. تلك أتحدث لها كصديق
وتلك كعشيقة..
وتلك للضحك والفرفشة.. وهذه لأنها معتمدة علي مادياً.. وتحتاج مساعدتي..
لا لست بلا قلب.. ولست عابثاً..
هن من يأتين إلي..
كلهن سعين إلي ولم أجبرهن على إقامة أي علاقة من أي نوع..
إلا هي..
إلا .. سماء
يـاه.. يا لعطر اسمها.. وألقه..
وسحره..!
أتتصورون أن امرأة في الدنيا اسمها سماء...؟!!
إن لها من السماء رفعتها..
وانبساطها..
ولها أيضاً غضبها..
وجبروتها..
عرفت سماء وهي طالبة جامعية على مشارف التخرج.. من خلال طريقتي بالتعارف عن طريق منتديات الإنترنت..
كل ما أفعله هو أن أثني على مشاركاتهن.. وأتابعها برسائلي.. وأطلب منها مشورة خاصة تتعلق بأمور شخصية.. ثم تضيفني لديها بالماسنجر.. ثم نتحدث مطولاً..
ولا تلبث أن تصبح رقماً في جوالي لأوقات الفراغ..
إلا سمـــــــــاء...
تلك التي تحديت أصدقائي كثيراً في المنتدى أن تكون فتاة.. لابد لهذا العقل الجبار أن يكون لرجل.. أو لسيدة ناضجة..
ولكنها كسرت أيضاً هذا الظن..
لم تحقرني..
ولم تعاملني بجفاء..
لكنها كانت تفعل أعظم من كل ذلك..
إنها تعاملني كالآخرين.. تماماً..
بدون أي فرق..
وهذا ما كان يقتلني..
بقولون أن الرجل المغرور يعجب المرأة.. لأنه ضعيف في الحقيقة.. وغروره دليل ضعفه..
بينما الفتاة المغرورة.. لا تعجب الرجل.. لأنه يجزم بأنها تافهة.. وتتستر على تفاهتها بالغرور..
بينما ما كانت تمارسه سماء ليس غروراً.. ولا ذكاء ولا تفاهة..
إنه شيء بلا اسم..
شيء يدل على شخصها..
على البيئة التي ولدت وعاشت وترعرعت فيها سماء..
على طهر ونقاء لم أعرفه ولم أذقه مع أنثى من قبلها..
لقد ظهر لي جلياً.. كم تبدو الفتاة غالية.. حين تكون عزيزة..
حين تكون واضحة.. بلا وقاحة.. وقريبة بلا فجاجة..
لقد بدأت أشعر بالتغير منذ عرفت سماء.. ومنذ دخلت حياتي عنوة..
كنت أقول في سري.. لو كانت لي هذه الفتاة.. أقسم أني سأترك لأجلها كل وأي شيء..
لقد بدأت أرى بوضوح حجم هؤلاء الفتيات حولي.. ومصالحهن الحقيقية .. وغباء كل ما نفعله..
لقد تبدى لي ويا للتعاسة..
كيف أن سماء تعيش في جو..
لا يمكنه أن ينسجم مع جوي..
ولا يمكنني وأنا بهذه المؤهلات..
والغباء.. والضياع.. أن أجعلها تدنو مني..
ولكني بالنهاية إنسان.. يحلم..
ويتمنى..
وهذا أقل ما يمكن أن يفعله شخص يعرف مثل سماء..
أن يتمناها ويحلم بها..
لم تتحدث معي
لم تقل لي شيئاً أو تشترط شيئاً مقابل معرفتي بها..
لكني من قناعة.. قررت التخلص من كل ما قد يؤذي سماء..
تخلصت من علاقاتي الغبية.. ومن طيشي.. ومن طرقي وأساليبي التي لا تروقها..
والآن..؟
لا شيء..
لقد رحلت عني سماء..
إلى ... ما لا أعلم..
لكني أدركت الآن فداحة أخطائي..
لم أترك شيئاً واحداً مما تركته لله.. إنما لسماء.. لذا خاب مسعاي..
أدركت متأخراً ورغم كبر سني ونضجي.. أن تسخير الحياة كلها لإنسان واحد مهما علا شأنه.. ليس بالضرورة أن يؤدي للفلاح وصلاح الحال..
وأن قمة التناقض أن أسعى لإيجاد ذاتي،، في ذات أخرى أجهلها..
سأظل أدين لسماء بالكثير..
رغم كل الألم الذي سببته لي في البداية..
حين فجعتني بشخصي.. وبحياتي التافهة السابقة..
وحين قالت لي وإن كانت بطريقة غير مباشرة.. كيف أن مجتمعنا.. يقبلني أنا كما أنا.. وهي لن يقبلها أبداً.. لو عرف أنها تفكر فقط مجرد التفكير فيما أنا عازم عليه..
لقد جعلت الحمل علي كبيراً..
ودعتني لتأمل وضعي وحياتي ومجتمعي..
كنت أتألم بعد بعض علاقاتي السابقة..
لأنها تتزوج فجأة.. لأنها تتحدث مع غيري رغم علمي مسبقاً.. لأني اكتشفت وضاعة خلقها أو حقارة تصرفاتها..
كل أولئك صدمات تلقيتها لكنها لم تكن بعنف صدمتي برأي سماء وبفكرها..
وبرغبتي الطفولية الملحة أن أكون ولو هامشاً بحياتها..
لست أدري أكان حباً .. أم نوراً ذاك الذي ألقي في قلبي ساعة عرفتها..
إصراري أن أبقى نظيفاً مخلصاً ما دمت أعرفها..
وحتى بعد أن غادرتني..
أكثر ما كان يشدني.. ويؤلمني بذات الوقت..
هو قدرتها الباهرة على تحليل الأمور والنظر بواقعية لأشياء أعرفها أنا قبلها.. على الأقل بحكم سني.. بالنسبة لسنها..
كانت تعرف ما تريد تماماً..
بعكس كل فتاة عرفتها من قبل..
كانت تعرف متى وأين وكيف تتكلم..
ومتى وأين تصمت..
ولصمتها هيبة..
وكأنه لغة أخرى راقية..
لا يتقن الحديث بها سوى سماء..
كانت سماء تعيش بقلب رقيق كبير.. يحوي كل شيء.. إلا شيئاً واحداً هو أنا ...!
لقد كرهت هذه الفكرة وكادت تودي بي للحقد الدفين..
لكني تذكرت أن المحب لا يحقد..
إذاً فأنا محب..
ولقد فعلت بي سماء ما فعلت..
وجعلتني أقدم لها كل ما يرضي
لأكون جديراً ولو بالهامش..
وحين كان ثامر صديقي يصافح أوراقي ويتأملها..
ويرى مشاركاتي معها وحديثي..
يتعجب من حالي ويضحك قائلاً.. أنت تسخر حياتك وجهدك وكل ما فيك للنساء.. يا أخي ارحم نفسك...!
وهنا الصفعة الأخرى..
من أقرب صديق..
اثنان وثلاثون عاماً مرت..
على غباء أمارسه بتكرار..
لا هم لي سوى تمييز الفروق الدقيقة بين الكرزة والفراولة.. وبين التفاحة والمشمشة..!
بين صوت ريم وضحكة نوف.. بين صخب لطيفة وهدوء أبرار..
بين طول تلك.. وأناقة هذه..
وأسلوب فلانة.. وطريقة علانة..
وبالنهاية..
أتعلق بسماء..
هل رأى أحدكم يوماً ما..
رجلاً متعلقاً بالسماء..؟
إن أقصى ما نفعله هو النظر إليها..
والشعور بانبساطها.. ورفع اليدين عالياً لاستشعار هبات النسيم
وإطلاق الزفرات بنشوة..
هذه هي سماء إذاً..
نقطة تحولي..
من بندر.. صاحب اللعب والغزل..
إلى بندر.. بعفويته ومرحه وعمله وجده ومزاحه وواقعيته وأحلامه وكل ما فيه..
لن أنساها.. ولن أنسى فضلها..
لكني لن أبقى أنعاها..
وأبكيها..
بل أبكي أيامي التي مضت قبل معرفتها. وقبل أن أحدد حياتي تحت ضوئها ونورها..
لا ولن أبكي الماضي أيضاً..
ففي الغد أيضاً ما لا نعلمه من مفاجآت..
ومن حياة تستحق أن نبذل الكثير لنحياها كما يجب..
للطاعة.. للعطاء.. للإحساس بالآخرين وإعطائهم فقط لأنهم قريبون منا ولأنهم رائعون.. وليس لأننا نريد أن نمضي معهم أوقاتاً وحسب..
هذه صفحة سماء طويت من حياتي..
وها هي أول صفحة في سفري الجديد.. أكتبها لكم.. لأقول أن في الحياة خيرات كثيرة.. وسماء واحدة فقط...!!


* *

الرجل أرجوحة ..
بين ابتسامة المرأة .. ودمعتها
(جبران خليل جبران)



**
مجلة حياة العدد (79) ذو القعدة 1427هـ

 


 
(3)
 
قشور



 

لم يفاجئني الخبر..
ولا اتساع عينيها الذي يشبه المفرقعات النارية حين تضيء.. ثم يخفت نورها فجأة..
قالت لي..
- تقدم لي رائد، ووافقنا مبدئياً.. و...
لم أكن معنية بباقي كلامها وثرثرتها..
إنها بالطبع تروي تفاصيل أعرفها جيداً، وعشتها أكثر من مرة، مع أكثر من صديقة..
هاهي دانة ترتب لوداعي بطريقة أنيقة، وبمشاعر باردة، لا أثر للإنفعال عليها..
دانة..
أتعرفون ما تعني دانة..؟ بالنسبة لي..؟
حسناً..
تخيلوا..
المشي على أرصفة الرياض وأسفلتها في منتصف أغسطس، في تمام الواحدة ظهراً، وبمفردة حذاء واحدة..!
هذا هو حالي، بعد أن تغادرني دانة..
سأحترق وستظهر رائحة شوائي على الملأ، بسبب أني لن أستطيع الخروج من حالي الآن..


* * *

أمي لا تعرف سبب (عودة) حالتي السابقة بقوة هذه الأيام، أقصد انعزالي في غرفتي، صوت المسجل الذي لا يهدأ ليل ولا نهار، أيضاً التلفزيون ذو الصوت المزعج المتقاطع مع صوت المسجل، الغداء الذي تدخله الخادمة لغرفتي ويخرج كما هو، إلا اللهم (علبة الكولا) التي تصبح فارغة..
أصبحت أدير القفل في كل مرة أدخل فيها غرفتي، ولم أذهب للجامعة منذ ثلاثة أيام، وحتى موعد طبيب الأسنان لشد التقويم، قمت بتفويته عنوة..
أي شيء يستلزم أن أهتم به بعد أن فقدت دانة..؟
أي وجه سأقابل به الدنيا والجامعة وباقي الشلة، وقد فقدت ذراع دانة التي لا تكاد تفارقني..
دانة الآن مثلهن..
تتحدث بشراهة عن (التجهيز)، الأسواق، التخفيضات، الكوافيرات ومصففات الشعر والمكياج، أطقم العرائس وأفضل الصالونات والصالات والزفة وتنظيم الحفلات..
ياه..
(كلام) مقرف جداً، وليس له من وقع عليّ أكثر من وقع ماء متدفق على صخرة صلدة ..
فلتغادري يا دانة.. فأنا أكرهك..!


* * *

حنين بدأت تلحظ محاولاتي للفت انتباهها، حنين الجميلة الناعمة التي انضمت لمستوانا الجامعي هذا الفصل بمواد منقولة..
ويبدو عليها تلك النظرة الهادئة والابتسامة الواثقة حين تنظر لي،
جيد..إذاً هي لا تتقزز كالأخريات، ويبدو أن لديها استعداداً لتقبلي (كما أنا)..
أنا..
أنا التي منذ بدأت ألحظ علامات الأنوثة على نفسي وأنا منصرفة عنها، إلى علامات الأنوثة على أجساد الأخريات..
أنا التي تتحدث عنها الفتيات بالجامعة سريعاً، ويبدأن بدق أذرع بعضهن البعض بسرعة حين أمر بجوار أي من تجمعاتهن ليتحدثن عن مظهري، وملابسي، وطريقة حديثي ومشيي، وحتى نظراتي..
ولأكون صادقة أكثر..
يتحدثن عن أني (شاب) في جسد أنثى!
حسناً..
هذا يبدو معقداً شيئاً ما، لكنه ليس معقداً ولا غير مفهوم في الجامعة أبداً..
بالطبع هذا المظهر لا يبدو علي في البيت، ولا وسط قريباتي وأهلي،
بل هنا.. في الجامعة، حيث كنت في جو الثانوية المحصور بالأنظمة والتحصيل أكثر انضباطاً، لكن هنا الكثيرات.. اللاتي يسبقنني بأشواط في هذا المجال..
قمصاني الرجالية المقلمة والمنشاة، أحذية aldo الرجالية التي أرتديها دوماً، السلسال الغليظ حول رقبتي، الأحزمة العريضة، النظارة الشمسية المعتمة، الشعر القصير جداً وبالجل الكثيف، الشعيرات المتناثرة على صدغي والتي تعمدت استثارة نموها بحلاقتها والعبث بها حتى تنمو بهذا الشكل، الخاتم في خنصري، حركة يدي، مشيتي، يدي في جيوبي دوماً، والطريقة التي أنظر، وأمسك، وأتحدث بها مع الفتيات.. كلها تجعلني مجالاً خصباً للحديث في الجامعة..
وهذا..
شيئاً ما..
أحتاجه..
نعم أحتاجه، أنا آخر ثمرة في عنقود أبناء أبوي الكهلين، وإخوتي المتزوجين جميعاً..
وأبنائهم الذين يماثلونني عمراً..
أنا الخجولة الهيابة المترددة في مجالس القريبات والأهل، والمنعزلة شيئاً ما عن كل نشاط اجتماعي..
وجدت نفسي..
فمن الجيد، أن تؤول الأمور بيدي أخيراً..
وأصبح مطمعاً، وأملاً، وأصبح أنا أقود الأمور وأتحكم في بعض الناس وحديث المجالس..
الانحناءات والارتفاعات التي أرقبها في أجساد الفتيات لا تعني لي الكثير، قدر ما تعنيني تلك النظرة التي يطالعنني بها حين يقبضن علي متلبسة بالنظر المشهود لهن.. وبتلك الطريقة التي تثير ريبتهن وإعجابهن في الوقت ذاته..
هن مثلي، فتيات يملكن ما أملك، لكني تمردت على أنوثتي لأحصل على جرعتي المفقودة من الإحساس بالأهمية والجدوى في حياتي المكررة الفارغة..
كل الصديقات اللاتي قررت ضمهن لقائمتي الخاصة، بدأن ينفرطن كحبات العقد إما بالزواج، أو بالتدين، أو بإنشاء صداقات (طبيعية) مع غيري من الفتيات في الجامعة..
لكني بقيت على موقفي..
رغم التعليقات التي لا أستطيع وصفها بالجارحة، فكيف أجرح وأنا فاقدة للإحساس أساساً..؟!!
يقلن عني(مسترجلة) و(شاذة) و(مريضة).. لكني لن أبالي..
يهمني ما تقوله ريما، ودانة، وحنين، وسهى عني.. من أنهن يسعدن بصحبتي ويشعرن بالتميز، بالأهمية، ويحببن اهتمامي الخاص بهن،
وغيرتي عليهن..
ولكن هذا.. أصبح أيضاً في عداد قائمتي المملة في الحياة، لا شيء جديد، فتاة جديدة، صديقة جديدة، علاقة جديدة.. ثم.. تتغير الفتاة.. تتزوج.. تطفش وتمل.. ثم ينتهي كل شيء بغباء..
وأبقى أنا..


* * *

لأول مرة..
أحس بهذا الشعور الغارق بالهدوء..
الهدوء الذي يشبه جلوسك في (البانيو) بعد الحمام لفترة طويلة وشعرك يتقاطر ماء ولا تفعل شيئاً سوى مراقبة تنفسك بصمت..
أسير في ممرات الجامعة في طريقي لحنين، وأنا متشبعة لدرجة الارتواء بهذا الهدوء..
صافحتها ولم ألحظ – أو لاحظت ولكني تغافلت- دهشتها وهي تسأل: أين قبلتي؟
جلست بجوارها وحين وضعت يدها بيدي، رفعت يدي وشبكتهما خلف رأسي وكأني أريد التحليق بهذا الهدوء فوق العالم..
قلت لها بهدوووووووء.. هدوء شديد أخذت معه تتسع حدقتا حنين دهشة.. وخوفاً.. وضحكاً..
(حنين..
أتذكرين..؟
الفتاة (المطوعة) التي جاءت لتنصحني قبل أيام، وحاولت إفهامي أن مظهري مخالف وأنني سأندم على أفعالي يوماً ما..
أذكر أني سخرت منها، وجعلتها فرجة للغادي والرائح،ولكن عند عودتي للبيت ظل كلامها يطاردني...
حسناً..
دعي هذه البنت جانباً..
أتذكرين زواج ريما الذي اجتمعنا فيه الصيف الماضي؟
أتذكرين دعوات جدتها لنا جميعاً بالزواج، لكن تلك العجوز التفتت لي وقالت إلا أنتِ..! الله يهديك ثم يزوجك..!
ضحكت من تلك العجوز قليلاً، ولكني بكيت كثيراً عند عودتي للبيت..
دعي العجوز جانباً..
تذكرين (صيته) زميلتنا الصارمة في القاعة، التي استمعنا إليها وهي لا تدري بوجودنا خلف الطاولات وهي تقول: فلانة وفلانة وفلانة، كلهم شاذات ومريضات..!! واستمرت تعدّ الأسماء وأنا أضحك معك وأقول الآن ستقول اسمي معهن، ولكني يا حنين كنت في سري أتمنى أن لا تقوله، فلست والله منهن، وضحكنا قليلاً حين هتفت باسمي، ثم بكيت كثيراً في غرفتي..
ودعي صيته جانباً..
يوم الخميس يا حنين، تركت أختي ابنها الصغير عبودي معي فترة العصر فقط، وذهبت مع أمي..
وخلا البيت إلا أنا وعبودي ذو الستة شهور..
لقد أعطيته رضعته، وهدهدته، ونام، ثم استيقظ ولعب .. وتقيأ على ملابسي، ولكني لم أغضب، بل اغتسلت وأتيت أكمل معه ألعابه..
وعندما عادت أختي وشاهدتني مع عبودي قالت..
(للتو اكتشفت أنك لست حنونة فقط، ولكنك أم بالفطرة!!)


التفت لحنين وعيني ندية بدمع الفرح، وقلت: أنا أم بالفطرة يا حنين!
أم يا حنين..! أم..!!


* * *

(( نصف شقاء الناس، ناجمٌ عن محاولتهم أن يظهروا بما ليس فيهم، بدلاً من أن يعلموا حقيقة هذه المظاهر الكاذبة ))
الكاتب الأمريكي مكدونالد.



**
مجلة حياة العدد (88) شعبان 1428هـ

 



(4)


جرح


 

- الرمادي والأبيض..!
- لا.. أعتقد الرمادي والوردي أجمل..

- الفستان الجديد.. ناعم.. ومناسب..
خرجت عفاف هاتفة..
- سأذهب لأستشور شعري.. حتى تضعي لي المكياج..
عادت غادة تتأمل البلوزة والتنورة التي اختارتها لترتديها في (تميمة) ابن خالتها.. يزيد.. تذكرت ملامحه الصغيرة الجميلة.. فابتسمت..
وفي ساعة ونصف .. كانوا جميعهن يرتدين عباءاتهن وينتظرن الأب ليوصلهن إلى الاستراحة عفاف زوجة الابن .. بأناقتها وهدوئها ..
الأم.. بثوبها الأحمر .. وأحمر الشفاه المرسوم كيفما اتفق ..
وغادة .. بزيها الرائع .. وشعرها المصبوغ بالأشقر .. قوام ممشوق .. وملامح صارخة الجمال ..
وفي دقائق .. كانوا بالاستراحة ..

نساء كثيرات.. حلوى وعصيرات.. مسجل صاخب..
والبنات يرقصن.. راق الجو كثيراً لغادة..
مدت يدها لتسلم على خالتها.. قبلت الصغير يزيد.. وقالت لشد ما يشبهك يا خالة..
قالت المرأة الجالسة بجوار خالتها من هذه يا أم عبد العزيز؟؟
قالت: غادة ابنة أختي..
قالت المرأة: إنها تذكرني بشبابك وجمالك يا أم عبد العزيز.. ما شاء الله..
أخفضت غادة رأسها وابتسمت..
خرجت للشلة.. الكل احتفى بها.. وبدأوا يهتفون هيا.. غادة ارقصي...
ضحكت وجلست لتتحدث مع نوف.. ابنة خالتها.. جاءت ابنة خالتها الكبرى وهمست لها ولنوف أن تأتيا لترتيب السفرة..
انسلت من بين الشلة اللاهية بالرقص.. دخلت إلى صالة الطعام الواسعة.. وبدأت ترتب الأطباق بعناية.. بينما الأختان تنقلان المستلزمات الأخرى.. وبينما هم كذلك.. فوجئن جميعاً بدخول ابن الخالة الأكبر.. عبد العزيز يحمل صحناً كبيراً بقي الجميع صامتين لبرهة..
ظل الاثنان. غادة وعبد العزيز.. ينظران لبعضهما لحظةً من ربكة المفاجأة. حتى هتفت أخواته.. عبد العزيز أخرج أخرج..!
وضع الصحن وخرج بسرعة.. وظلت هي تحملق في الفراغ..
التفتت الكبرى.. هيا.. أكملوا الترتيب بسرعة.. سيدخل الرجال الآن.. العشاء جاهز..
وتحركت غادة بلا وعي..
حملت الصحون ووضعتها في المطبخ..
ذهبت الأختان لتباشرا التقديم للنساء..
وراحت هي تسير شاردة.. حتى دخلت الخيمة.. حيث كانت بعض الفتيات يرقصن..
جلست بذهول على أقرب مقعد..
فأتت صورته خاطفة أمامها.. ملامح هادئة جميلة.. فم صغير يعلوه شارب رقيق.. ثوب وغترة أنيقان.. طول فارع.. ونظرة نافذة..
- غادة لماذا لا ترقصين.. قالت إحداهن ذلك قاطعة من أمامها تلك الصورة التي لم تفرغ من تأملها بعد..
- لا.. ليس لي رغبة..
إنها تحس بالخدر في جميع أجزائها..
بدا لها الجميع.. أشباح تتحرك هنا وهناك.. وكأن غطاءً مموهاً يفصل بينها وبين الآخرين..
ولم تفق إلا والمكان خال.. قامت تجر قدميها لتتناول معهن العشاء.. تناولت ملعقتين من الأرز.. شربت ماء.. ثم شبعت..!
إن الصورة الخاطفة تمر بذهنها تترا بشكل مقلق..
وفهمت من ارتداء أمها وعفاف للعباءة.. أن وقت الخروج قد حان..
أثناء الطريق .. كان الجميع يتكلمون وهي واجمة..
وفي البيت.. أرادت أن تسترخي.. فلم تستطع.. أرادت أن تمحو هذه الصورة المتتابعة.. فلم تقدر حاولت أن تقحم ذهنها في مشاهدة التليفزيون فلم تستطع.. اتجهت لغرفتها..
لمحت عفاف تتكلم بالهاتف.. ابتسمت لها.. فلم تقدر أن تبادلها الابتسامة.. إنها تشعر بضيق لا يوصف.. لم يعد لديها رغبة بأي شيء تريد فقط أن تستعرض الصورة بكل هدوء.. أغلقت النور.. استراحت على سريرها.. سحبت اللحاف.. فعادت الصورة من جديد بكل وضوح .. آه .. أحست نصلاً حاداً في كبدها..
ولم كل هذا التفكير..؟ سألت نفسها..
عبد العزيز..
كم مرة حدثتني عنه نوف .. لم أكن أهتم .. بل إني أذكر تلميحات خالتي أكثر من مرة .. نريد غادة لعبد العزيز .. ليت كل ذلك يكون حقيقة..
ماذا لو ألمحت لنوف؟؟ لا تصرف أحمق ..
ولكني أظن أنه يبادلني نفس الشعور.. خالتي دوماً تمتدح جمالي وتربيتي.. وكذا كل أخوالي.. ترى هل سمع الكثير عني.. وأعجب بي..
مر يومان بعدها.. والهاجس ذاته يلح على غادة.. هاتفت نوف .. تكلمتا في أشياء كثيرة.. وهي تنتظر فرصة فقط لتحدثها عن عبد العزيز.. ولكن لا شيء..
مر أسبوع.. وآخر.. وهي تلاحق أخباره ..
تتصيد أي كلمة عنه .. ترجو لو تلميحاً من أخته على الأقل..
تمنت لو زيارة لبيت الخالة.. ولكن الجميع مشغولون بالدراسة والعمل..
وتطور الأمر في قلبها.. إنه هو.. الحب.. لقد قلب كيانها.. وصار شغلها الشاغل.. تذكرت كل مواقف الطفولة معه، وهناك حلقت بعيداً تصورت أنها وعبد العزيز زوجين.. نظرات الإعجاب من الصديقات.. العش الجميل الهادئ الذي سيجمعهما..
بعد أيام .. صدر القرار السعيد .. سيذهبون لزيارة الخالة..
وفي بيت الخالة .. جلس الجميع يتحدثون.. كانت خالتها سعيدة بشكل لا يوصف.. نظرت إليها بإعجاب وهتفت فجأةً.. ما شاء الله عليك يا غادة، ليتك كنت من نصيب عبد العزيز..!
وجمت لبرهة.. استمروا يتحدثون..
التفتت أمها وقالت.. أها مبروك يا أختي ما سمعنا عن عبد العزيز.. صحيح خطب مها بنت أخي صالح؟!
غارت كل الملامح من وجه غادة.. أحست وكأن صفعة قوية خدرتها.. أحست بحرقة في عينيها .. أرادت أن تهرب بنظراتها فوقعت على عيني عفاف..
نظرت إليها بحنو وعمق.. وقامت من فورها ودخلت دورة المياه..
وفي البيت.. أحست بذلك الضيق الذي يكاد يمنعها من التنفس.. غصة قوية تسد حلقها.. فارتمت على سريرها تبكي..
دخلت عفاف.. احتضنتها.. نظرت غادة إليها متوسلة قالت عفاف:
كنت أعرف.. من أول يوم أتينا من تميمة يزيد أحسست بك..
ولكني تركتك.. لعلمي أنك لن تصغي لكلامي حينها.. لأن ما تحسين به سيكون أقوى من كلامي ومن كل كلام..
صدقيني يا غادة.. ستكون مجرد ذكرى عابرة.. وستبتسمين ساخرة يوماً من هذه الذكرى ..
أفاقت من حلم طول.. طويل.. كان كالغلاف يفصلها عن كل ما حولها..
تذكرت مستواها الدراسي المتراجع.. تذكرت حديثها مع صديقتها حين ألمحت لها عن مشاعرها .. لشد ما يدعوها ذلك للخجل..
لقد كانت كل حركاتها.. تصرفاتها كلامها.. وحتى نظراتها.. متصنعة متكلفة.. تفعلها وكأن عبد العزيز كان يراقبها.. أو كأن أحداً سينقل له كل ما تفعله وتقوله..
وكم تشعر بالإرهاق.. بل بالتفاهة والصغر..
كم هو مؤلم هذا الشعور..
كيف أرخت العنان لمشاعرها بهذا الشكل .. كل هذا من مجرد نظرة عابرة ..
وهل يستحق الأمر كل ذلك ..
هل يستحق الألم ..
ولكنها ذاقته .. وأحست به..
سيكون ذكرى.. بل ربما جرح.. سيندمل مع الأيام.. وستخرسه الأيام بآلامها وآمالها.

إذا كان الحب فصلا في حياة الرجل .. فهو تاريخ المرأة كله .. !
عبد الله الجعيثن


**
سارة بنت محمد الخضير/ الرياض
مجلة حياة العدد (41) رمضان 1424هـ

 


(5)

 
رسالة.. إلى قلب ندى
 


 

إحساسي بالغربة هذه الأيام يزداد..
كل ما حولي أنكره وأسخط عليه .. وازداد غرقي في الأحلام حتى
النخاع.. ورحلت بروحي هناك..
لعالم أصنعه بنفسي فلا أجد فيه ما يعكر مزاجي المعكر دوماً
وأبداً.. وهذا مما زاد وحدتي وغربتي وإنكاري لكل ما حولي.. وبدت كل
هذه القتامة على كتاباتي .. وخططت مذكراتي باللون الأسود.. وحتى
حديثي مع الآخرين تأثر بكتابتي.


فكل من يلقاني يقول:
- سلامتك يا ندى تعبانة؟؟
فأومئ برأسي يميناً وشمالاً.. وأغادر دون تعليق..
(والحقيقة أني أحس بنشوة إذا غادرت المكان ونثرت الأسئلة ورائي)..
- ما بها ندى اليوم؟؟
- (أحد زعلها)؟؟
- أكيد..!
- لا.. كلكم تعرفون مزاج ندى المتقلب كموجات الأثير..!! هذا ما قالته وفاء..
أرأيتم كم أحب لفت الانتباه.! إني أبحث عن قلب يحتوي كل هذه الرعونة والكم الهائل من سخافاتي.. قلب على الأقل يجاري سخافاتي.. ولا يصدمني.. ولا يخذلني..!
قالت لي وفاء ذات يوم:
- ندى.. قلبك هذا غير طبيعي..!
رفعت حاجبي وقلت: كيف.؟!
- أوه أقصد أنه كبير.. كبير..! وظلت ابتسامة حائرة على شفتي.. وغادرت وهي تقول: لا تنتظري قلباً بمواصفاتك القياسية..!
وتركت وراءها حيرتي التي ما زالت تبحث عن قلب..
همست لوفاء ونحن في محاضرة الأدب (تعجبني آمال أحببتها من كل قلبي هكذا بلا سبب..!)
ضحكت وفاء وهمست: (هل جلست معها أو حدثتيها..؟) قلت: لا.. قالت: (غريب- وركزت نظرها إليَّ- ندى على أي أساس يدخل الناس قلبك..؟) قلت: ولكن إحساسي يصدقني.. حتى نظراتها تقول أنها صادقة.. هزت وفاء رأسها واستمرت في كتابة ما يمليه الأستاذ قائلة: (الأرواح جنود مجندة)
أعجبني كلامها وارتحت له..
ولكني ما زلت أبحث عن قلب.. وجرأتي تخذلني أن أتقدم لقلب آمال.. وأخطفه..!
أحضر أخي الرسائل البريدية ورماها أمامي.. ضحك معلقاً: يبدو أن البريد باسمي والرسائل لك.. بكم تشترين الصندوق مني..؟ واستمر يضحك.. هذه من المجلة خطاب شكر، هذه من البنك كشف حسابي، هذه عروض متاجر، وهذه رسالة. يا لروعة تغليفها وترتيبه. نظر أخي بفتور ثم غادر المكان، فتحت الرسالة.. كانت متقنة بالفعل ويبدو أن صاحبها قد أعاد قراءتها عشرات المرات قبل إرسالها.. أمسكتها وأحسست بقلبه ينبض بين السطور.. وختمها بتوقيع (الغريب)..
ضغطت على نداء خفيض في أعماقي.. واغتصبت ضحكة ساخرة.. وقلت: هه.. ترى من أي مجلة شعبية نقل هذه الكلمات..؟!!
نقلت نظري بين طالبات القاعة.. ما زلت أبحث عن قلب ينبض بأشياء أحبها..
ورحت أحدث نفسي.. هل قلوب كل هؤلاء مضخات آلية للدم..؟ إنهم لا يروونها بأي طاقة..!
ومضى اليوم الدراسي ككل الأيام ثقيلاً وبارداً .. بارداً جداً..
وتوالت رسائل (الغريب).. وامتلأ بها بريدي.. وذهلت لقريحته التي لا تنفد.. نحو فتاة مجهولة..
وفكرت كثيراً بأمر الرسائل.. وتحولت سخريتي منها.. إلى تفكير دائم فيها، وأخذت حيزاً من أحلامي التي حدثتكم عنها، وتحدثت عنها بإسهاب لوفاء..
ولكن أحداً لم يعرف إلى الآن.. أي صوت خفيض ذاك الذي كتمته في أعماقي..
ربــاه..
خلصني من غربتي ومن دوامة الرسائل المشتاقة هذه.. التي أرسلت لي عمداً.. لتقصدني من بين آلاف القلوب الآلية.. لقلب يضخ العاطفة، ويعتصر الوحدة، لتحل في سويداه، وتأخذ كل اهتمامه، تستولي على أحلامه..
إنها تؤذيني.. تكاد تجرني لهوة سحيقة ..
يا رب خلصني منها.. يا رب..



تتبع الحب روحي في مسالكه
..... حتى جرى الحب مجرى الروح في الجسد

العباس بن الأحنف


**
سارة بنت محمد الخضير/ الرياض
مجلة حياة العدد (42) شوال 1424هـ

 

(6)

آهات

 

كان مساءً هادئاً... جلست الأم وابنتها يستمتعن بارتشاف القهوة.. الكل يسبح في عالمه.. ثم تلتقي الأعين مصادفة.. وتضحك المقل لتقول: أعرف بماذا تفكرين..!

يبدو الجميع مشغولي البال بالعريس الجديد لنورة..

الأم تدير الفنجان بيدها شاردة.. العنود تنقل نظراتها الشقية بين عيني أمها الشاردة وعيني نورة الساجيتين..

قالت بمشاغبة: ستوب..!! توقفوا عن هذا السرحان.! إنه ليس الأول الذي يتقدم لنورة! ويبدو أنه ليس الأخير.. ثم ضحكت، ورفعت إليها نورة نظراً فاتر قائلة: هل من الممكن أن نستمتع بالقهوة دون إزعاجاتك المتكررة؟

أخرجت لسانها قائلة: لا..

وضعت نورة الفنجال وغادرت الصالة..

نظرت الأم لعنود معاتبة.. قالت عنود وهي تمط شفتيها.. مغرورة! ثم أخفضت رأسها وتمتمت: "يحق لها ذلك..

الكل يستعد.. كل شيء جاهز.. الشاي القهوة.. البخور في المجلس.. والعصير والكعك.. إنها النظرة الأولى..

قالت العنود ضاحكة: ما هذا الجمال يا نورة؟
سيغمى على الرجل!! واستمرت تقهقه ..


هتفت الأم: ما شاء الله..

استدارت نورة للمرآة للمرة العاشرة.. قالت العنود: أقسم أنك جميلة.. وأجمل ما رأت عيناي..

فابتسمت نورة..
وتقدمت للمجلس.. حاملة صينية العصير.. وقف فيصل مبـهـوتـاً لمرآها .. طول فارغ.. خصر أهيف ينثني رقة ونحولاً.. شعر مسدول على الكتفين كقطع الغيوم تغطي وجهها الوضيء.. نظر أخرى.. فوقع عليهما.. على بلورتين تلسعان تحت أهداب سمراء طويلة أغضت بخفر.. ثم خرجت..


كانت العنود تثرثر كالعادة.. أما هي فهناك.. شاردة مع الواقف أمامها كالمخدر.. ينظر بذهول لتفاصيلها.. فلأول مرة يخفق قلب نورة تقدم العشرات لم ترض بأحدهم..
فقط فيصل.. ارتاحت لمجرد ذكر اسمه، فوافقت لأول مرة.. أن يراها خاطب..


ومن هذه الرؤية.. خفق قلبها بلذة، ذلك القلب الذي طالما استهزأ بتلك الخفقات وما اعترف يوماً بالحب أو بالمودة..
أقامت بينها وبين الحب حاجزاً طويلاً صلباً.. صعب الاختراق.. تكرهه، وتكره أحاديث العنود المتكررة عنه العنود.. المحرومة من مثل جمالي ورقتي.. لها قلب ينبض بذات الإحساس.. الذي أحسه الآن.. إنها تقرأ كثيراً.. روايات وأشعاراً وقصص حب لا تنتهي.. تبكي أمام الأفلام والمسلسلات، وتستمع كثيراً لأغانٍ رومانسية.. أما أنا فدون ذلك كله.. إني أراه خطراً يحدق بي .. مزلقاً أخاف على نفسي منه.. عذاباً يصطلي به هؤلاء العشاق.. ولكني أراه الآن.. بل أحسه.. طائراً يشدو بعذوبة.. على أغصان قلبي..
يا الله..!!
أصبحت أتكلم مثل العنود.. .. !!


أضحى الحديث عن فيصل.. أحلى حديث تلتقطه أذن نورة.. والإعداد للخطوبة.. أمر يرفّ له الفؤاد.. إنها تداري كل ذلك أمامهم.. تكتمه وتخنقه في أعماقها تحت ستار من التجهم والتقطيب..
وفي غرفتها..
تطلق العنان.. تنثر شعرها الجميل.. توقد شموعاً.. ترش عطراً ساحراً على جسدها وسريرها..
وتستلقي فقط.. لتفكر فيه.. لتنطلق في فضاءاته.. وتدور في فلكه..


وحين انسحبت لغرفتها ذات يوم.. تجمع الأهل متجهمين.. إذ كيف ينقلون لنورة خبر انسحاب فيصل من الخطوبة لأنها ترفض السكن مع أهله.. الجميع قلقون.. قالت أمها: يبدو أن البنت أصلاً غير موافقة، ألا ترون عبوسها وتجهمها؟ والتفتت لترى إن كانت العنود تؤيد كلامها هزت كتفيها أن .. لا أدري..

قال الأب: لا حيلة لنا.. الرجل انسحب بنفسه.. البنت معززة في بيت أبيها، وخطابها كثيرون..
وانتهى الأمر..


نقلوا إليها الخبر ببلادة..
لكم تمنت أن تصم أذنيها ولا تسمع هذا الخبر الغير متوقع .. بكل بساطة أنا نورة.. وبعد أن تنازلت عن الكثير.. ومال قلبي له.. يذهب ويتركني..؟ هذا جرح لا يغتفر..
ومن هو حتى يفعل بي ما فعل؟!


نسي الجميع الأمر إلا نورة .. ظل في فؤادها جرح غائر ينزف بالدم عند كل ذكرى..

وأحاديث العنود المعتادة عن الحب لا تكف.. تعبث بجراحها.. تلمس وتراً حساساً يسكن أعماقها.. ولكنها لا تستطيع الإفصاح.. فكبرياؤها مكسور.. لن تقول لا بعد اليوم.. ولكنه لا يخمد أبداً.. لا يهدأ ذلك الألم في صدرها لذكراه..

أدارت العنود المسجل كالعادة.. كان لحناً شجياً مؤلماً فهتفت نورة متضايقة آه يا عنود .. كفى أغلقيه .. التفتت إليها العنود بدهشة.. لقد رأتها وقد فاض الشعور بنورة فطفرت الدموع بعد طول كتمان..
قالت عنود وهي تحملق فيها نورة تبكين؟! أشاحت بوجهها وأشارت لصدرها قائلة: هنا.. المشكلة هنا يا عنود .. إنه لا يهنأ ولا يجعلني أنسى.. آه.. وقامت لتغادر الغرفة..
احتضنتها العنود قائلة: آسفة لم أكن أقصد اختيار هذه الأغنية بالذات..
رفعت نورة رأسها وكأنها أفاقت من سكرة.. وقالت نعم: نعم يا عنود إن جرحي يتجدد لمجرد سماعي لأي أغنية.. كدت أنساه. بل إني أقسم أني نسيته في الفترة الماضية.. ولكن الأغنية نكأت الجرح.. أيقظت الألم النائم.. إني أضعف أمامها..
ولكن لا.. هذا لا يشفي ما بصدري.. ونظرات مستعبرة لعنود.. وقالت: أريد أن أرتاح..
قالت العنود: لن ترتاحي.. أنا جربت.. سترتاحين هناك.. أشارت للسجادة.. وبرقت عيناها..
نظرت نورة بفتور وقالت شبه ضاحكة: أنتِ تقولين هذا الكلام؟!!
قالت عنود:
أنا جربت الاثنتين... وأعلم أين راحتي الحقيقية.. استمراري في الخطأ لا يعني أني أرتاح له، ولكن يعني أني أعترف أنه خطأ وغيره صواب.. وها أنا أقول لك الصواب.. لأنك تريدين الراحة فقومي.. لتنسي آهاتك.. ولتنسيه..




الحب أعمى..
والمحبون لا يرون الحماقة التي يمارسونها

شكسبير
 
 

**
سارة بنت محمد الخضير/ الرياض
مجلة حياة العدد (43) ذو القعدة 1424هـ

 



(7)


وبقيت أنا..




فاجأتني أختي ريناد تقول:
- هيا يا ريم عادل عند الباب
التقطت عباءتي وحقيبتي، ودعت النساء بسرعة فعادل لا يحتمل الوقوف لدقائق لينتظرنا.. خرجت أنا وريناد نركض.. ليكون لي قصب السبق في الركوب وحتى لا يقول عادل: ريم آخر من يركب دوماً..!!
ارتميت على المقعد وأنا أهتف: أمي ستأتي الآن.. والتفت لأصرخ بريناد: اركبي..
وتفاجأت أن عادل لا يتكلم... بل التفت إليّ بهدوء وهو يبتسم.. وحينها تنبهت.. أن هناك شخص يقبع في المقعد بجانبه..
ابتلعت ريقي وسكت.. وكذا ريناد صمتت – على غير العادة- وساد المكان هدوء شديد خلت معه أني أسمع دقات قلبي..
وحين ركبت أمي قال عادل: أمي.. هذا وليد.. يسلم عليك...
- أهلاً يا خالة.. كيف حالك؟
وكان الصوت.. كيف أصفه؟ حسناً.. إنه من ذلك النوع الهادئ القوي بذات الوقت.. لقد كان صوتاً يترك في المكان شحنات تشد الآذان إليه شداً..
- بخير يا بني.. كيف حالك؟ وأمك؟
ووجدت عيني بلا شعور تقع عليه.. كان يعطيني ظهره.. كتفاه عريضتان.. ومظهره رياضي غاية في الأناقة.. وشعره.. مقصوص بعناية...
خفضت عيني لأستوعب كل ما أمامي أكثر.. ثم رفعتهما أخرى.. فإذا هو يلتفت لعادل ويبتسم وهما يتمتمان..
بالتأكيد يضحكون على موقفي السخيف..!!
ولكن.. ابتسامته.. هي الأخرى كيف أصفها.. باختصار كانت جذابة.


* * *

حين أمسكت كتاب الأدب، كانت المعلمة تقرأ بصوت مرتفع.. لكنه على كل حال لم يطغى على شرودي وانغماسي في أفكاري..
إن صورة وليد لا تفارقني.. وكذلك سؤالي لماذا أفكر فيه إنه لا يفارقني..
الآن فهمت..
حرصه على توطيد العلاقة بين العائلتين.. وإشادته – على لسان عادل – أن طبخ بيتنا لذيذ! والكتاب نعم.. الكتاب الذي طلبته من عادل لأنه من مراجع البحث.. عندما سأل وليد عنه أخبره أنه لي وفي اليوم التالي.. كان الكتاب عندي!! ماذا لو كان يشعر بما أشعر به.. هل يبادلني وليد المشاعر حقاً؟ ريم اقرئي.. استفقت كالمذهولة.. فإذا الفصل غارق بالضحك..
إني أتذكر ذلك المساء جيداً.. كان كل شيء فيه جميلاً... وعندما يحيطك الهدوء.. وتشعر بأنك بانتظار أمر مفرح.. يصبح لعينيك بريق عجيب.. وهما ما رأيته في مرآتي ذلك اليوم..
لقد قالها عادل: ولو كانت على سبيل المزاح.. ولو أنه علق عليها هو وأمي بالضحك.. إلا أنه قالها.. وليد يريد ريم.. وغاب عني كل ما حولي.. رقصت الدنيا.. وأزهرت وابتهجت.. ولكن في غمرات سعادتي.. نسيت أن أقول أن عادل.. عادل الذي أعرفه جيداً.. بكل أنانيته ولامبالاته.. أردف قائلاً وكأنه يحاول سحب كل تلك البهجة التي تغمرني: (ولكن لن تكون له ريم.. حتى يعطيني أخته منى..)
حاولت تجاوز هذه الغصة.. فشرط أخي يقلقني.. وكلما تذكرت وليد تشجعت.. ولكن عادل يقف أمامي بغروره وكأنني لا شيء.. فيفسد فرحتي.. إنها فعلاً عقبة.. لأنني أعرف عادل جيداً.. وأعرف أن منى أعقل بكثير.. من أن ترتبط بشخص كعادل.. ولو كان أخي..


* * *

ككل شيء جميل في الدنيا.. تكون أنفاسه قصيرة.. وساعاته معدودة.. وكذا كانت فرحتي بوليد..
بأول نبض أحسسته بقلبي الغافل النائم بين ضلوعي لا يعلم عن شرور الدنيا شيئاً.. وحينما أقول شرور.. فهو بالتأكيد.. أخي عادل.. الذي قطع بعنجهيته علاقة رائعة مع صديق أروع.. لأجل مصلحته الشخصية وحساباته الخاطئة.. .
وجاء إلي متبجحاً ليقول: (أتدرين ماذا يقول وليد المغرور هذا.. يقول كان تحملي لصداقة مثلك غالياً.. تحملتك لأجل ريم.. ولكن صدقني.. ستخسرني يا عادل وستخسر ريم والأفدح أنك ستخسر احترامك لنفسك).
قال ذلك زاما شفتيه باشمئزاز: ثم أردف.. (فعلاً كنتما لائقين.. فهو مغرور.. وأنتي تقدسين بغباء غروره..)
لكن عادل في الحقيقة لم يكن يتكلم...
بل يلقي شظايا حارقة.. تكسر نفسي.. وتحيلها حطاماً متناثرة..
وافترق صديقان..
وافترق قلبان..
قلب.. ربما نبض بمثل ما ينبض به قلبي.. ولكنه ليس أقوى بالتأكيد.. لأنه لم يناضل من أجلي حقاً.. وإن كنت أعد تحمله لأخي عادل كل هذه الفترة شجاعة نادرة.. فمن ذا يطيق عادل؟؟
ولكنه تحمل لأجلي.. وخسر.. فانسحب..
وعادل قلم بدوره على أكمل وجه..
وبقيت أنا.. بين عادل ووليد.. ألملم شتات نفس.. سيطول تبعثرها.. وضياعها..




أنا أحيا في صراع من دمي تيهاً وكبرا
... فأماني برغم الحب.. أحرارٌ وأسرى
سعاد الصباح


**
سارة بنت محمد الخضير/ الرياض
مجلة حياة العدد (44) ذو الحجة 1424هـ
 

(8)

إلى أغلى الناس

آن الأوان لأبوح بحبي.. وأن أخط بأحرف من نور قصة عشقي... لأحكي لك .. ولكل الناس كيف دخلت قلبي فأغلقته للأبد، أنت يا أغلى الناس.. روحي التي أداريها بين جوانحي .. كيف أبدأ .. بأغرب قصة حب..

بدأت كما تنتهي القصص.. لم تبدأ بحب .. بل بكره، كرهتك فأحببتك.. تصوّر..!!

لم يكن اختيارك من بين ملايين الشباب بيدي.. بل بيد والدي.. فوالدك طلب.. ووالدي أعطى..

استقبلتك بالدموع يوم عرسي.. لم تحظ مني بنظرة ولا بكلمة.. فكل همي أن أبتعد عنك قدر استطاعتي..

كرهت حتى حديثك.. حركاتك..... سكناتك.. وبالأخصّ... كرهت عكازك البغيض.. وقدمك المعطوبة التي تجرها كلما أردت الخطو..

لم تكن في ظني سوى معاق.. لا فائدة ترجى منك.. ليس معك أنس ولا بمقدمك فرح.. فبالله عليك أيها الغالي.. كيف دخلت قلبي..؟!

أنت أذكى العشاق.. دخلت قلبي بهدوء.. دون ضجيج .. . ولا إشعار ولا بكاء.. عندما جافيتك في البدء.. لم تفرض نفسك عليّ.. لم تعاملني كزوجة.. بل كصديقة.. تشاركها الهموم.. والمسكن فقط..

حدثتني عن طفولتك.. وعن دراستك وتفوقك.. عن والديك ومواقفك الطريفة.. وحدثتني بكل فخر.. عن قهرك لإعاقتك..
استغربت أسلوبك...
لم تحاول أن تشير لي أبداً .. أنني أعني لك أكثر من صديقة..
حاولت اجتذابي أكثر..
فكنت في كل عطلة أسبوعية تدعوني للعشاء في أفخم المطاعم...
رأيت معك أجمل الأماكن.. أحضرت لي بذكاء كل ما أريد دون طلبي.. وراعني ذلك التحول المفاجئ في عواطفي نحوك...
كنّا نتعشى على ضوء الشموع ذات ليلة .. وكنت أحرك ملعقتي في الصحن دون أن آكل.. وأنقل بصري بفتور بين صحني.. . والتلفاز. وفجأة.. رأيتك بهدوء.. . تختلس النظر إليّ.. .
كانت نظرتك.. . عميقة.. حنونة.. ونديّة.. .
أما إذا التقت الأعين.. . فإنك تهرب تاركاً الأسئلة تثور في ذهني.....
ماذا يريد.. . .؟!!
لماذا أحببته الآن.....!
أنا أكرهه.. يجب أن لا أنسى ذلك.. كررت تلك النظرة.. وتكررت الأسئلة في ذهني حتى خفّت حدتها.. وحلَّ مكانها.. سكون عجيب.. وراحة.. . وطمأنينة نحوك، أصبح كل أنسي أن أجلس بين يديك....
وكل همي أن أنام وأنت عني راضٍ..
وكل ما يشغلني.. راحتك.. وأنسك..
لا أصبر أن أفارقك.. حتى تعود من عملك.. . كنت كالهم الجاثم على صدري... فأصبحت حباً نابضاً في قلبي...
وها أنا أقول بخجل.. . إنني كرهتك – سابقاً! - لا لشيء... إلاّ لإعاقتك.. . .!
وها أنت ... تثبت لي ..... وللجميع...... أن المعاق.. معاق بذهنه لا بجسده.. . نعم كنت أنا المخطئة إذ ظننتك معاقاً....
لم أستطعم روحك... وجمال سريرتك... إلا عندما اقتربت منك.. . ودخلت أعماقك..
وهناك...
تهت.... حيث أغرقني حبك.. .
وعرفت حينها.... أنك تختلف عن كل الرجال.. . لا لأنك معاق .... بل..
لأنك عاشق...... لا يوجد مثله في هذا الزمان....


زوجتك المخلصة ،،،

ما الحت من حسن ولا من ملاحةٍ
........... ولكنه شيئٌ به الروحُ تكلف

الظاهري

**
سارة بنت محمد الخضير/ الرياض
مجلة حياة العدد (45) محرم 1425هـ



 

تحرير: حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

البيت السعيد

  • قبل الزواج
  • البيت السعيد
  • لكل مشكلة حل
  • أفكار دعوية
  • أفراح بلا منكرات
  • منوعات
  • تربية الأبناء
  • دعوة الأسرة
  • الصفحة الرئيسية