اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/mktarat/almani/m/14.htm?print_it=1

موجة إلحاد

أحمد ال هداف


 بسم الله الرحمن الرحيم
 

على مدى التاريخ لم يحدث أن تمالأ الناس على الإلحاد وتواطئوا على الكفر كما يحدث في زماننا هذا فلا تكاد تجد من يقدح في الدين أو يهزأ بالكتب المنزلة والنبيين أو يتعدى على رب العالمين "جل جلاله "إلا وله متابعين بل أنصار ومؤيدين وآخرين يبررون أفعاله وينسبونها الى حرية التعبير أو الجهل والتغرير وكأننا أمام موجة من الإلحاد والعداء العالمي للدين .
ففي أوربا نبتت جذور الإلحاد كنتيجة حتمية للفكر المنحرف حول الإله والدين الذي تبناه الغرب إبان الصراع بين الكنيسة من جهة وبين الحريات والعقل والعلم من الجهة الأخرى وظهور الأيدلوجيات والأفكار الشمولية في شكل ثورة على سلطة الباباوات والملكية والإقطاع المتلبسة بالدين والتي كانت حجر عثرة في تطور تلك المجتمعات ونهضتها وربط الدين بالظلامية والرجعية والإنهزامية وتبني شعار " اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قس " الذي خرج من رحم الكنيسة حيث ضمنه القس الملحد "جان ميلييه " وصيته بعد أن رأى أن الكنيسة والتعاليم المسيحية المحرفة ماهي إلا رمز للتسلط والإستبداد الذي مورس على الشعوب لقرون في عصور الظلام ثم يخرج "ماركس" ليقول إن " الدين أفيون الشعوب" مترجما واقع الحال للشعوب المهمشة والمغيبة في أوربا المسيحية أنذاك وبعدها يأتي " نيتشه" ليعلن "موت الإله " كما يدعي لتنفك تلك القيود الجائرة على عقل الإنسان ونفسه ويبدأ عصر من الحرية المنفلتة في كل مجالات الحياة لينقلب الإنسان بعدها على نفسه فلا يعود يؤمن بفضيلة ولا قيمة إلا في حدود ماتقتضيه المصلحة وتدعوا اليه الحاجة والرغبة فيخرج بذلك من عبادة الله الى عبادة الهوى والشيطان وبينما هو يرتقي في سلم المدنية وأسباب العيش الى أبعد من حدود الخيال في ظل تقدم العلم والتكنولوجيا نجده ينحط في جانب القيم والأخلاق الى أدنى مما كانت عليه الجاهليات القديمة فمن تسلط على الأمم الأخرى بالتجويع والقتل والتشريد الى صراعات أدت لحربين كونيتين حصدت عشرات الملايين من البشر بمبررات واهية تحت قناع الديمقراطية والحرية التي جعلت من أدبياتها أن الإنسان مجرد حيوان ناطق يسعى خلف شهواته بلا رادع نفسي أو قيمي بعد أن تخلص من عقدة الدين وأشاع الفواحش بكل صورها في ظل قوانين تحميها وتعين عليه .

ونتيجة للتلاقح الثقافي وكردة فعل للصدمة الحضارية كان لدول العالم الإسلامي نصيبها من هذا الإرث الغربي الصرف حيث أخذت من ضمن ما تلقت من حيثيات الحضارة الغربية في العلوم والإعلام مفاهيم الغرب حول الدين والإله في آخر صورها دون سبر أغوارها و النظر في أسباب ومقتضيات تلك المفاهيم وظهر لدينا مسوخ بشرية تدعي أنها تحمل مشعل النور الذي يضيئ لمجتمعاتها طريق التقدم والرقي فانساق لهم كثير من الدهماء الذين وجدوا في تلك الصورة المزيفة للإنسان المتحضر نموذجا للحرية ورمزا للخلاص من التبعية والرجعية .

فنشأت الصالونات والمقاهي وعقدت الندوات والمحاضرات التي جيئ بأفاكيها من أقطار الأرض وأصبح التجديف بالدين ظاهرة ثقافية من خلال ما يتردد على ألسنة بعض المحسوبين على الفكر والثقافه من كتاب وصحفيين وإعلاميين تجاه الدين ورموزه بدعاوى باطلة يمكن تلخيصها فيما يلي :-


1- بدعة التفريق بين الشرع والفقه والتشكيك في الفقهاء والعلماء ليقول كل في دين الله على هواه ويضيع الدين الذي ورثه العلماء عن الأنبياء على ألسنة الدهماء ويهدم ركن ركين من العلم الشرعي وهو الفتوى ومن ثم القضاء الشرعي بحجة أنهما إجتهاد شخصي  .

2- الحديث عن الكتب الصفراء والأموات الذين يحكموننا من قبورهم بأفكارهم وواقعهم بحجة فقه الواقع والتجديد الديني لعزل الأمة عن تراثها الديني في القرون المفضلة وفهم السلف .

3- إطلاق مفاهيم مثل العلمانية " فصل الدين عن الحياة " واللبرالية " حرية الفعل والاعتقاد " ومحاولة التلبيس على الناس حول مدلولاتها والسياق الذي نشأة فيه كي تشيع ويتقبلها الناس وينتمون اليها بغير وعي حول معناها وسياقه .

4- دعوى الحاجة الى التفريق بين الدين والتقاليد في محاولة لتغيير المفاهيم والمظاهر الإجتماعية التي أساس منشأها ديني ومن ذلك نبذ الحجاب وإشاعة الإختلاط بحجة أن الامة الاسلامية مرت بقرون من الظلام جعلت من العرف مرجعاً للسلوك الاجتماعي .

4- إضعاف الرقابه من خلال الحد من دور الابوين والتقليل من شأن الولي والمحرم ومفهوم " المجتمع الأبوي أو الذكوري" الذي يزعم أن مجتمعنا يقوم على سلطة الرجل ويظهر المرأة والأبناء على أنهم أسرى لفكر الرجل وسلطته بهدف تفكيك الأسرة وتعميق الفردية حتى يصبح المجتمع عبارة عن أفراد مشتتين فكريآ ونفسيآ مما يسهل الوصول اليهم ومن ثم التأثيرعليهم وتنميطهم فكريا وسلوكيا ومن ثم توجيههم بأي وجهة .

4- النقد الممنهج للمؤسسات التعليمية والتوجيهيه والرقابية كالكليات الدينية ودور تحفيظ القرآن وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإظهارها والقائمين عليها بمظهر الرجعي والظلامي والمتسلط .

5- التلاعب بالنصوص الشرعية بإخضاعها للنقد بحجة الرغبة في فهمها
أو تمحيصها مما قد دس فيها والحكم عليها بالذوق ورد ملا يتفق مع الهوى والشهوات .

6- التعدي على ذات الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم تلميحا وتصريحا كما في أدبيات أهل الكتاب بصفات السلبية والضعف والخطأ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

7- إبراز المجدفين بالدين والملحدين وبعث أفكار وكتب الأولين منهم وإظهارهم بمظهر الابطال و المخلصين والمفكرين الذين يسعون لتخليص الانسانية من رق الجهل والتخلف بإسم الدين


أحمد ال هداف

 

مذاهب فكرية

  • كتب حول العلمانية
  • مقالات حول العلمانية
  • الليبرالية
  • الحداثة
  • منوعات
  • رجال تحت المجهر
  • الصفحة الرئيسية