اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/manahej/49.htm?print_it=1

أكثر من 100 موقع تنشر هذا الخبر عن صاحب السمو الملكي الأمير ...!

 

فتى الادغال


ممّا طوّفَ مؤخراً في آفاق الفكرِ والمعرفةِ، ما تحدّثَ بهِ صاحبُ السموِّ الملكيِّ الأميرُ محمّد العبدالله الفيصل – وفّقهُ اللهُ -، لقناةِ العربيّةِ، حيث ذكر أنَّ مناهجَ التعليمِ في المملكةِ ليستْ بريئةً من الإرهابِ، وأنَّ المناهجَ أخرجتْ الإرهابيين، وأنّهُ لعدم ثقتهِ في مستوى التعليمِ في المملكةِ، آثرَ أن يبعثَ بأبنائهِ إلى الخارج للدراسةِ.
وقد كنتُ أظنُّ أنَّ كلامهُ لن يتجاوزَ حدودَ البرنامجِ، فإذ به يشرّقُ ويغرّبُ وينتشرُ، وذلك لشهرتهِ ومكانتهِ في أوساطِ النّاسِ، فغشيني من الهمِّ لذلك ما غشيني، فقد تلقّفتهُ الأنفسُ الحانقةُ الحاقدةُ، وطارتْ بهِ في الآفاقِ، ونشرتهُ مختلفُ المواقعِ والمنتدياتِ، بما فيها منتدياتُ الرافضةِ والملاحدةِ والعلمانيينَ، واتخذوا منهُ ذريعةً للطعنِ في أصولِ هذه المناهجِ وموادّها، متوصّلينَ بذلك إلى الطعنِ في هذهِ البلادِ المباركةِ، وهذا ممّا لا يُرضي الأميرَ قطعاً، ولا يرضي كلَّ غيورٍ على دينهِ وعقيدتهِ.

ورغبةً منّي في مناقشةِ هذه الفكرةِ، انتصاراً لدينِ اللهِ تعالى وشريعةِ نبيّهِ محمّدٍ صلى الله عليه وسلّمَ أوّلاً، ونصيحةً أخويةً لسموِّ الأميرِ محمّد – وفّقهُ اللهُ - ثانياً، ثمَّ حميّةً منّي وعصبيّةً لمناهجِ العلمِ والتعلّمِ في هذه البلادِ المباركةِ، وهي عصبيّةٍ لا تخلُّ بالمروءةِ ولا تقدحُ في العدالةِ، رغبتُ في كتابةِ هذه السطورِ، لعلَّ اللهَ أن يجعلَ فيها خيراً وبلاغاً إلى حينٍ.

بادئ ذي بدءةٍ أودُّ الحديثَ عن انفكاكِ الجهةِ وفكِّ الارتباطِ بين مناهجِ التعليمِ من جهةٍ، وبينَ خروجِ جماعاتِ العنفِ من جهةٍ أخرى، فإنَّ ممّا لا يخفى على الجميعِ أنَّ التعليمَ في المملكةِ أخرجَ غالبيّةَ الملوكِ والأمراءِ والوزراءِ، بلهَ كبارَ العلماءِ والدعاةِ والمربّينَ، فمن مناهجهِ تعلّموا، وفي مدارسهِ تخرّجوا، ولعلَّ من نافلةِ القولِ الحديثُ عن المعهدِ العلميِّ السعوديِّ بمكةِ – شرّفها اللهُ – وهو معهدٌ أسّسهُ الملكُ عبدالعزيزِ – رحمهُ اللهُ – وأدخلَ إليهِ أبنائهُ للدراسةِ فيهِ، فمكثوا هناكَ سنةً واحدةً، ثمَّ افتُتِحَ في الرياضِ مدرسةٌ خاصةٌ لتعليمِ الأمراءِ، وانتُدبَ للتدريسِ فيها جمهرةٌ من العلماءِ والمربّينَ وأفاضلِ المدرسينَ، وهذه المدرسةُ تخرّجَ فيها مجموعةٌ من أبناءِ الملكِ عبدالعزيزِ – رحمه اللهُ – من المرحلةِ الابتدائيّةِ.

وقد ذكرَ الشيخُ العلاّمةُ عبدالله بن عبدالغني خيّاط – رحمهُ اللهُ – في مقالةٍ نُشرتْ بجريدةِ المدينةِ في العددِ 5993 بتأريخِ 15 / 11 / 1403 هـ بعضاً ممّا درسهُ أبناءُ الملكِ عبدالعزيزِ – رحمهُ اللهُ – في المرحلةِ الابتدائيّةِ بمدرسةِ الأمراءِ، ومن تلك المناهجِ:
- في العقيدةِ: كشفُ الشبهاتِ، ولمعةُ الاعتقادِ، وكتابُ التوحيدِ مع شرحهِ فتحِ المجيدِ.
- في الفقهِ: عمدةُ الفقهِ، مع أبوابٍ من كتابِ الروضِ المربعِ.
- في التفسيرِ: تفسيرُ ابن كثيرٍ لبعضِ آياتِ الأحكامِ.
- في الحديثِ: بلوغِ المرامِ متناً، مع كتابِ رياضِ الصالحينَ.

وقِسْ على ذلك المقرّراتِ الأخرى في الموادِ المتبقيّةِ، هذا ما ذكرهُ الشيخُ الخيّاطُ – رحمهُ اللهُ – وقد كان هو الأستاذَ الأولَ في تلك المدرسةِ لمدّةِ عشر سنواتٍ، وفي هذه المدرسةِ تخرّجَ أبناءُ الملكِ عبدالعزيزِ – رحمه اللهُ – وكانَ على رأسِ من تخرّجَ فيها الملكُ فهدٌ – رحمهُ اللهُ – ، والذي صارَ لاحقاً أوّلَ وزيراً للمعارفِ ومسئولاً مباشراً عن المناهجِ ووضعِها فصانها أحسنَ صيانةٍ رحمهُ اللهُ وجزاهُ خيراً، كما تخرّجَ فيها غيرهُ من إخوانهِ الأمراءِ.

فهذه مناهجُ التعليمِ في مدرسةِ الأمراءِ، في قسمها الابتدائيِّ فقط، حملتْ صبغةَ الدّيانةِ والصيانةِ، ولقّنتِ الطلابَ كتبَ الإمامِ محمّد بن عبدالوهابِ – رحمهُ اللهُ - مباشرةً، ودرّسَ فيها العلماءُ الكبارُ وجهابذةُ الفقهاءِ، ولم تخرجْ إلا ملوكاً ووزراء أحسنوا سياسةَ بلادِهم، ومشوا على سيرةِ أسلافِهم، ونشروا الخيرَ، فلو كانت المناهجُ مسئولةً عن الإرهابِ والعنفِ والقتلِ لكان أشدَّ من تأثّرَ بها هم هؤلاءِ الملوكُ والأمراءُ!، غيرَ أنَّ الواقعَ يشهدُ بغيرِ ذلكَ، والنّاسُ شهداءُ اللهِ على أرضهِ، فهذه مناراتُ الخيرِ والدعوةِ ونشرِ العلمِ تنتشرُ في أرجاءِ المعمورةِ، وتدعو النّاسَ إلى الخيرِ والهدى والتوسّطِ والقصدِ والاعتدالِ، والذين قاموا بتشييدِ هذه الصروحِ ودعمها هم ولاةُ الأمرِ – وفّقهم اللهُ - الذين تخرّجوا في تلك المدارسِ ودرسوا على تلك المناهجِ.

ثمَّ إنّي أودُّ تذكيرَ الأميرِ – وفّقهُ اللهُ – بحفنةِ من أهلِ الشرِّ والفسادِ، ممّن حاربهم جدّه الملكُ فيصل – رحمهُ اللهُ – بعدَ أن أثخنوا في البلادِ تخريباً، وتشرّبوا المناهجَ المنحرفةَ من أفكارِ القوميّةِ والثورةِ، ممّا أدّى إلى تحرّكِ مجموعةٍ للعصيانِ ومحاولةِ الانقلابِ على الحكمِ، فكفى اللهُ شرّهم، وردَّ كيدهم، وأبطلَ مكرهم، وجميعُ هؤلاءِ معارِضونَ أشدَّ المعارضةِ لما تقرّرهُ مناهجُ التعليمِ، فقد كانوا في كثيرٍ من أحوالهم ميّالون نحو الاشتراكيّةِ أو القوميّةِ أو البعثيّةِ، ومع ذلك فقد خرجوا على جماعةِ المسلمينَ، وأعلنوا الانشقاقَ عنهم، ووقعتْ بسببهم فتنةٌ عظيمةٌ، حتى حمى اللهُ البلادَ بشجاعةِ وبسالةِ الملكِ فيصل – رحمهُ اللهُ – فاستأصلَ شأفتهم، وشتّتَ شملهم، فهل كان هؤلاءِ التخريبيّونَ متأثرينَ بمناهجِ التعليمِ في المملكةِ، وهم الذين تدثّروا بالمناهجِ والأفكارِ المستوردةِ من أحزابِ الشرِّ؟!.

والشرُّ بالشرِّ يُذكرُ: فإنَّ هناك جموعاً من الرافضةِ تحرّكتْ لتفجّرَ وتقتلَ في هذه البلادِ وفي بلادٍ أخرى مجاورةٍ، حتى وصلَ شرّهم وأذاهم إلى محاولةِ اغتيالِ الشيخ جابر الصباح – رحمهُ اللهُ – أميرِ دولةِ الكويتِ، بل تمادوا وتمادوا حتى فجّروا في الأماكنِ المقدسةِ، فأهانوا الشعائرَ والمشاعرَ، وأهلكوا الحرثَ والنسلَ، واللهُ لا يحبُ الفسادَ، وكانوا ولا زالوا عوناً للدولةِ المجوسيّةِ في إيرانَ ضدَّ هذه البلادِ المباركةِ، فهل هذه الحفنةُ المارقةُ هي ممن تأثرتْ بالمناهجِ التعليميّةِ، أم أنها رضعتْ من فكرِ الثورةِ في إيرانَ؟!، وإنّي لأدعو الأميرَ وهو الرجلُ المثقّفُ المعروفُ إلى قراءةِ كتابٍ مهمٍّ يسجّلُ حقائقَ للتأريخِ عن دورِ الرافضةِ وخطرِهم وأثرِهم في نشر ثقافةِ العنفِ والقتلِ والعملياتِ المسلحةِ، والكتابُ بعنوانِ " إف بي آي: نصرٌ على المافيا، وتحقيقٌ مع كلينتون، واشتراكٌ في الحربِ ضد الإرهاب "، وهو عبارةٌ عن مذكراتٍ شخصيّةٍ لرئيس مكتب التحقيقاتِ الفيدراليِّ السابقِ لويس فريه.

ولا يخفى كذلك على الأميرِ أن جهيمانَ ومجموعتهُ الذين خرجوا على جماعةِ المسلمينَ في مكّة – شرفها اللهُ - كانوا ممن يرون تحريمَ الدراسةِ في المدارسِ التعليميةِ النظاميّةِ، ويكفّرونَ الدولةَ، ويحرّمونَ الوظائفَ، وغير ذلك من شذوذاتِهم ومخالفتِهم لأهل العلمِ، فلم يكونوا أصلاً معتدّينَ بالمناهجِ أو متخرّجينَ في مدارسِها.

وما جرى من الأحداثِ الأخيرةِ في المملكةِ فإنَّ الجهاتِ المسئولةَ عن متابعتها والتحقيقِ فيها متمثلةً في وزارةِ الداخليّةِ لم تتحدّثَ إطلاقاً عن دورِ المناهجِ التعليميّةِ وأثرها في تنشئةِ القائمينَ على تلكَ الأعمالِ، بل على العكسِ من ذلك انتدبتْ – مشكورةً - مجموعةً من ثقاتِ علماءِ الشريعةِ ودارسي علمِ النفسِ والاجتماعِ وكلّهم ممن درسَ وتخرّجَ في هذه المدارسِ وتشرّبَ من مناهجها، قامَ أولئكَ بعقدِ جلساتٍ ودورات مناصحةٍ وتأهيلٍ للشبابِ في السجونِ، آتتْ بفضلِ اللهِ وتوفيقهِ ثماراً يانعةً وقطافاً دانيةً.

وهذه بلادُ المسلمينَ في الجزائرِ، ومصرَ، وبلادِ الشامِ، وباكستانَ، وإندونيسيا، ونيجيريا، وغيرها من الأقطارِ والأمصارِ، وقعَ فيها ما وقعَ من أحداثِ العنفِ والتفجيرِ، وغالبيّةُ هذه البلادِ هي علمانيّةُ الحكمِ، ماديّةُ المناهجِ، فمن أين تخرّجَ أولئكَ الذين نفذّوا هنالك عمليّاتِهم؟!، لمَ لم تمنعهم مناهجُ الدراسةِ الماديّةِ من الجنوحِ نحوَ الشططِ وامتطاءِ صهوةِ الغلوِّ؟!.

أمّا في بقيّةِ بلادِ الدنيا التي تموجُ وتمورُ بالفسادِ، وينتشرُ فيها العنفُ والدمارُ، وينتحلُ أهلُها مذاهبَ شتى، وطرائقَ قِدداً، من شمالِ الأرضِ إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربِها، وأمماً بين ذلك كثيراً، لا يكادُ يُحصيهم العدُّ، ولا يجمعهم ديوانٌ حافظٌ، فإنّي أتركُ الجوابَ عنها لكاتبينِ أمريكيينَ كبيرينِ لهما وزنهما الفكريُّ، أوّلهما هو جورجي جوس وذلك في مقالةٍ لهُ بعنوانِ: هل يمكنُ للديمقراطيّةِ أن توقفَ الإرهابِ؟، نُشرتْ في عدد شهري سبتمبر وأكتوبر سنة 2005 بمجلّةِ الشئون الخارجيّةِ (foreign affairs ) تحدّثَ فيها بإسهابٍ عن الديمقراطيّةِ وكيف أنّها لم تحلْ دونَ المزيدِ من عملياتِ التفجيرِ والقتلِ، وأنَّ نصيبَ الدولِ الديمقراطيّةِ المتحضرةِ من أحداثِ الإرهابِ مرتفعٌ جداً، مقارنةً ببعضِ الدولِ الاستبداديّةِ الأخرى كالصينِ مثلاً والتي تكادُ تنعدمُ فيها أحداثُ القتلِ والعنفِ، وذكرَ في مقالتهِ عدداً من المنظماتِ الإرهابيّةِ المنتشرةِ في الدولِ الديمقراطيّةِ من أمثالِ: الألويةِ الحمراءِ في إيطاليا، والجيشِ الجمهوري الأيرلندي، والجيشِ الأحمرِ اليابانيِّ، وعصابةِ بادر مينهوف في ألمانيا، إضافةً إلى منظّمةِ إيتا الانفصاليّةِ في أسبانيا.

وممّا وردَ في مقالةِ جوس قولهُ: " وفي دراسةٍ موسعةٍ يجدرُ الاستشهادُ بها حول الأحداثِ الإرهابيةِ في ثمانينياتِ القرنِ العشرين، يؤكّدُ عالما السياسةِ وليام يوبانك (William Eubank ) وليونارد وينبرج ( Leonard Weinberg ) أنَّ معظمَ الحوادثِ الإرهابيّةِ وقعتْ في الدولِ الديمقراطيةِ التي كان ضحاياها والجناةُ - عموما ً - مواطنين في دولٍ ديمقراطيةٍ ".

أمّا المقالةُ الثانيّةُ فهي للكاتبِ غراهام فوللر الذي عمِلَ رئيساً لوحدةِ التحليل في الـ SIA، وقد كان عنوان مقالتهِ: " عالمٌ بلا إسلام "، نُشرتْ في عدد شهري يناير وفبراير سنة 2008 بمجلّةِ السياسة الخارجيّةِ (foreign policy ) تلك المجلة التي يصدرها معهد كارنيجي للسلامِ، وهو أحدُ المعاهدِ البحثيّةِ الشهيرةِ في العالمِ، خلصَ فيها الكاتبُ إلى أنَّ الإرهابُ لا يرتبطُ بالإسلامِ كما يردّدُ ذلك المحافظونَ الجددُ، والذين يحاولونَ دائماً وصفَ الإسلامِ بالفاشيّةِ، بل إنَّ العنفَ انتشرَ في المسيحيّةِ واليهوديّةِ وغيرها من الأديانِ على نطاقٍ واسعٍ وكبيرٍ، وأنَّ الإسلام لو لم يكن موجوداً لظلّتْ تلك المجموعاتُ تتناحرُ فيما بينها وتتقاتلُ حتى يفني بعضُها بعضاً.

أمّا أمريكا فإنَّ حديثَ قادتها ورموزِ سياستها من المحافظينَ وبقايا الإنجيليين ومن يقفُ وراءهم من مردةِ الصهيونيّةِ عن مناهجِ التعليمِ في العالمِ الإسلاميِّ وفي المملكةِ تحديداً، إنّما هو إسقاطٌ نفسيٌّ للفشلِ الذريعِ الذي حققتهُ مناهجُ تعليمهم ودساتيرُ ديمقراطيّتهم في الحفاظِ على الأمنِ والأخلاقِ والسلوكِ، فهذه معدلاتُ الجريمةِ عندهم بلغت 60%، كما أنَّ أكثرَ من 40% من المجتمع الأمريكيِّ قد مارسَ أنواعاً شتّى من الجريمةِ، فضلاً عن عملياتِ الإرهابِ والجريمةِ المنظمةِ وعصاباتِ المخدراتِ والقتلِ التي تنتشرُ في أمريكا، وغالبُ هذه العصاباتِ تقيمُ تحالفاتٍ مدفوعةَ الأجرِ مع رجالِ الشرطةِ الذين يسهّلونَ عمليّاتِها، وهو ما عبّرُ عنهُ أخيراً الفيلمُ الأمريكيُّ " رجلُ العصاباتِ الأمريكيّةِ " (American Gangster ) وهو مبنيٌّ عن قصةٍ واقعيّةٍ وأحداثٍ حقيقيّةٍ، لفسادِ الشرطةِ ورجالِ الأمنِ في نيويورك، حتّى إنَّ ثلاثةَ أرباعِ وكالةِ مكافحةِ المخدراتِ في مدينةِ نيويورك كانت متورطةً في تسهيلِ عملياتِ بيعِ المخدراتِ وتهريبها إلى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّةِ.

والأدهى من هذا والأمرُّ هو أنَّ الأمريكيينَ يُحاربونَ في مدارسهم وجامعاتِهم من يُحاولُ تحسينَ صورةِ العربِ والمسلمينَ، ولمن أرادَ التوسّعَ في ذلك فعليهِ بمراجعةِ كتابِ " صورة العرب والمسلمين في المناهجِ الدراسيّةِ حولَ العالم "، وهو من تأليفِ عددٍ من الباحثينَ، وقامت بنشرهِ مجلّةُ المعرفةِ.

إنَّ هذه الأمثلةَ وغيرها لتؤكّدُ تأكيداً تاماً على أنَّ مناهجنا التعليميّةَ بريئةٌ من الدعوةِ إلى العنفِ، أو تخريجِ مجموعاتِ الموتِ، أو فرقِ التفجيرِ، بل إنّها – والذي رفعَ السماءَ بغيرِ عمدٍ – أساسُ نهضةِ البلادِ والعبادِ، لأنَّ اللهَ تعالى إنّما يمكّنُ لأوليائهِ وحزبهِ إذا أطاعوهُ، واتبعوا أمرهُ وشرعهُ، وما نحنُ فيه من الخيرِ والبركةِ في هذه البلادِ الطيّبةِ إنّما هو بتعظيمنا لشرعِ اللهِ، وإقامتنا لدينهِ، والعالمُ الإسلاميُّ بأسرهِ يرى هذه البلادَ قبلةً لهُ: حكومةً وعلماء وشعباً، ويضعونهم موضعَ القلبِ النابضِ بالحياةِ في جسدِ الأمّةِ، ذلك القلبُ الذي إن اعتلَّ أو كلَّ تداعتْ لهُ سائرُ أوصالِ الأمّةِ وأبضاعها بالسهرِ والحمّى، وما ذلك إلا لما وجدوهُ فيها من نصرةٍ للدينِ، وانتشارٍ للخيرِ، ومحافظةٍ على القيَمِ، والتزامٍ بالأخلاقِ، وهذه ببركاتِ العلم والهدى الذي يوجدُ في التعليمِ وغيرهِ، وما زلنا نرى الآثارَ الحميدةَ لجمعِ كلمةِ المسلمينَ، ولمِّ شملهم، والإصلاحِ بينهم، وهي التي يقومُ بها ولاة الأمرِ في هذه البلادِ، وما أفعالهم هذه إلا نتيجةً لتربيتهم وتنشئتهم على تعاليمِ الحقِّ والهدايةِ التي تنتشرُ في مناهجِنا التعليميّةِ.

غيرَ أنَّ السؤالَ الملحَّ هوَ: لماذا مناهجُ التعليمِ في بلادنا حماها اللهُ تُحاربُ وتُهاجمُ من قِبلِ الغربِ؟!.

إنَّ الجوابَ عن هذا السؤالِ يجعلنا نستدعي تأريخاً طويلاً من فصول المكرِ والغدرِ، ذلك التأريخُ الذي رسمتهُ قوى الاستعمارِ، فبعد خروجهم من الأرضِ، جاءوا كرّةً أخرى ليستعمروا المفاهيمَ والتصوّراتِ والقيَمِ، لعلمهم بأنَّ الإسلامَ دينٌ خالدٌ نابضٌ بالحياةِ، فالإسلامُ يدخلُ مع المرءِ في أدقِّ تفاصيلِ حياتهِ، وهو ما لا يوجدُ في أفكارهم وأديانهم، وهم يعلمونَ أنَّ الإسلامَ هو الحائلُ الأكبرُ دونهم في تطبيقِ مخطّطاتِهم ونشرِ إفكهم وما يفترونَ.

وحتى لا أُطيلَ الحديثَ في هذا الخصوصِ، فإنّي أُحيلُ إخوتي القرّاءَ إلى كتابٍ للدكتورِ أحمد محمّد زايد – وفّقهُ اللهُ - بعنوانِ " حقيقةُ العلاقةِ بينَ اليهودِ والنصارى "، تحدّثَ فيهِ مسهباً عن التآمرِ على التعليمِ في ديارِ المسلمينَ، من قبلَ الدولِ الغربيّةِ، وأكّدَ ذلك كلّهُ بالأرقامِ والتقاريرِ الغربيّةِ.

" إنّهُ من الغريبِ والمثيرِ للتناقضِ أن تدعو الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيّةُ إلى تغييرِ النظامِ التعليميِّ في دولةٍ لها سيادتها واستقلالُها – أي المملكة -، وهي التي اتخذتْ موقفاً شهيراً منذ أكثرَ من 20 عاماً، عندما قالتْ: " لو قامت قوّةٌ بفرضِ نظامٍ تعليميٍّ علينا، لكانَ ذلك مدعاةً لإعلانِ الحربِ! " نقلاً عن " خطابٌ إلى الغربِ " ص 157.

وللغربِ أيضاً رؤيتهُ وتصوّراتهُ عن المسلمين وعن دينهم ونبيّهم صلى الله عليه وسلّم، وهذه الرؤى والتصوّراتُ - الدينيّةُ منها والاجتماعيُّ - منتشرةٌ في المناهجِ الغربيّةِ التي يتربّى عليها النشءُ هناكَ، وهم في جانبٍ كبيرٍ منها يشوّهونَ صورةَ الدينِ الإسلاميِّ، ويمزجون الموادَ بالكثيرِ من المعلوماتِ المغلوطةِ التي تثيرُ حفيظةَ المسلمينَ، وتُساهمُ في توسيعِ الفجوةِ بينهم وبين المجتمعاتِ الغربيّةِ التي يعيشونَ فيها، وهو ما يسهم في ترسيخِ مفاهيم العنصريّةِ والاحتقارِ، ويُساعدُ على رفعِ معدلاتِ الاحتقانِ والتوتّرِ، وقد كُتبَ العديدُ من المؤلفاتِ والدراساتِ والبحوثِ عن صورةِ الإسلامِ والمسلمينَ في مناهجِ الغربِ، منها على سبيل المثالِ : " وثائقُ ندوةِ صورةِ الإسلامِ في الغربِ من خلالِ المناهجِ الدراسيّةِ "، وهو من منشوراتِ رابطةِ العالم الإسلاميِّ.

ثمَّ إنّي أتسائلُ: هل مناهجُ التعليمِ الدينيِّ تمنعُ من التقدّمِ العلميِّ والنبوغِ المعرفيِّ؟!، وهل تدريسُ مسائلِ الاعتقادِ والشريعةِ تقفُ حائلاً بيننا وبين التقدّمِ التقنيِّ والتوسّعِ الماديِّ؟!.

الجوابُ حتماً: لا.

فهذه إسرائيلُ تنشرُ في بلادها نظاماً تعليمياً إلزاميّاً عنصريّاً صِرفاً، يدرسُ فيهِ طلابُ المدارسِ أشدَّ وأقسى التعاليمِ الدينيّةِ تعصّباً وقسوةً وعنصريّةً، ومع ذلك تحقّقُ إسرائيلُ أرقاماً مذهلةً في مجالِ النبوغِ العلميِّ، حتى بلغَ العاملونَ فيها بقطاعِ البحثِ العلمي ما مجموعهُ 33% من طاقة إسرائيلَ البشريّةِ، وتسجّلُ إسرائيلُ سنوياً براءاتِ اختراعٍ تفوقُ في مجموعها بعشراتِ المرات ما تسجلهُ الدول العربيّةُ مجتمعةً، هذا فضلاً عن معدلاتِ التنميّةِ البشريّةِ التي تحقّقُ أرقاماً كبيرةً في إسرائيلَ سوف يصلُ معها الناتجُ القوميُّ إلى أكثرَ من مئتي مليار دولار سنويّاً، ومع كل هذه المناهجِ العنصريّةِ الدينيّةِ المتعصبةِ في إسرائيلَ لم نسمعْ أحداً من زعماءِ الغربِ ومفكريهِ ينتقدها أو يدعو لتغييرها وتصفيتها!، بل على العكسِ من ذلك فهي تحظى بحمايةٍ واسعةٍ من حكوماتِ الغربِ ودعمٍ منقطعِ النظيرِ، كما أنَّ تلك المناهجِ لم تمنع اليهودَ من القيامِ بنهضةٍ معرفيّةٍ وتنميّةٍ بشريّةٍ كبرى في بلادِهم.

لقد دأبُ الغربُ على الوقوفِ في وجهِ المملكةِ، ذلك لأنّها حصنٌ عظيمٌ من حصونِ المحافظةِ، وقلعةٌ كبيرةٌ من قلاعِ الخيرِ، فما زالوا يلوكون الكذبَ ويأتونَ الإفكَ، فتارةً يتحدّثونَ عن دورِ حكّامِ المملكةِ في نشرِ الإرهابِ، وتارةً يخصّونَ أمراء بأسمائهم كما فعلوا في حديثهم عن الأميرين سلطان ونايف – وفقهم الله للخيرِ -، وتارةً يتحدّثونَ عن بعضِ السجناءِ، وينسونَ سترَ سوأتِهم وما عملتهُ أيديهم من الظلمِ والبغي في جانجي وأبو غريب وغوانتنامو والمعتقلاتِ السرّيّةِ والسجونِ الطائرةِ في أوروبا، كلُّ ذلك إمعاناً منهم في الكيدِ، وإيغاراً للصدورِ بين الحاكمِ والمحكومِ، وشحناً للأنفسِ، ورغبةً في التخلّصِ من مظاهرِ الديانةِ والمحافظةِ المنتشرةِ في هذه البلادِ الطيّبةِ، لتُخرجَ جيلاً يعاني من تفكّكِ الأخلاقِ، وانسلاخِ القيمِ، وتحلّلِ الرجولةِ، وتحكّمِ الشهوةِ، وهو ما يسهلُ معهُ تنفيذُ مخططاتِهم وتمريرُ مشاريعهم في المنطقةِ.

كم أستغربُ حينَ أسمعُ حديثاً لتركي الحمدِ إلى إذاعةٍ غربيّةٍ، يشايعُ فيهِ أهواءَ الغربِ، ويُصانعُ دعاةَ التحرّرِ، يتحدّثُ فيه عن مناهجِ التعليمِ في المملكةِ وضررها على النشءِ، ويجتزئُ نصوصاً يبترها من سياقها ثمَّ يسوقها كشواهدَ على مزاعمهِ، لأجدَ بعدها بفترةٍ تقريراً نشرتْ ملخصهُ مجلّةُ " المجلةِ " يتحدثُ فيهِ أعضاء من الكونغرس عن مناهجِ التعليمِ في المملكةِ، وإذ بهم يسوقون عينَ تلك النصوصِ التي ساقها الحمد في حديثهِ، وقام بعدها حسن بن فرحان المالكي وتحدّثَ في إذاعةٍ أخرى بحديثٍ مشابهٍ لحديثِ الحمدِ، ولشدَّ ما أثار استغرابي حديثهما ذلك، حتى خلتُ نفسي في غابةٍ موحشةٍ مقفرةٍ، يجوسُ خلالها قتلةٌ محترفونَ يبحثونَ عن " الآخرِ " ليحتسوا من دمهِ، ويعتاشوا على لحمهِ!.

ولم يقفْ حدُّ السخطِ على المناهجِ عندَ ذين فحسب، بل ولغَ فيها كذلك أناسٌ نحسبُهم أقربَ إلى الخيرِ، وأدنى للحقِّ، إلا أنَّهم وقعوا أُسارى للتعجّلِ، ولم يدركوا أنّهم بفعلتِهم سوف يقفون في خندقٍ واحدٍ مع عدوٍّ مستأسدٍ ضارٍ يبحثُ عن الفرصة السانحةِ لينقضَّ على فريستهِ، فليتهم كبحوا جماحَ التعجّلِ، ووقفوا عندَ حدودِ الكياسةِ والفطنةِ، وهم أهلٌ لذلكَ إن شاءَ اللهُ، وإن كانتِ النفسُ حيناً تصبوا لتحقيقٍ مرادٍ من التميّزِ والظهورِ بالبحثِ عن المخالفةِ والتفرّدِ، وهذا حظٌّ خفيٌّ من حظوظِ الشيطانِ في النفسِ، ولهذا كانت الأحاديثُ الغرائبُ المفاريدُ مظنّةً للضعفِ والردِّ عند أئمّةِ العللِ العارفينَ بشأنهِ، حتى لو كانتْ حسنةَ السياقِ، دقيقةَ التفاصيلِ، وكانت الأقاويلُ المهجورةُ في الفقهِ مدعاةً لوصمِ منتحليها بالشذوذِ، وبقيَ الأمرُ منوطاً بجمهرةِ العلماءِ وفهمهم وشريفِ فقههم ودقيقِ استنباطِهم.

معاشرَ القرّاءِ: إنَّ في التمسّكِ بالمناهجِ ومواردِها، والوقوفِ في وجهِ شانئيها ومنتقصيها، إرغاماً لسعاةِ الشرِّ، وطريقاً إلى جمعِ القلوبِ، وإعلاءً لكلمةِ اللهِ وحكمهِ، ونهجاً على سبيلِ من سلفَ من أخيارِ الأمّةِ، وحفاظاً على مكارمِ الأخلاقِ، وسبيلاً إلى وحدةِ الأمّةِ، ودليلاً واضحاً على أصالتنا وتفرّدنا، وإن في الركونِ إلى الذين ظلموا من الأعداءِ في الغربِ، والميلِ إلى أهوائهم، انحرافاً واضحاً عن سبيلِ الحقِ، وزيغاً عن الهدى، وتتبّعاً لخطى الشيطانِ، وانفصاماً لعرى الجماعةِ، وتنكباً عن معينِ السكينةِ والأمنِ: (( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ، أولئكَ لهم الأمنُ وهم مهتدونَ )).

على أنَّ الانتصارَ للمناهجِ ودعمها لا ينافي بحالٍ من الأحوالِ تطويرها، أو تقريبَ صياغتِها، أو تسهيلَ مرامها، فهذا أمرٌ موكولٌ لأهلِ الاختصاصِ من التربويينَ العارفينَ بمناطِ الأمرِ، وليسَ متروكاً لعامّةِ النّاسِ، قال اللهُ تعالى:  {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء83

أسألُ اللهَ سبحانهُ وتعالى أن يوفّقَ الأميرَ محمد العبدالله الفيصل للخيرِ، وأن يُعينهُ على مراجعةِ الحقِّ في هذه المسألةِ المهمّةِ، وأن يصرفَ عن هذه البلادِ كيدَ العدوِّ وخذلانَ الصديقِ، وأن يحميَ أهلها من خطرِ التغريبِ ودعاةِ الفتنةِ، وأن يصرفَ عنها السوءَ والفحشاءَ، وأن يوفّقَ ولاة أمرها وعلمائها للخيرِ والهُدى والصلاحِ، إنه سميعٌ قريبٌ مجيبٌ.
 

تبرئة المناهج
  • تبرئة المناهج
  • بحوث ومقالات
  • التربية البدنية
  • مناهجهم..لامناهجنا
  • المدارس الأجنبية
  • الصفحة الرئيسية