اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/manahej/35.htm?print_it=1

الهجمة الشرسة على التعليم (2)

د.علي بن عمر بادحدح


الخطبة الأولى
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
حديثنا موصول عن الهجمة الشرسة على التعليم الإسلامي ومناهجه ، ولعلنا من المهم لنا أن نقف على الأسباب والبواعث التي تكمن وراء ذلك التشويه المتعمد والمغالطات المفتعلة ، التي تريد أن تلصق مناهجها التعليمية بالخلل الفكري والعنف العملي وبالتخلف الحضاري ، وتريد أن تجعل من ارتباطنا بأصول ديننا وصلة تاريخنا أن تجعل من ذلك امتداداً خطراً على واقع الحياة الإنسانية ، وعلى تقدم الحضارة المادية !

إن الناظر إلى أحوال أمة الإسلام والمسلمين في الآونة الأخيرة - وربما في العقد الأخير - يرى كثيراً من الصور الإيجابية التي أثمرتها الصحوة الإسلامية ، والأوبة والتوبة والإنابة التي سرت في كثير من مجتمعات المسلمين في شتى بقاع الأرض ، ولذا فنحن نرصد أمرين مهمين في هذه المسألة ؛ لنرى كيف أوجدت هذه الإيجابيات خوفاً وهلعاً وحقداً وضغطاً من أولئك الذين يسمون أنفسهم بأهل الحضارة والتقدم المعاصر .

إن الناظر إلى أحوال أمة الإسلام يرى فيها عدة ملامح :
أولها : العودة والارتباط بمصادر الإسلام الأولى
أبناء المسلمين الذين عادوا إلى المساجد يحفظون القرآن وهم في نعومة أظفارهم ومقتبل أعمارهم .. حلقات القرآن التي أصبحت تعُم بلاد الإسلام والمسلمين ، بل وتعم الجاليات الإسلامية التي تعيش في بيئات وبلاد غير إسلامية .. هذا الارتباط الذي يفتق اللسان بلغه القرآن ويحيي الإيمان في أعماق القلب والنفس هذه صورة من الصور .

وأخرى ثانية : نجدها في ظل هذا الارتباط والعودة إلى دين الله - عز وجل - ونجدها في انتشار المعاهد والمدارس الإسلامية التي تعنى بتعليم العربية والعلوم الشرعية مع غيرها من العلوم العصرية ، وتلك أيضاً وجدت لها مساحات واسعة ، وإقبال عريض في حياة الأمة الإسلامية ومجتمعاتها في كل مكان ، وذلك يعني أن الأمة الإسلامية ظهر فيها التميز لا تميع والانتصار لا الانهيار والتماسك لا التفكك بالمعنى المعنوي والفكري والعقدي ؛ فإنها وإن كانت ضعيفة في أسبابها المادية وإن كانت متأخرة في أمورها التقنية ؛ لأنها بدأت تتقدم وتثبت وتعتز وتفتخر وترتبط بمبادئها العقدية ، وتصوراتها الفكرية ، وروحها المعنوية ، وهذا هو أعظم أسباب القوة ، وأهم أسباب الانطلاق .

إن الحضارة المادية والعلوم التقنية والتكنولوجيا المعاصرة قضية من السهل من حيث الواقع العملي اقتنائها والتفوق فيها ، والدليل هو وجهٌ آخر من وجوه هذه الصورة أما نرى كثيراً في أبناء المسلمين تفوقوا في العلوم العصرية ، وأصبحوا أعلاماً يشار إليهم بالبنان على مستوى العالم كله ، وإذا نظرنا إلى معاقل الحضارة الغربية في أمريكا وأوروبا ؛ فإننا نجد في شتى ميادين العلم متفوقون وسابقون من أبناء العرب والمسلمين ، لكن الجديد فيهم أنهم - أو أن بعضاً منهم أو أن نسبة تتزايد منهم - يعززون انتمائهم إلى أمتهم ، ويفتخرون بالانتساب إلى دينهم ويحافظون على كينونيتهم الشخصية ، وملامحهم الأخلاقية ، وهويتهم الإسلامية .. وهذا أيضاً مكمن أو مظهراً من مظاهر الجزع والفزع عند أولئك القوم .
فنحن نرى مسألة مهمة في هذه المعاني التي أشرنا إليها ، وإذا انتقلنا إلى جانب آخر ؛ فإننا ننتقل إلى جانب الجاليات والتجمعات الإسلامية في البلاد الأخرى التي ليست بلاد عربية أو إسلامية ، فماذا نرى ؟ نرى تلك البلاد وهي تضم أخلاطاً من الأعراق واللغات والأديان والثقافات استطاعت في معظم أحوالها أن تسحر كثيرين من أولئك ، وأن تذوّبهم في آلتها المادية الحضارية الكبرى ، فتغيرت ألسنتهم ، وهذا أمر ليس فيه كبير أهمية أو خطورة ، لكنها مسخت أفكارهم ونسخت عواطفهم وقطعت أسباب صلتهم بجذورهم وصاروا كلهم ، وإن اختلفت الشحنات ، وإن اختلفت الثقافات .. أصبحوا روحاً واحدة ، وفكر اً واحداً ، ونمط في الحياة واحد ، وأهداف وآمال وطموحات واحدة ، لا يكاد يفرق بينهم المرء ولا استثناء من هذه القاعدة إلا للمسلمين فحسب في غالب الأحوال ، فالمسلمون رغم ماعندهم من ضعف ورغم مامر بأجيالهم السابقة من ذوبان لكنهم لا يزالون يحتفظون بشخصيتهم الإسلامية وهويتهم التاريخية ومعالمهم السلوكية في كثير من أحوالهم ، وعززوا ذلك في حياتهم المعاصرة وفي عقودهم المتأخرة بحرصهم على المساجد والمراكز والمدارس يتكلمون لغة القوم لكنهم في بيوتهم وفي عقر دورهم يعلمون أبنائهم لغتهم وقرآنهم وسنة وسيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فإذا بهم يستعدون على ذلك الذوبان وإذا بهم يشكلون على اختلاف الأقطار التي جاءوا منها ، وربما اللغات التي كانت لهم يشكلون وحدة عقدية فكرية جذورها وقاعدتها مرتبطة بالإسلام ، وهذه صورة قد صرح بها كثير من أولئك القوم خشية من أن هذه النوعية من البشر لا يمكن تهزم أو أن تغلب في فكرها وروحها وشخصيتها وهويتها ، وذلك يمثّل استعصاء وهزيمة لتلك الحضارة الطاغية التي استطاعت أن تفرض فكرها ونمط حياتها الاجتماعية بل ونمط حياتها الغذائية على كثير من بقاع الأرض ؛ لذا فإننا نجدهم في غيظٍ عظيمٍ من مناهجنا التعليمية وحياتنا الاجتماعية لما زلنا نفتخر بتاريخنا .. لما زلنا نرتبط بقدواتنا .. لما زلنا نبحث عن معالم حضارتنا وأسس انطلاقتنا .. لما زال في تعليمنا انفصال بين الذكور والإناث .. لما زالت حياتنا الاجتماعية تريد أن لا تنصبغ بصبغة الحياة الغربية المادية بكل ما فيها من ذلك الفجور والعهد والانحلالية والإباحية .. لما لا تطغى حضارة وفكر المنتصر صاحب القوة المادية والعسكرية والاقتصادية ونحو ذلك .. هذه قضية هي مبعث ذلك الهجوم ، وهي أساس ذلك الالتفات والانتباه .

ولذا فإننا نقول : إن التعليم في كل أمة يقوم على ثلاثة عناصر أساسية : دين الأمة ، ولغتها ، وتاريخها . ولتأخذ مثلاً من البلاد الإسلامية ولا العربية .. انظروا إلى بلاد الدنيا كلها أفليست ترتبط بهذه المعالم كقاعدة تضبطها ؟ أما الفيزياء والكيمياء وغيرها فهي واحدة عند القوم كلهم لا اختلاف بين كيميائنا وكيميائهم ولا فيزيائنا ولا فيزيائهم ؛ فإن هذه قضايا معلومة بأنها من سنن الله - عز وجل - العلمية الماضية المتطّردة التي من تعلمها وأخذ بها استطاع أن يوظفها ، وأن ينتفع بها في هذه الحياة المادية .
لذلك نقول أن كل أمة كانت تحرص دائماً على ألا تهزم في هذا المعنى المهم - وهو معنى التعليم - الذي يساوي هويتها الشخصية والدينية والتاريخية .. هزمت اليابان هزيمة عسكرية بشعة وفرضت عليها شروط قاسية ، لكنها حافظت على هويتها في تلك الأصول وهي إلى يوم الناس هذا لم تغير لغتها ولا غيّرت لغة التعليم في مدارسها ولا جامعاتها ولاشيء من ذلك ، ومع هذا كله لم تصبح منحصرة في ذاتها ، ولم تصبح منغلقة عن غيرها ، ولم تصبح عاجزة عن التواصل مع الحضارة العالمية ، بل الحقيقة أنها تقدمت في ذلك وغزت وشاعت وانتشرت ، وكان لها شعار عند املئت عليها الشروط تحت قوة القهر العسكري أبت أن تغير لغتها ، وأن تغير مناهجها وكان لهم شعار يقولون فيه : " التكنولوجيا الغربية بالروح اليابانية " .
وليس هذا في اليابان وحدها ! كل أمم الأرض كانت تقاتل من أجل لغتها وتاريخها ودينها ، وهم على باطل وانحراف ، وربما على أباء أجداد وأباء لا يعرفون شيء من الحقيقة الصحيحة في هذه المعاني كلها ، ثم أرادت أمة الإسلام بعد أن مسخت في مطالع هذا القرن مناهجها التعليمية بالمناهج التقليدية .. عندما رجعت واستيقظت بعد غفلتها ونومها كان لذلك أثره الواضح ، ولذا تأتي هذه الهجمة الشرسة أحد أعلام الدعاة والمفكرين الإسلاميين المعاصرين يبين لنا في كلمات موجزة كيف يكون للمعنى الديني أثره في الروح الإنسانية بالنسبة للمسلم : " إن الإسلام عقيدة استعلاء من أهم خصائصها أنها تبث في روح المؤمن الإحساس بالعزة من غير كبير ، وروح الثقة في غير اغترار ، وروح الإطمئنان من غير تواكل .. إن سر قوتنا وانضباطنا وتماسكنا ووحدتنا إنما يكمل في ديننا الذي يوحد بيننا والذي هو قاعدة ارتباطنا لقوله تعالى : { إنما المؤمنون أخوة } ، وقوله : { وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } " ، هذا المعنى هو الذي يعطينا هذه القوة .

ولذلك ماذا قال أولئك القوم في تعريف التربية والتعليم ؟
ولسنا نحن الذي نقول ذلك وإنما دوائر المعارف الغربية تبين لنا معنى التربية في خلاصتها النهائية ، التي ينبغي أن ننبه لها تقول الموسوعة : " إن التربية هي الجهد الذي يقوم به إباء شعب ومربوه لإنشاء الأجيال القادمة على أساس نظرية الحياة التي يؤمنون بها "، فهل يريدون أن نربي أبناءنا على أساس حضارة غربية أو على أساس مبدأ شوعي أو ماركسي ؟
كل أمة كانت تسعى لذلك وكما قيل من قبل : كل أمة أول ما تعنى به إذا تسلطت وامتلكت وأصبحت ذات هيمنة أن تقرض مناهجنا التعليمية ونظراتها الفكرية وتاريخها الإنساني ، وحضارتها التي تنتهجها وهذا ظاهر في واقع الحياة ولذلك انظر إلى ذلك التعريف يقول هو الجهد الذي يقوم به إباء كل شعب ومربوه . حتى كثير من البلاد الإسلامية أن مناهج التعليم مسخت ونسخ منها الإسلام في أكثر الأحوال لكن الآباء والأمهات في بيوتهم يعلّمون القرآن ، ويعلّمون الاعتزاز بالإسلام ويعلمون عظمة هذا الدين فلا تفلح حينئذ تلك المناهج في مسخهم ولا في نسخ أفكارهم .

ولذلك التربية والتعليم ليست مقتصرة على تلك - مشرقة أو مغربة - فإن الشوعية الحمراء في عقر دارها على مدى سبعين عاماً لم تستطع أن تغير الفكر والهوية ، ولذا تقول الموسوعة أيضاً : إن وظيفة المدرسة أن تمنح للقوة الروحية فرصة التأثير في التلاميذ ، تلك القوة الروحية التي تتصل بنظرية الحياة ، ويرى التلميذ أنه يمكن بها يمد حياة الشعب ، ويسير بها إلى الأمام " ، أي أن يمد من حضارة وفكر وهوية وشخصية هذه الأمة وتنتقل حينئذ من جيل إلى جيل بقوة الروح التأثيرية في ذلك .
لذلك لابد أن نشير إلى القضية في وجهيها المهمين العظيمين بالنسبة للتعليم الإسلامي : أهمية الالتزام وخطورة الانحراف .

أهمية الالتزام تجعل لنا قوة عظيمة في المبادئ المعنوية والفكرية والتصورية ؛ فإن عدمنا الأسباب المادية ؛ فإن تلك القوة تجعلنا قادرين على الأخذ بها من جهة ، وعلى مقاومة التيارات التظليل والانحراف من جهة أخرى ، وأما إذا وقع الانحراف ، سواء في الأهداف والغايات لمناهج التعليم ، أو كان في المضامين والمواد في مناهج التعليم ، أو كان في المعلمين والمربين الذين ضم بعضهم على نظر أهل الكفر ، أو نظر الحضارة المعاصرة ، أو نظر الغرب أو الشرق ثم جاءوا ليزرعوا ويبثوا هذا الفكر وهذا الزيغ في قلوب وعقول أبنائنا ..كل ذلك من الخطر العظيم الذي يتهددنا وكل وكثير من مشكلاتنا إنما مرجعه إلى ذلك .
ولذا ينبغي أن نعود إلى تعليمنا الإسلامي الحقيقي المنهجي ، الذي يحقق لنا أهم غايتين في واقعنا المعاصر .
هناك تخوف من أمرين اثنين يكثر الحديث عنهما في واقعنا : أمر التشدد و أمر الانفلات ، أو ما يسمونه التطرف و التشدد أو الانغلاق ، ونحن ننبذه بمعناه الشرعي ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بيّن هذا وقال عليه الصلاة والسلام : ( لن يشاد هذا الدين أحدٌ إلا غلبه ) .
وورد النهي عن الغلو في الدين ، أي بالمعنى الشرعي وليس بالمعنى الذي يقولونه ؛ فإن عندهم كل من أراد أن يلتزم الإسلام فهو في حقيقة الأمر وفي منتهى مقالاتهم ومآلات أطروحاتهم فهو متطرف متشدد ، ينبغي أن يغير فكره ، وأن يسلخ جلده .. أما نحن فنقول : نعم هناك تشدد بالمعنى الشرعي قد جاءت الشريعة بتوضيحه والتحذير منه ، وجاءت كليتها وفرائضها وأركانها وآدابها لتحفظ الناس من فسادٍ في الأخلاق واختلالٍ في الأمن ، وتسيب في الحياة الاجتماعية ، وكذلك المناهج الإسلامية والتعليم الإسلامي يحفظ من هذا ومن ذاك ؛ لأن تعليمنا الإسلامي تعليم إلهي رباني ، أي أن مبدأه وارتباطه وضوابطه مرتبطة بمنهج الله - عز وجل - وأول آية كما نعلم في القرآن : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } .
علم على منهج الله علم ليس مقطوع الصلة بخالق الخلق وواهب الرزق والعالم بكل شيء وهو الله سبحانه وتعالى علمنا في هذا يقول فيه الله - عز وجل - تعليماً لنا : { لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } .
تعليمنا أيضاً وهذه خصيصة مهمة ، وتعليم تربوي عملي .. إنه ليس حفظ للمعلومات .. إنه ليس ترديد للمقولات وإنما هو تغيير في أعماق النفس والقلب وسلوك يظهر في واقع الحياة لقوله تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } ، وكما قال الله عز وجل : { أمن هو قانتٌ آناء الليل قائم ساجداً وقائمًا يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه } ، ثم بعدها مباشرة : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } .

إن العلم الحقيقي - كما قال بعض السلف - إنما هو الخشية ، وإذا ربّى هذا العلم الخشية من الله استقام السلوك وانتظمت العلاقات ، وآمن الناس وحسنت الصلات وتصححت التصورات وأصبح كل خير يأتينا من هذا التصور والعلم الذي يرتبط بمنهج الله عز وجل { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك } ؛ فإن العلم إنما يقود إلى العمل وإنما يبصر به ، وكما قال ابن الجوزي : " العلم يهتف بالعمل ؛ فإن أجابه وإلا ارتحل " . العمل ينادي العلم حتى يطبقه ؛ فإن أجاب وإلا ارتحل ، أي ارتحل العلم وكم عندنا م الآيات والأحاديث ما يربط هذا العلم بالعمل وما يربط العلم بالسلوك والأخلاقيات حتى شاع ذلك في أدبنا وفي مقولاتنا وتاريخنا الأدبي وتراثنا الفكري ، وهو سمة عظيمة من سمات ديننا ومن تاريخ أمتنا وحضارتنا وعلمنا أيضاً شمولي تطوري ليس علماًُ محصوراً في علوم العربية أو في المسائل الشرعية ، بل هو علم واسع منفتح على الحياة الإنسانية كلها ولكنه مع انضباطه الإيماني والرباني يأخذ الخير ويترك الشر علمُ دعانا الله - عز وجل - فيه إلى أن ننظر : { قل انظروا ما في السموات وما في الأرض } .
وأن ننظر في واقع الحياة الإنسانية : { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم } .
هذه السعة والشمول هي السمة التي تجعل الدين الإسلامي هو دين العلم والحضارة ، استوعب كل ما كان قبله من الحضارات فاستوعب الإسلام- عندما فتح بلاد فارس - الحضارة الفارسية ، وعندما فتح بلاد اليونان استوعب الحضارة اليونانية ،لم يضق بها .. أخذ فوائدها وطوّرها ، وزاد عليها وخلّص من آثارها السلبية وأخلاقياتها السيئة ونحو ذلك ، ولذا فإنه العلم الذي يتطور ويزداد ونحن نعلم في مناهجنا وفي تراث أسلافنا أن العلم - كما يقولون - من المحبرة إلى المقبرة والله عز وجل يقول : { وقل ربي زدني علماً } ، وفي حسننا وتعليمنا قوله تعالى : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } .. { وفوق ذي علم عليم }
إنه أبواب واسعة تعلم وزد من العلم ، حتى قال علماؤنا : " ما من شيء طلب فيه المزيد بلا حد إلا العلم كما في قوله تعالى : ( وقل ربي زدني علماً )
وتعليمنا فوق ذلك مرجعي وانضباطي ليس تعليماً لا خطام له ولا زمام ، وإنما يعود كل شيءٍ فيه إلى أهل الاختصاص والعلم ، وإنما يرجع أهل الاختصاص والعلم إلى مراقبة الله وإلى الإخلاص والإحسان إلى الخلق دون أن يكون مظنة عبث الأهواء والمصالح الشخصية ، كما هو العلم المعاصر الذي يدمر اليوم بالعلم الإنسان ويترك البنيان في هذه الوسائل التدميرية ، التي لا تقتل إلا الحياة البشرية وتبقى لنا المباني الأسمنتية في صورة تمثل حضارة الإنسان وفجور العلم بعيداً عن ضوابط الإيمان وأخلاقيات الإسلام ، والله عز وجل يقول : {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وإن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون } .

من مبادئ إسلامنا وتعليمنا عدم القول على الله بغير علم وعدم الإفتاء بغير علم .. نحن أمة عندها ضوابط ، وكما قال أهل العلم : " من قال لا أعلم فقد أفتى " ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان وأعظم مفاسده قال : ( فاتخذ الناس رؤؤساً جهالاً فسألوا فأفتوا بغير علم فظلوا وأظلوا ) .
كل هذا التحذير موجوداً في منهجنا وفي أساس تعليمنا ، ولذلك نجد في هذا الرجوع إلى المرجعيات الأصلية والتخصصية فنحن لا نأخذ أمر علاج المرضى من المهندسين ولا نأخذ صفة الدواء من أهل التاريخ وكذلك ينبغي ألا نأخذ الفتوة الشرعية إلا من تأهل لها ، والله - عز وجل - يخاطبنا في قوله : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }
بالبينات والزبر ، والله عز وجل يقول : { ولو رده إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } .
ولذلك مبدأ التخصص كان ظاهراً ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يوضح ويبين ويخبر أن أفرضهم زيد ، وأن أقرأهم أُبي ، وأن أعلمهم بالحلال والحرام معاذ ..ولذا أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان مزايا الصحابة : ( من أراد أن يقرأ القرآن غطاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ) ،
وكان الصحابة يرجعون وكان الناس يرجعون إلى كل صاحب علم في علمه مع تميزهم - رضوان الله عليهم - بالعلوم الغزيرة المتنوعة ، ولذلك هذه المزايا في علومنا هي التي ينبغي أن نحرص عليها ، نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يعلمنا ديننا وأن يبصرنا بحقائق منهجه وأن يلزمنا دينه وشرعه ، وأن يجعلنا من المتبعين لرسوله صلى الله عليه وسلم .

الخطبة الثانية
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله ؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه وإن من أعظم التقوى الارتباط بالكتاب والسنة ، وتعلّم دين الإسلام من مصادره الأصلية ، والإقتداء بقدوات أعلام أمتنا عبر تاريخها المجيد ، ومعرفة تاريخنا لأخذ الدروس والعبر .
وإن قضية التعليم قضية جداً مهمة ، وإن الدعوة التي تطلق هنا وهناك لإعادة النظر في مناهج التعليم نقبلها إذا كانت منا ، فنحن دائماً نسعى إلى تطوير مناهجنا ، وإلى إصلاحها ، وإلى مزيد من الخير فيها ، ولكن الدعوة إذا جاءت من غيرنا ، وإذا جاءت ممن نعلم أنه يختلف عنا في معتقدنا وتصورنا وفكرنا وحضارتنا وتاريخنا ولغتنا ؛ فإن معنى تطويره أو تغييره الذي ينشده منا هو أن نكون نسخة منه ، أو أن نكون أتباعاً له ، أو أن نتكلم بلسانه و نحب بقلبه ، ونعمل بنَفَسه ونفكر بعقله وبالتالي نمارس الحياة في واقعها على نفس طريقته وعلى نفس خطوته التي يحياها ، وهذه هي قضية التحريف والتضليل في التعليم بعينها ؛ فإن المقصود بها محو وإخفاء الشخصية العربية الإسلامية حتى تعودوا الأجيال لا كيان لها ولا شخصية لها ، فيسهل قيادتها ، وتنبهر بغيرها وتصبح تابعة لغيرها .

ولذا نرى ما يجرى في مناهج التعليم في كثير من بلاد الإسلام يركز على أن يربط تلك المجتمعات بإحدى جانبية إما أن يربطها بتاريخ لها مزعوم من قبل الإسلام فيتجاوز فترة الإسلام بطولها وعرضها وحضارتها وكل ما فيها ليدرسهم آثاراً وآضاماًً وتاريخاً قديماً ليس لهم فيه معنى معين ، ولا تحريك معين ، ولا فائدة واضحة ، وإما أن يتجاوز بهم بحكم المعاصرة إلى دراسة الواقع المعاصر ، والحضارة المعاصرة ، والإعلاء من شأنها ، وإظهارها بمزاياها ومحاسنها حتى يفتنهم إما بذلك أو بتلك ، أو حتى يربطهم واقعاً بهذا وتاريخاً بتلك الفترة ويضيع التاريخ الإسلامي بينهما ، ومن العجيب أنه قد وقعت كثيراً من جرائم التحريف والتغيير المفسد في مناهج التعليم البلاد الإسلامية ، حتى اختزل تاريخ الأمة في صور عجيبة - كما أشرت من قبل - بعض المناهج في مدارس الثانوية ، بل ربما في بعض المعاهد الشرعية لم يكن حظ تاريخ عمر - الفاروق خليفة المسلمين - إلا نصف صفحة ، وتاريخ عثمان أو الإشارة إليه بسبعة أسطر ، ثم مساحات وصفحات واسعة لكثير مما لا يفيد ولا ينفع .

ولذلك نرى هذه المعاني فنحمد الله - عز وجل - في هذه البلاد على ما مرّ وسبق أن ذكرنا بعض منه في وضوح الأهداف الإسلامية للسياسة التعليمية ، وانعكاسه على المناهج الدراسية ، وأثرها أيضاً في تكوين المعلمين والمربين ، وكثيرٌ من هذا فيه خيرٌ كثير ، وما نحتاج تعديله وتقويمه يقوم به ذوي الرأي منا وأهل الغيرة والتخصص منا ، فيكون دائماً لنا أطراد إلى الأفضل والأحسن بإذن الله - عز وجل - نسأل الله سبحانه وتعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً .

المصدر : موقع إسلاميات
 

تبرئة المناهج
  • تبرئة المناهج
  • بحوث ومقالات
  • التربية البدنية
  • مناهجهم..لامناهجنا
  • المدارس الأجنبية
  • الصفحة الرئيسية