حول مناهج التعليم

د.يوسف السعيد

يكثر الحديث في هذه الأيام عن المناهج ومدي قبولنا للمقولة الغربية عن مناهجنا ، وأنها هي التي فرّخت الإرهاب من جانب - هذا إذا اتفقنا على تعريف الإرهاب -, ومدي حرص بعض من القائمين على التعليم في تطويره وتحسينه لمواكبة المتغيرات المعاصرة من جانب آخر. في هذا الخضم, تتداخل الأيدي والأفكار من عناصر متعددة في مجتمعاتنا الإسلامية, والكل يريد أن يدلي بدلوه في هذه المسألة. وينقسم الناس المتدخلين في تعديل المناهج من وجه نظري, إلى أقسام متعددة منها :

1- صنف طمس الله على بصيرته
فهو لا يريد للشريعة الإسلامية وجودا في هذه المناهج, وهو يسعى لتحريرها من شرع الله المطهّر وزجّها في المادية البحتة, فأهدافه مقصورة على اللحاق بالغرب تكنولوجيا ولا يهمه أمر تأسيس هذه الحياة الدنيا على شريعة وسنن من خلقها و أوجدها من عدم كما لا يهمه أمر الأجيال فيما بعد الموت .

2- صنف قريب من السابق
لكنه يسعى لتضيق الخناق على العلوم الدينية و حصرها في الشعائر التعبدية وفصل علوم الحياة العامة عنها, فهو يتصور أن علوم الدين علوم فردية وهي التي تنسق علاقة الفرد بخالقه, لكن لا ينبغي لهذه العلوم أن تتدخل في تنظيم الحياة العامة من علوم سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية .. الخ .

3- صنف لا يوافق الصنفين السابقين على مرتئياتهما
فهو يريد أن يزيد الجرعة في مناهج علوم الدين من عقيدة وفقه للعبادات وأحوال الأسرة وبعضا من القضايا الاقتصادية كالزكاة والإرث و الصدقات العامة. لكنه ما زالت ثقافته لا تدفعه لتأسيس العلوم الإنسانية والاجتماعية في المقررات الدراسية في التعليم العام أو في الجامعات. فربما تجده يغضب أشد الغضب من جراء حذف بعضا من آيات الولاء والبراء في كتب التوحيد في التعليم العام - ونحن نشكره على ذلك وعلى تلك الغيرة- لكن لديه بردود شديد حيال نزع النظام الاجتماعي أو النظام الاقتصادي وما يتعلق بهما من نصوص شرعية من المقررات الجامعية, ولا يزعجه كثيراً أن معظم النظم الاقتصادية في البلاد العربية والإسلامية تعليما وتطبيقا مؤسسة على غير شرع الله حيث أنها مؤسسة على النظام الرأسمالي وقد سبق أن تعرضت لهذا الموضوع في حلقتين الأولى منشورة في مجلة المجتمع عدد [ 1550 ] ، والثانية منشورة في موقع الكوت.

4- صنف يسعى جاهداً إلي تأسيس المناهج على أساس من شرع الله دون فصل بين الديني والدنيوي
منطلقا من قوله تعالى : {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } ، وقوله تعالى : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ، فهي عبادة مستمرة وليست محصورة في أوقات الصلوات والمناسبات الدينية كرمضان والحج, وحضور الجلسات الدينية في المساجد والجامعات, صنف يسعى أن يجعل الطالب المسلم يشعر بأنه يعبد الله وهو يدرس علم الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء أو الحاسب أو غيرها من العلوم النافعة كما جاء في الدعاء : (اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ) ، وكما جاء في دعاء آخر :(اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ونفس لا تشبع ودعوة لا يستجاب لها ). إنني كثير ما أسائل الطلبة وهم على مقاعد الدراسة في الجامعة, ما إذا كانوا يشعرون أنهم في حضورهم هذا يطبقون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ) ، أو كما قال - عليه أفضل الصلاة والسلام - فتجد الجواب بالنفي, أي أنهم لا يشعرون بذلك شعورهم لو حضروا حلقة علمية لبعض المشائخ الكرام في المساجد .

انطلاقا مما يدور حول المناهج الدراسية ؛ فإني اعتقد أن المسألة أكبر مما اطلعت عليه, لذا فإني أهيب بكل مهتم بهذا الموضوع ممن له علاقة مباشرة بالتغير أو ممن يروعهم بعض التغيرات في المناهج, أو ممن لهم وجهات نظر حول الموضوع من المعلمين والمعلمات والصحفيين والصحفيات وبقية أعضاء المجتمع, أن يطلعوا على الكتب التالية إن لم يكونوا قد اطلعوا عليها من قبل وهي تمتد في نشرها على ما يفوق العشرون سنة. وقد رتبتها حسب تاريخ صدورها وهي كما يلي :

1) المنهج الإسلامي الجديد للتربية والتعليم/ أصل الكتاب لأبو الأعلى المودودي, جمعه وقدم له وعلق عليه الأستاذ محمد مهدي الإستانبولي/المكتب الإسلامي/الطبعة الثانية 1402هـ .
2) المناهج المعاصرة/ د. الدمرداش عبد المجيد سرحان/دار النهضة العربية/1977م .
3) التعليم ومستقبل المجتمعات الإسلامية في التخطيط الإسرائيلي/د.ماجد عرسان الكيلاني/ الدار السعودية/الطبعة الثانية 1405هـ - 1985م .
4) أزمة التعليم المعاصر وحلولها الإسلامية/ ا.د. زغلول راغب النجار/الدار العالمية للكتاب الإسلامي و المعهد العالمي للفكر الإسلامي/الطبعة الثانية 1416هـ - 1995م .
5) هكذا يربي اليهود أطفالهم/ د. سناء عبد اللطيف/ دار القلم دمشق و دار يمان عمان/ توزيع دار البشير جدة/ 1418هـ - 1997م .
6) حول التربية والتعليم/ أ.د. عبد الكريم بكار/كتاب رقم (5) من سلسلة المسلمون بين التحدي والمواجهة/ دار المسلم للنشر والتوزيع الرياض/1420هـ - 1999م .
7) مدرسة المستقبل/ د. عبد العزيز الحر/ مكتب التربية العربي لدول الخليج/ 2001م .
8) التفكير والتعليم والذاكرة في ضوء أبحاث الدماغ /د. إبراهيم أحمد مسلم الحارثي/ مكتبة الشقري/1421هـ - 2001م .
9) صورة العرب والمسلمين في المناهج الدراسية حول العالم في أمريكا – بريطانيا – فرنسا – إيطاليا- ألمانيا – إسبانيا – روسيا – الهند – كوريا – البرازيل – إسرائيل/ مجموعة باحثين / كتاب المعرفة 12, يصدر من مجلة المعرفة وزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية/ 1424هـ - 2003م .

وحيث أنى سبق أن دعوت إلى أهمية انتفاضة قلم المعلم والمعلمة, ودعوت إلى أهمية دمج العقل التعليمي بالإعلامي, فإني أهيب بهم أن يسعوا إلى تلخيص هذه الكتب وما يدور في فلكها وتقديمها للجمهور عبر قنوات الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وبرامج إذاعية وتلفزيونية وفي المنتديات على الشبكة وغير ذلك من القنوات المتعددة. فهذه أحد المسارات التي يمكن للمعلم والمعلمة أن يخوضوها ويطرحوها لجمهور الناس .

أيها المعلم الكريم - أيتها المعلمة الكريمة : لا تنتظري أحد يأمرك لتقومي بهذا الدور, بل بادري ولك من الله المثوبة والأجر ومن الناس المشجع والناقد. كما ويمكن إجراء المسابقات على هذه الكتب في كليات المعلمين, وفي إدارات التعليم كمسابقة للمعلمين, وفي الجامعات, وفي العوائل الممتدة, وفي التنشيطات السياحية, وفي غيرها من التجمعات المناسبة للحال .

كما لا ينبغي أن يفوتني التنويه على صنف قد يكون خامسا حيال رؤيته للمقررات الدراسية, وهو ذلك الصنف الذي يعتمد "حاجة سوق العمل" كأساس للنظر في المناهج, فلسان حاله يقول يجب أن تتواكب المناهج مع ما يحتاجه سوق العمل, لكن سوق العمل بالنسبة لفريق من هذا الصنف ، هو سوق العمل الدنيوي, ولفريق آخر من هذا الصنف, سوق العمل الدنيوي والأخروي ، فالفريق الأخير يريد أن تكون مخرجات التعليم رجالا ونساء تعلموا لدِّنـيا والآخرة لا لدنيا الفانية فقط, فهو أحرص على الجيل من الفريق الأول.

الفريق الأول يريد إعداد الجيل لدنيا فقط أما الثاني فهو يريد إعداده لما قبل الموت ولما بعده. فيرجى من الكتّاب والكاتبات الكرام إبراز هذه النقطة بشكل جيد عند تعرضهم لهذه المواضيع .

واسأل الله العلي القدير لهم أقلاماً سيالة في سبيله, إنه ولى ذلك والقادر عليه

المصدر : موقع إسلاميات