صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







التعليم الأجنبي.. مخاطر لا تنتهي!

مهيمن عبد الجبار


إن الحديث عن المدارس الأجنبية حديث يتلاقى ويتماس مع كثير من نقاط واقعنا المعقد؛ فهو يتناول التربية العقدية بمفهومنا ولفظنا، كما يتناول التنشئة السياسية من جهة أخرى، ويتناول قضية الهوية بجوانبها وتشعباتها، وهـي سر من أسرار تخلف التنمية، ولها ظلالها الإعلامية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ويمس عصب الأمن القومي.
ولكي نتصور القضية تصوراً صحيحاً لا بد أن نضع في اعتبارنا عدة أمور:
أولها: أن التعليم الأجنبي يأتي ضمن منظومة واسعة لتغريب الأجيال وإبعادهم عن دينهم تتضمن التعليم والإعلام والثقافة، ويتستر خلفها التبشير والاستشراق والاستعمار، وتساندها بقية الأدوات.
وثانيها: أن الكلام حول التعليم الأجنبي يتناول المدارس الأجنبية ومدارس الإرساليات التبشيرية ومدارس الجاليات بالأصالة، كما يشير إلى مدارس اللغات والمدارس التجريبية التي تقفو أثر المدارس الأجنبية ـ وإن تسمَّت بأسماء عربية ـ بالتبعية، كما يتطرق الحديث إلى الابتعاث إلى الدول الغربية.
وثالثها: أن حديثنا عن دور ومخاطر هذا النوع من التعليم يزيد من شأنه ـ ولا يهون ـ ما يتم للتعليم الوطني اليوم في كثير من بلادنا الإسلامية تحت مسميات التطوير والتحديث، ضمن ما يعرف بالعولمة التعليمية التي ترعاها المؤسسات الدولية وتدفع إليها الدول الغربية.
ورابعها: أن التعليم في الإسلام يعني عملية إفراز وتنمية للولاء العقدي الذي هو أعلى وأوثق أنواع الولاء، كما يرتبط بقيمة وجودية للأمة الإسلامية هي الهداية كما قال ـ تعالى ـ: { وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } [آل عمران: 79].
كما يرتبط بقيمة أخرى في الآخرة هـي الوقاية مـن عـذاب الله ـ تعالى ـ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [التحريم: 6]، وهذا ـ كما قال المفسرون ـ يتم بالتعليم والتأديب، وفيه ملمح مهم وهو ارتباط التعليم بالإصلاح، على عكس ما يحدث اليوم في التعليم الأجنبي.
وخامسها: أن دخول أطراف خارجية في العملية التعليمية يعني تعريض أمن الأمة للخطر؛ وذلك حين يتعرض دين الأجيال للتحريف وعقولهم لألوان الغزو الفكري، وهي مسألة لا تقل خطورة عن السماح للأجانب بالالتحاق بالجيش أو أجهزة الأمن التي تسهر على حماية البلاد، بل تزيد؛ لأنها تؤدي مستقبلاً إلى وجود مثل هذه الفئات داخل هذه المؤسسات دون أن ندرك حقيقة الدور الذي تقوم به.
إننا كثيراً ما نلمس آثار هذه المدارس على المتخرجين فيها، لكن ما يغيب عنا أكثر، دون أن يكون لنا ـ أفراداً أو مجتمعات ـ دور يتفاعل مع قضية بهذه الخطورة.
سادساً: إن الحديث عن التعليم الأجنبي اليوم لا يمكن التطرق إليه بمنأى عن الخريطة التعليمية القُطرية والعولمية؛ فلم تعد المدارس الأجنبية هي الخطر الوحيد في المجال التعليمي؛ بل ينبغي تصور خريطة المخاطر المحتفة بالتعليم اليوم؛ فهناك مدارس الإرساليات (علمانية، ودينية)، وهناك المدارس الدينية التي تخص الطوائف النصرانية التي تعيش في بلداننا الإسلامية، والمدارس الخاصة التي تقتفي أثر هذه المدارس، إلى جانب التعليم العام المنجذب مغناطيسياً نحو مجال هذه المدارس كنموذج.
إن نظرة الأمم إلى مسألة التعليم تنطلق من نظرتها لذاتها ودورها وهدفها الأبعد على هذه الأرض وما بعد الأرض؛ ومن ثم فإن الخريطة التعليمية لأي دولة يمكن أن تنبئنا بتطلعات هذه الدولة إلى المستقبل، ويمكن إيضاح ذلك من خلال عدد من التجارب والمواقف:
* كان للتعليم الشرعي دوره الذي بهر العالم كله في نموذج طالبان وسيطرتها على الأوضاع داخل أفغانستان بسهولة، والبدء في خطط تنموية حقيقية رغم الحصار الشديد وضعف الإمكانيات؛ مما جعل التقارير العالمية توصي باتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة بصدد هذا النوع من التعليم في الدول الإسلامية الأخرى، ومن ثم قامت النخب العلمانية بتصفية هذا النوع من التعليم بعدة طرق في تركيا ومصر واليمن وباكستان وغيرها، وما يحدث الآن في أفغانستان يعيد للأذهان حملة نابليون للقضاء على بواكير النهضة العلمية والحضارية التي كادت تزهر في أحضان الأزهر، وزرع التعليم البديل(1).
* كان للمدارس الدينية دورها في إنجاح الثورة الإيرانية في أواخر السبعينيات، كما كان للتعليم الغربي دوره اليوم أيضاً في الانقلاب السلمي على الثورة هناك.
* النهضة الاقتصادية الماليزية بدأت أيضاً بالتعليم؛ ففي سنة 1985م أقيمت مؤتمرات وطنية لقضية التعليم، وقررت أن تكون ماليزيا دولة صناعية؛ ولذا تغيرت مناهج التربية والتعليم على هذا الأساس، كما تغيرت نظم البعثات الدراسية، والهجرة والاستثمار في غضون 10 سنوات، وكانت النتيجة أن ماليزيا أصبحت عاشر دولة صناعية في العالم سنة 1995م.
* نموذج الصين واليابان والهند وألمانيا وهي تجارب دول عانت من مشاكل أكثر عدداً وأضخم من المشكلات التي يعلق عليها العرب خيبتهم التعليمية والتنموية؛ ومع هذا استطاعت هذه الدول حين ملكت الإرادة أن تقفز من خلال تعليم هادف قفزات سريعة في فترة محدودة.
* وفي كشمير المحتلة عملت الهند على مـحـاربـة التعليم الإسلامي ونشر التعليم العلماني، وتشجيع الحركات العلمانية على حساب الحركات الإسلامية؛ وخاصة بعد ظهور الحركات الجهادية لطمس هوية كشمير وإذابتها داخل المستنقع الهندي.
* كان للمدارس الدينية دورها في إيجاد تيار واسع له أثره البالغ في توجه الدولة اللقيطة وتعاملها مع العرب(1).
* وأخيراً كان للتعليم الأجنبي أثره البالغ على أمن المنطقة العربية واستقلالهـا مــن خــــلال تربيــة أجيــال لا تــؤمــن إلا بالفكـر الغــربي، ولا تعرف غير الحضارة الأوروبية، وتتنكر لدينها وحضارتها وقيمها الأصيلة، وكان لهذه الأجيال العير والنفير في مختلف المجالات.

 
إطلالة على الوجود التعليمي الغربي:
في عام 1863م اقترح المنصِّر هاملين على صديقه روتشيلد اليهودي إنشاء مدرسة ثانوية بجوار «قلعة الروملي» قائلاً: «لقد أنشأ الأتراك حصناً لفتح إسطنبول، وأنا سأنشئ هنا مدرسة لهدمهم». هذه العبارة على وجازتها تلخص لنا الدور الخطير الذي لعبته المدرسة الأجنبية في تفكيك العالم الإسلامي وتفتيت ريحه؛ لقد مكر أهل الكتاب مكر الليل والنهار لرد المسلمين عن دينهم تارة بحروب صليبية وتارة بتدبير المكائد الداخلية، وفي كل مرة كان العالم الإسلامي يهب هبته ينفض عنه مسة أهل الكتاب، وفي كل مرة كان الغرب يبحث عن لبنة سنمَّار حتى ظفر بها أخيراً؛ إنه حبل التلقي الموصول بالله عبر المسجد والمدرسـة والأم.. فلتكن المعركـة في هـذه السـاحــة لا بهدمها كما صنع بونابرت وإنما بتفريغها من محتواها أولاً وتبديله بمحتوى مخالف أياً كان هذا المحتوى ليفعل فعل السرطان في الجسد عندما تتغير كيميائية خلية واحدة.
يقول جب في كتابه: (وجهة الإسلام): «إن إدخال طرائق جديدة في البلاد الإسلامية كان يتطلب نظاماً جديداً في التربية من عهد الطفولة في المدارس الابتدائية والثانوية قبل الانتقال للدراسات العالية، وإن إصلاح التعليم [يسميه إصلاحاً!] على هذا النحو لم يكن في ذلك الوقت يخطر على بال السلطات المدنية الإسلامية، ولكن الفراغ ملأه هيئات أخرى؛ فقد انتشرت في منتصف القرن التاسع عشر شبكة واسعة من المدارس في معظم البلاد الإسلامية ولا سيما في تركيا وسوريا ومصر؛ وذلك يرجع غالباً إلى جهود جمعيات تبشيرية مختلفة، وقد كان أكثرها عدداً المدارس الفرنسية، وقد كانت المدارس الإنجليزية في الإمبراطورية العثمانية أقل مما في الهند، وكانت المدارس الهولندية قاصرة على جزر الهند الشرقية».
وقد ارتبط التعليم الأجنبـي منذ وفـوده على البلاد الإسـلامية ـ كما ذكر جب ـ بالإرساليات التبشيرية، وتنسب بداية المحاولة إلى الإسباني (ريمون لول)، ثم أخذت الجمعيات التبشيرية في الانتشار في أواخر القرن 18 وأوائل الـ 19 التي كان أحد أهم مناشطها التعليم، خاصة مع تحول الكنائس الكبرى في أوروبا من الإطار الكهنوتي البحت إلى الإطار التعليمي بإنشاء المدارس والمعاهد التابعة لها، وقد بدأت الإرساليات تمارس نفس الدور في العالم الإسلامي خاصة حين أخفقت الأساليب المباشرة للتبشير شرعت في أداء الدور التعليمي، وخاصة بعد أن رأى المبشرون من خلال مؤتمراتهم وخبراتهم المتبادلة أن العمل في جانب الصغار أجدى بكثير من الكبار وفي جانب الفتيات أخطر منه في البنين.
وقد كان الـغرض الملـحُّ علـى العقل الأوروبي مـن بناء المدارس ـ كما قلنا ـ هو حل المسألة الشرقية من الداخل بعد أن استغلق حلها من الخارج.. والناظر في تاريخ سقوط الخلافة يعلم بحق أثر هذه المدارس في الكيد لأهل الإسلام؛ فقد لعبت دوراً أعظم مما أداه جميــع ســفراء الدول ومعتمديهــم السياسيين باعـتراف الغـرب نفســه.
كانت الشرارة الأولى قدحت في بيروت بإنشاء مدرسة للبنات في الإمبراطورية العثمانية سنة 1830م؛ لأن البنات سيكُنَّ أمهات؛ فإذا تربَّيْن في هذه المدارس النصرانية أثرن على أولادهن!! وكانت تعنى ببنات الأسر والبيوت الكبيرة اللاتي سيكون لهن السيطرة على الجيل المقبل؛ ولهذا قال بعض دعاتهم: «إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني»!!
وقد تركزت في لبنان جهود الأمريكيين والفرنسيين، وقد كان للجامعة اليسوعية (الأمريكية فيما بعد) وجامعة القديس يوسف دور خطير في لبنان بالتقاط النابهين من نصارى الشام وبنائهم نماذج متغربة تعمل لحساب المشروع الغربي؛ حيث ارتبط كثير منهم بالمخطط الماسوني الهادف لإسقاط الدولة العثمانية وتفتيت العالم الإسلامي وغرس الدولة اليهودية في المنطقة.
وفي مصر عام 1840م من خلال البعثات التنصيرية قام الآباء بتأسيس الكلية الفرنسية بالإسكندرية والجمعية الإنجيلية البروتستانتية، وجمعية راهبات القلب المقدس عام 1845م، ثم تلتها الإخوة المسيحيون والفرير عام 1847م ثم الآباء اليسوعيون والجزويت ثم الفرنسيسكان 1859م والمير دي ديو (وتعني أم الله! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) 1877م. ثم تبعتها مدارس الآباء اليسوعيين عام 1880م كمقدمة لاحتلال مصر في عام 1882م، وقد بلغ عدد مجموع الطلاب من المسلمين 7117 طالباً مسلماً حتى عام 1891م، وهو رقم مذهل بمقاييس تلك الأيام وظروفها.
كان انتشار المدارس الأجنبية في مصر مكثفاً ومقصوداً حتى إنها الآن تبلغ عشرات الآلاف من المدارس، وتبلغ نسبة الدارسين فيها من المسلمين 52% من الطلاب بمصر، ويشير مؤرخو المدارس الأجنبية أن الجالية اليونانية كانوا كلما حلوا في بلد أنشؤوا فيه كنيسة ومدرسة كما فعلوا في الإسكندرية عام 1843م ثم في المنصورة، وطنطا، وبور سعيد، والسويس، والقاهرة وغيرها، وهكذا الجالية الإيطالية منذ عام 1862م، والجالية الألمانية عام 1866م، واليهود منذ عام 1872م، والمارونيون السوريون، وكانت أولى الجاليات الجالية الأرمنية عام 1828م في بولاق.
أما عن تعليم البنات فقد كان هناك مدرستان في أواخر العقد السادس من القرن الماضي للتعليم العام بحي الأزبكية: واحدة تابعة للكنيسة الأرثوذكسية، والأخرى تابعة لكنيسة الأقباط الإنجيليين. وفي عام 1904م أنشأت الكنيسة القبطية أول مدرسة صناعية ببولاق.
وقد عملت كثير من هذه المدارس بمبدأ المواءمة واستغلال الفرص المتاحة؛ بحيث تظهر ما جاءت من أجله كلما سنحت الفرصة، وتتستر حين تضيق عليها الأمور.
كما شهدت سوريا بالتزامن مع حالة لبنان ومصر جهوداً موسعة لفتح المدارس الإرسالية حتى كان نصيب سوريا وحدها مــن المدارس الأمريكية عــام 1909م: (174) مدرســــة فـي المـدن والقــرى.
وفي السودان من أنواع المدارس والبعثات التنصيرية الشيء الكثير، بل إن عدد الكنائس في الخرطوم يفوق عدد المساجد!!
وأما في جبال النوبة فقد استولت الإرساليات البريطانية على التعليم فيها منذ عام 1919م وحاصرت توسع الإسلام واللغة العربيــة، وأقفلت ما يفتح مــن المدارس الإســلامية عــام 1931م(1).
وفي العراق: في أوائل القرن العشرين الميلادي كانت أول مدرسة تبشيرية في البصرة مدرسة للبنات، ثم انتشرت مدارسهم في أنحاء العراق.
وهذا ما جرى عليه الحال في سائر بلاد الإسلام خاصة البلاد التي دخلها الاستعمار.
وقد كان جل اهتمام التنصير منصبّاً على مصر وباكستان تحديداً؛ ولذا نالا قسطاً أكبر من الغزو عموماً ومن خلال التعليم على وجه الخصوص. يقول (ستيف نيل) مؤرخ الكنيسة: «في العالم الإسلامي دولتان تمثلان أكبر أهمية بالنسبة للتنصير، هما باكستان ومصر، وسقوط إحداهما في قبضتنا يعني إزالة أكبر عقبتين من طريق الكنيسة».
تتوافر عن باكستان أمامنا بعض الإحصائيات حول نشاط عدد من أشهر المدارس هناك يمكن أن تعطينا صورة عن حجم النشاط وما يصبو إليه وما يمكن أن يحققه:
نجد في مدرسة القديس باتريك في كراتشي (2100) طالب مسلم و (400) نصراني!
وفي مدرسة القديس يوسف (2100) مسلم، (100) نصراني!
ومدرسة القديس لورانس (1050) مسلماً، (150) نصرانياً!
ومدرسة القديس جوز (100) مسلم، وليس فيها نصراني واحد.
ومدرسة المسيح الملك (700) مسلم، (300) نصراني.
ومدرسة القديس جون (700) مسلم، (200) نصراني.
ومدرسة القديس بونا بونتشر في حيدر آباد (1560) مسلماً، و (40) نصرانياً.
ومدرسة القديسة ماري في حيدر آباد (1558) مسلماً، (139) نصرانياً.
بالنظر في ما تقدم يتضح أن وجود النصارى عبارة عن ذر للرماد في العيون(2).
على أن الأمر لا يتوقف عند حدود مصر أو باكستان أو بلاد الشام، وإنما زحف نحو جميع البلاد في غفلة من المسلمين. وتشير الأرقام إلى وجود 264 مدرسة تنصيرية في ماليزيا، وفي قطر هناك أكثر من 30 مدرسة، وفي مدينة مقديشو وحدها أكثر من ثلاثين مدرسة صليبية!
وطبقاً لإحصائيات عام 1991م توجد 16500 مدرسة نصرانية في أفريقيا وحدها.
أما التعليم الجامعي فلدينا ثلاث مؤسسات كان لها أبلغ الأثر في تحول كثير من أبناء الأمة عن دينهم وهي:
جامعة القديس يوسف في لبنان، وهي جامعة بابوية كاثوليكية (تعرف الآن بالجامعة اليسوعية).
والجامعة الأمريكية التي كانت من قبل تسمى (الكلية السورية الإنجيلية)، ثم كلية بيروت، وقد أنشئت في عام 1865م، وهي جامعة بروتستانتية.
والكلية الفرنسية في لاهور، وأسست في لاهور باعتبار أن هذا البلد يكاد يكون البلد الفريد في تكوينه في شبه القارة الهندية.
إلى جانب (كلية روبرت) في إستانبول، والكلية الأمريكية (الجامعة الأمريكية فيما بعد في القاهرة).
وكلية جوردن (البريطانية) في الخرطوم، وأخيراً الجامعة الأمريكية الجديدة في الشارقة، وفي قطر!
وهناك الجامعة الألمانية والفرنسية ـ في المستقبل القريب ـ في مصر اللتان شرع في تأسيسهما مؤخراً.
ومن خلال هذا الجهد المكثف نجح التعليم الأجنبي بمدارسه وجامعاته في تخريج أجيال عملت على خدمة المصالح الغربية على تفاوت فيما بينها؛ فقد تخرج فيها كـثـير من القيادات القومية الفكرية والسياسية من بين المسلمين والنصارى ـ دون فرق إلى حد بعيد ـ في كل من مصر ولبنان وفلسطين والأردن وسوريا والعراق والسودان، ومن أبرزهم: ميشيل عفلق، وجورج حـبـش، وقسطنطين زريق، وأنطون سعادة، ولويس عوض وغيرهم، وكان من عملاء هؤلاء المنصرين في تركيا الجنرال: أحمد وفيق باشا الذي أمَّن أرضاً للمدرسة؛ ولذا لما سئل السلطان عبد الحميد الثاني عن المكان الذي سيدفن فيه الجنرال، قال: «في قلعة الروملي؛ ليستمع الرجل الذي باع للبروتستانت أرضاً ليؤسسوا عليها أجراسـهم، أصوات هـذه الأجــراس إلى يـوم القيامة».
وقد أولت الدول المستعمرة خلال فترة ما بين الحربين اهتماماً شديداً بتثقيف أبناء الأمراء والعظماء وكبار رجال السياسة، ونقلهم إلى التعليم في المعاهد الأجنبية؛ وذلك لإعداد هذه الطبقة، وقد كان إغراؤهم عجيباً لكثير من أصحاب المراكز العلمية ـ حتى بعض كبار المسؤولين في مجال الإسلام ـ على تعليم أبنائهم وبناتهم، وقد أشارت تقاريرهم إلى ذلك بما أسمته: «نزوع الطبقة الراقية إلى المدارس الأجنبية».

 تعليم المخاطر!
نجح الغرب من خلال التعليم في أن يبث سمومه في مختلف مناشط الحياة، وحشد ضمن كل منشط منها مجموعة من المخاطر، ثم راح يؤلف بينها؛ ولهذا نرى المخاطر اليوم تتداعى وتجتمع وتتضافر، ويكمل بعضها بعضاً.
إن أثر النشاط التعليمي الغربي في بلادنا لم يعد يمس زاوية دون أخرى أو يكتفي بجانب دون سواه.. بل أصبح يمثل شبكة من المخاطر كل خطر يوطئ لما بعده ويخدم جوانب أخرى غيره؛ ولهذا فإن تفنيد بعض المخاطر لا يقلل من شأن سواها، وذكر كل منها منفردة لا يعني أنها منبتَّة عما سواها في الواقع؛ فالتعليم بذاته شبكة ضمن شبكة أوسع من المخاطر والمهددات التي تتنامى مع الوقت.
ومن هنا يأتي التعليم الأجنبي على رأس قائمة المخاطر وأدقها وأعمقها أثراً، ويكفي أنه لم يقع أن اتبعت الأمة بمجموعها سنن أهل الكتاب إلا بعد أن أصبحت مدارسهم تنافس مساجدنا، وقد رأينا من آثاره كيف تساق الأمة سوقاً وتقهر قهراً على اتباع سنن أهل الكتاب حذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع كما جاءت النصوص، وأن هذا ما كان ليتحقق لولا فتح باب التلقي عنهم والانغماس في سوادهم.. وتحسين مسلكهم.. والانبهار بكل ما يأتي عنهم دون تبصر أو تفكر، ووقوع الفتنة بتوليهم ومحبتهم في مقابل خلع ولاية الإيمان.
ونحن بصدد دراسة أهم المخاطر الناجمة عن الوجود التعليمي الغربي في بلادنا للدلالة على ما سواها لا بد أن ندرس أثرها على التيار العام للأمة، وألا نغفل دراسة النماذج الفردية المجلية لأثر التعليم الغربي وإن لم يتح لنا هذا بصورة قوية هنا، لكن تكفي بعض الإشارات الضمنية:

الخطر العقدي:
ويبدأ هذا الخطر حين تقوم هذه المدارس بترويض فكر الطالب شيئاً فشيئاً ليتشرب العقيدة النصرانية، وتنزع عنه حساسية الفطرة والإيمان، من خلال المناهج، والممارسة التربوية، والنموذج التربوي الذي تقدمه هذه المدارس (المثل الأعلى)، وشكل البناء؛ فالمدرسة تبنى بجوار الكنيسة أو داخل فنائها، وأسلوب الإدارة، وتعويد الطفل على رؤية الكهنة والراهبات في منزلة التوقير بما يجعل لهم نفسياً سلطة لا شعورية تبدأ بالاحترام وتنتهي بقبول أفكارهم ومعتقداتهم؛ فلا يجد هذا الطفل حرجاً حين يتخرج أن يرتدي لباس الكهان، بل يظل يحلم بهذه اللحظة، وكأن المدرسـة تقول له: قـد هيأناك لتكون هكـذا! ولا حرج أن يدخل كنيسة المدرسـة ظهـر كل أحــد مــع زملائه ليستمع إلى درس الأحــد، ولا بأس بعدهــا أن يدخــل أي كنيـــسة ضيفاً أو زائراً أو مهنئاً أو معزياً..!
وهو في البداية كما قال هوارد ويلس رئيس الجامعة الأمريكية الأسبق في بيروت: «التعليم في مدارسنا هو الطريق الصحيح لزلزلة عقائد المسلم وانتزاعه من قبضة الإسلام».
وهو في النهاية كما يقول بنروز رئيس الجامعة الأمريكية أيضاً: «أثمن الوسائل هي التي استطاع المبشرون أن يلجؤوا إليها في سعيهم لتنصير سوريا ولبنان».
ومن يقرأ تاريخ الأحزاب والحركات الهدامة في العالم الإسلامي في عصرنا الحاضر يلمس دوراً خطيراً للتعليم الأجنبي في تشكيل هذه الحركات وتوجيهها.
والمدرسة تبدأ بالطفل خاصة حين يغفل الأبوان عن دورهم في المتابعة، ثم تجعل منها قنطرة إلى أسرته، وهؤلاء تعد لهم المدرسة قائمة طويلة من المناسبات والحجج التي تبدو طبيعية لتوثيق العلاقات، كمجلس الآباء والحفلات الدورية وغيرها من المناسبات، ومن ثم يفتح الباب أمام الكنيسة لتمارس دورها في ربط هؤلاء بحياة الكنيسة، فتشملهم بمجموعة جديدة من الخدمات التعليمية غير النظامية، مثل مدارس القرى، وبرامج التربية الشعبية ومحو الأمية، وبرامج التدريب المهني والحرفي، وتعليم اللغات، والتدريب على الحاسب الآلي، ومجالات السياحة وأعمال مكاتب الطيران، ومراكز تنمية المجتمع، ومراكز رعاية الطفولة و... وتحاول هذه المدارس مع من يلتحق بها أن تعزله عن التأثر بعقيدته الإسلامية ومحيطه الكبير، تارة بإثارة الشكوك.. وأخرى بأساليب السخرية المقنعة والظاهرة.. والتهوين من شأن الإسلام..! وإذا لم يخضع التلميذ وأبدى بعض التمسك كان في انتظاره حزمة من عمليات الحرب النفسية الكفيلة بأحد أمرين: ترك المدرسة، أو عقدة الانطواء؛ ومن ثم تنجح المدرسة في تصوير المتمسك بإسلامه لباقي زملائه على أنه أحد اثنين: إما غير ناجح، وإما معقّد.
ثم تكتمل الحلقة حين يلتحق الطالب بإحدى جامعات الغرب أو فروعها في بلادنا؛ فيجد عشرات من الكتب والرسائل التي تطعن في الإسلام طعناً صريحاً، وتخلط بين الإسلام وما سواه باسم الثقافة، ويجد الزوجة التي تكمل معه المشوار، والأستاذ الذي يأخذ بيده إلى آفاق أخرى، ولهذا لا يعجب المــرء بعــدهــا حين يســمع عن تنصر بعض هــؤلاء سراً أو علناً.
وكما تعمل المدارس التبشيرية على ترسيخ قيم الكنيسة التي تنتمي إليها، تعمل المدارس العلمانية على ترسيخ القيم المادية من خلال منظومتها التعليمية؛ حيث تطبق المعايير الرأسمالية البحتة على كل شيء بدءاً من عمل المدرسين وأدائهم، وانتهاء بتقييم الطلاب وتحديد أولويات حياتهم.
ومن هنا يزول عجب المرء حين يجد هذا الهجوم الواسع على الإسلام من طوائف واسعة من بني جلدتنا ممن يتحدثون بألسنتنا، وحين يجد الدأب في العمل لخدمة المصالح الغربية على حساب الأمة، حين يعلم المرء أن هذا النتاج هو حصيلة قرن ونصف من العمل الدؤوب في مجال التنشئة.
ومعلوم أن الإنسان يحن إلى طفولته وصباه، ومكوناتهما هي أوتار الحس في بقية مراحل العمر.. وتعلق قلب المتعلم في هذه المدارس يعد مقدمة لما بعده.
فلا عـجـب أن يُضمَّن الشــعر والنثـر عقائـد أهـل الكتـاب، ولا غرابة أن تستورد قوانينهم وأفكارهم حتى بعد إحالتها للتقاعد في بلادها، أو أن يصبح إعلامنا بوقاً لترديد ما يشتهون، ومن لم يدركه أثر التعليم مباشرة أدركته توابعه!
وبهذا نجد أن أثر التعليم الأجنبي لا يقف عند حد فرد أو مجموعة وإنما تسري سمومه في جسد الأمة وهي تظن أنها تتداوى. والمتأمل في تاريخ بعض الشخصيات التي تربت في هذه المحاضن يجد أن شؤم التحاق فرد ربما عاد على الأمة كلها بالضرر الكبير، ولدينا أمثلة من حاضرنا تتمثل في أتاتورك رغم أصوله المتصلة باليهود؛ لكن طبيعة نشأته وتكوينه هو ومجموعة الاتحاد والترقي هي التي حركته في الاتجاه الذي سار فيه، و«سنجور» حاكم السنغال السابق الذي نصَّرته مدرسته ـ بينما لا يزال أهله مسلمين ـ وتولت إعداده ليتولى حكم دولة مسلمة بنسبة 99% ويحارب فيها الإسلام، وبعد أن افتضح أمره تفرغ للتنصير، وأقيمت جامعة تحمل اســمه لإعـداد المنصِّـرين فـي بلاد المســلمين.
وقل ما هو أعظم من ذلك عن إسماعيل باشا خديوي مصر الذي عاد مع أول بعثة من فرنسا وهو يحلم بتحويل مصر إلى قطعة من فرنسا، ودوره الخطير في تمكين أعضاء المحفل الماسوني من حكم مصر، والسيطرة على قطاع واسع من المنطقة العربية، والذي أغدق الهبات على بعثات التنصير الفرنسية المتعاونة مع الاستعمار من الصين إلى أعماق أفريقيا، وقد ورد في رسالة مسيو «بوجاد» قنصل فرنسا في مصر في 2/5/1869م: «أن إسماعيل منح رئيس أساقفة اللاتين بمصر قطعة أرض مساحتها: 3500 ذراع في موضع حسن جداً (150 ألف فرنك ذهب)، ومنح الراهبات إعانة سنوية (6 آلاف فرنك ذهب) وهبة (200 ألف فرنك)، ومنح أساقفة اللاتين منحة أخرى هي أرض مساحتها 6 آلاف ذراع»(1). وكانت منذ عام 1867م قد بدأت مدارس الاستعمار الفرنسي والبريطاني في العمل في مصر، وجميع عملاء الغرب من رجال الخديوي إسماعيل إنما صنعتهم هذه المدارس.
لقد كان شؤم هؤلاء الثلاثة على عقيدة الأمة وعلى عافيتها أمراً لا يمكن الإحاطة بمداه؛ لأن تبعاته ما زالت تتوالى علينا، وقد كان جهدهم ناتجاً عن عقيدة نجح التعليم في تشكيلهم عليها.
ومن العجيب أن نصارى البلاد العربية أبوا أن يلحقوا أولادهم بالمدارس النصرانية الوافدة ـ وهم أهل دين واحد ـ غيرة على مذاهبهم وحرصاً على أبنائهم، فأقاموا مدارس خاصة بهم. أما المسلمون فلم تأنف منهم طائفة أن يسلِّموا أولادهم إلى هؤلاء وهؤلاء! يقول المبشر «تكلى»: «يجب أن نشجع إنشاء المدارس، وأن نشجع على الأخص التعليم الغربي. إن كثيراً من المسلمين قد زعزع اعتقادهم حينما تعلموا اللغة الإنجليزية. إن الكتب المدرسية الغربية تجعل الاعتقاد بكتاب شرقي أمراً صعباً جداً».
لقد حفلت مناهج التعليم الغربي بجهود المستشرقين في الطعن في الإسلام، وتزيين ما عليه عقيدتهم من باطل، وتحسين مناهجهم وسيرتهم، والفتنة بتاريخهم والتأسي بعظمائهم، والفخر بما حققته مدنيتهم من تقدم مادي، والتنكر لكل ما هو إسلامي وعربي.. كل ذلك ما كان ليبلغ مداه لولا التأسيس لها عقيدياً؛ ولهذا نجد أن كثيراً من أفكارهم الشاذة قد انتقلت من كتبهم إلى بطون الدساتير والقوانين واللوائح العربية، وعبرت عن أفكارهم مئات الصحف والإذاعات، وترجمت إلى آلاف الكتب والرسائل، وأقيم من أجلها ما لا يحصى من المؤتمرات والندوات والجمعيات والهيئات، كل ذلك لم يكن ليتحقق لولا الغزو العقدي الذي مني به طائفة من المسلمين خلال تربيتهم في هذه المدارس، ويسهرون على نشره ونصره بين مجتمعاتهم اليوم.

 
الخطر التعليمي والتربوي:
إن ما قام به التعليم الأجنبي ابتداء أشبه بإنشاء جدول صغير خاص به، وتحكم فيما يدخل إلى هذا الجدول كما تحكم في مصبه؛ يسقي منه من شاء، ثم أخذ بتوسيع ذلك الجدول شيئاً فشيئاً، ثم عمد مع الوقت إلى تحويل مجرى الماء الأساسي إلى جدوله لينبع منه ويصب في مصبه هو.
إن من أخطر ما قامت به المدارس الأجنبية أنها استطاعت أن تضع المعايير التي تقاس بها جودة التعليم وفقاً لمآربها هي، مع أن معايير القياس في تجردها فيها جزء مطلق وجزء آخر تحكمه عقيدة المجتمع، لكن الذي حدث أن المدارس فرضت ذلك من خلال طبع صورة الانبهار بها لدى العقل العربي ابتداء، ثم بتمكين خريجيها من توجيه المجتمعات لاحقاً؛ مما أدى إلى فرض صيغة مأزومة للمعايير التي تحكم سير العملية التعليمية الوطنية بعد أن أحاطتها بسياج من الجمود والتخلف والتبعية.
ولو تفحصنا نظرة التربويين إلى عملية التربية لوجدنا أن الأمم الغربية كان لديها حساسية من استعارة معايير خارجة عن المجتمع وظروفه وأهدافه العليا حتى وإن اتفق الطرفان في جزء كبير من العقيدة واللغة والتاريخ. يقول كونانت أستاذ التربية الأمريكي الشهير في كتابه: (التربية والحرية): «إن عملية التربية ليست عملية تعاط وبيع وشراء، وليست بضاعة تصدر إلى الخارج أو تستورد إلى الداخل، إننا في فترات من التاريخ خسرنا أكثر مما ربحنا باستيراد نظرية التعليم الإنكليزية والأوروبية إلى بلادنا الأمريكية»(1).
إن استيراد نظريات التربية الغربية ومعاييرها لا يناسب حال الإنسان المسلم ولا تطلعاته خاصة مع وضوح المفاصلة التي جاء بها القرآن وامتلاء التاريخ بصفحات الكيد والمكر؛ فإذا كانت التربية تعني سعي الأمة للاحتفاظ بنظرية سبق أن آمنت بها، وأقامت عليها حياتها، وجاهدت في سبيل تخليدها.. بنقلها إلى الأجيال القادمة.
ومن ثم فهي الجهد الذي يقوم به آباء شعب ومربوه لإنشاء الأجيال القادمة على أساس نظرية الحياة التي يؤمنون بها. ووظيفة المدرسة أن تمنح القوى الروحية التي تتصل بنظرية الحياة، وتربي التلميذ تربية تمكنه من الاحتفاظ بحياة الشعب وتمديدها إلى الأمام»(2).
ومن خلال هذه الرؤية التي تزداد خصوصية ووضوحاً إذا ما تعلق الأمر بخير أمة أخرجت للناس نرى أن خطر التعليم الأجنبي لم يقتصر في مزاحمته تعليمنا الداخلي الذي أريد له التخلف والقصور، وإنما في كونه أصبح هو الذي يمسك له البوصلة التي تحدد له اتجاهاته ومساراته، وقيمه ومعاييره، وأهدافه ووسائله، وهنا مكمن الداء في أن الاختراق نجح بإشعاعاته أن يقلب كيميائية التعليم في عدد من بلادنا إلى خلايا سرطانية تتغذى بغذاء الجسد وتعمل في ذات اللحظة على هدمه.

 الخطر على الهوية:
خرَّجت المدارس الغربية عشرات الأجيال من المتغربين: منهم من خلع عن نفسه ربقة الإسلام كلية واستبدل بها ما دونها، ومنهم من تشبع بانهزامية وانسحاق أمام الغرب، ومنهم من لم تكن العقيدة ذات بال عنده فانسلك في سياق مادي وقدم نفسه عميلاً أينما وضعه الغرب وجده، ومنهم من انكمش داخل ذاته، ومنهم من رفض كل ذلك لكنه بقي مخترَقاً ببعض القيم الغربية التي تحول بينه وبين الحركة الصحيحة، ومنهم من رفض ذلك علانية فأُقحم في سلسلة من الإهانات والعواصف النفسية التي جعلت منه أنموذجاً مأزوماً منطوياً على نفسه.
هذه المدارس صاغت أخلاق التلاميذ وكونت أذواقهم، والأهم أنها علمتهم اللغات الأوروبية التي جعلت التلاميذ قادرين على الاتصال المباشر بالفكر الأوروبي، فصاروا مستعدين للتأثر بالمؤثرات التي احتكوا بها أيام الطفولة (أي التعليم على الطريقة المسيحية)(1).
إضافة إلى أثر اللغة التي يتعلم بها؛ فثمة علاقة قوية بين اللغة والتكوين العقلي والنظرة إلى الوجود أثبتتها الدراسات الحديثة في علم اللسان، "فأسلوب الاستجابات والمواقف في مجتمع من المجتمعات يرتبط ارتباطاً وثيقاً باللغة والفكر؛ "وعلى هذا فإن الصيغ تؤثر في الذهن وتنظم التفكير بشكل معين". والبناء اللغوي الذي يتلقاه الفرد من محيطه مسؤول مسؤولية مباشرة عن الطريقة التي ينظم بها نظرته إلى العالم(2).
إن إحدى كبريات المعضلات التي يخلفها التعليم الأجنبي هو غرس بذرة القابلية للاستعمار لدى نفوس أتباعه. يقول المستشرق جب: "إن التعليم هو أكبر العوامل الصحيحة التي تعمل على الاستغراب، وإن انتشار التعليم (أي على الطريقة الغربية) سيبعث بازدياد ـ في الظروف الحاضرة ـ على توسيع تيار الاستغراب وتعميقه، ولا سيما لاقترانه بالعوامل التعليمية الأخرى التي تدفع الشعوب الإسلامية في نفس الطريق". وقد أشارت بعض الصحف والمجلات إلى ضعف قضية الولاء لدى خريجي هذه المدارس والجامعات، سواء على مستوى الدين أو على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع.
 وأخطر من الاستعمار السياسي والاقتصادي ما يعرف بالاستلاب العقدي؛ لأنه يجعل الإنسان يدور في فلك وإطار حياتي رسم له ولا يرى له وضعاً غير وضعه، ويلجأ إلى ما يسميه بعض المثقفين بالتماهي؛ وهو انبناء الشخصية تبعاً لأنموذج معين حتى يصبح الشخص هو الآخر بأن يكتسب صفاته وهويته دون إدراك منه.
وقد حرصت كثير من الكنائس الشرقية القديمة على بناء المدارس إلى جنب الكنيسة؛ بل في حضن الكنيسة في كثير من الأحيان إشارة منها إلى سلطة العقيدة على الحياة.
ويقول المستشرق "شاتلي": "إن أردتم أن تغزوا الإسلام وتخضدوا شوكته وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة؛ فعليكم أن توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم المعنوي وكتابهم القرآن، وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة نشر ثقافتهم وتاريخهم، وحتى لو لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج والبسطاء منهم لكفانا؛ لأن الشجرة يجب أن يتسبب لها في القطع أحد أغصانها"(1).
ومع أن لهذه المدارس جوانب لا تنكر في طريقة العرض، وفي جاذبية المناهج، وفي متابعة الطالب وإدارة العملية التعليمية، ولكنها بمثابة ما في الخمر من فوائد؛ لأنها وهي كذلك تعطي مفاتيح مغلوطة للعلم من حيث كنهه وهدفه ووسائل تحصيله ومجالات استثماره خاصة حين يصب في خدمة أعداء الله. نعم! هي تعمل على تنمية الفرد ثقافياً وتجعله يفكر بطريقة منظمة لكن في إطار ما تريد هي، وينتفي هذا النظام إذا تعلق الأمر بالإسلام أو الثقافة أو الحضارة العربية. إذن هي لا تعطيه قيماً تعليمية أو تربوية مطلقة يمكنه من خلالها التفكير المستقل عن الإطار الذي رسم له(2).
ولا يخفى خطرها في إعادة تشكيل الهوية من خلال توظيفها لكل متاح لديها ليخدم في هذا المجال من خلال:
- منظومة القيم التي تحتكم إليها المدرسة ـ نصرانية كانت أو علمانية ـ في إدارتها وفي حكمها على الأمور وكأنها تعوِّده على الرجوع إليها، حتى إذا ما أصبح هذا الخريج في يوم من الأيام مفاوضاً عرفوا كيف يوظفون مواقفه لصالحهم، بل إن قناعته بكثير مما يطمح الغرب إليه يصبح أمراً ذاتياً لديه.
- رسم خريطة الأحلام المستقبلية للطالب؛ بحيث يوضع في اعتباره القيمي مجموعة من الأهداف المستقبلية والطموحات التي ليس من بينها طبعاً العيش في بلاد الإسلام ولا خدمة مصالحها.
- توظيف مناهج هذه المدارس وهي وافدة تدرس بلغة بلدها الأصلي، وتعرض تاريخه وتطوره وثقافته ومشكلاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ ومن ثم تتجذر قضية الهوية المغايرة في شعور الطالب دون أن يستطيع فهم طبيعة مشكلات مجتمعه هو ولا ينشغل بقضاياه.
وتصبح اللغة الأجنبية لديه لغة العلم والحضارة والتحدث، وتُجعل قالباً للخبرة القيمية؛ لأن اللغة حين تنتقل بتعبيراتها ومضامينها إلى الطالب يتشرب تلك المضامين دون وعي منه.
- الجوانب الأدبية والتاريخية، وهي عنصر إلهام؛ فالتاريخ الذي يدرسه الطالب في هذه المدارس ليس هو تاريخ الإسلام، وإنما تاريخ القومية التي تتبعها المدرسة؛ وفي هذا ترسيخ لمفهوم الشعوبية والقومية؛ فعلى سبيل المثال تصور الحروب الصليبية على أنها حملات تنوير، أو أن أسبابها ليست عقيدية وإنما سياسية أو اقتصادية، وأنها نتيجة لخلاف سياسي ناتج عن تنازع المصالح أو عدم تقدير الجانب العربي لمصالح الجانب الغربي؛ ومن هنا تتشكل معالم تذوق جديدة للخير والحق والجمال.
- المعايشة. ومعلوم أثر المعايشة والجو التربوي في بناء الشخصية؛ لأن كثيراً من المستعصيات يمكن أن تحل عن طريق المعايشة.
 - وما تقوم به من حملات التشهير المغرضة ضد الإنسان العربي المسلم، ورموزه، ومعطياته الحضارية عبر التاريخ الطويل.
- تعويد الطالب على الفوضى الفكرية باسم التحرر الفكري والحوار؛ حتى يمكنه أن يغير أفكاره كما يغير ملابسه، ولو ذهبنا نتتبع الموضات الفكرية والسياسية المطلة علينا من الغرب لاكتشفنا الصلة المباشرة والقوية لها بالتعليم الأجنبي.
لقد زاد من اتساع الهوة بين الشباب وبين هويته الأصلية أن هذه المدارس ربطت نفسها بمنظومة مستمرة لا تدع للإنسان قراراً منذ أن يقرع بابها إلا على الموت؛ فهي بعد تنشئته تغرس فيه الطموح إلى السفر إلى الغرب لاستكمال التعليم، كما تضمن له غالباً وظيفة مرموقة في شركة من الشركات الأجنبية براتب مرتفع لتزداد العلاقة بالمجتمع تصرماً وانقطاعاً، ثم تفتح له باب الزواج من غربية، ثم تحيطه بإطار واسع ومتشعب من الصداقات والعلاقات الاجتماعية في إطار أعرافها الاجتماعية والثقافية(1).

 الخطر الأمني(2):
يتسع مفهوم الأمن ليشمل إلى جانب أمن النظام كمظلة وأمن المجتمع كمحضن ليشمل أمرين سابقين مقدمين عليهما وهما: العقيدة بوصفها أساساً يقوم عليها النظام والمجتمع، والولاء باعتباره صلة تربط بين مكونات المجتمع والدولة. والمفترض أن تعريض واحد من هذين الأمرين للخطر حتى ولو على مستوى فرد يعني تعريض أمن الأمة للخطر. وللأسف فإن نظرية الأمن القومي الأمريكي قد راعت هاتين المسلَّمتين ـ بينما أغفلت في الحس العربي ـ ولكن بنظرتها المخالفة؛ لكنها تقيم لفكرها المنحرف وإنسانها مهما كان وأين كان هذا الاعتبار الأمني.
ومن ثم فإن خطر التعليم الأجنبي على أمن الأمة لا بد أن توضع فيه هذه الاعتبارات، ويوضع على رأس أولويات الأمن القومي للدولة؛ فمجرد ضعف أو إضعاف التعليم الوطني هو تهديد للأمن القومي، ومحاولة جهة ما السيطرة عليه أو التأثير فيه يمثل خطاً أحمــر لا يجوز السكوت عنه.
 بل إن هذه المدارس في مسألة الأمن قد تخطت هذا إلى ما هو أخطر بكثير إلى التأثير في إعادة صياغة وتشكيل مفهوم الأمن القومي حتى لا تثار ضدها أدنى حساسية؛ فالإعلام والثقافة مدرجان ضمن دائرة الأمن دون أن يُدرَج هذا النوع من التعليم مع أنه أهم وأخطر.
بل على العكس نجد التعليم الإسلامي بكل صوره مدرجاً ضمن مخاطر الأمن القومي في كثير من بلادنا؛ بينما لا نجد أي حساسية من وجود المدارس الأجنبية وانتشارها وهي الدخيلة الزنيمة، والسبب في ظني أن الاختراق التعليمي المبكر لعقل النخبة التي بيدها مقاليد الأمور قد نجح في إقصاء نشاط هذه المدارس من حس العقلية الأمنية ومن حساسيتها؛ وبهذا يقال إن هذه المدارس قد نجحت في توجيه سهامها إلى مقومات الأمن الحقيقية للمجتمعات، ولنا أن نقارن بين دور خريج من خريجي الجامعات يعمل في علن على اختراق عقل الأمة أو تخريب اقتصادها، وبين متهم بالتخابر مع جهة أجنبية في نفس المجالات التي يعمل فيها الخريج: كيف ستكون النظرة إلى الطرفين؟ إن عشرات النماذج في طول بلادنا وعرضها لتخبرنا بما لم يكن متصوراً في حق هؤلاء بل ربما قُدموا للأجيال على أنهم رواد فكر وحضارة دون أن تشعر الأجيال بالخطر الحقيقي الماثل في صنيع هؤلاء، بل لم تثر ضدهم أي شبهات.
أما إذا أضفنا بعداً جلياً ومحسوساً دون كلفة منا وهو الدور المعلوماتي والاستخباري الذي تقوم به كثير من هذه المدارس والمؤسسات التعليمية فإن الأمر يزداد ثقلاً.
إن إحدى كبريات المعضلات التي يخلفها التعليم الأجنبي هو غرس بذرة القابلية للاستعمار لدى نفوس أتباعه، ولو أطلق الإنسان عين البحث في تاريخ هذه المدارس لأمكنه أن يمسك بحبل الصلة بين المدارس الأجنبية وبين الماسونية من خلال أنها تمثل سلطة كونية تعمل على إخضاع العالم لأدواتها.
ولا يقف الخطر الأمني عند غرس مفاهيم بعينها ضمن النظرية الأمنية، بل يمتد إلى جوانب أخرى أشار إليها عدد من الباحثين في هذا المجال والتي منها تمييع قضية الولاء والبراء، وتفتيت هذا الولاء بين ولاءات شتى كل حسب مشربه؛ فالذي تلقى تعليمه في المدارس الفرنسية تجد عموم ولائه لفرنسا، ومن تعلم في مدارس أمريكية نجد أن أحلامه أمريكية وهكذا.. وفي هذا إذهاب لريح الأمة وتبديد لطاقاتها بل استثمارها فيما يعود عليها بالضرر. يقول اللورد سالسبوري: "إن مدارس المبشرين أول خطوة من خطوات الاستعمار؛ فـهـي تحدث في البلاد التي تنشأ فيها انقساماً وتفريقاً بين أهلها، يفقدون بها وحدتهم، فيكونون عوناً للمستعمر على أنفسهم. وقد سجل بعض المؤرخين ملاحظة مهمة تخص هذا النوع من التعليم؛ وهي أنه لم يكن بين الوجود التعليمي البريطاني 1880م والوجود العسكري البريطاني 1882م في مصر سوى عامين فقط"(1).
لقد أشار عدد من الباحثين إلى نجاح التعليم الأجنبي في اختراق جميع مؤسسات الدولة من القمة إلى القاع مرة بالفكر الذي لقنه دائرة واسعة من الناس، ومرة أخرى حين نجح في دعم مجموعة ممن تبناهم بعد تخرجهم وعمل على إبرازهم من خلال وسائل الإعلام؛ لأنه نجح في اختراق الفكر الذي يحكم حركة هذه المؤسسات؛ وذلك حين نجح في زلزلة معاني العقيدة الراسخة داخل المجتمع عن طريق طائفة رباها ثم نجح في تسليط الضوء عليها والسعي في التمكين لها داخل المؤسسات(2).
ومن هنا فإن السماح بدخول أطراف خارجية إلى ساحة التعليم خاصة في المراحل الأولية يعني وجود خلل في إدراك النظرية الأمنية التي تحكم الاستراتيجية المستقبلية للدولة. كما تعني وجود خطر كامن لا يمكن معرفة أبعاده لالتباسه بالحقيقة الداخلية للمواطن، والتي يصعب في كثير من الأحيان تقدير أثرها؛ ولمحلل أو مدقق أن يجري مقارنة بين مسيرة ألف عام في تطور الشخصية الإسلامية على المستوى الفردي والجمعي؛ وبين مسيرة هذه الشخصية خلال مائة عام. وكلي ثقة أن الفارق بين منحنيي التسارع في التغير أجلى من أن ينبه عليه؛ بالإضافة إلى أن مجمل التغير خلال مائة عام فاق بكثير مجمل التغير على مدى ألف عام، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة.

 
الخطر الاجتماعي:
لقد اهـتمـت هـذه المـدارس بـتـعـلـيم المرأة المسلمة لإخراجها من دينها شيئاً فشيئاً، ولنزع ثوب الحياء عنها. تقول الصليبـيـة (آنَّا مليجان): "لـيـس هـنـاك طـريـق لهدم الإسلام أقصر مسافة من تعليم بنات المسلمين فـي مــدارس التبشير الخاصة. إن القضاء على الإسلام يبدأ من هذه المدارس التى أنشئت خصـيـصــاً لهذه الغاية، والتي تستهدف صياغة المرأة المسلمة على النمط الغربي الذي تختفي فيه كلمة الحرام والحياء والفضيلة"! ويوافقها زويمر في ذلك فيقول: "إن أقصر طريق لذلك هو اجتذاب الفتاة المسلمة إلى مدارسهم بكل الوسائل الممكنة؛ لأنها هي التي تتولى عنهم مهمة تحويل المجتمع الإسلامي وسلخه من مقومات دينه.."، وقد تنبه الغرب لدور المرأة منذ وقت مبكر، فأقام لها مدارس ذات طابع نصراني بنظام الإقامة الكاملة، واحتضن مجموعة منهن كمشاريع رائدات تغرير (تحرير) لأن المرأة أسلس قياداً لكونها مجبولة على التبعية. ولأسباب أخرى نجح الغرب في تكوين إطار نسوي كانت بواكيره في تلك المدارس المغلقة لتصبح المرأة معول هدم بعد أن كانت أداة بناء خاصة حين تتبنى الرؤى الغازية لقضية المرأة والمجتمع. إن مفاهيم تحرير المرأة قد نمت بذرتها في محاضن التعليم الأجنبي من خلال شبهات المستشرقين المبثوثة في المناهج مرة ومن خلال الأمور المكملة من مسرحيات وقصص ونماذج غربية و.. و.. و.. ومن كان يتصور مثلاً أن تصدر في بلادنا العربية سلسلة من القوانين تمكن للمرأة وتسحق الرجل، أو تفسح المجال أمام الشذوذ وتضيقه أمام الزواج، وما يصبغونه على مسالك الغواية من القداسة ضمن تسويق فني وطرح إعلامي يستأثر به صنائع هذه المدارس ليكمل الطوق، ثم تأتي سلسلة القوانين لتفرض مظلة وترسخ لعرف ما كان له أن يشيع بين المؤمنين لولا المكر الكُبَّار؛ فالباليه يُقدَّم على أنه من الثقافة، والرقص ثقافة، والنحت ثقافة، والجنس أيضاً ثقافة.

 
ترسيخ الطبقية وتفتيت المجتمعات:
وإلى جانب هذا فقد ساهم التعليم الأجنبي في ترسيخ الطبقية داخل المجتمعات؛ حيث إن نظام الالتحاق به كان مبنياً على ذلك؛ فرسوم الالتحاق بهذه المدارس باهظ جداً ولا يستطيعه إلا الأغنياء وهم الطائفة التي تريدهم هذه المدارس وتعطيهم الأولوية حتى يمكنها أن تقيم علاقة مع هذه الطبقة (وهي طبقة الصفوة الاقتصادية والسياسية، والاجتماعية تبعاً) لتحقق من وراء ذلك عدة أهداف:
- أن الاتصال بهذه الطبقة يسهل عمل هذه المدارس ويفتح لها مغاليق الأبواب.
- أن تربية أبناء هؤلاء مضمون العائد نظراً لأنهم هم الأقرب من امتلاك زمام الأمور سياسياً واقتصادياً وفكرياً في المستقبل.
- أن هؤلاء الأولاد غالباً ما يكون الترف قد أكل منهم وشرب؛ وعليه يسهل إقناعهم بأي شيء، ولعلنا لا نمل إذا رددنا أن عبدة الشياطين كانوا من أبناء هذه المدارس ومن نفس الطبقة المستهدفة.
- غالباً ما تكون هذه الأسر في حال تفكك لانشغال الأبوين عن الأولاد؛ ومن ثم فلا توجد سلطة تربوية أو رقابية يمكن أن تفسد ما تغرسه هذه المدارس.
- أن وجود هؤلاء الصفوة يفتح المجال أمام طبقات أخرى أقل في المستوى والمكانة، لكنها مصابة بداء المحاكاة وحب التقليد؛ فتسعى إلى إلحاق أولادها تشبهاً بغيرها؛ وكأن هذا يكسبها مكانة في عين الناس! وساعد في هذا عدد من الأفلام والمسلسلات.
لهذه الأسباب توجهت المدارس الأجنبية لهذه الطبقة فحولتهم إلى نموذجها ورسخت فيهم الشعور بالاغتراب، والنظر إلى المجتمع بنظرة التنقص والنفور، والشعور بالانتماء إلى الغرب بحضارته وقيمه ونظمه، وربما بما هو أكثر: بعقيدته سواء العلمانية أو النصرانية.

المخاطر الأخلاقية:
كثيرة هي المفاسد الأخلاقية التي تورثها الدراسة بهذه المدارس، وأثرها ظاهر فاشٍ؛ ومن أخطرها زوال الحساسية الإيمانية (وازع الإيمان)؛ إذ يقترف الإنسان كثيراً من المنكرات دون أن يهتز منه قلب، بل إننا نرى في كثير من الأحيان مفاخرة ومجاهرة بالحرام.
وبالإضافة إلى ما تبثه من شرور مقصودة، فإنها تعد قناة مباشرة لنقل أمراض المجتمعات الغربية إلى مجتمعاتنا؛ ومن ذلك الانتحار والجرائم الأخلاقية والجريمة المنظمة، ولم يكن من عجب أن يسجل لنا أحد الباحثين المطلعين على أوراق قضية عبدة الشيطان التي تفجرت في منتصف عام 1417هـ أن المنتمين إلى هذه الفئة كانوا جميعاً من منتسبي المدارس الأجنبية وخريجيها!
ومن بينها الاختلاط والتبرج، ونزع الحياء، وإقامة العلاقات المحرمة باسم الحب والصداقة، ومثل هذه المباذل يرسخ التعليم في نفس الطالب أنها من حقوقه، وأنه لا بد أن يمارسها حتى يتخلص من عقدة النقص؛ أي أنهم ركبوا في صورة الإنسان الكامل عشرات من الذنوب والمنكرات من الكذب والغش والخداع، والنفاق والتملق، وأكل الربا والحرص على متاع الدنيا، وترسيخ قيم الفردية والأنانية وعدم الاهتمام بمشاعر الغير، وتفسير كل شيء تفسيراً مادياً؛ والنتيجة ما نرى فضلاً عما نقرأ ونسمع من نمط غربي في الحياة حتى في أدق المسائل حساسية لدى الإنسان العربي. لقد تحدث بعض المطلعين على مثل هذه الأوساط فقال: لقد أصبح من الشائع حتى بلغ درجة العرف بينهم أنه من العيب في حق الشاب حين يتزوج أن يسأل عن عفة زوجته "بكارتها"؛ وكأن الأصل عندهم هو الماضي ـ أي أن لكل فتاة ماضياً ـ ومن العيب أن يسأل عنه كما هو الحال مع الشباب. نسأل الله العصمة والسلامة. ويتناسق هذا ويتناغم مع موضة الثقافة الجنسية وآلاف المواقع والقنوات الاستباحية.
 وهكذا نرى أنه كلما نجح هؤلاء في ترسيخ مبدأ جديد في نفوس الأبناء قطعوا شوطاً في إبعاد هؤلاء عن الالتحام مع مجتمعهم والتفاعل مع هويتهم.
أما باقى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية فالمخاطر فيها تابعة بالضرورة للجوانب التي ذكرت آنفاً، وإن بدا أنها هي التي تؤثر في غيرها؛ لأنه عند التجريد نجد أن السياسة حين تؤثر سلباً على الهوية الاجتماعية أو على الحالة الاجتماعية أو على التعليم فإنها تكون في ذلك الحين قد افتقدت دورها العقدي الأصيل واستبدلته بعقيدة مغايرة كما افتقدت بُعدها القيمي والاجتماعي، كالعضو من الجسد حين يهمل فيعود ضرره على سائر الجسد.
وبعد هذا لم نذكر ما ذكرنا لنيأس من العلاج، ولكن لنشخص ما أصابنا كي يسهل إدراك الدواء؛ والدواء مركب على قدر تركيب الداء، والعافية لا تدرك إلا بتجرع الصبر، وذوق المر والفطام عن أسباب السقام.

 الحلول:

إن النظر في حلول أي مشكلة لا بد أن ينبع من معاناة واقعية لعقيدة معينة؛ وحين ذلك تتحول المعاناة من مجرد بحث عن حلول لمشكلات مزمنة إلى بناء حضاري، وهذا ما ينبغي التفكير في إطاره؛ لأنها حين إذن تخرجها من كونها عملية آلية للتغيير إلى عملية إنسانية، وهذا واجب المسلم أينما كان؛ لكن المسألة أكبر من طاقة فرد أو مجموعة، ولا بأس أن يدلي كل بدلوه وينافس غيره، ويتعاون الكل على البر والتقوى.
وما سُجّل هنا من حلول قد سبق إليه أفاضل وأكابر ضم إليه غيره وهو في افتقار إلى زيادة، والجميع في حاجة إلى مبادرة وريادة، وكما قص علينا القرآن: {قّالّ رّجٍلانٌ مٌنّ الّذٌينّ يّخّافٍونّ أّنًعّمّ اللَّهٍ عّلّيًهٌمّا ادًخٍلٍوا عّلّيًهٌمٍ البابّ فّإذّا دّخّلًتٍمٍوهٍ فّإنَّكٍمً غّالٌبٍونّ وعّلّى اللَّهٌ فّتّوّكَّلٍوا إن كٍنتٍم مٍَؤًمٌنٌينّ} [المائدة: 23].
 
ومن بين هذه الحلول:
1 - توعية الآباء وأولياء الأمور بمخاطر هذه المدارس؛ فهي تجمع المعاني التي حرم الخمر والميسر من أجلها، وما الخمر والميسر إلا إحدى ثمارها الخبيثة، وفيها معنى مسجد الضرار، ومجالس الخوض في آيات الله والكفر به، كما أن تقديم الوالدين ولدهما إلى هذه المدارس يجعلهما ضمن من قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه"(1)، ولو لم يكن في ذلك إلا فقد الولد الصالح الذي يدعو له لكفى؛ فكيف وفيها تبعة الدنيا والآخرة؟! ولو أخذنا نموذجاً واحداً من صنائع هذه المدارس لوجدنا أن من دفع بهم إلى هذه المدارس شريك لهم في التبعة، ولا يصح التعلل بوجود رقابة ومتابعة في البيت؛ لأنه لا يدري ما يحدث من ورائه، والقلوب ليست في يده، ولا يدري من يكون أقوى أثراً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يورِدَنَّ على مُصِحٍّ ممرض"(2) وقال: "فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد"(3). والمرض البدني أهون في شره من أمراض القلوب والعياذ بالله، وقد كان السلف ـ رحمهم الله ـ يشددون النكير في مجالسة أهل البدع؛ فكيف بأهل الكفر الذين يعدون الكيد لنا ديناً؟!
وكيف يسلم الأب ابنه إلى قسيس في ثياب معلم، أو معلم بقلب زنديق ثم يرجو له السلامة؟! وإن على الأب ألاَّ يتصور أن هؤلاء ناصحون مخلصون له في ولده؛ فإنهم وإن أعطوه ما يريد فلن يعطوه إلا بعد أن يأخذوا منه ما أرادوا هم، وهذه شهادة من المبشر هنري هريس جسب يقول فيها: "إن التعليم في الإرساليات التبشيرية إنما هو وسيلة إلى غاية فقط، هذه الغاية هي قيادة الناس وتعليمهم حتى يصبحوا أفراداً مسيحيين وشعوباً مسيحية، ولكن حينما يخطو التعليم وراء هذه الحدود ليصبح غاية في نفسه، وليخرج لنا خيرة علماء الفلك، وعلماء طبقات الأرض، وعلماء النبات، وخيرة الجراحين في الزهو العلمي.. فإننا لا نتردد حينئذ في أن نقول إن رسالة مثل هذه قد خرجت عن المدى التبشيري إلى مدى علماني محض، إلى مدى علمي دنيوي.."(4). وقد أشرنا إلى أن المدرسة ليست مناهج أو مدرساً وحسبُ، ولكنها نظام يصبغ الطفل مع الوقت بصبغته؛ فإذا أخذنا في الاعتبار فساد الزمان وقلة الناصح ومحاربة سنن الهدى؛ فكيف يمكن أن يفلح في الجمع بين صلاح دينه ونيل دنياه، وقد نهينا عن اقتحام السبل؟!
وحتى نكتشف حجم الخديعة في هذه المدارس يمكن لأي منا أن يجري إحصاء سريعاً حول تعليم النوابغ في بلادنا ليجد أنه لا صلة بين التعليم الأجنبي ونبوغ هؤلاء، بل إن غالبهم من التعليم النظامي.
وقد ذكرنا المخاطر الكامنة في إلحاق الأولاد بهذه المدارس والتي منها فقدان دينه أو تشويه شخصيته إذا ما أبى إلا التمسك بدينه عبر عشرات الإجراءات، والتي منها الاضطهاد، وتشويه صورته أمام زملائه.
والغريب أن هؤلاء المنصِّرين لم تشغلهم أموالهم وأهلوهم عن قضيتهم التي جاؤوا من أجلها؛ بينما نجد من بيننا من شغل أولاده بهمِّ هؤلاء، فضلاً عن اشتغاله بهمِّ دنياهم عن همِّ دينه ودينهم.

2 -
نشر فتاوى أهل العلم في تحريم الالتحاق بهذه المدارس، وتحريم تأجير الأماكن لها أو بيع الأراضي لبنائها، أو الترويج لها، والعمل فيها أو معاونتها، وفي وجوب التضييق عليها ووجوب مجابهتم وصدها والتحذير من مخاطرها، ونقلت الفتاوى في ذلك عن اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء والدعوة والإرشاد بالسعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وقرار هيئة كبار العلماء بالأزهر برئاسة شيخ الأزهر، وفتاوى عدد من العلماء والدعاة ومقالات للمفكرين ومن هؤلاء: الشيخ الخضر حسين شيخ الأزهر، والشيخ عبد الله بن سليمان بن حميد، والشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، والشيخ عبد الرحمن الدوسري، والشيخ رشيد رضا، والشيخ محب الدين الخطيب، والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ أبو الحسن الندوي رحمة الله عليهم جميعاً، وغير هؤلاء كثيرون، وكان لفتاواهم صدى في أوقاتها؛ لكنْ مع إلف الواقع وقلة الناصح وقلة الاحتساب ضعفت الهمم وغاب الوعي ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ ففي فتاوى هؤلاء تعرية لحقيقة هذه المدارس وبيان لمخاطرها وبيان لحكمها، ويمكن مراجعتها في كتاب: (المدارس الأجنبية) للدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد.

3 -
بيان حكم هجرة علماء الأمة إلى خارج بلاد الإسلام والإقــامــة هنــاك؛ وهــو التحريم إذا لم يكــن لطلب العــلم، ولا لاستكمال البحث والدراسة، ثم العودة فور انتهاء مهمتهم؛ وذلك لاحتياج أمتهم إليهم خاصة في حال الحاجة إليهم، وخاصة أن جهودهم اليوم تصب صراحة في دعم العدوان الصريح على الإسلام وأهله، ويشمل هذا جميع الطاقات والتخصصات التي لم تسد حاجة الأمة فيها من بين أبنائها.

4 -
تبني الأقسام التربوية والإعلامية والدعوية في الجامعات لخطة بحثية شاملة للخروج بحلول عملية ليس لإنهاء الاستعمار التربوي فقط، وإنما لتلافي الآثار الفكرية والنفسية والسلوكية لهذه المدارس على الأجيال المتخرجة وانعكاساتها السياسية والثقافية على المجتمع.

5 -
التخطيط التربوي للتعامل مع التحديات القائمة والقادمة؛ فالساحة تحتاج إلى ذوي الخبرات والباحثين في ميدان التربية لوضع خطط متوازية تصلح كل منها للتطبيق في ظل الظروف العالمية الراهنة؛ ومن هنا يمكن إيجاد طبيعة تربوية مرنة تسمح بالتطبيق حتى في ظل التجفيف المستمر لينابيع الإسلام. وأمامنا تجارب متوافرة يمكن الاستفادة منها مثل تجربة الفترة المكية.. تجربة مصر في ظل الحكم العبيدي.. والمسلمين في آسيا الوسطى في ظل الحكم الشيوعي.. وفي تركيا في ظل الكمالية.. وفي الجزائر في ظل الاحتلال الفرنسي.. وفلسطين في ظل الاحتلال الصهيوني.. وتجارب الأقليات الإسلامية والجاليات التي نجحت في بناء هيكلية تربوية وتعليمية خاصة بها.

6 -
دراسة حالات النهوض التعليمي المختلفة الشهيرة في العالم، والاستفادة منها مثل التجربة اليابانية والصينية والماليزية والاستفادة منها في إنهاض التعليم الرسمي.

7 -
إقامة مجموعة من المواقع الإلكترونية التي تتنوع وتتكامل في نشاطها لتصب في مواجهة الخطر القائم والقادم من قبل التعليم الأجنبي، فتتوزع الأدوار فيما بينها وفق تخصصات مدروسة إما موضوعية أو جغرافية؛ لبيان خطر هذه المدارس في مختلف أركان العملية التربوية، (المناهج، الممارسة، سلوك الإدارة، النظم، الوقائع اليومية، وسائل التأثير، الأدوات المكملة) بما يمهد لمقاطعتها وتحجيم مخاطرها.

8 -
علاج أسباب الإقبال على مثل هذا النوع من التعليم وعلاجها ومنها:
أ - تخلف التعليم الرسمي وفقدان الثقة فيه مع أنه على ما فيه من مثالب وعيوب قد خرَّج لنا فطاحل في كل مجال، والمشكلة تكمن في أعراض يمكن علاجها رسمياً، كما يمكن الاستعاضة عن نقصها بتكميلات مجتمعية.
ب - نيل المكانة الاجتماعية التي فرضها واقع هذه المدارس وحين ينافس التعليم الإسلامي والمحلي في الجودة التعليمية؛ فإن مسألة المكانة ستصبح لا قيمة لها خاصة عندما تتلقف الأسواق الخريجين من ذوي الكفاءة والخبرة العالية.
ج - التقليد الأعمى نتيجة ضغط الواقع والأعراف التي تقرن بين الانتساب إلى هذه المدارس وبين المستويات الاجتماعية العالية؛ وعلاجها: إيماني ـ نفسي ـ دعوي.
د - فتح مجالات التوظيف أمام خريجي تلك المعاهد والجامعات الأجنبية بعد عودتهم، وقد نجحت هذه الجامعات الأجنبية أن توفر لخريجيها فرصاً للعمل؛ إذ تعد شهادتها بمثابة وثيقة ضمان لنيل الوظيفة.
هـ - المظهر البراق لأداء تلك المدارس سواء من جهة: الاسم.. البناء.. الملبس.. ومستوى الإدارة.. كفاءة المدرسين.. والرسوم المرتفعة.. والمواصلات.
و - قبول الأطفال في سن مبكرة عن سن التعليم النظامي؛ حيث تقبل الصغار في سن الروضة والابتدائي بحد أقصى يقل شهوراً عن التعليم العام، وهو سبب مهم يجعل أولياء الأمور يلجؤون إليها لاختصار سنة من سنوات التعليم.
ز - تقديم المادة التعليمية بطريقة منظمة ومرتبة، وجودة المناهج من حيث الإخراج والصياغة لا من حيث المادة.
ومثل هذه الأسباب تحتاج إلى نظم خطاب دعوي خاص بهذه الحالة، والاستفادة من بعض أصحاب التجارب في كشف عوار هذه المدارس مع تقديم البديل وعلاج القصور ما أمكن.

9 -
ويحتاج إلى نهوض بالتعليم الإسلامي العام الخاص، والعمل على زيادة عدد المدارس ما أمكن. والمراد هنا المدارس الخاصة التي تحل المشكلة وتحقق معايير الجودة الحقيقية للتعليم، وهذا يحتاج إلى رؤوس أموال للاستثمار في هذا المجال وهو مجال مربح جداً على ألا يكون الربح المادي هو الباعث الوحيد للاستثمار؛ لأن الاستثمار في مجال التعليم استثمار بشري في المقام الأول، وقد أثبتت النماذج الإسلامية حينما توفق إلى إدارة جيدة ونماذج تربوية ناجحة تفوقاً على ما سواها من المدارس الأخرى، ومراعاة أحوال المجتمعات وظروف الدول خاصة مع الغزو الإمبريالي المكثف لمجال التعليم في السنوات القليلة الماضية، وقد يكون السمت الإسلامي محارَباً في بعض البلدان لكن يمكن إبقاؤه عند أدنى حد.
10 - جعل قضية رفع مستوى التعليم في المدارس الحكومية همّاً يومياً من هموم الآباء، وجزءاً لا يتجزأ من خطاب الدعاة.


11 -
عودة وظيفة المؤدب التي عرفتها الخبرة الإسلامية، ويمكن ذلك عن طريق تشجيع أصحاب المواهب التربوية على سلوك هذا السبيل وتنمية مهاراتهم وخبراتهم وكفالتهم مادياً، حتى لو كفلت كل مجموعة من الأسر شاباً ممن يلتمس فيهم الربانية والنبوغ في الجانب السلوكي والتربوي في مقابل تأديب أولادهم بآداب الشرع على أن ينمى تربوياً ويكفل مالياً، وإطلاق الملكات الإبداعية في هذا المجال؛ أي أننا نريد أن نخرج دور المؤدب من العمل الهامشي إلى ممارسة دور رئيس في إطار منتظم يكتسب استمرارية، ويلقى احتراماً من المجتمع، هذا العمل في صورته الصغيرة يمكن أن يحقق طفرات يصعب قطفها أو اجتثاثها أو حتى إعاقتها. ومعلوم تاريخيا أن كل مرحلة تاريخية يمكن أن تولد وظائف وأدواراً جديدة تلقى رواجاً واحتراماً؛ وهذا ما يراد لوظيفة المؤدب بأن يصبح لها إطارها العام وأدبيات الممارسة، ويمكن الاستفادة في هذا من تراث الأمة الضخم في هذا المجال والبناء عليه؛ بحيث يُرعى من خلال الأسر التي يقوم على تربية أولادها، وبهذا نضمن وجود مؤسسة تربوية جانبية يصعب عرقلتها تحت أي ضغوط.

12 -
منهجة التربويات والعلوم المختلفة بحيث يقدم خبراء التعليم والمناهج خبراتهم إلى المربين والمعلمين من النوع المشار إليه سابقاً في صورة مناهج قابلة للتدريس .

وختاماً: فإن المواجهة اليوم ضد الإسلام شاملة؛ ولهذا فهي تحتاج إلى نفير شامل؛ وإصلاح الخلل لن يكون إلا بتلمس مواطن الأقدام، ووضعها على الطريق الصحيح؛ والتعليم اليوم هو بؤبؤ العين وحجر الزاوية.

----------------------
(1) تتسابق الآن كل من فرنسا والولايات المتحدة في بناء أكبر عدد ممكن من المدارس في أفغانستان ضمن سياسة الفرصة السانحة.
(1) ارتفع التعليم الديني في إسرائيل في السنين العشر الماضية من 48 ألف إلى 111 ألف بنسبة 130%.
(1) أغلب الإحصاءات مستفادة من كتاب المدارس الأجنبية، للدكتور بكر أبو زيد.
(2) نقلاً عن حلقة من برنامج الشريعة والحياة، والضيف هو الشيخ أحمد القطعاني من النشطين في محاربة التبشير، وقد تم اللقاء معه على حلقتين حول التبشير في أفريقيا، وفي آسيا، ومادة اللقاءين منشورة على موقع (الجزيرة نت).
(1) انظر: معالم التاريخ الإسلامي المعاصر. أنور الجندي، ص: 56. عن الغزو الفكري، ص: 107.
(1) انظر: غزو في الصميم، ص: 18، فماذا نقول نحن في بلادنا الإسلامية حين رسم لنا التعليم الأجنبي الطريق، وأراد لنا أن نسير فيه خلفه؟
(2) انظر: غزو في الصميم، ص: (18 ـ 19).
(1) الخنجر المسموم، ص: 27، عن الغزو الفكري التحدي والمواجهة، ص 106.
(2) التخلف الاجتماعي، ص 80.
(1) الاتجاهات الفكرية المعاصرة، ص 12.
(2) ومن الأدلة على ذلك أن البروز الريادي في الجانب العلمي لم يرتبط غالباً بخريجي هذه المدارس والجامعات رغم ما تشيعه هذه المدارس عن نفسها؛ فهي لا تمنح الذكاء ولكنها قد تستغل بعض الأذكياء.
(1) ليلاحظ معي القارئ أن بعض الجامعات الغربية تقوم بنشر إعلانات مدفوعة الأجر تنشر في بعض الصحف والمجلات العربية وخاصة المهاجر منها، تنشر على شكل تحقيقات عن مستوى خريج هذه الجامعات وأنه الأفضل، وأن كل الأبواب مفتوحة أمامه، بل ربما هو الذي يُطرق بابه! وهو أسلوب رخيص في ترسيخ الانهزامية لدى خريج الجامعات الوطنية، ولون من ابتزاز أولياء الأمور لإلحاق أولادهم بهذه الجامعات.
(2) في عام 1992م صدر تقرير عن الكونجرس الأميركي يشير إلى أن أوضاع التعليم في الولايات المتحدة أصبحت تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي، وأشار إلى أن الوضع لو استمر على ما هو عليه لمدة 20 سنة، فسوف يسبب خطراً على الأمن القومي الأمريكي؛ ولذلك صدر قرار الكونجرس بإصلاح التعليم وتغييره.
(1) في الأشهر الأخيرة نقلت الصحف أخباراً عن اشتعال المظاهرات المعارضة للتواجد السوري في لبنان في جامعة القديس يوسف، وهو نفس الموقف الذي تتبناه الكنيسة المارونية؛ والسؤال عن التوقيت والهدف.
(2) على أنه لا يلزم أن يكون كل خريجي هذه المدارس والجامعات على نحو واحد؛ ففيهم شرفاء ومنهم المنضبط شرعاً ولكنهم قليل، والحكم للأعم الأغلب.
(1) أخرجه البخاري، رقم 1296.
(2) أخرجه البخاري، رقم 5328.
(3) أخرجه أحمد، رقم 9345.
(4) غزو في الصميم، ص 25.


المصدر : مجلة البيان
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
تبرئة المناهج
  • تبرئة المناهج
  • بحوث ومقالات
  • التربية البدنية
  • مناهجهم..لامناهجنا
  • المدارس الأجنبية
  • الصفحة الرئيسية