صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لقاء ملتقى أهل الحديث
بفضيلة الشيخ: مُحَمَّد بن الأَمِين بُوخُبْزَة (حفظه الله ورعاه)

 
هذه ترجمتي بقلمي:

بسم الله الرحمان الرحيم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أنا (وأعوذ بالله من قول "أنا") محمد بن الأمين بن عبدالله بن أحمد بن أحمد بن الحاج أبي القاسم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن سعيد بن يحيى بن عبدالله بن يحيى بن سعيد بن يحيى بن محمد بن الولي الصالح أبي الحسن علي بن الحسن الحسني الإدريسي العمراني المكنى (بوخبزة)، دفين مجشر (أًغْبالو) -بقبيلة بني عروس- داخل ما يسمى –زُوراً- بالحَرَمِ العَـلـَمِي التي عيّن حدودَه ابن زاكور الفاسي في كتابه "الإستشفاء من الألم، بذكرى صاحب العَـلـَم"، والعلم اسم جبل يوجد به ضريح الصوفي الشهير عبد السلام بن مَشِيش، وينتهي نسبي إلى عبد الله بن إدريس مرورا بعمران (وإليه النسبة "العمراني") بن خالد بن صفوان بن عبدالله بن إدريس بن إدريس بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن العلماء من ينسبنا (عَـلـَمِيِّين) حسب اصطلاح نسّابةِ المغرب، وهذا غير صحيح إلا من حيث الأم، وممن ذهب إلى هذا -وهو خطأ- شيخي أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق فقال في مساجلة منظومة:
أَطـَلْـتَ فـيها أدام الله مجـدكـمُ * أنـت فـخر الهـداة مـن بني العَلَمِ.
وأصل سلفي من هناك، وكان منهم من يتردد على تطوان لقرب المسافة، وهكذا سكنها والدُ جدي الفقيه السيد أحمد الذي كان معدَّلاً وأستاذا مقرئا، وأخوه الفقيه النحوي السيد عليّ الذي أخذ عنه العلم كثير من علماء تطوان منهم الفقيه العلامة القاضي السيد محمد بن علي عَزِّيمان وقد ترجم له أبو العباس أحمد الرَّهوني في تاريخه الحافل: "عمدة الرَّاوين في تاريخ تطَّاوين".
ولدت بتطوان بمنزلنا بدرب الجُعَيْدي (نسبة لساكنه الصوفي الشهير أبي الحسن بن علي بن مسعود الجعيدي أحد كبار أصحاب أبي المحاسن يوسف الفاسي الفهري دفين تطوان قبالة الدرب المذكور) بحي العيون، في زوال يوم السبت 26 ربيع الأول 1351هـ (واحد وخمسين وثلاثمائة وألف) موافق 20 يوليوز سنة 1932م من تاريخ النصارى، كما وجدت بخط والدي رحمه الله في كناشته (وما في أوراقي الرسمية من تقديم ذلك بسنة فخطأ غير مقصود)، وأنا رابع إخوة لي أشقاء: عبدالله (توفي صغيرا)، وعائشة، ومصطفى، ومحمد، وعبدالله، وبعد خمس سنوات خُتِنْتُ، خَتَنَنِي المعلِّم محمد الحَسْكي التطواني في الدكانة الذي كانت داخل الباب الغربي لجامع العيون من تطوان، وفي السنة التالية أُدْخِلْتُ الكُتَّاب (الْمسِيدْ) فتلقيتُ مبادئ القراءة والكتابة والحساب والدين وبعضَ قصار المفصّل على الفقه المجوِّد السيد الحاج أحمد بن الفقيه المقرئ المعدَّل الأستاذ السيد عبدالسلام الدُّهْرِي (كان هذا السيد يختار للإمامة بالحجاج في البواخر التي كانت ترسلها إسبانيا في أول حكم (فرَانْكُو) للحج دعايةً وسياسة، فإذا ذهب أَنَابَ عنه الفقيه الشريف الأشيب السيد عبدالله شقور (الذي ما زال على قيد الحياة إلى الآن عام 1406، وقد تجاوز المائة، ثم توفي رحمه الله عام 1412هـ)، وبعد وفاة الفقيه الدُّهري واصلت على الفقيه الخَيِّر السيد محمد بن الراضي الحسّاني، وبعده على الفقيه البركة الزاهد السيد محمد بن عمر بن تَاوَيْت الودراسي والد الفقيه القاضي السيد أحمد وشقيقه الكاتب والأديب النابغة المؤلف السيد محمد رحمهما اللهّ، وعليه أتممتُ حفظ القرآن وسَرَدْتُه كلَّه أمامه على العادة الجارية، وبعد وفاته استمررت في القراءة على خَلَفه الأستاذ السيد محمد زيان، ولم أمكث معه إلا قليلا حيث أتممتُ حفظ بعض المتون العلمية كالآجرومية، والمرشد المعين على الضروري من علوم الدين، والخلاصة وهي ألفية ابن مالك، وبعض مختصر خليل في الفقه المالكي، ثم التحقت بالمعهد الديني بالجامع الكبير ومكثتُ فيه نحوَ عامين تلقيتُ خلالها دروساً نظامية مختلفة على ضَعف المستوى العام في التفسير والحديث والفقه والأصول والنحو البلاغة، على مدرسيه المشهورين الأساتذة: محمد بن عبدالصمد التُّجكاني، ومحمد بن عبدالكريم أًقَلعي الشهير بالفحصي (القاضي في ما بعد رحمه الله)، ومحمد بن عبدالله القاسمي (خليفة القاضي)، والعربي بن علي اللُّوهْ (الوزير في الحكومة الخليفية)، وقد ألف عدة كتب طُبع بعضها في الأصول والمنطق العقائد وتاريخ المقاومة في شمال المغرب، ومحمد بن حمو البقالي الأحمدي، والشيخ محمد المصمودي، والتهامي المؤذن الغرباوي، ومحمد الزكي الحراق السَّرِيفي، وأحمد القْصِيبي الأَنجري، وعمر الجَيّدي الغُماري وغيرهم (وقد توفي هؤلاء إلى رحمة الله في مُدد متفاوتة)، وكنت قبل التحاقي بالمعهد أخذتُّ عن والدي رحمه الله النحو بالآجومية والألفية إلى باب الترخيم حيث توفي، وكانت طريقتُه في التدريس من أنفع الطرق للمبتدئ، حيث كان يأخذني بحفظ المتن فقط، ثم يشرحه لي، ويلقنني الأمثلةَ والشواهد ويأخذني بحفظها ويبين لي محل الشاهد، ويمتحنني كل أسبوع، كما أخذتُّ دروسا في الفقه المالكي بالمرشد المعين لعبد الواحد بن عاشر، على الفقيه القاضي (بعد الاستقلال) السيد عبدالسلام بن أحمد علال البَختي الودْراسي، ودروسا أخرى في النحو على الأستاذ السيد المختار الناصر الذي كان مدرسا للبنات بالمدرسة الخيرية بتطوان، وكنا نقرأ عليه لأول عهدنا بالطلب بالزاوية الفاسية بالطَّرَنْكَات، وكان يطيل الدرس إلى أن ينام أغلب الطلبة رحمه الله، وعلى الأديب الكاتب الشاعر الناثر الفقيه المعدَّل السيد محمد بن أحمد علال البَختي المدعو ابن علال، وقبل هذا وبعده حضرتُ دروسا في الحديث والسيرة على الفقيه المؤرخ وزيد العدلية السيد الحاج أحمد بن محمد الرَّهوني، وكان هذا في الغالب في رمضان قبل أن ينتقل بسكناه إلى جِنانِهِ بِبُوجَرًّاح، وكان يسرُد له السيد محمد بن عزوز الذي تولى القضاء بإحدى قبائل غُمارة وبِها توفي، وكان يسرُد له أحيانا صحيح البخاري السيد عبد السلام أًجْزُول لجمال صوته، وعلى الفقيه المدرس النفّاعة السيد الحاج محمد بن محمد الفَرْطاخ اليَدْرِي، كما نفعني الله تعالى جدا بدروس الدكتور محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي الحسيني السجلماسي الذي قدم تطوان حوالي 1365 هـ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، من أوربا وأقام بين ظهرانينا نحوَ ست سنوات تلقيتُ عليه خلالها دروسا في التفسير والحديث والأدب، وكان يلقي هذه الدروس بالجامع الكبير، وكان يسرد عليه محمد ابن فريحة، ويدرس بالدر المنثور للسيوطي والاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي، وأحدث بتطوان نهضة أدبية، وشغل الناس بآرائه وأفكاره، وأثار الفقهاء والصوفية بانتقاداته فلَمَزوه وآذوه فهجاهم أقذع الهجو رحمهم الله، كما انتفعت كثيرا بتوجيهات العلامة الأديب الوزير السيد محمد بن عبد القادر بن موسى المنبهي المراكشي منشأ التطواني دارا ووفاة، فكان يملي علي قصائده وأشعاره، ويذاكرني بلطائف المعاني وطرائف الآداب، وقد جمعت ديوانه في مجلد لطيف (توجد صورة منه بخزانة تطوان).
وفي فاتح رجب 1367 هـ توفي والدي رحمه الله ففُتّ في عضدي ، وخمدت جذوة نشاطي، وتأخرت عن كثير من دروسي انشغالا بالعيش وحل المشاكل المخلفة، وسعيا على الوالدة والإخوان، ولم أنقطع قط عن الدراسة والمطالعة واقتناء الكتب و مدارسة إخواني الطلبة الأدبَ والعلمَ، وفي نحو عام 1370 هـ زرتُ مدينة فاس ومكثت بها أياما أخذت فيها دروسا على الفقيه الشهير محمد بن العربي العلَوي بالقرويين في أحكام القرآن لابن العربي، وبعد ذلك عرض علي الفقيه القاضي الحاج أحمد بن تاوَيْت رحمه الله العمل معه كاتبا بعد أن عينته وزارة العدل قاضيا ثانيا عند اتساع العمران، وازدحام السكان ، فأنشأت محكمة شرعية أخرى بحي العيون غربي الجامع، فقبلت وعملت معه كاتبا، وفي فاتح جمادى الأولى 1374 هـ في 27 /12/1954 م أصدرت مجلة "الحديقة" أدبية ثقافية عاشت خمسة أشهر؛ إذ توقفت في رمضان عامه، وكانت مجلة جميلة كنت آمل- لو عاشت- أن تكون مجلة الطلبة الوحيدة في شمال المغرب، حيث كان ينشر فيها نجباء الطلبة وكتابهم وشعراؤهم وقصاصوهم، وكنتُ قبل ذلك أصدرت بالمعهد الديني أول مجلة خطية باسم "أفكار الشباب" كنا نكتب منها نسختين أو ثلاثة يتداول الطلبة قراءتها، وبعد خروجي من المعهد اتصل بي جماعة من الطلبة وعرضوا علي المشاركة في نشاطهم الثقافي، وكان يتولى إدارة المعهد يومئذ أستاذ متعاون مع الإدارة الإسبانية، فأوجس خيفة من نشاطنا، وبث حولنا عيونه، وكنت أصدرت جريدة "البرهان" خطية لانتقاد سياسة الاستعمار الإسباني في التعليم واضطهاد الطلبة، والتضييق عليهم، ولم يصدر منها إلا عدد أول، فكتب مدير المعهد رسائل إلى رئيس الاستعلامات الإسباني (بِـلْدا) يُخبره فيها باستفحال نشاط الطلبة السياسي وصدور الجريدة وما يكتُب فيها فلان - يعنيني- وهو غير طالب بالمعهد ومتهم بالوطنية ! من مقالات تمس سياسية إسبانيا … إلخ، فاستدعِيتُ ونالني من السب والشتم والتهديد والأذية ما قرت به عين سيادة المدير للمعهد الديني الإسلامي ! وأذنابه، ولما أيِسَ هذا المدير "الأمين التمسماني" من انتقام الإدارة الإسبانية منا كتب إلى الباشا "اليزيد بن صالح الغُماري" بمثل ما كتب به إلى "بِلدا" فسألني الباشا عن التهمة فأجبته بأن رئيس الاستخبارات الإسباني سبقه إلى التحقيق في هذه القضية ولم يجد شيئا، فغضب الباشا واحتدّ، وأمر بنا إلى السجن لولا تدخلُّ بعض الناس، ومن عجيب صنع الله أن هذا الباشا اضطُرّ إلى الوقوف بباب مكتبي بالمحكمة بعد عزله في أول عهد الاستقلال فلم أعامله بالمثل، ثم تنبهت إلى أن مكتبه الذي هددني وهو خلفه هو المكتب الذي خاطبته من ورائه بعد أن احتاج إليّ، و لله في خلقه شؤون ثم انقطعت عن كل نشاط من هذا القبيل وأكببتُ على التدريس والكتابة، ونشرت مقالات كثيرة في عدة صحف ومجلات كمجلة "لسان الدين" التي كان يصدرها الدكتور"الهلالي" بتطوان، وبعد سفره "عبد الله كنّون" ومجلة "النصر" و "النبراس" ، وأخيرا جريدة "النور" وغيرها، ونظمت قصائد وأنظاما كثيرة معظمها في الإخوانيات ضاع أكثرها؛ لأني كنت أضمنها رسائل وأجوبة للإخوان ولا أحتفظ بنسخها، ولدي كنانيشُ فيها تقاييد ومختارات ومقطوعات لا يجمعها نظام ولا يضمها باب. وقد أصهرت إلى الأستاذ المحدث الكبير، بل كبير علماء الحديث بالشمال الإفريقي الشيخ "أحمد بن محمد ابن الصّدّيق التجكاني الغُماري الطنجي" وكنت أعرفه من قبل، فأعجبت بسعة اطلاعه ورسوخ قدمه في علوم الحديث، فكاتبته وجالسته واستفدت منه علما جما، وأعطاني من وقته وكتبه ما كان يضِنّ به على الغير، وأجازني إجازة عامة بما تضمنه فهرسه الكبير والصغير، كما أجازني مشافهة كثير من العلماء من أشهرهم الشيخ "عبد الحي الكتاني" عند زيارته لتطوان واعتذر عن الكتابة ووعد بها فحالت دونها مواقفه السياسية، كما أجازني الشيخ "عبد الحفيظ الفاسي الفهري" مشافهة بمصيف مرتيل، والشيخ "الطاهر بن عاشور" بمنزله بتونس عام 1382هـ، واعتذر عن الكتابة بالمرض والضعف، وهذا الأخير من شيوخ شيخي ابن الصديق، ولم تكن لي عناية بالإجازات، والشيخ "أحمد بن الصديق" هو الذي أجازني ابتداء دون طلب مني، ولم أكن معه على وفاق في الاعتقاد بالتصوف الفلسفي والصوفية والمبالغة في ذلك، كما لم أكن أرضى تخبطه في السياسة وتورطه في أوحالها، مما شوّه سمعته وسود صحيفته، وأصابني برشاش، كما ندمت بالغ الندم وتُبت إلى الله منه لما طوّح بي إليه الشيخ من التشيع المقيت والرفض المُردي، فتورطت في الحملة على كثير من الصحابة ولعن بعضهم كمعاوية وأبيه وعمرو بن العاص وسمرة وابن الزبير وغيرهم، متأثرا بما كنت أسمعه مرارا وأقرؤه من أحاديث مما عملت أيدي الروافض، كان الشيخ يمليها علينا مبتهجا مصرحا أنها أصح من الصحيح، فكنا نثق به ونطمئن إلى أحكامه، ويحكم على كل ما يخالفها من الأحاديث بأنها من وضع النواصب، ومن الطريف في هذا الباب: أنه كان يُبغض الشام وأهله ويصفهم بالشؤم على الإسلام وأهله، ويبطل ما ورد في فضله من أحاديث صحيحة، وظل كذلك إلى أن فر من المغرب إلى مصر، ثم زار الشام فأكرمه أهلها، وأقام له صوفيتها المآدب، فكتب إلى أخيه السيد حسن يقول بأنه رجع عن اعتقاده في الشام وأهله، وأن ما ورد في ذلك صحيح، ومما كان له الأثر الكبير في حياتي، ويعد وصلا لما كان انقطع من انتهاجي منهج السلف الصالح بعيدا عن تيارات التصوف الفلسفي والتشيع المنحرف اتصالي بالشيخ المحدث السلفي الحق "محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني الأرناؤوطي ثم الدمشقي" نزيل عمّان البلقاء الآن مهاجرا بدينه مضيقا عليه بعد أن أخرج من دمشق ظلما وعدوا، فقد اجتمعتُ به بالمدينة المنورة في حجتي الأولى عام 1382هـ بمنزله وأعطاني بعض رسائله، فاعتبرتها مناولة فاستأذنته في الرواية عنه بها فأنعم، وزارني بتطوان مرتين: قرأت عليه في إحداهما أبوابا من "السنن الكبرى" للنسائي المخطوطة بخزانة الجامع الكبير، واجتمعت به بطنجة، بمنزل الشيخ الزمزمي ابن الصديق، وسمعت من فرائده وفتاواه الكثير، وبعث إلي من رسائله وكتبه المستطابة ما أحيا في قلبي كامن الشوق إلى تتبع هذا المهيع المشرق والعناية بآثاره ومعالمه، والاستمساك بعراه، وما زلت إلى الآن لاهجا بفضله، داعيا إليه.
وقد تزوجتُ باكرا وأنجبت أولادا بكرهم أوّيس، وهو الآن أستاذ بإحدى ثانويات تطوان، ويعد أطروحته لإحراز دكتوراه الدولة في الأدب، وله شعر حسن ومقالات منثورة، نسأل الله تعالى أن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة آمين.
وتوجد نماذج من نظمي ونثري عند الإخوان وضمن مذَكَّراتي المسمات: "جراب السائح" كما أنني صححت جزءا من تمهيد ابن عبد البر طبع وزارة الأوقاف في المغرب، وأكثر من النصف من كتاب الذخيرة في الفقه المقارن للقرافي المالكي، والأربعين حديثا في الجهاد لعلي بركة الأندلسي، وسراج المهتدين لابن العربي المعافري، وتحت يدي الآن الجزء الثامن والتاسع من النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني، وسيصدر إن شاء الله عن دار الغرب الإسلامي، وكلفتني منظمة "الإيسيسكو" للتربية والثقافة والعلوم بمراجعة: معجم تفاسير القرآن الكريم الذي صدر عنها مؤخرا والاستدراك عليه، وقد تم المستدرك في حجم أصله، وتم طبعه وسيصدر قريبا بإذن الله، كما طبع لي جزء الأربعين حديثا في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وتم توزيعه بتطوان، كما أخذ بعض الإخوة هنا مجلدا في خطب الجمعة لطبعه، يسر الله ذلك بمنه، وللأخوين الكريمين الدكتور حسن الوراكلي الأستاذ بجامعة أم القرى، وصديقه الأخ الداعية محمد المنتصر الريسوني كلام عني وعن أدبي نشر بمجلة دعوة الحق، كما صدرت لي ترجمة ضمن مادة التعريف بأسرة: "بوخبزة" في "معلمة المغرب" التي تصدر تباعا بالمغرب بإشراف الدكتور محمد حَجي.
هذه ترجمة كتبتها بطلب من الأستاذ عبد الوهاب بن منصور مؤرخ المملكة المغربية، ليدرجها في موسوعته "أعلام المغرب العربي" التي صدر منها للآن 6 مجلدات، وأذكر أنني اعتذرت للأستاذ المذكور عن كتابة ترجمة بأنني تلميذ محب للعلم ولست من الأعلام حتى أترجَم ضمنهم، فأجابني أن كثيرا جدا ممن تضمهم معاجم التراجم وكتب الطبقات والتواريخ عوام أو في حكمهم، لا يستحقون أن يكونوا تلامذة بمعنى الكلمة، ومع ذلك فقد أضفيت عليهم الألقاب والأوصاف، وأسدلت عليهم أردية التعظيم والاحترام، فكيف تكِعُّ أنت -يخاطبني- عن التعريف بنفسك، وقد انتفع الناس بك، وأنا أعتمد على إشاراتك وتنبيهاتك كلما زودتَّني بها في كلام من هذا القبيل أملاه عليه تواضعه المشكور، وهو العالم المؤرخ المشهور، فشجعني كلامُه هذا على كتابة ما تقدم، وأرجو أن أكون قد أصبتُ الحقيقة، وأستغفر الله على كل حال، وقديما قيل:
لعمر أبيك ما نسـب المعـلى *** إلى كرم وفي الدنيا كريـم
ولكن البلاد إذا اقشـعــــرت *** وصوح نبتها رعي الهشيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

الأسئلة والأجوبة

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) تسليما. توصلت أمس أول الخميس 14 جمادى الثانية 1423هـ بهذه الأسئلة الثامنة والأربعين من (منتدى أهل الحديث) وأنا خارج البلد تطوان، بعيد عن كُتبي، وأعاني من مرض، وهي أسئلة تحتاج إلى وقت ومراجعة، ورغم ذلك فقد استعنتُ الله تعالى على الجواب بما يحضرني الآن، مقتصرا على الجواب مشيرا إلى السؤال برقمه، سائلا الله السداد والتوفيق.

1) هل يقاس على المجوس غيرهم في أخذ الجزية أم أن الجزية لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب والمجوس؟ وإذا كانت العلة كما قال بعض العلماء في المجوس أن فيهم شبهة أهل الكتاب، فهل كل ملة ونحلة فيها هذه الشبهة نلحقهم بها مثل السيخ؛ فإنهم هندوس جمعوا إلى أفكارهم أشياء من المسلمين واليهود والنصارى … والبوذية يزعم بعض الباحثين أن أصلها كان يدعو للتوحيد، ثم حرف الرّهبان أوامر بوذا، ويستدلون بنصوص من كلام بوذا موثقة حتى الآن … فهل مثل هذا شبهة في إلحاق البوذيين بأهل الكتاب ؟؟؟ وفقكم الله وسددكم..
الجواب: حديث: (سنّوا بهم سنة أهل الكتاب)، صحيح، وهو وارد في مجوس هَجَر (البحرين وناحيتها) فالواجب الاقتصار عليهم وعلى من هم على نهجهم ونحلتهم من مجوس العصر إن كانوا موجودين، أما إلحاق غَيرهم من الوثنيين قياساً، فلا وجه له لمخالفته للمبدأ المتفق عليه، وهو أخذ الجزية من أهل الكتاب: اليهود والنصارى بفِرَقهم، والله أعلم.

2) لا أستطيع الآن الجزم بتحديد أول شارح لصحيح البخاري، وإن كنت أميل إلى أنه أبو سليمان الخطابي في (أعلام السنن) وقد طبع، أما النصيحة للداودي التلمساني، فلا أعلم عنها شيئا إلا النقول عنها في (فتح الباري) وغيره.
الجواب: شيخنا الفاضل من هو أول من شرح صحيح البخاري، هل هو أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي (المتوفى سنة 402 هـ) أم هو الخطابي؟ وهل شرح الداودي هذا "النصيحة" موجود أم مفقود (إذ أن فؤاد سزكين لم يذكره في كتابه، ولا المستشرق بروكلمان).

3) ما رأيكم في المسألة التي رفع لواء الدعوة إليها بعض المعاصرين؛ وهي التفريق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين في تصحيح الأحاديث وتضعيفها في هذه الأزمنة المتأخرة؟
الجواب: مزاعم بعض الطلبة الآن حول أصول الحديث، والدعوة إلى إعادة النظر في بعضها، هي في نظري محاولة فاشلة، لعل الداعي إليها الرغبة في الشهرة ودعوى التجديد، وهي مسبوقة بمحاولات قام بها بعض أهل الأهواء من الشيعة وغيرهم كابن عَقيل الحضرمي الزيدي، وقد ضمن أفكاره كُتيبا مطبوعا سماه (العتب الجميل، لأهل الجرح والتعديل) وتبنى هذا المنهج بالمغرب شيخنا أحمد بن الصديق الغماري كما تراه في رسالته (فتح الملك العلي، بصحة حديث باب مدينة العلم علي) وهي مطبوعة؛ نعم في دعوة بعض أهل العصر من السباب المعني بالحديث إلى عدم تقليد الحافظ ابن حجر تقليداً أعمى في أحكامه على الرواة في (تقريب التهذيب) بعضُ الحق، تلوح معالمُه في طبعة بشار عوّاد معروف للكتاب التي بناها على البحث والمقارنة.

4) هل التقيتم بأحد من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكيف كانت متابعتكم لأخبار الجمعية في المغرب الأقصى؟
الجواب: لم أَلق من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلا زعيمَهم الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله، وقد كان لسان الجمعية الناطق، وقطبَها الذي عليه مدارها مع صديقه الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله، كما عرفتُ مؤخرا أحد أعضائها وهو الشيخ الحسين السليماني المقيم الآن بجُدّة، ولا أدري ما فعَل الله به فقد كان مريضا جدا شفاه الله تعالى.

5) ذكر الشيخ فرحات بن الدراجي (أحد أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) في مجلة الشهاب (جزء 6 مجلد 15) أنه حصل على نسخة خطية من كتاب "تهذيب المدونة" لأبي سعيد البراذعي القيرواني، وتبلغ صفحاتها 566 صفحة في القالب الكبير، ولم يذكر ناسخها، ولا تاريخ نسخها. وكان الشيخ ينوي طبعها ولم يوفق لذلك رحمه الله. فما هي أفضل طبعات هذا الكتاب، وما هي قيمته العلمية؟
الجواب: كتاب تهذيب المدونة للبراذعي أشهر مختصراتها وأوفرُها حظا من الخدمة والعناية، ونُسخُه كثيرة، ووقفت بالخزانة الحسنية بالرباط على نسخة منه عتيقة جدا مكتوبة على الرق بخط أندلسي، وقد طُبع الآن بدبي ولا أدري هل تم طبعة أم لا، فقد أُرسل إلي جزؤه الأول وهو يشكل ثلثه.

6) ما مدى أهمية كتاب (المبسوط) لإسماعيل القاضي لدى علماء المالكية، وهل الكتاب موجود أو مفقود؟ فإن كان مفقودا فهل تستطيعون تحديد آخر من وقف عليه من العلماء؟ وأيضا التكرم بذكر من شرح الكتاب أو اختصره.
وهل كتاب (أحكام القران) لإسماعيل القاضي موجود أو مفقود؟ وإن كان مفقودا فحسب، فهل في علمكم من آخر من اطلع عليه من أهل العلم، وهل هناك من اختصره أو اعتنى به، وجزاكم الله خيرا.
الجواب: (المبسوط) للقاضي إسماعيل الجهضمي من مالكية العراق، كتاب مشهور من أمهات فقههم، ولا وجود له الآن فيما أعلم، ولا نعلم من شرَحه، نعم يمكن اختصاره لطُوله، ولا أذكر آخر من نقَل عنه، إلا أن الشيخ عبد الله بن أبي زيد القيرواني ضمّن كتابه (النوادر والزيادات، على ما في المدونة من غيرها من الأمهات) وهو مطبوع في اثني عشر مجلدا منها اثنان بتحقيقي، نصوصا كثيرة منه، ومن كتاب محمد ابن سحنون، وواضحة عبد الملك بن حبيب وكتاب ابن عبدوس وابن شعبان وغيرها مما فقد، ومن هنا تبرز أهمية كتاب (النوادر)، و(المبسوط) يحتوي على روايات كثيرة للإمام مالك وكبار أصحابه مما خلت منه (المدونة)، ومثله (أحكام القرآن) للقاضي إسماعيل نفسه، لم أقف عليه ولا على من وقفَ على نسخة منه.

7) من المعلوم أن كتب المالكية فقيرة جدا إلى الأدلة، خاصة منها كتب المتأخرين المصابين بداء الجمود والتقليد. لذلك فقد رأيت بعض طلبة العلم يضطرون للجوء إلى كتب المذاهب الأخرى بحثا عن أدلة مذهب المالكية!! فهل لكم أن تدلوني على أهم كتب المالكية التي تعنى بالاستدلال (ويشمل ذلك الأدلة الأصولية المختلف فيها كالمصلحة والاستحسان ونحوها) سواء منها ما كان مطبوعا أو مخطوطا؟ جزاكم الله خيرا ونفع بعلمكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: حدثني بعض الإخوان عن الدكتور وهبَة الزحيلي السوري أنه شكا إليه خلوّ كتب المالكية من الاستدلال والتوجيه، وما عاناه من المشقة والعنَت في البحث عن أدلة مذهبهم لمَا كان يؤلف كتابة (الفقه الإسلامي وأدلته) المطبوع، ونفسُ الشكوى أبداها الشيخ أحمد ابن الصديق لما ألف كتابه (مسالك الدلالة، في شرح أدلة الرسالة) وهو مطبوع، وقد استغرق في تأليفه سنوات، و(مسالك الدلالة) هذا، و(إتحاف ذوي الهمم العالية، بأدلة مسائل العشماوية) لشقيقه عبد العزيز ابن الصديق، وهو عالةٌ فيه على شقيقه المذكور، وكتاب (التمكين، لأدلة المرشد المعين) لأحمد الوَرَايْني من خريجي دار الحديث الحسنية بالرباط، هذه الكتب الثلاثة لهؤلاء المعاصرين ليس للمالكية المتأخرين مثلُها. ولا أعرف فيما اطلعتُ عليه من كتبهم -وهو كثير- ما فيه من غَناء في هذا الباب، إلا قليلا ككتاب (البيان والتحصيل) لابن رشد الجَد، ومقدماته وهما مطبوعتان، وشرح المازَري لكتاب التلقين للقاضي عبد الوهاب، وقد طُبع بعضُه، وكتاب التوضيح وهو شرح مختصر ابن الحاجب الفرعي، للشيخ خليل وهو مخطوط، وكتاب (الإشراف) للقاضي عبد الوهاب، وهو مطبوع، و(التوجيه) لابن بشير وهو مخطوط، ولبعض المعاصرين من الشناقطة شرح مختصر خليل بالدليل نسيت اسمه، وقد طبعته رابطة العالم الإسلامي بمكة، وقفت عليه، فإذا به يذكر دليل المسائل المعروفة المتداولَة ويسكت عن الباقي وهو أكثر من النصف، وللدَّاه الشنقيطي كتاب اقتصر فيه على ما يكثُر من مختصر خليل مع ذكر الدليل فيما يزعم وهو مطبوع ولعل اسمه (فتح الرحيم الرحمن..)، وتراه فيه يستدل للمسائل بأقوال مالك وأصحابه على إعواز فيه.

8) شيخنا الفاضل سلام الله عليك ورحمته وبركاته .. وبعد .. فقد كان لي شرف القراءة والسماع عليكم لكتاب (الأوائل العجلونية) سنة (1420هـ) بمكة المكرمة ..وبصحبة بعض الفضلاء .. وعلى رأسهم أخي الحبيب الشريف حاتم العوني ..وقد كتبتم لي الإجازة بخطكم على نسختي الخاصة المقروءة عليكم .. وإنه ليشرفني أن أحدث عنكم في حياتكم (بارك الله في علمكم ونفع بكم). ومما فهمت منكم في ذلك المجلس أن لكم إجازة من الشيخ العلامة المحدث محمد ناصرالدين الألباني (رحمه الله) .. وقد أجزتموني بذلك.
والسؤال: هل تلكم الإجازة عامة .. في جميع مروياته؟ ..أم أن ذلك يخص المقروء عليه من سنن النسائي الكبرى ..وهل هناك مناولة لشيءٍ من كتبه؟..لأنه حصل عندي لبس في ذلك.
إني لفي أشد اللهف لمعرفة ذلك بالتفصيل .. وباللفظ الذي عبر به لكم في الإجازة .. وتقبلوا فائق شكري .
محبكم وتلميذكم البار .. يحيى (العدل) (9/5/1423هـ).
الجواب: ما سمعتم مني وكتبتُه لكم على نسختكم من الأوائل العجلونية، كان موجزاً جدا، وهو في نص الإجازة المطوَّل -ويظهر أنكم لم تحصلوا عليه- مبسوط نوعاً، وروايتي عن الشيخ الأباني رحمه الله إنما هي مُناولة منه مأذونة بمنزله بالمدينة المنورة عام 1382هـ، وكانت لرسائله صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلاة التراويح، وحجاب المرأة المسلمة في طبعتها الأولى، وفهرسة كتب الحديث الظاهرية قبل أن يطبع منتخبه، وفي زيارتي له بعَمّان بعد انتقاله من دمشق ناوَلني المجلد الرابع من السلسلة الصحيحة طبع المكتب الإسلامي، وكَتَب عليه الإهداء وأذن بالمناولة، ومعلوم أنه لم تكن له عناية بالإجازات ولم يُجزه إلا الشيخ راغب الطباخ الحلَبي بمبادرة منه.

9) شيخنا الفاضل، السلام عليكم ورحمة الله. لقد سمعت عنك كثيراً، وأسأل الله أن يُمد في عمرك ويحسن لنا ولك العاقبة. ما منهج ورأي من فضّل صحيح مسلم على البخاري؟ وما هو الجواب عنه؟
الجواب: مسألة المفاضلة بين الصحيحين شهيرة، ومعلوم أن المغاربة أعني الأندلسيين يُفضلّون مُسلماً، وقد قيل في هذا:
تنازعَ قـومٌ في البخاري ومسلم * قـــديماً وقالوا: أيَّ ذَين تُقدِّمُ
فقلتُ: لقد فاق البخاريُّ صحةً * كما فاق في حُسن الصناعة مُسلمُ

10) شيخنا الفاضل العلامة أبا أويس محمد بن الأمين بوخبزة -كان الله له بإنعامه- من أبي محمد عصام البشير بن محمد عصام المراكشي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
هَذي تحيةُ حبٍّ خالصٍ مُزجتْ *** بالشوقِ، أبعثُها لِحَبر تطوانِ
محمد بن الأمينِ مَن له جُمعتْ *** شتى الفنون له ربي بإحسانِ
أتشرف بأن أبعث لكم بالأسئلة التالية، راجيا من المولى القدير أن ييسر لي أسباب الاجتماع بكم، والنهل من حياض علمكم.
- ذكر بعض من ترجم للشيخ أحمد بن الصديق أنه كان في درس صحيح مسلم بالجامع الكبير بطنجة يبدأ بسرد الأحاديث من حفظه بأسانيدها، فتبلغ ثمانين حديثا ونحوها، ثم يكر عليها بالكلام على رواتها، وما فيها من غريب وفقه ونحو ذلك. وذكر كثيرون عنه قصصا من هذا القبيل، تشهد لاتساع دائرة حفظه كثيرا. فهل كان فعلا يحفظ الأحاديث سردا، أم أن حفظه هو المعرفة والفهم كما هو حال أكثر المتأخرين؟
الجواب: كان الشيخ أحمد ابن الصديق عَقَد مجالس إملاء بالأزهر في شبابه، وأراد بها إحياء أمالي ابن حجر والسَّخاوي، وأنا لم أدرك هذا كما لم أُدرك إملاءه بجامع طنجة، إلا أن ما يقال عن حفظه مبالغ في بعضه وكذب في الآخر، فالمبالَغ فيه إملاء ثمانين حديثاً بأسانيدها، إلا أن يكون حدّث مرة مع إعداد ومعاناة حفظ، وأماليه بالأزهر لم يكن المجلس فيها يتجاوز العشرةَ مع ملاحظة نزول الأسانيد، أما الكذب فما سمعتُه في الحرمين من أنه يحفظ صحيح البخاري أو الصحيحين معاً عن ظهر قلب، وهو لا يستطيع إملاء كتاب من كتب الصحيح ابتداءً، وشقيقه الشيخ الزمزمي أحفظ منه للمتون، وهو فيما عدا ذلك كغيره من العلماء بل في هؤلاء من كان يستحضر اكثر منه كالشيخ المدني بن الحُسْني وبوشعيب الدكالي.

11) سمعت من يقول إن الشيخ الزمزمي بن الصديق لم يكن قويا في العلم كإخوته أحمد وعبد الله وعبدالعزيز، وإنما كان داعية من دعاة السنة ونبذ التصوف. ويستشهدون بأن كتاباته مبسطة جدا وليس فيها عبارات العلماء واصطلاحاتهم. فما رأيكم؟
الجواب: عن الشيخ الزمزمي ابن الصديق: لم تكن له عناية بالأسانيد والطرُق، وكان متفرغاً لدعوة العامة وأشباههم، وهؤلاء يحتاجون إلى من يخاطبهم بما يفهمون، فلذلك كانت خطبُه ودروسه باللهجة الدارجة، إلا إذا كان يُدَرس مع الطلبة، وهو في العلم أقل درجةً من شقيقيه: أحمد وعبد الله، أما الآخران فكان أحفظ منهما وأعرفَ بالفقه والمتون، ويُتقن حفظ القرآن دونهم.

12) شيخنا الفاضل حفظك الله وبارك فيك وأمدك في عمرك على طاعته. هناك سؤال يدور في ذهني كثيرا وقد سألت بعضا من العلماء عنه، ولكني لم أجد الجواب المفصل والسؤال هو عن فائدة علم المنطق وهل يُنصح بدراسته، وأنا في الحقيقة لم يوصيني به وبحفظ (السلم المنورق) خصوصا وقد حفظتها سابقا - إلا من درس على يد شيخ شنقيطي فقط، أما غيرهم فلم ينصحني بها، ويذكرون كلاما لشيخ الإسلام رحمه الله في ذمّه وهم يحملونه على جميع أقسام هذا العلم فما رأيكم في ما ذكرت؟ وأتمنى أن تذكروا أهم المتون في هذا الفن؟
الجواب: علم المنطق صناعة لفظية تتمسَّح بالفكر، وليس كما يزعم مناصرُوه الغُلاة، وهو مما كان يُحذر منه السلف الصالح كما تعلمون، وقد قرأت السُّلَّم المرَوْنق للأخضري وبشرح بناني، وإليه المنتهى فيه عند المغاربة، فلم أجد فيه كبير غَناء، مع عظيم عَناء، ومَن أوتي فطنة وفضلَ ذكاء أدرك ما فيه من زَيف وخلل كما بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في (نقض المنطق) والمؤلفات فيه كثيرة من أسْيرها (إيسَاغُوجي) ومصنف البِقاعي والمغيلي، والمنطق الحديث لعبدالوصيف وغيرها كثير.

13) رجل صلى صلاة الفجر ونسي وصلى أربع ركعات، ولم يذكر إلا وهو جالس في التشهد الثاني، فماذا يصنع ؟
الجواب: ومن صلى فريضة الصبح أربعا ناسياً، فهي له نافلة، وليستأنف صلاةَ الصبح ركعتين بشروطها وأحكامها كما أمر الله.

14) مسافر صلى خلف مقيم وجهل أن متابعة الإمام واجبة فلما قام الإمام إلى الركعة الثالثة سلم المسافر وانصرف فماذا يجب عليه ؟
الجواب: إتمام المسافر خلف المقيم هو الصواب إن شاء الله، ومن قَصَّر خلفَه إن كان يتصرف عن دليل كما هو مذهب ابن حزم والبخاري والبيهقي وأحمد بن الصديق والزمزمي فإنها تجزئه لأنه على كل حال يعبُد الله على بصيرة.

15) الشيخ الفاضل بارك الله فيك ونفع بك، هل كتاب علل صحيح البخاري لابن عبد البر موجود؟ فقد سمعنا أنه مخطوط عندك.
الجواب: كتاب ابن عبد البر (الأجوبة المستوعبة) جزء صغير على بتْر فيه وليس كما تتصوره، وقد أخذه مني بعض الإخوان لتحقيقه.

16) هل كتاب المداوي للغماري المطبوع ناقص أم أنه مكتمل؟
الجواب: (المداوي لعلل المناوي) لأحمد ابن الصديق طُبع بمصر وقد ذكر محققُه في أوله أنه وقع التصرفُ فيه من طرف شقيقه عبد الله بحذف ما فيه من سب وتجهيل مبالَغ فيه للمناوي، وفيما تركوه كفاية.

17) ما هو أجمع كتاب لكتب تراجم المالكية؟
الجواب: أجمع كتاب في تراجم المالكية مع الاختصار: (شجرة النور الزكية) للشيخ مخلوف التونسي، وهو مطبوع، وأجلها وأعظمها فوائد: (ترتيب المدارك) للقاضي عياض، طبعة الأوقاف بالمغرب.

18) الغماريون الإخوة: عبد الله وأحمد وعبد العزيز، ما هي عقائدهم وأيهم أقوى علما، ما هو المأخذ عليهم؟
الجواب: الغُماريون الخمسة الأشقاء، هم على ترتيب أسنانهم: 1- أحمد، 2- عبد الله، 3- الزمزمي، 4- عبد الحي، 5- عبد العزيز. أولهم أحمد، وهو أكبرهم سِنّاً وعلما، يليه عبد الله، ثم الزمزمي، ثم عبد الحي، ثم عبد العزيز، وقد ابتُلوا ببَليتين: التشيع، والتصوف، وكان فرطُهم إلى الحق في الجملة: الزَّمزمي الذي طلَّق الزاوية وتبرأ منها ومن طُقُوسها، وقد درجوا جميعاً رحمهم الله وعفا عنهم، ولولا هذا البلاء لكان سيدُهم وأعلم أحمد فردَ المغرب وعالمَه ومُحَدّثَه دون منازع، وقد قال عنه شيخنا الدكتور الهلالي: عالمُ الدنيا أفسَدَتهُ السُّبحة، ومنهم أخوهم المُفرد الحسن، فقيه أصولي مُطّلع على ذكاء وألمعية، وأصغرهم سِنا الدكتور إبراهيم وهو مُفرد أيضا، على معرفة واطّلاع، وكلهم صوفية خُرافيون كما ألمعنا ما عَدا الزمزمي رحمه الله تعالى.

19) كتبكم وبحوثكم شبه مفقودة لدينا، هل بإمكانكم إرسالها لنا، ونتحمل التكلفة؟
الجواب: كتبتُ كثيرا من مذّكرات مختلطة من قَبيل كتب المحاضرات والنوادر والفوائد المنثورة، منها: نُقل النديم في مجلد، حَفْنة دُرّ مجيليد، رونق القِرطاس ومَجلب الإيناس، مجلد وسط، وسَقيط اللآل، وأُنسُ اللَّيال، مجلد وسط، وآخرون، ديوان خُطب مجلد، الشذرات الذهبية في السيرة النبوية، مجلد وسط- جربا السّائح تم منه مجلدات ولم ينتَه بعدُ، وطُبع لي مؤخرا أربعون حديثا في النهي عن اتخاذ القبور مساجد في جُزء، وتعليق على رائية ابن المُقرئ اليمني في الرد على الاتحاديين في جزء مخطوط، ومن التحقيقات: سراج المهتدين لابن العربي القاضي في الحديث طُبع بتطوان، أربعون حديثا في الجهاد لعلي بركة الأندلسي، طبع بتطوان، و9 مجلدات من الذخيرة في الفق المالكي للشهاب القرافي طُبع بدار الغرب الإسلامي في 13 مجلدا، والنوادر والزيادات لابن أبي زيد حققتُ منه مجلدين طُبع بدار الغرب في 12 مجلدا، وشاركتُ بمواد كثيرة في تحرير (معلمة المغرب) طُبع منها 14 مجلدا، ومجموعة رسائل كثيرة إخوانية وأجوبتها، هذا ما أذكُرُه الساعة، ومعظم هذه الأوضاع مخطوط، وفيها ما يُتحرَّز من نشره لتعلّقه بأفراد أحياء، ويمكن الاطلاع على بعض ما تمَّ عند الإخوان والأصدقاء، الذين يَغشَون منزلي، ويترددون إلي.

20) من هم العلماء البارزين في المغرب من أهل السنة؟
الجواب: عن العلماء البارزين من أهل السنة في المغرب: عن الجيل الحاضر لا أعرف أكثرهم، وعن الماضين أعرف من سميتُ سابقاً، وأُضيف إليهم محمد بن العربي العلَوي، وعبد الحفيظ الفاسي الفهري، والنتيفي.

21) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نرجو مساعدتنا للوصول إلى أفضل حل لهذه المشكلة:
نعمل بشركة للاستيراد والتصدير، ويوجد بعض الموظفين تسند إليهم عُهد مالية لتسوية بعض المهام والأعمال الخاصة بالشركة (ومهام عملهم صرف فقط لا تحصيل من عملاء الشركة)، وعند تسوية عهدة أحد الموظفين في نهاية الشهر وجد معه مبلغ من المال زيادة في العهدة، وقد أفاد الموظف بأنه يخلط ماله الخاص بمبلغ العهدة، وأفاد أيضاً بأن هذا المبلغ زيادة في عهدته ولا يعلم مصدره، وقد تمت مراجعة حسابات الشركة من قبل الإدارة المالية على مدار 6 أشهر، وجميع حسابات الإيرادات والمصروفات سليمة ولا خلل بها، وأفادت الإدارة المالية أن هذا المبلغ الزائد لا يندرج تحت بند العهد والمصروفات ولا يعلم مصدرة من جانبها.
فما حكم الشرع في هذا المبلغ الذي مازال معلقا في حيازة الموظف، وما الجهة الشرعية لصرفه؟ أفيدونا أفادكم الله بما يحقق لنا ولموظفينا الورع في المعاملات المالية، وجزاكم الله عنا خيرا.
الجواب: مسألة المال الزائد الذي لا يُعرف مصدره بعد مراجعة الحسابات، تُشبه اللُّقطة، فأَرى أن يحتفظ المكلَّف بهذا المال إلى أن يُعرف مصدرُه، ويظهر صاحبُه، ويمكن التصرفُ فيه على أن يبقى في ذمة المكلَّف، فإن ظهر صاحبه دُفع إليه، وإلا انتفع به المكلف.

22) رجل يسكن في حي يلعب فيه أبناء الحي الكرة، ويسببون له الإزعاج والأذى بسبب لعبهم، وكان يأخذ الكرة منهم عندما يلعبون أمام منزله ويتلفها عليهم ولا يعيدها، ومضى على ذلك سنوات، والآن ما الواجب على الرجل هل يشتري كرة ويعيدها لهم؟ أم يعيد قيمتها؟ ولمن يعيدها للآباء أم لأبنائهم الذين كانوا يلعبون؟ وإذا سامحه الابن البالغ، هل يجب أن يسامحه الأب الذي هو ولي أمر الابن؟
الجواب: مسألة الكُرة: إذا سبق أن تقدمتَ إليهم إلى اللاَّعبين والحال أنهم بَالغون مكلفون، بالكف عن الإزعاج والأَذى، فلم يفعلوا واستمرا على أَذاهم لك حتى أتلفتَ كُرتَهم، فأرَى أنه لا ضمانَ عليك، لأنك أنذرتَهم فلم ينزَجروا، ودفع الأذى مشروع، وقد أعذَر من أنذَر.

23) إذا كان الرجل يتحدث في المجلس عن رجل لم يذكر اسمه وليس معروف، مثل: (كان لي جار…ونحوها) هل تعد غيبة؟
الجواب: ذكرُك رجلاً بالوصف دون الاسم، ينظر في طبيعة الذكر، فإن كان مما يُكره، فهو غيبة لأنه معيَّن عندك وإن لم تُسمِّه، وإن كانَ مُجرد ذكر لا عيبَ فيه، فلا يعتبر غيبةً لأنها ذكرك أخاك بما يكره.

24) كنت طالبا في الثانوية في السنة النهائية، وفي مادة التربية الرياضية (البدينة)طلب المدرس منا طلاب الفصل في الامتحان النهائي أن يؤدي كل طالب تمرين رياضي معين (25) مرة، وعليها خمس وعشرون درجة من المجموع الكلي للمادة، وهي 100درجة، ولم أستطع أن أقوم بها سوى ثلاث مرات تقريباً؛ ليس خداعاً أو احتيالا، وكنت أنوي أن أعملها في المنزل لعدم استطاعتي أن أعملها دفعة واحدة؛ وكنت أريد أن أخبر المدرس، لكنني نسيت وبعد تخرجي التحقت بكلية المعلمين تخصص دراسات قرآنية -ولله الحمد والمنة-، والآن أنا خائف من أن تكون المكافأة التي استلمتها من الكلية حرام؛ ولقد أثر الأمر علي كثيراً مع مضي سنتين تقريبا، وأنا خائف من الله، وأصبحت أحس أن ما أنفقه من الصدقات، وما أعطيه لوالدي حرام وسحت؛ ولقد كنت في دراستي أحذر الغش، والله المستعان؛ وما الحل جزاكم الله خيراً؟ لأنني أنتظر ردكم بفارغ الصبر حفظكم الله؟
الجواب: مسألة المكافأة التي تسلمتَها من الإدارة وأنت طالب لا شيء فيها، لأنك نجحتَ وأنهيتَ المِشوار بسَلاَم مع سلامة النية، والبراءة من الغش.

25) إذا بلع الصائم النخامة، هل يبطل صيامه مع مضي سبع سنوات على هذه الحال؟ وهل يطعم مسكينا إذا كان صيامه فسد؟
الجواب: بلعُ الصائم نخامتَه لا يُفسد صومَه لأنه ليس أكلاً ولا شُرباً، وكثيراً ما يقع هذا.

26) (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء: من الآية48]، هل يعنى أن المسلم إذا أشرك ثم أسلم لا يغفر الله له، ولابد أن يعذب؟
الجواب: إذا وقعَ المسلم في الشرك بالله والعياذ بالله، ثم ندمَ وتَاب بصدق فإنه لا يُعذّب، والمراد بآية: (إن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به) من أصَرَّ على الشرك إلى الممات، وأما من تاب فإنه مغفور له، (قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سَلَف).

27) هل كتب الزوائد لابن الملقن موجودة جميعها ؟
28) وما هي الكتب التي اعتنت بزوائد الترمذي ؟
الجواب: لا علم عندي بهذه الزوائد.

29) ما رأيكم بكتاب (الأنيس والرفيق في ترجمة أحمد بن الصديق) لتلميذه عبدالله التليدي، وهل التلميذ موافق لشيخه في عقيدته المنحرفة؟
الجواب: كتاب (الأنيس والرفيق) لعبد الله الكرفطي سيرةٌ مشوهة لشيخه أحمد ابن الصديق، ملأها بالأكاذيب والخرافات، ومنها ما عَرف الناس كثيراً من خفَايا ومساوي شيخه، ولله في خلقه شؤون، وقد تراجع مؤلفُه الكرفطي عن بعض فواقره كسبّ الصحابة، ووحدة الوجود، واتخاذ القبور مساجد، ولعله يتوب إلى الله توبة نصوحا، هدانا الله وإياه.

30) لأحمد الغماري مناظرة مع الشيخ الألباني فهل سمعتم شيئا عنها؟
الجواب: عن مناظرة الألباني والزمزمي: سمعتُ بعضَ تسجيلها، وكان الشيخ الزمزمي بادر إلى طبع مُلخَّصها، ومن سمع تسجيلَها المفصل، علم أن تلخيصها لم يكن سَليماً، وموقف الشيخين في موضوع المناظرة: (الأسماء والصفات) معلوم، فإن الألباني سلفي خالص، والزمزمي اتخذ لنفسه مذهبا خاصا فلا هو سَلَفي ولا جهمي أشعري، على أن هذه المناظرة التي وقعت بطنجة كانت بين الألباني والزمزمي وفي بيت هذا الأخير، أما مناظرته للشيخ أحمد فقد أشار إليها الألباني في (تحذير الساجد) ولا علم لي بتفاصيلها إن كان لها تفاصيل.

31) سمعت من لسان التليدي أن شيخه كان يلعن معاوية –رضي الله عنه- فهل بقي على ذلك إلى مماته؟
الجواب: الشيخ أحمد وإخوته، حتى الزمزمي وأبناؤه كلُّهم منحرفون عن معاوية ، ويزيد الأول على لعن معاوية لعنَ أبيه، وعمرو بن العاص، وسمُرة بن جندب، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم نسأل الله العافية.

32) لقد أصهرتم إلى بيت الغماري فليتكم تحدثونا عن قصة الصراع العلمي بين أحمد وعبد الله من جهة وبين أخيهم السلفي محمد الزمزمي ومسبباته، وما أبقى هذا الصراع العلمي من أثر مكتوب؛ نريد حديثا مفصلا في الموضوع، وأحوال محمد الزمزمي لأني سمعت من لسان الشيخ عبد الله التليدي ومضةً خاطفة.
الجواب: معرفتي بالشيخ أحمد وشقيه الزمزمي تَرجع إلى عهد الصِّبا، أما عبد الله وعبد الحي وعبد العزيز فكانوا يومئذ بمصر يدرسون، ولي مع الشيخ عبد الله مراسلات، ولم أعرفه مُباشرة إلا بعد قدومه المغرب إثر خروجه من السجن، وكذلك الأخَوَان لم أعرفهما إلا بعد قدومهما إلى المغرب قديما، والعداء الناشبُ بين الإخوة والأشقاء كانت له أسباب على رأسها: الحسَدُ والتنافس العلمي، ثم تصرُّف الشيخ أحمد في ميراث والدِهم بسبب أنه النائب الوصي عليهم خصوصاً الدار الكبرى التي باعَها، ومكتبة والدِهم العامرة، وهذا ما سمعتُه بنفسي منهم في محاولة للإصلاح بينهم، ومما زاد في تأجيج نار هذه العداوة نميمةُ عبد الله الكرفطي الذي أبلى البلاءَ السّيّء في هذا المجال بتشجيع من الشيخ وترشيح له لهذه المهمة، خصوصاً بين الشيخ وشقيقه الزمزمي الذي أفضَت ذاتُ بينهما إلى تأليف الرسائل في مثالب كل منهما، وقد أحسن الشيخ الزمزمي في إحراق هذه الرسائل بعد وفاة أخيه. وقد رأيت أنا هذه الرسائل، أما الشيخ أحمد فقد كان عازما على تأليف حقيبة الغرائب في إخوته، فرجوته التخلي عنها ففعل، وكذلك ما جرى بين الشيخ أحمد وشقيقه عبد العزيز الذي كان يسطُو على آثار أخيه فيدَّعيها لنفسه بعد التغيير، وأؤكد أن معظم ما جرى بين هؤلاء الإخوة يرجع إلى سعي الكرفطي وشيطَنَتَه لحاجة في نفس يعقوب، وعند الله تجتمع الخصوم، والله المَوعد، وقد حدثني الدكتور إبراهيم بن الصديق وكان مع أخيه الشيخ أحمد بمصر بعد هجرته إليها أن أخاه كان يُعاني من تصلُّب الشرايين، وقد اشتد به المرضُ بسبب محنة أخيه عبد الله، وكان أحيانا يخِفّ مرضُه مالم تصِلهُ رسالة من الكرفطي (التليدي)، فإذا وصلَت انتكَس وعاودَه الأَلَم لما تحملُه رسائلُه من سُوء.

33) في كتاب (در الغمام الرقيق برسائل أحمد بن الصديق) للتليدي ذكر أن هنالك نحو من ألف رسالة لأحمد عند أخيه عبد العزيز فليتكم تجمعون هذه الرسائل مع ما بحوزتكم وما عند غيركم وتنشر.
الجواب: (درّ الغمام الرقيق) للكرفطي رأيتُه، والجدير بالذكر أنه سطَا على أكثر من عشرين رسالة كتبَها الشيخ إليّ وفيها فوائد وحوار مفيد، ولَم يُشر إلى صاحبها ولم يسمِّه ليعلَم الناسُ طبيعةَ المسائل وموضوعاتها، وإنما أشار من بعيد إليَّ مع تهديد على عادة مُخَرّفي الصوفية بأنني سألقى جزائي قريبا لبحثي عن أخطاء الشيخ، وهو يشير بهذا إلى كتاب (التنبيه القاري، إلى فضائح أحمد الغماري) الذي ألفه مصطفى السفياني، ولم أكتب فيه حرفاً، وإنما نَقَل مؤلفُه عن مجموعة رسائل الشيخ إليّ وجؤنة العطّار بخزانة تطوان، وبعض مؤلفاته التي صوَّرها من عندي، ومن عادتي أن لا أبخل بشيء مما تحت يدي، أما تهديد الشيخ أبي الفتوح فهو فَسْوة على كُدية، وطَنزة عَنْز، وما عبّر بأخطاء الشيخ، هذه عينة منها: سبُّ ولعن نحو سبعة من الصحابة مع ردّ ما أجمع عليه السلف من عدالة الصحابة، اعتقاد أن الصحابة كانوا يُبغضون علياً، والحديث يقول: لا يُبغضك إلا منافق، والشيخ يحكم بنفاق ابن تيمية لهذا الحديث فيلزَمُه الحكمُ بنفاق الصحابة إلا الأقل، القول بإيمان فرعون وأنه مات مؤمنا، القول بوحدة الوجود في غلوّ مقيت ينحط إلى دعوى أن من لم يعتقدها فإيمانه مدخول، القول بفَناء النار، دعوى استمرار النبوة الخ، أما رسائل الشيخ إلى شقيقه عبد العزيز وأنها تبلغ الألف، فلا أعرفها، ومن المؤكد أن معظمها خاصٌّ وبعضها علمي وهو القليل، وما تحت يدي من رسائل الشيخ إليّ علاوة على ما سرقه الكرفطي ونشره، سوف يُنشر قريباً إن شاء الله تعالى.

34) ألا ترون أن مصنفات الشيخ أحمد فيها عجلة وحدة شديدة وبعد عن الدقة وتبني مسائل مستنكرة وتجاسر في الهجوم على الأشخاص والحط عليهم؟
الجواب: مصنفات الشيخ ولا سيما ما كتب في أواخر عُمره تتّسم بالعجَلَة، وهي تعكس نفسية الشيخ المضطربة.

35) وجدت كثيرا من علماء المغرب ينتسبون إلى البيت النبوي، هل هذا النسب عند الكثير منهم له أساس صحيح؟ أم أنها دعوى بلا برهان؟
الجواب: دعوى النسَب النبوي بَليَّة قديمة، والدافع إليها، وهو الرغبة في الفخر والتعالي والتميُّز، والمتفق عليه بين العلماء أن الناسَ مُصدَّقون في أنسابهم وأن الإنسان مسؤول عن تصرفه، والحديث الصحيح يقول: "لعن الله من انتسب إلي غير موالِيه"، ويقول: "ومن انتسبَ إلي غير أبيه فالجنة عليه حرام"، وكل امرئ بما كسبَ رَهين، وقد ظهر زَيف كثير من هذه الدّعاوي، ومنها دعوى التليدي أنه إدريسي، ولم يُحلّه شيخُه بذلك، ولا مرة واحدة.

36) كتاب (تاريخ تطوان) لمحمد داود، هل هو أفضل تاريخ لمدينة تطوان أم لا؟
الجواب: تاريخ تطوان لصديقنا محمد داود رحمه الله، أوفى وأفضلُ تاريخ لها، ولجوانبَ من تاريخ المغرب عموماً، وقد طبع منه 9 مجلدات وما زال نحوُ ستة منه مخطوطة، إلى ملاحق، كملحق العائلات، والمساجد والزوايا، وأمثال أهل تطوان.

37) ما حال المخطوطات المغربية؟ وهل مازالت تباع عند الكتبيين؟ وما مصير مكتبة الأستاذ محمد المنوني -رحمه الله-؟
الجواب: حالة المخطوط العَربي بالمغرب جد سيّئة، والسَّرقة والتجارة قائمةٌ على قدم وساق للقضاء على ما تبقَّى منها، والحكومة لا تُعير اهتماماً لهذا، أما مكتبة الصَّديق المبرور المنوني فقد بيعت لجامعة محمد الخامس بالرباط فيما سمعت.

38) الدكتور محمد تقي الدين الهلالي شيخكم، فليتكم تكتبون عنه مقالة محررة عن دعوته وجهاده تنشر في هذا المنتدى.
الجواب: شيخي الدكتور الهلالي رحمه الله، ذو جوانب متعددة، وكتابة سيرة مفصَّلة عنه تحتاج إلى وثائق ومستندات لا أعرف الكثير منها، والرجل كما تعلمون عاش قُرابة قرن كامل، وهو رُحَلة تَقلَّب في وظائف، واستوطَنَ أقطاراً، وصحاب عُلماء وزُعماء، ومذكراته واسعة، وما عندي منها إلا صُبابة لا تُغني.

39) مجلة (الدوحة) المغربية المتخصصة بالأنساب، هل مازالت تصدر وما صنع الله بها؟
الجواب: مجلة (الدوحة) لا أعرفها، وأذكر أنني رأيت مرة في الأكشاك جريدة النَّسَب، ولم أرها بعد ذلك.

40) الشيخ الفاضل أبو أويس المبجل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
سؤالي هو ماذا يعني قول معمر في اسماعيل بن شروس: "كان يثبج الحديث"، وقد قال معمر كما في ترجمة (خلاد بن عبدالرحمن بن جندة الصنعاني الأبناوي): "ما رأيت أحداً بصنعاء إلا وهو يثبج الحديث". وهذا اللفظ أخرجه البخاري في تاريخه في ترجمة خلاد، وأما ابن أبي حاتم فقد رواه عن معمر من طريق آخر ولفظه : "لقيت مشيختكم فلم أَرَ أحداً كاد أن يحفظ الحديث إلا خلاد بن عبدالرحمن"، وإسماعيل بن شروس صنعاني يدخل في قول معمر عن مشايخ صنعاء، فهل يعني أنهم أصحاب كتاب لا يحفظون؟ أم أنّهم يروون الحديث بالمعنى؟ أفتونا مأجورين، والله الموفق.
الجواب: قول معمر: ما رأيتُ أحداً بصنعاء إلاَّ وهويُثبِّج الحديث، معناه: لا يأتي به على وجهه، بل يضطرب فيه، وهو معناه اللغوي، يقال ثَبَّج فلانٌ الكلامَ، لم يأتِ به على وجهه، وثَبَّج الخطَّ لم يُبيِّنه، وهذا خط مُثبَّج، وهذه من ألفاظ التجريح الغريبة، ولأخينا الدكتور سعدي الهاشمي العراقي صهر الدكتور أكرم ضياء العمري كتاب طريف في ألفاظ التجريح الغريبة، وهو مطبوع، ولا تَطولُه يدي الساعة.

41) شيخنا أبا أويس حفظكم الله، وبارك في عمركم، ونفعنا بعلمكم: هلا أطلعتمونا على بعض النفائس التي تحتوي عليها الخزانة العامة بتطوان أو المخطوطات التي لا توجد إلا فيها. فقد سمعت منكم شيخنا أنكم أعددتم لائحة بها..؟ وكذا الجامع الكبير الذي آلت مخطوطاته إلى كلية أصول الدين.
الجواب: عن نوادر المخطوطات في خزانة تطوان: كنتُ أعددتُ جريدة بها نحو عشرين عنواناً، وهي عند محافظ الخزانة، وكذلك خزانة الأوقاف بتطوان، وما فيهما من النفائس قليلٌ بالنسبة إلى القرويين والحَسَنية وابن يوسف بمراكش، وخزانة الرباط.

42) هل يعد التحقيق على النسخة الواحدة تحقيقا علميا؟
الجواب: تحقيق الكتاب على نُسخة واحدة إن لم يُوجد غيرُها ضرورة، وفيه صُعوبة.

43) توجه بعض الشباب إلى تحقيق المطبوعات الحجرية، هل يمكن أن نعد هذا تحقيقا، وهل تشجعون طلبة العلم على ذلك، وما هي بعض المطبوعات الحجرية التي تستحق التحقيق؟؟
الجواب: المخطوطات الحَجَرية بل المطبوعات كثيرة جدا لعلها فوق الألف، وفيها ما يستحق التحقيق والدراسة، وهي تختلف باختلاف الميول والتخصُّص، والحقيق يرجع إلى المٌحقِّق ومعرفته، ويَخضع لقواعدَ ومنهج علمي.

44) وهل تأذن بنشر بعض محاضرتكم في هذه المنتديات؟
الجواب: محاضراتي ومقالاتي محدودة، ولا مانع عندي من نشر ما يستحق النشر منها.

45) ما هي العقيدة السائدة في المغرب؟
الجواب: العقيدة السائدة بالمغرب هي الأشعرية منذ أيام الموحدين، والعقيدة السَّلَفية حديثة العهد بالظهور به، وهي مستهدفة للطعن والتنفير من صنفي الفقهاء والصوفية، والحكام.

46) هل تنصحون طلاب العلم بحفظ الأسانيد في هذا الوقت، فإننا نرى من يهتم بالحفظ حتى لأسانيد الصحيحين!!
الجواب: حفظ أسانيد الأحاديث أَرَى أنه عَناء لا دَاعي إليه بعد طبع آلاف الكتب والأجزاء الحديثية، نَعَم العناية بها والبحثُ عن رجالها وأحوالها ضروري للبحث العلمي والتحقيق، وبدون ذلك لا يمكن الحكم على الحديث حكما علميا صحيحا.

47) ما رأيكم في منهج المشايخ البارزين في علم الحديث عندنا في المملكة كالشيخ المحدث عبدالله السعد، والشيخ المحدث سليمان العلوان، والشيخ المحدث عبد العزيز الطريفي، ما رأيكم بهم وبأقوالهم التي يخالفون فيها السواد الأعظم من أهل الحديث في وقتنا؟ وهل تنصحون بالاستفادة منهم أم لا؟
الجواب: عن المشايخ المُسَمَّين وأقوالهم المخالفة لمناهج أهل العلم المتخصصين، أقول بأني لا أعرف منهم إلا القليل، ولا أقرأ ما يكتبون شيئا، وأرى أن صرف الوقت في تحقيق ما ينفَع وفهمه على الوجه الصحيح، هو الصواب الواجب، ورحم الله ابن مالك القائل: ما أصح علمَ من تقدَّما.

48) ما صلتكم بالشيخ عبدالله الغماري؟ وأين مسكنكم في المغرب؟ وهل لكم مصنفات جديدة أو ستطبع؟
الجواب: صلتي بالشيخ عبد الله بن الصديق قديمة، وسببُها المُصاهرة، وقد أفدتُ من مكاتبته قديماً عندما كان نشيطاً في الكتابة بالصحف والمجلات كمجلة الإسلام، وهدي الإسلام، والهداية الإسلامية، ومجلة المسلم وغيرها، بالقاهرة، وقد أشرتُ سابقاً إلى ما كتبتُ وما نسعَى لطبعه إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مَصيف (تامَرْنُوت) صباح الأحد 17 جمادى الثانية 1423هـ أبو أوّيس الحسن.


احصل على نسخة من اللقاء
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

لقاءات الشبكة

  • لقاءات عبر الشبكة
  • لقاءات عبر المجلات
  • الصفحة الرئيسية