صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







محاضرة : المجرمون الصغار

 

سامي بن خالد الحمود

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد .. حياكم الله أيها الأحبة .. موضوعنا في هذا اللقاء: المجرمون الصغار .
أحداث هذا الموضوع تدور حول حياة مائة وخمسة وأربعين شاب وطفل.. التقيت بهم في دراسةٌ ميدانية ، أجريتها بمساعدة اثنين من الإخوة، على عدد من أبنائنا الصغار والشباب، في دار الملاحظة والسجون ومستشفيات الأمل .
شباب وأطفال، أعمارهم ما بين العاشرة إلى الثامنة عشرة .. تلاطمت بهم الأمواج .. واشتبهت عليهم الفجاج .. ففقدوا هُويتهم .. وأضاعوا غايتهم .. وأصبحوا يعيشون على هامش الحياة .
قد تتعجبون اذا قلت لكم إنهم مجرمون .. وأبرياء .
أما إجرامهم ، فتعاطٍ للمخدرات والمسكرات .. وسرقاتٌ للمنازل والسيارات .. وتفحيطٌ في الطرقات .. وإزهاقٌ للأرواح في مضاربات ومشاجرات .. ناهيكم عن الجرائم الخلقية كالزنا وعمل قوم لوط .
أما براءتهم ، فلست والله أبرئُهم من أفعالهم .. لكنني أدعو إلى نظرةٌ شاملة ، لأسباب ودوافع هذا الانحراف الذي يقع فيه شبابنا .
إننا وإن لمنا الشاب على فعله .. وآخذناه بذنبه .. فإننا من جهة أخرى لا نستطيع أن نحمّله مسؤولياتِنا الأسريةِ والاجتماعية .. التي قد تدفعه إلى الانحراف ، كما قال الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء
أيها الأحبة .. هذه المحاضرة تقوم على ثلاثة عناصر :ـ
سأتحدث بإذن الله أولاًً عن مظاهر الانحراف ، ثم أتحدث عن أسباب الانحراف ، ثم أختم بالعلاج ؟ .. وفي كل عنصر من هذه العناصر، سيتكرر معنا العديد من اللقاءات والمواقف مع الشباب .
ولنبدأ الآن بالعنصر الأول:
مظاهر الانحراف :
في عالم الشباب ، مشاهد ومظاهر، يندى لها الجبين .. وتدمعُ لها العين .. ويحزَنُ لها القلب .. هذه المظاهرَ التي تقع من بعـض شبابنا هـداهم الله .. ولعلي أستعرض أبرز هذه المظاهر من خلال بعض الحالات .
هذا شاب يقضي عقوبة السجن في إصلاحية الحاير .. يخبرني بقصته من وراء القضبان .. بكلماتٍ مِلؤها الدموع والأحزان .. يقول :
في السنة الأولى من المرحلة المتوسطة تعرفت على بعض الشباب المنحرفين .. كنت ألتقي بهم دون علم والدي .. حتى وقعت في الانحراف .. مضت الأيام ، وكنت أسافر مع رفاقي المنحرفين إلى بلاد العهر والرذيلة .. ومع تكاليف السفر ، وإنفاقي على الشهوات ، كان لا بد لي من المزيد من المال ، فأصبحت أمارس السرقة مع بعض رفاقي .
وبعد أيام من تعلّم السرقة ، أصبحت أمهر العصابة في جمع المال .. فصرت زعيماً لهم ، أتحكم فيهم كيف أشاء .
ومع توفر المال .. كنت ألهث .. وألهث .. بحثاً عن السعادة .. أتنقل بين أفخر الشقق المفروشة .. وأتناول أفخر الأطعمة .. ولكن دون جدوى .
ثم توجهت إلى عالــم آخر أبحث فيه عن السعادة ، حيث المخدرات ، ومعاقرةُ النساء العاهرات .
بلغ إنفاقيَ اليومي قرابةَ الخمسةِ آلافِ ريال بسبب المخدرات والعَلاقاتِ المحرمة .. ومع هذا كلِّه ، لم أكن أشعر بالسعادة إلا لحظاتٍ قليلة ، ثم يتحول يومي بعدها إلى هموم وأحزان .. نكدٌ في العيش .. وظلمةٌ في القلب .. وضيقٌ في الصدر .. كل ذلك بسبب غفلتي ، وإعراضي عن ذكر ربي .
{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى }
ولم أزل أمارس السرقة حتى شاء الله تعالى أن يقبض علي متلبساً مع بعض رفاقي .
وفي ظلمة السجن .. استيقظت من غفلتي ، وكأن صورة والديَ الحبيبِ أمامي ، وإذا بنصائحه المشفقــة .. وكأني أسمعُها لأول مرة .
وبعد أيام .. كانت المصيبة المفجعة .. اتصلت بأهلي من السجن لأطمئن عليهم ، فإذا بالخبر المؤلم : أحسن الله عزاءك .
من الفقيد ؟ إنه والدي الحبيب .
كانت هذه الأحداثُ المؤلمة بدايةً حقيقيةً للاستقامة والإنابةِ إلى الله تعالى .
أقلعتُ عن الذنوب والعصيان .. وأقبلت على الصلاة والقرآن .
اعتكفت بمسجد السجن ثلاثةَ أشهر، حفظت خلالها خمسةَ أجزاء من القرآن الكريم .. ثم اختاروني إماماً للمصلين بمسجد السجن .
وهذا شاب آخر ، التقيت به في دار الملاحظة.. عمره سبعة عشر عاماً .. موقوف في قضية سرقة منازل .... يحدثني عن نفسه فيقول : تأثرت بسلوك زملائي السيئ حتى بدأت أمارس السرقة معهم .. تركت الصلاة فلم أكن أصلي إلا أحياناً في البيت مجاملة لأهلي .. لم يكن أهلي يدرون عن مزاولتيَ السرقة .. وإذا وجدوا معيَ نقوداً وسألوني .. قلت لهم إنني أعمل في إحدى الكبائن الهاتفية، فيصدقوني ويسكتون .
في إحدى الليالي قمت بسرقة أحد محلات الأجهزة .. ثم عدت بعد الفجر إلى البيت . وعندما لم أتمكن من دخول البيت ذهبت إلى المسجد .. دخلت المسجد وأقفلت الأبواب من الداخل .. ثم وضعت المسروقات في إحدى ثلاجات الماء بجواري، ونمت نوماً عميقاً من التعب .
مع أذان الظهر حضر الناس إلى الصلاة ..حاولوا فتح المسجد فوجدوا أن الأبوابَ مغلقةٌ من الداخل .. قفز أحدهم إلى المسجد من إحدى النوافذ وفتح الأبواب .
لم أستيقظ إلا وإمام المسجد وأربعة من جماعة المسجد فوق رأسي .. سألوني فتلعثمت .. وبينما هم يسألون دخل حارس المسجد وهو يحمل كأساً بيده .. بدأ الحارس يمشي ويمشي، حتى توقف عند ثلاجة الماء .. حاول إخراج الماء فلم يجد فيها شيئاً .. ثم بدأ بتحريك الثلاجة ، وفَتَح الغطاء، وإذا بالمسروقات .. اكتشفوا أمري وسلموني للشرطة وحُكم علي بالسجن ثلاثَ سنوات .
انتهت العقوبة، وخرجت من السجن، وعدت إلى رفاقي الأولين .. وجدتهم قد انتقلوا إلى سرقة المنازل .. فبدأت أمارس هذه السرقة معهم.
في إحدى الليالي قمت أنا وثلاثة منهم بسرقة أحد المنازل .. وبينما نحن داخل المنزل نحاول فتح الخزانة ؛ دخل علينا عدد من الأشخاص .. هربنا إلى السطح .. ثم قفزنا من الدور الثاني إلى الشارع .. وعندما قفزت ارتطمتُ بشجرة كانت بجوار المنزل فانكسرت رجلي .. تحاملت عليها وهربت من المكان .. ولكن .. تعرفت الشرطة عليّ من رفاقي الذين قبض عليهم .. وها أنا الآن انتظر عقوبة هذه الجريمة الثانية .
شاب آخر .. عمره ثمانية عشر عاماً .. موقوف في قضية اغتصاب يقول: قبل سنوات .. بدأ انحرافي بتعلم التدخين من بعض زملائي .. وجدت أمي علبةَ الدخان والولاعةَ في جيبي .. سألتني فاعترفت بفعلي ووعدتها بترك التدخين .. لكني بعد أيام .. خرجت مع زملائي إلى أحد المقاهي فأوقعوني في تدخين الشيشة .
مضت السنوات .. وسافرت إلى الهند للدراسة .. وفي الهند .. تعرفت على رجل فاسد ..كنت أسهر معه في المقاهي والبارات ، ونعاقر النساء الفاجرات .. دعاني يوماً إلى تعاطي الحشيش .. فكان يحضره مجاناً وأقوم بتدخينه معه يومياً .
أذكر أنه في أحد الأيام ، خرجت أنا ورفيقي من أحد مقاهي الإنترنت بعد أن تعاطينا الحشيش ، فرآنا شابٌ عربيٌ مستقيم .. قام بنصحنا وتخويفنا، قال لي (ألا تخشى أن ملك الموت يأخذ روحك؟) لكني مع كل أسف استهزأت به وقلت له : (ملك الموت جنبي ، يأخذ روحي ويمشي، وأيش اللي يصير يعني؟) .
يقول: وأعظم من هذا أنني كنت أنا ورفيقي إذا تعاطينا الحشيش نستهزأ بالله والملائكة والرسل، أسأل الله أن يغفر لي .
عدت إلى الرياض ، وكنت أجلس مع بعض الشباب ، وأتعاطى معهم المخدرات .
وفي إحدى المرات زين لنا الشيطان فعلَ الفاحشة بأحدِ الغلمان (عياذاً بالله) .. لكن الغلام قام بإبلاغ والده .. فتم القبض علي .
يقول: هذه قصتي قبل أن يقبض علي .. أما الآن .. فقد تغير حالي .. لقد تبت إلى الله ، وأحمد الله أنه قبض علي حتى لا أقع في شيءٍ أعظمَ مما وقعت فيه .
أيها الأحبة .. هذه إطلالة سريعة على بعض أحوال شبابنا .. وهي نماذجُ لمظاهرَ شتى من الانحراف.. ولعلكم نتساءل بعد هذه المظاهرة ما هي أسباب الانحراف؟ ، دعون ننتقل إلى العنصر الثاني:
أسباب الانحراف :
لا شك أن هناك أسباباً ودوافعَ كثيرة ، تقف وراء انحراف الشباب ، ومن أهمها:
1) ضعف الإيمان 2) ضعف التربية الأسرية 3) رفقة السوء 4) وسائل الإعلام 5) الفراغ 6) السفر للخارج
ولنشرع في
السبب الأول وهو ضعف الإيمان :
إن الشاب ولا سيما المراهق ؛ بحاجةٍ ماسة إلى قوة إيمانية تنير له السبيل .. وترشده إلى الطريق المستقيم .. وتعينه على اتخاذ القرار الصحيح عندما تعرض له الشهوات والشبهات .
موقف خطير .. وامتحان عظيم .. يوم أن تَعرِضَ للشاب الشهوةُ أو الشبهة ، فهل يُقدم أو يُحجم ؟
ولهذا كان ضعفَ الإيمان أصلُ كلِ معصية .
إن شبابنا الذين ضَعُف إيمانُهم .. ونَسُوا ربَّهم .. وهجروا مساجدَهم ، لهم أقربُ الناس إلى الانحراف ، والله المستعان .
في دراستنا على مائةٍ وخمسةٍ وأربعينَ شاباً بدار الملاحظة ، بلغت نسبةُ الذين يؤدون الصلاة أيامَ مزاولتِهم الجريمة ستاً وثلاثين بالمائة فقط ممن أجري عليهم البحث.. بينما بلغت النسبة الكبرى للشباب الذين لا يحافظون على الصلاة أيام مزاولتهم الجريمة أربعاً وستين بالمائة ما بين تاركٍ للصلاة ومن لا يصلي إلا أحياناً .
السبب الثاني : ضعف التربية الأسرية .
إن من أهم أسباب هذه الظاهرة ما يقع في بعض الأسر من ضعفٍ وقصورٍ في تربية النشء .. هذا القصور له مظاهرُ شتى في أسرنا .
منها : إهمال الوالدين تربيةَ أولادهم . وغفلتُهم أو تغافلهم عن هذا الواجب العظيم الذي جعله الله أمانة في أعناقهم .. سيُسألون عنها يوم القيامة ، والله تعالى يقول: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )
كيف نقيهم النار ؟ .. بتعليمِهم وتأديبِهم ، وتربيتِهم التربيةَ الصالحة ..فإذا لم نقم بهذا الواجب فلا نلم إلا أنفسَنا .
التقينا بشاب ، عمره تسعة عشر عاماً ، سُجن خمسَ مراتٍ في عدةِ قضايا .. آخرُها قضيةُ سلب يقول : كان والدي يتعاطى المخدرات ثم طلق أمي، وبعد زواج أمي برجلٍ آخر بقيتُ لوحدي مع جدي .. ثم يقول : كان لعدم وجود الرقيب على تصرفاتي أثرٌ كبيرٌ في انحرافي .
نعم .. في بعض البيوت ، تلفت الأبناء حولهم فرأوا أنفسهم كاليتامى ، بل أشد ، فاليتيم قد يجد من يعطف عليه ، أما هؤلاء فإنه كثيراً ما يُغفل عنهم ، كما قال الشاعر :
ليس اليتيم من انتهى أبواه من *** هم الحـياة وخلّـفـاه ذليـلاً
إن اليتـيم هو الذي تلْقى لـه *** أُمّـًا تخلّـت أو أبـًا مشغـولاً
ومن مظاهر ضعف التربية : القسوة والكبت ، والحرمان الذي ينتهجه بعض الآباءِ والأمهاتِ في تربية أولادهم ، وقل مثلَ ذلك في التفرقةِ وعدمِ العدل بين الأولاد .
هذه الأمور لها أثرٌ خطيرٌ على سلوك الولد .. إما بالتمرد والعصيان .. وإما بالعنف والعدوان على الآخرين .
استمع إلى مشاعر هذا الشاب الذي يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً .. وقد سجن أربعَ مراتٍ في دار الملاحظة بسبب قضايا سرقة يقول : والدي يكرهني ويطردني من البيتِ لأي سببٍ تافه .. وإذا ذهب إلى المناسبات تركني لوحدي في البيت .. إنه لا يعدل بيني وبين إخواني .. وإذا أخذتُ منهم شيئاً ضربني .. وهذه الدار أرحمُ لي من أبٍ يطردني إلى الشارع .
والتقينا بشاب آخر.. عمره ستة عشر عاماً ..يقول : علم والدي أني أدخن .. فقام بسبي وضربي في الشارع أمام الناس ، فهربت إلى زملائي وجلست عندهم أسبوعين.
ومن مظاهر ضعف التربية أيضاً: الدلالُ المفرط .. وضعفُ جانب المنع والوقاية في الأسرة .
في بعض الأسر .. ما إن يصيحُ الصغير .. أو يلحُّ الكبير .. حتى تُحقّقَ رغباتُه .. وتُلبى طلباتُه .
يقول أحد الشباب المقبوض عليهم في جريمة سرقة: كان أهلي يوفرون لي كلَّ ما أريد . ولا يمنعوني من شيء .. بل كان أب يعطيني ويقول : (خلوه ، اللي عقله في راسه يعرف خلاصه) .
ومن مظاهر ضعف التربية : القدوة السيئة .. وذلك بأن يقع أحدُ الوالدين في الرذيلة ، فيقتدي به الأولاد .
أذكر أني قبل سنوات .. التقيت بأحد المدمنين في مستشفى الأمل ..سألته عن سبب إدمانه ، فقال : دخلت يوماً على والدي وهو يتعاطى الهيروين .. طلبت منه ببراءة أن يعطيَني مما معه فنهاني وطردني . وفي يوم آخر رأيت والدي على تلك الحالة فألححت عليه أن يعطيني .. فأعطاني شيئاً من الهيروين ، وقال : اذهب إلى الغرفة الأخرى ولا تتعاطاه أمامي .
وهذا آخر عمره ستة عشر عاماً موقوف في قضية سرقة سيارات يقول: كان والدي مدمناً للحشيش وكان يتعاطاه أمامي .. ثم سجن ومات في السجن بسبب المخدرات .. ولم أعلم بوفاته إلا بعد خمسة أشهر . وبعد أن انحرفتْ ، كانت أمي تنصحني وتبكي عندي ، ولكن لا حياة لمن تنادي .
من مظاهر ضعف التربية: التفكك الأسري وكثرة الخلافات بين الزوجين .. وحالات الطلاق التي تحدث في بعض الأسر .. وهذا له أثر كبير على الأولاد .
يقول هذا الشاب وعمره سبعة عشر عاماً موقوف في قضية سرقة : سبب قيامي بالسرقة هو وجود مشاكلَ عائليةٍ في المنزل .. فأضطرُ إلى الخروج من المنزل ولا أعود أحياناً إلا بعد ثلاثة أيام .
ومن مظاهر ضعف التربية أيضاً: طول غياب الوالدين عن المنزل .
وهذا أمر يقع فيه كثير من الآباء والأمهات . فالوالد مشغول بعمله أوتجارته أو جلساته وسهراته مع الزملاء والأصدقاء .. والوالدة مشغولة بعملها أو زياراتها لصديقاتها ، ومجالس القيل والقال .
التقينا بشاب عمره سبعة عشر عاماً موقوف في قضية سرقة يقول : بعد طلاق أمي من أبي عشت أنا وإخواني مع أبي .. أبي سائق أجرة فكان يغيب عنا طويلاً .. بدأت في الانحراف .. وتركت المدرسة .. ثم تعلمت السرقة والمخدرات .
وهذا آخر يبلغ من العمر ستة عشر عاماً موقوف في قضية اختطاف يقول: كان والدي يوفر لي كل ما أطلب .. حتى جهاز الحاسب اشتراه لي لكي أجلسَ في المنزل .. لكنه كان مشغولاً بالمقاولات والأعمال الخاصة .. فكنت بمجرد أن يخرج من المنزل أخرج وراءه .
السبب الثالث : رفقة السوء :
إنهم مفاتيح الشرور .. وأعوان الشياطين .. دعاةُ كل رذيلة .. وأعداءُ كل فضيلة .. والمصيبة أنك أيها الشاب تلتقي بهذه الفئة في كل مكان .. فقد تشاركك مقاعد الدراسة .. وقد تجاورك في السكن .. وفي الشارع .. وفي البوفيهات ومحلات التسالي .. وفي الحدائق و الملاعب والأماكن العامة .
إنهم يحسنون المعصية .. ويكسرون حاجز الفضيلة والمروءة الذي يمنع الشاب من الإقدام على المنكر .
في عملي السابق في مكافحة المخدرات، قبضنا على أحد الشباب في قضية استعمال مخدرات .. وكان هذا الشاب من أسرة طيبة .. ثم زارني أحد مدرسيه في الثانوية وذكر لي أن هذا الشاب من الأوائل على المدرسة وأن معدله ثلاثةٌ وتسعون بالمائة .. استدعيت الشاب .. سألته عن سبب تعاطيه المخدرات . فقال لي : إن السبب هو أحد رفاقي المنحرفين في الحارة . قلت له : ألم تقرأ أو تسمع أن المخدرات سموم وهلاك . قال : بلى لكني عندما ركبت مع رفيقيَ السيارة وناولنيَ الحبة قلت له : إن المخدرات ضارة . فرد علي وقال : لا تخف .. أنـا أتعاطى الحبوب منذ سنوات ولم أصب بأي مرض . يقول : فأكلت الحبة وأتبعتها بأخرى حتى وقعت في الإدمان .
التقينا بشاب عمره ثمانية عشر عاماً موقوف في قضية سرقة يقول عن سبب قيامه بالسرقة : كنت أجلس عند البقالة المجاورة للمنزل . حيث يجتمع عندها الكثير من الشباب المنحرفين فتأثرت بسلوكهم .
وآخر عمره سبعة عشر عاماً موقوف في قضية مخدرات يقول : خرجت من الابتدائية إلى المتوسطة ثم تعرفت على أصدقاءَ جُدُد .. تعلمت منهم الدخان ثم الحبوب ثم الحشيش حتى فشلت في دراستي وهجرت أهلي .
وآخر عمره ثمانية عشر عاماً موقوف في قضية سرقة سيارات يقول : كنت أدخن مع بعض الأصدقاء .. وفي أحد الأيام أحضر أحد الشباب الحشيش وقال : إنه نوع جديد أفضل من الدخان العادي فقمنا بتدخين الحشيش ، وكان هذا الصديق يحضره لنا مجاناً .. وبعد يومين أو ثلاثة قال لنا : لابد أن تدفعوا المال لكي أحضر الحشيش من المروج ، فجمعنا له بعض النقود .. وبعد أيام .. نفِدت نقودنا .. وتعلقت بالحشيش قلوبنا.. عرض علينا أحد الشباب فكرةَ تكسيرِ زجاج السيارات وسرقةِ ما بداخلها .. فاستحسنا الفكرة وقمنا بهذه الجريمة .. ثم قبض علينا .
أحبابي .. إن طبقة الأقران .. أهم مصادر التلقي والاقتداء عند الإنسان . فقل لي من تصاحب .. أقل لك من أنت .. وأصدق من هذا قوله عليه الصلاة والسلام " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " أخرجه الترمذي و حسنه الألباني .
ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً بليغاً لأثر الجليس على الإنسان فقال (( مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد ريحا خبيثة )) والحديث متفق عليه .
تأملوا يا إخوان في هذا المثال البليغ ، الجليس أثره بالغ عليك، ولو كان في نظرك أثراً حقيراً كالرائحة .
السبب الرابع : وسائل الإعلام .
وسائل الأعلام والاتصال كالصحف والمجلات .. والتلفاز والقنوات .. وشبكة المعلومات (الانترنت) ؛ لها أثر كبير على سلوكِ الناشئة ، واكتسابِهم القيمَ والتصوراتِ التي تحكم سلوكهم .
والواقعَ المؤسف .. أن كثيراً من هذه الوسائل تبث موادَ إعلاميةً سيئة .. أفسدت كثيراً من أبناء وبنات المسلمين .. فحدث عن الكفر والتنصير .. وحدث عن تمييع عقيدة الولاء والبراء .. ونشر السحر والشعوذة .. وتعليم العنف والإجرام .. ناهيك عن الجنس وتأجيج الشهوات وتحريك الغرائز .
إن كثيراً مما يعرض في هذه الوسائل مخالف لأحكام شريعتنا الإسلامية .. بل ومخالف للرؤية الإسلامية للتربية والسلوك .
فكم علمت من جريمة .. وكم قلبت من قيم .. فالجريمة بطولة .. وعقوق الآباء تحرر .. والغدر ذكاء .. والاستقامة تعقيد .. والعفة كبت وحرمان .. وطاعة الزوج رق واستعباد .. والدياثة رقي وتمدن .
وعلى الرغم من هذا الخطر .. فإن بعض الأسر لا تأخذ هذا الأمر مأخذ الجد .. فترى الطفل أو المراهق أو الشاب ، وهم من هم في شدة التقليد والمحاكاة ، يجلس أحدهم الساعات الطوال أمام الأفلام الهابطة ، حيث تأخذ بلبه الصورُ والأصوات .. ويُشربُ قلبه الشهواتِ والشبهات .... حتى إذا كبر وشب عن الطوق ظهرت عليه مظاهر الانحراف في وقت يصعب فيه علاجه وتقويمه .
في دار الملاحظة التقيت بشاب عمره سبعة عشر عاماً قبض عليه في قضية سرقة مرتين كان هذا الشاب يحدثني عن طرق دقيقة لسرقة السيارات.. وأساليب محكمة لسرقة المنازل والمحلات . وكنت أظن أن هذا الشاب الصغير إنما تعلم هذه الأساليب من رفاقه .. لكني لما سألته قال لي : إنه استفادها خَطوة خَطوة من بعض الأفلام الأجنبية التي تعرضها بعض القنوات .
وشاب آخر عمره تسعة عشر عاماً يقول : تمكنت من إقناع والدي بإدخال الدش إلى البيت .. كنت أجلس أمام القنوات ساعات طويلة .. كانت المشاهد تهيج الشهوة في نفسي .. فأخرج من المنزل أبحث عن وسيلة لإطفاء هذه الشهوة فلا أجد سوى أبناء الحي الصغار .. حيث أفعل بهم الفاحشة .. أحياناً بمفردي .. وأحياناً مع بعض رفاقي .
وفي أحد المساجد يحدثني أحد الدعاة الفضلاء يقول لي: والله يا أخ سامي ، وسيسألنيَ الله عن هذا اليمين، أنه حضر لي شاب أحد الشباب الذين ابتلوا بـهذه القنوات وقال لي : يا شيخ أريد حلاً لمشكلتي.. ما مشكلتك؟ قال: يا شيخ لقد وقعت على أختي أربع عشرة مرة .
لا تقولوا .. إننا مبالغون .. لا تقولوا إننا متشددون .. فقد أطلق بعض المفكرين الغرب قبل المسلمين صيحاتِ النذير من الأثر الخطير لوسائل الأعلام على الناشئة والأسرة .. بل ألف بعضهم كتباً ورسائل في الحرب على التلفاز ككتاب ( أربع مناقشات لإلغاء التليفزيون ) للأمريكي جيري ماندر ، وكتاب (اليوم الذي مات فيه التليفزيون) لدون ماجواير .
وفي دراستنا بدار الملاحظة تبين أن ستاً وخمسين بالمائة من الأحداث الموقوفين يشاهدون القنوات الفضائية .
إذن لا بد من ضبط وسائل الإعلام في المنزل واختيار المفيد منها .
السبب الخامس : الفراغ .
الوقت هو الحياة .. وهو الغنيمة التي فرط فيها كثير من الناس . ففي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ "
وإذا كان هذا هو حال كثير من الناس .. فما هو السبيل .. إلى أن نكون من القليل ؟ الذين استثمروا أوقاتهم .. وربحوا في تجارتهم .
لقد بين معلم البشرية هذا السبيل بقوله عليه الصلاة والسلام " اغتنم خمساً قبل خمس " وذكر منها " وفراغك قبل شغلك " والحديث رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني .
ومصداق هذا الكلام ، السورة العظيمة التي يحفظها الصغير والكبير .. ( والعصر .......... بالصبر ) في هذه السورة .. أقسم الله تعالى بالوقت أن الناس خاسرون مغبونون إلا من اغتنموا الأوقات بالإيمان والعمل الصالح .
دعونا يا إخواني نتساءل .. أين شبابنا الذين يتسكعون في الأحياء .. و يجوبون الشوارع بالسيارات .. وتكتظ بهم الأرصفة والاستراحات .. في جلسات أقل مفاسدها إضاعة الأوقات .. في السفاسف والترهات.
يحدثني أحد الشباب المقبوض عليهم في جريمة سرقة يقول : لا يوجد سبب لارتكابي السرقة لكني إنسان فارغ .. حياتي كلها نوم أو دوران في الشوارع .. وإذا كنت طفشان ذهبت إلى الشباب .. نشاهد الأفلام السيئة أو نسرق أو نشرب الخمر .
فنقول لكل شاب .. احذر الفراغ، وأشغل نفسك بالحق، وإلا شغلتك بالباطل .
السبب السادس : السفر إلى الخارج .
يسافر بعض شبابنا إلى بعض البلدان المعروفة بالفساد .. حيث يغامرون بعقيدتهم وأخلاقهم .. فكم من شاب ألقيت عليه الشبهات حتى ضعف التوحيد في قلبه .. وكم من شاب سلطت عليه الشهوات حتى غدا أسيراً لشهوته .. وكم من شاب ابتلي بتعاطي المسكرات والمخدرات . يسافرون عبر بوابات المطر .. ويعودون عبر بوابات الكفر والإيدز والإدمان .
وفي دراسة على متعاطي المخدرات في السعودية والبحرين والكويت تبين أن52% من متعاطي المخدرات في هذه البلاد سبق لهم السفر إلى الخارج .
وإن من المؤسف حقاً ما تقوم به بعض الأسر من إرسال أبنائها إلى الخارج لتعلم اللغة في أحضان العوائل الكافرة .. فيعود الأبناء وقد أضاعوا دينهم .. وتمردوا على بلادهم وأسرهم .

العنصر الثالث : ما هو العلاج ؟

أيها الأحبة .. انحراف الشباب من أهم قضايا الأمة .. ولهذا فإن علاجها لا بد أن يكون على مستوى الأمة .. بدءاً بولاة الأمر والآباء والمربين .. ومروراً بالمؤسسات التربوية وأجهزة الإعلام .. وانتهاءً بالشباب أنفسهم .. ولعلي في هذا المقام أذكّر ببعض الأمور التي يمكن القيام بها لعلاج هذه الظاهرة :
1) العلاج الإيماني : إنه السلاح الـمعطل عند كثير ممن يقوم على إصلاح الشباب .. ولا سيما من غير المسلمين .
الإيمان وقاية وعلاج .
أما الوقاية فالإيمان حصن حصين .. وعصمة للشباب من الانحراف .. كلما ازداد الإيمان ازدادت مناعة الشاب من الانحراف .. وكلما ضعف الإيمان ضعفت تلك المناعة .
و والله .. ما أتي كثير من شبابنا إلا بسبب ضعف الإيمان في قلوبهم .
فتعاهد أيها الشاب شجرة الإيمان في قلبك بالبر والأعمال الصالحة .
وأما العلاج .. فإن الإيمان هو الحل لكثير من مشاكل الشباب والأمة.
إنه الإيمان الذي حول سحرة فرعون خلال لحظات .. من سحرةٍ مجرمين إلى أولياء مخلصين .
إنه الإيمان الذي جعل الصحابة مدمني الخمر في الجاهلية يريقونها حتى جرت بها شوارع المدينة .. وهم يقولون انتهينا انتهينا .
في فرنسا، كان التلفاز الفرنسي يعرض برنامجاً يناقش أثر الخمور على حوادث السيارات ، فصاحت سيدة فرنسية كانت قد فقدت ابنتيها في حادثين مروريين بسبب شرب الخمور ، فقالت:"الإسلام فيه الحل".
أيها المربون .. يا دعاة الإسلام .. لا تيأسوا من شبابنا .. وإن عظم انحرافهم واشتد إجرامهم .. فإنهم ما إن يذكروا بربهم .. وينتبهوا من غفلتهم .. حتى يعودوا عباداً صالحين .. وقادة مصلحين .
في دار الملاحظة شباب ابتلوا بأنواع شتى من الجرائم .. وبعد أن من الله عليهم بالتوبة صاروا من أهل الصيام والقيام .
كان أحدهم يحدثني عن توبته وتقربه إلى الله بالنوافل والقيام .. نعم القيام . فقلت له : هل يلزمونكم بقيام الليل ؟ . قال : لا لكني أتعلق بالمراقب وأرجوه أن يوقظني قبل الفجر لأصلي لله ما تيسر .
2) رسالة إلى الآباء والمربين بضرورة الاهتمام بالتربية وإصلاح النشء . وإنها لمسؤولية كبرى .. سيسأل عنها كل والد ووالدة .. وكل مربٍ ومربية .. وكلكم راع .. وكلكم مسؤول عن رعيته .
إذا علمنا هذا .. فما هي التربية التي يريدها منك أبناؤنا ؟
لعلك تسمع أحد الآباء وهو يقول : أنا أربي أبنائي أحسن تربية .. فهم يأكلون أفضل الطعام والشراب .. ويلبسون أفخر الثياب .. ويتمتعون بأرقى أسباب المعيشة .
سبحان الله !! أهذه هي التربية ؟
أحد الأغنياء قبض على ولده في قضية سرقة سيارة .. وما إن خرج الولد حتى عاد في قضية سرقة أخرى .. ولما استدعي الأب ، سأله محدثي وهو أحد المشرفين الأفاضل بدار الملاحظة عن سبب وقوع ولده في السرقة عدة مرات مع أنه من الأغنياء .. أهو البخل أم ماذا ؟
فقال الأب للمشرف : قل للولد يطلب أي سيارة يريدها وأنا على استعداد لشرائها له الآن .. لكن يكف عن سرقة السيارات .
فرد عليه المشرف وقال : دعك من هذا ، لكن أجبني بصراحة ما هو برنامجك ؟ فقال : أعود من العمل فأستريح ، ثم أخرج لأعمالي الخاصة وقد أتأخر إلى الليل .. أما أبنائي فأنا مقصر في جانبهم .
فقال المشرف : هذا هو سبب انحراف ولدك .
إن هذا الولد لم يكن يسرق لحاجة أو قلة مال .. بل كان يسرق لفساد خلقه .. وافتقاده الرعاية الأبوية التي تمنعه من الشر وأهله .
أيها الإخوة .. إن أبناءنا لا يريدون أموالنا بقدر ما يريدون منا حبنا وعطفنا ورعايتنا وهذا لا يكون إلا بتربية الروح بالعلم والأدب وغرس الفضيلة .
فيا أيها الآباء .. ويا أيها المربون .. ويا أيها المسؤولون عن التعليم .. الله الله في التربية الإيمانية .. التربية التي أخرجت للأمة علماء وقادة لم يتجاوزوا العشرين سنة .. كأسامة الذي قاد جيشاً فيه أبو بكر وعمر .. وكان عمره قرابة الثامنة عشر .
التربية الإيمانية التي جعلت الصحابي الصغير يقف على أطراف أصابعه حتى يكون طويلاً فيسمح له بدخول المعركة .
فهذا عمير بن أبي وقاص .. بطل من أبطال الصحابة .. كان عمره ستة عشر عاماً .. يروي قصته أخوه سعد بن أبي وقاص كما يذكر ابن سعد في الطبقات .. حضر عمير غزوة بدر .. وكان قبل المعركة يتخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم .. وما هي جريمته حتى يتخفى ؟ لقد كان يتخفى حتى لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم فيردَّه بسبب صغره .. ولكن .. سرعان ما اكتشف هذا البطل الصغير .. فيؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فلما رآه صغيراً رده عن المشاركة في المعركة .. فتولى وهو يبكى .. لم يبك خوفاً من الموت ، بل يبكى لأنه حرم الموت في سبيل الله .. ثم لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بكاءه وإصراره أجازه ، فدخل المعركة ، فقاتل حتى قتل .. رضي الله عنهم أجمعين .
عباد ليل إذا جن الظلام بهم *** كم عابد دمعَه بالخـد أجـراه
وأسد غاب إذا لاح الجهاد بهم *** هبوا إلى الموت يستجدون لقياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً *** يشيدون لنا مجداً أضـعـناه
هذا ما نرجوه من الآباء والمربين .. وأما الشباب .. فإنه وإن فسد المربي فإن هذا لا يكون مبرراً لفساد المتربي .
كم أحزن وأتألم، عندما يشكو لي بعض الشباب انحراف آباءهم، بل يصلي بعضهم معي في المسجد وقد اسود وجهه، ونكّس رأسه، ثم يقول: عندنا مدمن في البيت، فأقول له: من هو؟ فيقول: والدي!! .
فإلى هؤلاء الشباب، إلى كل من فقد الوالد .. أو ابتلي بأب فاسد .. أقول: صبراً يا حبيبي .. اصبر لربك .. واثبت على دينك .. فقد أكرمك الله بالعقل .. ونهاك عن طاعة غير الله في المعصية ، وإن كان أقرب الناس إليك .. قال تعالى : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس بـه علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ).
ليكن لك يا أخي في إبراهيم عليه السلام أسوة حسنة عندما ضل أبوه آزر .. ثم هدده بالرجم والهجر فقال : ( أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً ) .. لكن إبراهيم أمام هذا التهديد ؛ كان أمة في صبره وثباته على دينه .
يقول سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه كنت براً بأمي ، فلما أسلمتُ قالت :يا سعد، ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لتدعنَّ دينك هذا أو لا آكلُ ولا أشربُ حتى أموت ، فتُعَيَّر بي ،فيقال: يا قاتل أمه ، قلت:لا تفعلي يا أمّه، إني لا أدع ديني هذا لشيء ، فمكثت يوماً وليلة لا تأكل و لا تشرب ، و أصبحت و قد جهدت ، فلما رأيت ذلك ، قلت :يا أمه تعلمين و الله لو كان لك مائة نفس ، فخرجت نفساً نفساً ، ما تركت ديني، إن شئت فكلى أو لا تأكلي . فلما رأت ذلك أكلت .
فنقول لكل شاب ، الله الله بالثبات ، ودعوة الوالد بالتي هي أحسن .
3) رسالة إلى القائمين على الإعلام في بلاد الإسلام .. بأن يتقوا الله في شبابنا وأسرنا .. وأن ينتقوا من المواد الإعلامية ما يرسخ القيم التربوية الصحيحة في نفوس الناشئة .. ولا يعارض شريعة الله تعالى .
وهمسة في أذن كل أب .. وكل شاب بأن نقي أنفسنا وأهلينا هذه السهام .. سهامَ الشبهات والشهوات .. التي صوبت إلينا عبر المجلات والشاشات والشبكات . فلا نفتح بيوتنا للصوص الفضيلة .. وقطاع الطريق إلى الله .
إنه لابد من التحذير .. ولابد من التغيير .. (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) .
4) الفراغ قاتل .. فلا بد من احتواء أوقات الشباب .. وملئها بالنشاطات المفيدة والنافعة . وبلادنا المباركة تنعم بحمد الله بالعديد من الجهات التي تقدم البرامج والأنشطة للشباب كحلقات تحفيظ القرآن .. والمراكز الصيفية .. والمخيمات الشبابية . ولكن .. تبقى الحاجة ماسة إلى دعم وزيادة هذه الأنشطة المباركة ، بل وحتى في أوقات الدراسة .. أدعو إلى دراسة إيجاد مراكزَ جادة للنشاط واستثمار أوقات الشباب .
5) الرفقة الرفقة ..
أيها الشاب .. قل لي بربك : أي الفرقين تصاحب؟
هل تصاحب إخواناً صالحين .. يحبك الله بحبهم .. ويغفر لك بمجالستهم .. هم والله نعم العُدة .. في الرخاء والشدة .. تقتبس في الدنيا من علمهم وأدبهم .. وتظفر يوم القيامة بشفاعتهم .. قال تعالى : (الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) .
هل تصاحب هؤلاء المتقين؟ أم تصاحب قوماً يحرقون ثياب استقامتك .. ويفسدون ريح كرامتك .. إذا كان الرخاء .. أطلقوا في وجهك الابتسامات الصفراء .. وإذا كانت الشدائد .. لم يصف لك منهم واحد .. وإذا كانت القيامة .. كانت الحسرة والندامة .
ثم أقول لكل أب ومربي .. ما دورك في هذا الجانب ؟
وبعض الآباء يقول: (وانا وش اسوي؟ أحبس الولد في البيت ؟)

فنقول : يا أخي نحن لا نطالبك أن تغلقَ على ولدك الأبواب .. ولا أن تفرضَ عليه العزلة عن الناس .. لكن بيدك أمورٌ كثيرةٌ نافعة بإذن الله ، أذكر بعضها بإيجاز :
أولاً ) أن يكون عندك معرفة صحيحة بشروط وصفات الرفقة الصالحة التي تريدها لولدك ، كصفة الاستقامة والخيرية والاتزان .
ثانياً ) ذكّر الولد دائماً منذ الصغر بأهمية الرفيق الصالح وخطر جليس السوء .
ثالثاً ) هيء الجو لوجود الرفقة الصالحة ، اختر السكن المناسب .. وانتق المدرسة الجيدة .. وأعد النظر في هاتين البيئتين - الحي والمدرسة - من وقت لآخر .
رابعاً ) أشرك الولد في الأنشطة المفيدة كحلق تحفيظ القرآن والمكتبات الخيرية والمراكز الصيفية، بحيث يكتسب الولد منها الرفاق الصالحين .. ويسلم بإذن الله من الانحراف .
خامساً ) المتابعة غير المباشرة ، وتفقد رفقاء الولد .. مع تجنب التلقين المباشر أو الإلزام برفقاء من اختيار الأب .
سادساً ) تشجيع الشاب المستقيم، وإكرام رفقته الصالحة وتقديرهم ، كما كان عليه الصلاة والسلام وصحابته يختلطون بالشباب ويسلمون عليهم ويكرمونهم ويشركونهم في الأنشطة .
إن هذا الأمر له دور كبير في قوة واستمرار علاقة الولد بالصالحين .. وله دور آخر في زيادة تقبله واستجابته لوالده .
لكني أقول: إن من المؤسف حقاً أن بعض الآباء قد يحول بين ولده وبين الاستقامة ومرافقة الصالحين .. ربما يكون الأب فاسداً لا يحب الدين وأهله، وربما يكون هند الأب بعض الأوهام حول المتدينين، (لا تروح مع المطاوعة أخاف إنهم إرهابيين) .. سبحان الله .. يعني لما خرج بعض الشباب الشذاذ بهذه الأفكار الإرهابية والأعمال التخريبية، ورفعوا بعض الشعارات الدينية المغلوطة، نأتي ونعمم الحكم على الكثرة الكاثرة من شبابنا، الذين نشهد الله أنهم بحمد الله على استقامة وصلاح وبعد عن هذه الأفكار .. سبحان الله ، ما لكم كيف تحكمون .
وقد وقفت على قصة مؤلمة لشاب عمره خمسة عشر عاماً ، اسمه خالد .. كان هذا الشاب (كما أورد قصته صاحب كتاب الميلاد الجديد) يأتي إلى المسجد ويختلس النظرات إلى حلقة تحفيظ القرآن .. ثم يمضي .
مدرس الحلقة الأستاذ سلمان يقول: تعجبت من حال هذا الشاب .. ثم عزمت على التحدث معه .. التقيت به وعرضت عليه أن يشارك إخوانه في الحلقة بالمسجد.. وافق على الفور.. لكنه كان متلعثماً.. مضت الأيام وخالد نشيط في الحفظ.. لم أنكر عليه إلا شروده وتفكيره الطويل.
وفي إحدى الليالي .. خرجنا في رحلة بحرية .. فرأيت خالداً جالساً على الشاطيء .. اقتربت منه فإذا هو يبكي .. سألته عن سبب بكائه .. فقال: إني أحبكم وأحب القرآن وأهله ، لكن أبي دائماً يحذرني من مصاحبتكم .. إنه يكرهكم .. إنه يخوفني منكم .
لقد اكتشف أبي أني التحقت بالحلقة .. وفي تلك الليلة جلسنا على مائدة العشاء ففاجأني وقال : يا خالد ، سمعت أنك تمشي المطاوعة .. انعقد لساني من الخوف .. ولم ينتظر مني جواباً ، بل تناول إبريق الشاي ورماه بقوة على وجهي .. وقعت على الأرض .. حملتني أمي ، فقال لها : اتركيه وإلا أصابك ما أصابه .
وبعد ذلك الموقف ، كان أبي يضربني ويشتمني ويرميني بأي شيء يجده أمامه .. حتى امتلأ قلبي بالحقد عليه .
يقول الأستاذ سلمان : سرت إلى منزل والد خالد للتحدث معه وإقناعه .. طرقت الباب .. فخرج أبو خالد .. وقبل أن أتكلم أمسك بثيابي وشدني إليه وقال : أنت المطوع الذي يدرس خالداً في المسجد . قلت : نعم . قال : والله لو رأيتك تمشي معه مرة أخرى كسرت رجلك .. ثم بصق في وجهي .. وأغلق الباب بقوة .
مرت الأيام وكان أبو خالد يمنعه من رؤيتنا وزيارتنا .. ثم انتقلت عائلته إلى الحي المجاور . وبعد عدة سنوات .. صليت العشاء في المسجد فإذا بيد غليظة تمسك بكتفي من الخلف .. التفت فإذا بأبي خالد . سألته عن خالد .. فأخذ يبكي ويقول : أرجوك يا أستاذ سلمان لقد أصبح خالد شخصاً أخر غير الذي تعرفونه .. لقد كبر خالد وتعرف على شلة فاسدة .. وبدأ بالتدخين معهم فشتمته وضربته دون جدوى .. كان يسهر معهم إلى الفجر حتى أوقعوه في الخمور والمخدرات .. لقد أصبح يشتمني بلسانه .. ويضربني بيده .. ويركلني برجله وأنا أبوه .. أرجوك يا أستاذ سلمان .. زوروه .. خذوه معكم .. لا تتركوه لرفقاء السوء .
قلت له والعبرة تكاد تخنقني : يا عم .. ذاك زرعك .. وهذا حصادك .. ولكن دعني أحاول .
كان خالد يتهرب من مقابلتي .. حتى لقيته في أحد الشوارع .. ولما رآني عرفني على الفور .. وعرفته رغم تغير بعض ملامح وجهه .. أمسكت بيده بقوة .. لم يتمالك كل واحد منا مشاعره .. فتعانقنا .. ثم انفجرنا بالبكاء .
أخذته إلى المنزل ..وفتحت له أبواب الأمل .. ودعوته إلى التوبة النصوح .. أرجوك يا خالد .. تب إلى الله .. عد كما كنت .. لكنه قال : لا أستطيع يا أستاذ .. لا أستطيع .. لقد فات الأوان .. إنني الآن لا أصبر عن المخدرات .. لا أصبر عن النساء والشهوات .. فدعوني أسير في هذا الطريق .. حتى يقضيَ الله علي ما يشاء .
يقول الأستاذ : مضت الأيام .. وفي إحدى الليالي خرجت لشراء دواء لأحد أطفالي من إحدى الصيدليات المجاورة .. مررت على منزل خالد .. فرأيت سيارات الشرطة عند المنزل .. توقفت ونزلت من سيارتي فإذا بأحد أخوة خالد يبكي على الباب . سألته عن الخبر .. فقال إن خالداً عاد إلى المنزل قرب الفجر وكان مخموراً سكران .. فخرج إليه أبي وطرده عن الباب .. لكنه شتم أبي وحاول أن يمد يده عليه .. فقام أبي بضربه بعصا غليظةٍ على رأسه .. فاندفع خالد وأخرج سكيناً من جيبه وطعن بها أبي عدة طعنات .
يقول الأستاذ : حُمِل الوالد إلى المستشفى ، ومات هناك متأثراً بطعنات ولده .. وبعد موته خرجنا في جنازته .. ودفناه في قبره .. وبقي خالد في السجن .. يعض أصابع الندم .. ولات حين مندم .
( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً ، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً ، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً )
إنها مأساة .. وأي مأساة .. يوم أن يجني الوالد جزاء تفريطِه .. ومنعِه الخيرَ عن ولده .. إخواني ، لست والله بشاعر ، لكني كنت أتأمل هذه القصة المؤثرة فأخذتني المشاعر، وكتبت هذه الأبيات الخفيفة على لسان هذا الشاب .

أبي قتـلت شـبـابي وفـيكَ كان مصـابي
ياحسـرتي وعـذابي وبؤسَ قلبي الحَـزونِ
كنت الرجا في حياتي والنورَ في الظـلمـاتِ
فكـان منك شتاتي خيـبت كل ظنـوني
حرمتني من رفاقـي أهلِ الضحى والعِتاق
ولم أزل في اشتياقي ترنو إليـهم عـيوني
صحبتُ أهل الحرام بخمـرة ومَــدامِ
وحبـةٍ وسـقـامِ رأيت فيها جنـوني
يزداد في القلب همي إذا ذكرتك أمـي
وبين لحمي وعظمي نـار تذيب شجوني
أماه عفوك أرجـو علّي من النار أنجو
أشكو إليك وأشجو أمـاه فلتعذريـني
أنا الذي كنت أحيا بالأمس في شر دنيا
وزادني الذنب غيـاً فيا ضياع سنيـني


ختاماً ، إني داعٍ فأمنوا بقلوب موقنة .
يا ربي ، إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى وباسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت وإذا دعيت به أجبت، أن تصلح نياتنا وذرياتنا .. وأن تحفظ شبابنا ونساءنا وأن تنبتهم نباتاً حسناً ، ربنا وتقبل دعاء .. ربنا اجعلهم قرة عين في الحال والمآل .. واعصمنا وإياهم من الغي والضلال .. وجنبنا وإياهم الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن .. ربنا ثبت مهتديهم ، ورد ضالهم إليك رداً جميلاً ، يا رب العالمين .
وصلِّ الله وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سامي الحمود
  • كتب وبحوث
  • محاضرات
  • كلمات قصيرة
  • منبر الجمعة
  • مذكرات ضابط أمن
  • تحقيقات ميدانية
  • مقالات وردود
  • معرض الصور
  • قصائد
  • فتاوى أمنية
  • صوتيات
  • الجانب المظلم
  • الصفحة الرئيسية