صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الذهب المسبوك في دروس غزوة تبوك

سامي بن خالد الحمود

 
في السنة التاسعة من الهجرة ، وبعد أن فتح الله لنبيه صلى الله عليه وسلم الفتح المبين ، وأرغم به أنوف الكافرين ، أقبلت قبائل الجزيرة العربية تدخل في دين الله أفواجاً ، وبدأت الجاهلية وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة .
وعلى صعيد آخر في بلاد الشام ، كان هرقل الروم وحلفاؤه من قبائل العرب يتأهبون للقضاء على دولة الإسلام فكان النبي عليه الصلاة والسلام يعد العدّة لمبادرتهم بالغزو والخروج إليهم لقتالهم .
في ذلك الوقت كان المسلمون في موقف لا يحسدون عليه أبداً .
أما الزمان فحرٌ شديد في زمن قيظ .
وأما أحوالهم المادية فجدبٌ وعسرٌ .. وفقرٌ وقلة ظهر . ومن جانب آخر فقد كانوا في موسم تطيب فيه الثمار ، فالنفوس متعطشة إلى الإقامة في ظلال المزارع ، وأكل الرطب الشهي ، وشرب الماء البارد .
وأما المسافة فأرضٌ بعيدة ..على طرق وعرة.. بين رمال محرقة .
ومع هذه الظروف العصيبة لم يكن القائد المحنك صلى الله عليه وسلم وجنوده البواسل ليترددوا أو يتوانوا عن الذود عن الدين ، وقمع أعداء الله الكافرين.
وكان من عادته عليه الصلاة والسلام أنه إذا أراد غزوة ورّى بغيرها لئلا يسبقه الجواسيس بخبر خروجه . فلما كانت هذه الغزوة جلّى أمرها للناس حتى يأخذوا أهبتهم لهذا السفر البعيد .
فما هو إلا أن سمع الصحابة نداءه عليه الصلاة والسلام حتى تسابقوا إلى المشاركة .
ويدخل فقراء المؤمنين على الرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه أي وسيلة تنقلهم إلى قتال الروم فإذا قال لهم { لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون }
وكان من هؤلاء البكائين عُلْبة بن زيد رضي الله عنه ، تاقت نفسه إلى الجهاد لما سمع نداء النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يجد راحلة تحمله ، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله راحلة تحمله فلم يجد عنده شيئاً ، فقام في الليل بين يدي الله تعالى ، فصلى وبكى وقال :" اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغبت فيه ، ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه ، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال ، أو جسد ، أو عرض ، ثم أصبح مع الناس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أين المتصدق هذه الليلة " فلم يقم إليه أحد ، ثم قال : " أين المتصدق ، فليقم " فقام إليه ، فأخبره ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أبشر فوالذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة " .
وهب الصحابة إلى التصدق بالغالي والنفيس من كرائم أموالهم . أبو بكر..عثمان ..عبدالرحمن بن عوف..عمر..العباس..وغيرهم .
وهبت النساء إلى التصدق وألقين حليهن وخلاخلهن وخواتمهن في مشهد رائع من مشاهد التضحية والإيمان .
وحتى فقراء المسلمين كان أحدهم يأتي بالصاع أو نصف الصاع من التمر لا يجد في بيته غيره فيلمزه المنافقون فيقولون : إن الله لغني عن صدقة هذا .
وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتجهزون للخروج ، وكان ممن هم بالتجهز بطل قصتنا كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه وكان صحابياً جليلاً ممن شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الغزوات إلا غزوة بدر.
كان كعب كلما هم بالتجهز قال لنفسه : " أنا قادر على ذلك إذا أردت " حتى تمادى به التسويف والتردد فلم يشعر إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قد خرجوا من المدينة باتجاه تبوك .
وهذا فيه درس في خطورة العجز والتسويف إذا حلت فرصة القربة والطاعة ، فإن الله يعاقب المتواني بأن يحول بينه وبين قلبه ويثبطه عن العمل ، فالحازم من ينتهز الفرصة ويبادر إلى الطاعة .
اشتد حزن كعب لتخلفه عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه قال عن نفسه : " فهممت أن أرتحل فأدركهم فيا ليتني فعلت ، ثم لم يقدر لي "
وفي المدينة كان كعب يخرج من بيته فلا يرى في شوارع المدينة من المتخلفين إلا منافقاً أو رجلاً معذوراً من الضعفاء ، فيعتصر الحزن والألم في قلبه ، إذ هو صاحب الهمة العالية والقدم الصادقة في الإسلام فكيف يرضى أن يكون بمنزلة هؤلاء ؟
سار الجيش الإسلامي إلى تبوك في جمع غفير قوامه ثلاثون ألفاً لم يشهد المسلمون مثله ، ولم يكن يجمع أسماءهم سجل أو ديوان ، فكان المتخلف يظن أنه قد لا يعرف تخلفه إلا أن ينزل فيه وحي .
واشتد على الصحابة عناء السفر بسبب القلة الشديدة في الزاد والمركب فكان البعير الواحد يعتقب عليه ثمانية عشر رجلاً يركب هذا وينزل هذا ، وكانوا يأكلون أوراق الشجر من الجوع حتى تورمت شفاههم ، ويذبحون البعير ليشربوا ما في كرشه من الماء . ولهذا سمي هذا الجيش جيش العسرة.
وصل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى تبوك ونزلوا هناك واستعدوا للقاء العدو . فما إن سمع الرومان وحلفاؤهم بنزولهم حتى دب فيهم الرعب فتفرقوا في البلاد فكان هذا نصراً عظيماً ومكسباً للدولة الإسلامية وسمعتها العسكرية .
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم تبوك قال لأصحابه : " ستهب عليكم الليلة ريح شديدة ، فلا يقم منكم أحد ، فمن كان له بعير فليشد عقاله " فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيئ !!( رحلة جوية من تبوك إلى حائل بدون تذاكر ولا طائرات)
وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في تبوك تذكر صاحبه كعب بن مالك فقال : " ما فعل كعب بن مالك ؟ " . فقال رجل من بني سلمة : " حبسه براده والنظر في عطفيه " ( يريد أنه تعلق بالدنيا التي منعته من الخروج ) . فرد عليه معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال : " بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً " فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا فيه درس في ذب المسلم عن عرض أخيه إذا ما اغتيب عنده .
أقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة ثم رجع هو وجيشه المظفر إلى المدينة منصورين ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكانت هذه آخر غزواته عليه الصلاة والسلام .
لقد كانت هذه الغزوة بظروفها الصعبة اختباراً شديداً للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تبين فيها صدق المؤمنين من الأنصار والمهاجرين وظهر كذب المنافقين الذين رضوا بالحياة الدنيا وتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فشتان بين الطيب والخبيث قال تعالى { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } وقال سبحانه { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } .
لكن ماذا عن بطل قصتنا كعب بن مالك ؟
لما بلغ كعب بن مالك قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ازداد همه وبثه وهو يقول لنفسه : كيف أخرج من سخط رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وتواترت الهموم على كعب حتى إنه أخذ يستشير أهل الرأي من أهله . وكانت بوارق الكذب تلوح له في خضم هذا الموقف الرهيب الذي تزل فيه الأقدام ولكن الله تعالى ثبته وقذف في قلبه محبة الصدق . فعزم على أن يصدق النبيصلى الله عليه وسلم مهما كانت الأحوال .
دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فبدأ بالمسجد وصلى فيه ركعتين ثم جلس للناس كعادته وجاءه المخلفون يعتذرون إليه فيقبل منهم علانيتهم ويستغفر لهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى .
ويدخل كعب المسجد فيسلم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم تبسم تبسم المغضب ثم قال له : تعال . يمشي كعب حتى يجلس بين يديه صلى الله عليه وسلم فيسأله ويقول له : " ما خلفك ؟ ألم تكن قد اشتريت ظهرك؟ "
فيرد كعب على هذا السؤال الحاسم بكلمات بليغة ملؤها الصدق والإيمان ، ومراقبة الواحد الديان . قال : " يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، لقد أعطيت جدلاً ، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنى ليوشكن الله أن يُسخِطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله .. والله ما كان لي عذر .. والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك " .
بعد هذه المحاورة الساخنة غادر كعب المسجد فلحق به رجال من بني سلمة وأخذوا يؤنبونه ويقولون : " والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا ، لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المخلفون ، فقد كان كافيك ذنبَك استغفارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم "
واشتد تأنيبهم لكعب حتى هم أن يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكذب نفسه !!! .
ثم إنه سألهم : هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا : نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت ، فقيل لهما مثل ما قيل لك ، مرارة بن الربيع العامري وهلال بن أمية الواقفي .
نظر كعب وإذا بهذين الرجلين من صالحي الصاحبة من أهل بدر فكان في موقفهما أسوة لكعب فثبت على موقفه اقتداءً بهذين الرجلين .
وينزل البلاء بهؤلاء الثلاثة فينهى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة كلهم عن الكلام معهم . فاجتنبهم الناس وتغيروا عليهم حتى تنكرت لهم الأرض وضاقت عليهم . أما مرارة وهلال فقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما كعب فكان أشب الثلاثة فكان يخرج من بيته ويطوف بالأسواق ولا يكلمه أحد.. ويدخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في مجلسه بعد الصلاة فيأتي ويسلم عليه فلا يدري هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ؟ .. ويصلي قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم ويسارقه النظر فلا ينظر إليه . فإذا اقبل كعب على صلاته نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا التفت إليه أعرض عنه .
ولما طالت جفوة الناس توجه كعب إلى مزرعة لابن عمه أبي قتادة وكان أحب الناس إليه .. يدخل كعب فإذا أبو قتادة جالس في المزرعة .. يسلم فلا يرد عليه السلام .. فيقول كعب : أنشدك بالله هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ وفي هذه اللحظة يتذكر أبو قتادة نهي النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرد بأدنى كلمة . فيعيد كعب سؤاله : هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فيقول أبو قتادة في الثالثة : الله ورسوله أعلم . فتفيض دموع كعب على خديه ويقوم راجعاً إلى المدينة .
وفي سوق المدينة قدم نبطي من أنباط الشام يسأل عن كعب بن مالك . وإذا كعب يمشي في السوق والناس يشيرون إليه ولا يتكلمون . فلما رآه دفع إليه رسالة من ملك غسان . فتح الرسالة وإذا فيها : ( أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوانٍ ولا مضيعةٍ فالحق بنا نواسك ) ومع شدة الإغراء وعظم البلاء إلا أن أيمان كعب لم يكن ليتزحزح في هذا الموقف . فما إن قرأ الرسالة حتى قال : " وهذه أيضا من البلاء " ، ثم أخذ الرسالة وأحرقها في التنور .
وبعد أربعين يوماً أمر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة أن يعتزلوا نساءهم فيقول كعب لزوجته الحقي بأهلك حتى يقضي الله في هذا الأمر . وتدخل زوجة هلال بن أمية على النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه حال زوجها تقول : " إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال لا ولكن لا يقربنك فقالت إنه والله ما به حركة إلى شيء ووالله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا " .
وفي هذا بيان عظم شأن المعصية ، وخوف المؤمن من عواقبها .
قال الحسن البصري : يا سبحان الله ! ما أكل هؤلاء الثلاثة مالاً حراماً ، ولا سفكوا دماً حراماً ، ولا أفسدوا في الأرض ، أصابهم ما سمعتم ، وضاقت عليهم الأرض ، فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر.
أشار بعض أهل كعب عليه أن يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأته كما فعلت زوجة هلال فأبى وقال : لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ماذا يقول إذا استأذنته وأنا رجل شاب .
ومضت الأيام والألم والشدة تزداد بالثلاثة يوماً بعد يوم حتى بلغوا الحال التي وصفها الله تعالى بقولـه { ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه } .
وتقترب ساعة الفرج فيصلي كعب صلاة الصبح بعد تمام خمسين ليلة . وبينما هو جالس إذ سمع صرخاً من فوق جبل سَلْع يصرخ بأعلى صوته : " يا كعب بن مالك أبشر" فعلم كعب أنه قد جاء الفرج فخر لله ساجداً .
ما الذي حدث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وما قصة هذا الصوت ؟
لقد تاب الله تعالى على الثلاثة الذين خلفوا ، وأنزل في توبتهم على رسوله صلى الله عليه وسلم آيات تتلى إلى يوم الدين { وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم  يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين }
تلقى الصحابة الخبر فانطلقوا إلى الثلاثة يبشرونهم بتوبة الله عليهم ، فركب رجل فرساً وانطلق مسرعاً إلى كعب ، وصعد آخر الجبل فرفع صوته فكان الصوت أسرع من الفرس .
يقول كعب : " فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبَيّ فكسوتهما إياه ببشارته والله ما أملك غيرهما يومئذ ، واستعرت ثوبين فلبستهما فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة ويقولون : لتهنئك توبة الله عليك " .
يدخل كعب المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس والناس حوله ووجهه يبرق من السرور كأنه قطعة قمر . ويقوم طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه يهرول حتى صافح كعباً وهنأه فكان كعب لا ينساها لطلحة ، فلما سلم كعب على النبي صلى الله عليه وسلم قال له : أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك . قال : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : لا بل من عند الله .
أيها الأحبة : ما أجمل لحظات التوبة .. وما أعظم فضل الله على المذنبين .
من منا لم يذنب ؟ ومن منا لم يفرط في جنب الله ويقصر في حقه ؟
ومع هذا فإنه سبحانه ينادينا معاشر المذنبين وإن بلغت ذنوبنا عنان السماء أن نتوب إليه { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . إن الله يغفر الذنوب جميعاً . إنه هو الغفور الرحيم }
نداءٌ من القلب ، ودعوةٌ صادقة إلى التوبة من الذنوب،والإنابة إلى الله علام الغيوب.
جلس كعب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك بعض مالك فهو خيرٌ لك قال فإني أمسك سهمي الذي بخيبر " ثم قال كعب : " يا رسول الله إن الله إنما أنجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت "
هكذا عاهد كعبٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهل وفى بهذا العهد ؟
هاهو يحدث عن نفسه بعد أن كبُر وعمي بصره يقول : " فوالله ما علمت أن أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا أحسن مما أبلاني الله به ، والله ما تعمدت كِذبةً منذ قلت ذلك لرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي "
هكذا أيها الأحبة كانت عاقبة الصدق الحميدة .
إن المؤمن الصادق مهما اشتدت به المحن ، وضاقت السبل ، ولاحت له بوارق الكذب في مواطن الابتلاء ، فإن الله تعالى يثبت قلبه ويجعل لهم من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً .
والصدق والثبات من أعظم نعم الله على المؤمنين ، ولهذا كان كعب لا يعدل بهذه النعمة أي نعمة أخرى بعد الإسلام يقول : " والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلِك كما هلك الذين كذبوا ، إن الله قال للذين كذبوا حين أَنزل الوحي شر ما قال لأحد ، قال الله تعالى : { سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين } .
تلكم أيها الأحبة بعض أحدث غزوة تبوك وفيها من الدروس والعبر ما تقدمت الإشارة إليه في أحداث القصة . جهاد وتضحية .. وصدق وإخلاص .. وإيمان ومراقبة .. وتوبة وإنابة .
نسأل الله تعالى أن يتوفانا مسلمين ، ويلحقنا بالصالحين ، ويحشرنا في زمرة الصادقين ، من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً ، والحمد لله رب العالمين . وصلى الله وسلم على نبينا محمد
 

إعداد الفقير إلى عفو ربه تعالى :
سامي بن خالد الحمود
الرياض 1422 هـ
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سامي الحمود
  • كتب وبحوث
  • محاضرات
  • كلمات قصيرة
  • منبر الجمعة
  • مذكرات ضابط أمن
  • تحقيقات ميدانية
  • مقالات وردود
  • معرض الصور
  • قصائد
  • فتاوى أمنية
  • صوتيات
  • الجانب المظلم
  • الصفحة الرئيسية