|
|
من عـِلمانيـة إلى
داعِــية ! |
|
|
صوت ُ جرس ِ الضميرِ لاينقطـِع ، الكثيراتُ يعشنَ في نفس ِ الدوامةِ التي
خرجتْ منها ، تتعاورُهنّ المتناقضِات ، فيتخبطنَ ويسقـُطن ، وقليلة ٌ هي
أطراف الحبال ِ المـُدلاتِ لهنّ !
استعنتُ بما اختبأ َ في ثقوبِ الذاكرةِ عنها ، وبما أراهُ الآنَ مـِنها ،
وبما حدّثـتني هي َ عنه .
.
.
.
.
في أواخرِ التسعيناتِ ، كانت تعيشُ عنفوانَ مراهقتـِها ، كانت مميزة ً عن
قريناتـِها بذكـَائـِها وثقافتِها وقوتـِها الممزوجةِ بشيءٍ من الغموض .
لكنـّها كالكثيراتِ ، تشغلُ وقتَها بحفظ ِ الأغـَاني ، ومُتابعَةِ الأفلام ِ
ذات الطابع ِ " الهوليودي " متنقلةً بين " توم كروز" و " ميل جبسون "
ورفقائِهم ، حتّى عارضَات الأزيَاءِ كانت تتابعهنّ عبر المجلاتِ ، و تعرفُ عن
" كلوديا شيفر" و " سيندي كروفرد " أكثر ممّا تعرفـِه عن أمهاتِ المؤمنين !
وشغفـُهـَا بالقراءةِ كانت تشغلهُ بقراءةِ المجلاتِ والجرائدِ والرواياتِ
والأشعار ..
ليست هذهِ المشكلةُ الأساسيةُ .. المشكلةُ مكمنهَا أنّها تعيشُ حياةً
شكـّـلها نمطُ مختلف ٌ عمّا تراهُ خلفَ الشاشاتِ والرواياتِ ، والذي تدلفُ
إليهِ بخيالها وتنسجُ من خيوطِهِ أمنياتِها !
إنّها لاتكفّ عن عقدِ المقارنات .. لذلكَ نسجتْ حلمهَا الكبِير : الهجرة ُ
إلى بلادِ الحرية .. إلى أمريكا !
كانت تشعرُ بأن الحجاب َ نوعاً ما قيدٌ ، وأنّ هناكَ خللٌ في فهمِ النصوصِ ،
لذلكَ لم تكن تهتمّ بكيفيتهِ كثيراً .. بالرغمِ من أنها تعرضتْ لمواقفَ بسببِ
عدم ِ سدلهِ كمَا ينبغِي ، كانت كافية ً بأن تقنعها ، لكن لم تتعظ ّ .. وتلقي
باللومِ على الآخرين ..
لماذا ينظرُون ؟! ما هذا التخلـّف ؟!
وتمضي ..
أما أفراد ُالهيئة حينـَما تراهـُم في الأسواقِ ينتابـُها شعورٌ غريب ، لا
تستطيعُ تحديدَ ماهيتـَه ُ.. هم ينصحونَ النساءَ ويـُبعدون الشبابَ المعاكسَ
عنهنّ ، ولكنّ الكثيرونَ يسبونهم ويسردونَ قصصاً مرعبة ً عنهم !! ..
على أيةِ حال ليسَ من حقـّهم التدخلُ .. ولو اقتربَ أحدهُم منّي وفعلَ معي
مثلَ ما يفعلونَ في تلكَ القصص ِ التّي أسمعهَا سأعرفُ كيفَ أردُ عليهِ ..
وتمضي ..
كانتْ مؤمنة ً بأنّ المرأة َ مهضومةُ الحقوقِ عندنَا ، وتُردّدُ بعضَ ما
تقرؤهُ في الصحفِ والمجلاتِ عن المساواةِ المزعومَة !
تتساءلُ في ضجر : لماذا لا أقودُ السيارة َ لوحدي ، وأخرج ُمتى ما شئتُ ،
وأعودُ متى ما شئت ؟ لماذا لا أستطيعُ السفرَ لوحدي وأتجولُ في بلادِ الله
الواسعةِ حاملةً معي الحرية َ التي أرى الأخرياتِ حولَ العالم يحملنَها !
تساؤلاتٌ أخرى حائرة ٌ تجولُ في ذهنِها تكادُ تفلقُ رأسَها لا تجدُ لها
جواباً ، وتخشَى بسببها انتقاداً ، البعضُ منها تـُخفيهِ وآخرُ تبديه ،
كقيادةِ السيّارة التي جادلتْ حولهَا بحرارة ، وكأنّها محورُ الوجودِ أو
عدمهِ !
كثيرة ٌ هي المُتناقضَات التي تعيشُها ، هي تحبّ الإسلامَ والمسلمين ، تصلّي
وتصوم بعضَ النوافل وتتصدّق وتحبّ الخير ، وتنتابها لحظاتٌ من الخشوعِ
والخضوع ِلله – وإن كانت نادرة – ولكنّها ليستْ راضيةً عن المجتمعِ .. فهناكَ
أمورٌ كثيرة ٌ من حولهـَا تصطدمُ مع أفكارهـَا الثـَائرَة .
في المدرسةِ كانتِ الدعوة ُ محصورة ً في محاضرات ٍ قليلة ٍ عن الموتِ والقبرِ
والنـّار .. ممزوجة ً بالحزن ِ والكآبة !
كانت تتساءل : ً ماذا عن الحياة ؟ ، لا جديدَ لديهم !
لهذا لم تكنْ محبةً لسماع ِ المحاضرات ِ والأشرطة ِ الدينيـّة ، بل كانتْ
تتهربُ منها ، ولم تكلفْ نفسهـَا يسيراً من الجهدِ للبحثِ فيـها عمّا يدورُ
بخلدهَـا .. كأنّ يداً خفيةً تـُشتـّتُ معالمَ طريقـِها ..
شيئاً فشيئاً تراكمتْ الشـُبهاتُ أمامَها ، وتراكمتْ معهـَا الأحزانُ والهموم
..
كانت تفكرُ كثيراً ، وتنفثُ أفكارهـَا في أوراقها حبيسة َ الأدراج ِ ..
ماهذهِ الحياةُ التي باطن الأرض خيرٌ منها .. .. أينَ السعادة .. أين الطريق
؟
حياة ٌ مليئة ٌ بالمتناقضاتِ والأسئلة ِ والأحلام ِ التي تهبط ُ من فضاءِ
الخيال ِ فتهوي حطاماً على صخرةِ الواقع ..
في أواخر عام 2000 للميلاد ، أدخلتْ جهازَ الحاسوب ِ إلى غرفتـِها، وسط َ
اعتراضات ٍ من بعض ِ أفرادِ العائلة .. ولكن طبيعتها التي ترفض التسليم أصرت
على وجوده لإدخالِ الانترنت .. فتلقّت توصيات ٍ من أشقائـِها :
انتبهي هناكَ مواقِع غيرُ لائقة ، هناكَ فيروسات تدمّرُ الأجهزةَ ، هناكَ
جواسيس ، هناك من يتخفّى بأسماء فتيات ، لا تحتفظِي بالمعلوماتِ الشخصيةِ
والصورْ ...
حسناً حسناً ...
فقط ْ سأتصفح ُ المواقع َ الثقافيةَ .. لا تقلقـُوا عليّ ..
في أولّ يوم ٍ لها تصفحتْ أحدُ أدلةِ المواقع ، وضغطتْ على كلمةِ " دردشة "
.. تساءلتْ ماطبيعةُ هذا الموقـِع ..؟
أظنـّه للنقاش .. يبدو أنـّه ضالتي ..
تصفّحتـْهُ .. شدّتها الأسماءُ المستعارة ... " بندق – تفاحة – العاشق .. "
أسماء ُ مضحكة ٌ وأخرَى مُعبـّرة !
أصبحت ْ تدخـُله في كلّ مرّة تـُشغلُ فيها الجهازَ .. وعرفتْ فِيما بـَعد
أنـّه يـُدعى " منتدى " وأن هناكَ المِئات غيرَه ..
ركزتْ على المُنتديات .. عالمٌ آخر ، يشبهُ عالمنـَا ، لكنهُ يحلّـقُ في
فضاءِ الحرية ِ.. فحلـّقتْ معهُ على متنِ جعبتهـَا المليئة ِ بالأفكارِ
الثـَائرَة .
اكتفتْ بالمتابعةِ ، خصوصاً مُتابعَة المواضيعِ التّي يحتدم ُ فيها النـّقاش
، وتحمل ُ الآراءَ المـُتعارضة .. لأنها كانتْ تشعرُ بأنـّها أحدُ أطرافِ
النـّقاش . فمـَا من فكرةٍ تعترضُ من بنات ِأفكارها إلا وتجدهـَا مكتوبة ً
باسم ٍ مستعارٍ لا تعرفُ لمن !
مواضيع كثيرة .. تُكتبُ بحماسِ ٍ يدلُ على حبٍّ للإسلام، و انتماء صادق ٍ
إليه ، بينما هي لمْ يعني لها يوماً أمرُ الدفاعِ عنه شيئاً يُذكر !
هذا عن شموليةِ الإسلام ، وذاكَ عن قضيةِ المرأة ، وآخرُ عن مجدِ الأمّة
والجهادِ، والكثيرُ عن إخواننا المسلمينَ الذينَ انشغلتْ عنهم بالفنّ
الأمريكي !
تصفحتْ الكثيرَ من المواقع ِ التّي تختصُ بأحوالِ المسلمينَ ، فتدفقـَت
الشفقة ُ من بين ِ نياط ِ قلبـِها .. ألئنهم مـُسلمـُون ؟ لماذا يـُرعبـُهم
الإسْلام ؟
لقد كانتْ الشرارة َ التي أشعلتْ فتيل اليقين ...
أخذت تبحث ُ عن كل ّ ما يتعلقُ بالإسلام ِ كمنهج ٍ وحاكمية ٍ ..
ومع مرورِ الوقتِ ، بدأتْ تتضحُ لها كثيرٌ منَ الأمورِ .. تلاشتْ كثيرٌ منَ
الأسئلةِ في أتون ِ العلم ِ الذي صادفـَتهُ .. وتكشفتْ بالمقابل ِ أمورٌ أخرى
كانتْ تجهلهـَا ..
كانَ العلمُ هـُو الذي شـَرَخ َ ستارَ الظلمةِ ..
فرأتْ أنّ الإسلام َ هوَ الدينُ العظيمُ حقاً الذي تتهاوَى الأنظمةُ الأخرى
أمامـَه ، وأن ّ الحرية َ الحقيقية َ كـَفـَلهـَا هـُو لوحدِه ..
أمـّا " أمريكا " التي تحلم ُ بالهجرة إليها ، بها تمثال ُ الحرية ِ فقط ْ
الذّي تمنتْ يوماً ما أن تقفَ أمامهُ .. لكنـّها الآن تتمنـّى أن تقفَ أمامه
ُ لتحطمهُ .. فقد أ ُسفرَ عن وجه ِ ليبراليتها القبيح ِ الذي يحاولون َ
تغطيته ُ بأقنعة مبهرجة ً إعلامياً .. فما من مصيبة ٍ في الأرض ِ إلا عليها
made in u.s.a أو خلفهَـا " فتــّـش عن أمريكا "
لقد أيقنتْ أن شريعة َ الإسلام ِ بكلّ تفاصيلِها هي مفتاحُ السعادةِ المنشودة
ِ .. الذي يكافح ُ الشرّ ويناضلـُهُ ، ويعززُ الخيرَ ويؤازرهُ .
وأن المرأة َلن تكونَ بكامل ِ إنسانيتـِها وأنوثتـِها إلا إذا سلكتْ طريقَ
الإسلام ِ بدون ِ حيــْد عنهُ أو زيـْغ .
وأن ّ أولئكَ الكـُتـّاب الذين َ كانتْ تقرأ ُ لهـُم يُخفون الكثيرَ من
الحقائق ِ ، فهُم أقـْلام ٌ رخيصةٌ مأجورة ، لا تنتمي إلى العالم ِ الذي
تدافعُ عنه ولكنّها تتكفلُ بالدعاية ِ له !
وأنّ أفكارها التي تحملُها كان الجهلُ رافدها ، وعليها أن تُعيد َ غربلتـها
وتصفيتها عبر َ منخل ِ العلم ...
يا لرحمات الله ..
ضفة ُ الخير تنتصرُ .. محطمة ً الشبهاتِ والشهوات ِعلى صخراتِ الإيمانِ
واليقين ِ ..
فاستكانتْ جوارحـُها المُتضجـّرةُ ، وهام َهمسٌ لطيفٌ في أنحاءِ ذاتـِها ،
بأن ّ للحياة ِ معنى آخرَ كبير ، عليـَها أنْ تستشعرَه .
قررتْ اقتحام َالكتابةِ والنقاش ِ مع هؤلاءِ الأشباح ِ المفكرةِ بدلاً من
التفرج من بعيد . . . لا شك إنها لحظاتٌ مميزة تلكَ التي ستكتبُ فيها لأولِ
مرة ..
فكرتْ كثيراً قبلَ أن تكتب َ أولَ موضوع ٍ ..
ماذا سأكتب ؟ .. وعن ماذا ؟
بالخارج ِ مسيرةٌ شبابية ٌ بمناسبة ِ فوزِ المنتخب ِ في ذاتِ الوقتِ الذي
حَمَتْ فيهِ الانتفاضةُ الفلسطينيةُ .. فكتبتْ عن ضياع ِ الشبابِ ..
وانفصالهُم عن هموم ِ الأمّة وصنعِ النـّصر !
الردود مشجـّعة .. توالتْ المواضيع ..
أصرّت إحداهنَ على التعرفِ عليهـَا .. وحدثَ بالفعلِ .. عرّفتهـَا على
مجموعةٍ أخرى من الفتيات ِ ، عن طريق ِ " الماسينجر " ..
اسنتنجتْ مباشرة ً أنهنّ " المطوعات " .. تساءلتْ وَجـِلة : ماذا سأفعلُ
بينهنّ ؟.. وكيف يمكنني التكيفُ معهنّ ؟
كانتُ تتأملُ في عباراتهنَّ المكتوبـَة ، التي تنمُّ عن أدبٍ جمّ ، وسعةِ
إطلاعٍ ، وعلمٍ شرعيّ تفتقدهُ ..
شعرتْ أنـّها قزمةٌ في غايةِ الضآلةِ أمامهنّ .. منهنُ معلماتٌ للقرآنِ ،
والأخرياتُ يـَدْرُسْنَ تخصصات ٍ متنوعةً ولكنهنّ يشتركنَ في حفظِ القرآنِ
وطلبِ العلمِ الشرعيّ ..
وهي التي ّ أفنتْ السنواتِ في متابعةِ الأغاني والموضاتِ وقراءة ِ ما كانتْ
تعتقدُ أنه ثقافة !
لقد بدأتْ الصحوة ُ تتسللُ أكثرُ في أوردتـِها النائمة .. فسدّت جوعةَ روحِها
..
جذبتـْها ا أشرطةُ القرآنِ والمحاضراتِ وأخذتْ تزاحمُ أشرطةَ الغناءِ ، كما
زاحمَ أبطالُ الجهادِ الحقيقيين أبطالً "هوليود" الورقيين ..
اقتربتْ من خالـِقـِهـَا ، فوجدتْ الراحة َ والطمأنينة َ والرِضَا التي كانتْ
تعتقدُ أنـّها مسمياتٌ فقط تتسلّى بها الأمنيات ..
اقتربتْ من خالـِقـِهـَا ، فمنَحَها قوة ً نفسية ً هائلة ً ، واجهتْ بها
العقبَاتِ .. فأنّى لنفس ٍ أن تضعفَ أو تتمزقَ وهيَ مع الله !
ومَضَت الأيـّامُ بها ...
.
.
.
.
.
.
.
.
والآن هذهِ الفتاةُ التّي أحدثـُكُم عنها ، تطلبُ العلمَ الشرعيّ ، و قد ْ
شرعتْ في حفظِ كتابِ الله ..
ليسَ هذا فحسبْ ، بل أصبحتْ بفضلٍ منَ الله داعية ً ، تجوبُ مدارسَ البناتِ
وتـُحدثهُنَ بتلقائيةٍ وسماحةٍ عنْ نعمةِ الإسلام ِ وعظمتِه ِ ، وعن كثيرٍ
منَ الأمورِ التي كانتْ تشغلُ بالها ذات َيوم ٍ ، وتجيبُ عن أسئلةٍ لم
تـُطرَح ْ عليها ، لكنـّها كانتْ يوماً ما تودُ أن تجد َ لها إجابة ً ..
إنـّها الآن من صنـّاع ِ الحياة . أحسبُها والله حسيبُها ولا أزكِي على الله
ِ أحداً .
دعواتـُكمْ لهـَا بالثبَـَات .
أختـُكُم .
المصدر :
الجمر البارد - الساحات
|
|
|
|
|