صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







العائدون إلى الله
مجموعة من قصص التائبين ، من مشاهير
وعلماء ودعاة وغيرهم يرونها بأنفسهم
المجموعة الرابعة

   

محمد بن عبدالعزيز المسند

 
(1) ذكريات مؤلمة

وجه مدفون بين كفين ملأى بالدموع.. قلبٌ يرتجف كورقة خريفية مآلها السقوط.. دموعٌ تنهمر بغزارة في صمت رهيب.. تنهار من مآقي عينه كالسيول الجارفة مشبعة بمرارة مضنية.. آلام غائرة مستكنة في قرارة نفسه.. هموم وغموم رابضة على قلبه.. ! الليل يتأوه لحزنه.. لكربه.. موجاتٌ من الندم والحسرة تهدر أعماقه بل تمتد فتقبض أنفاسه..! كم عصفت به أعاصير الهوى فحركت مركبه حيث شاءت.. حيث العوج الخُلقي.. حيث السطو على العواطف.. حيث تلّون القلب بالأقذار..!
كم انتابه ذاك السعار الملهوف.. وتلك الشهوات المجنونة فبصمت على آثارها.. كم مرة خلع فيها خير لباس.. لباس التقوى، وتدثر بذلك الثوب الخلِق.. البالي.. القذر.. المزركش بتلك الخطايا..!
كم خطفته تلك النشوة المؤقتة إلى منزلقٍ خطير.. بل إلى منحدر سحيق حيث التمرغ بأوحال الخطايا والآثام..!
ها هي مقابر الأحزان تلتف حول عنقه.. ها هو بين الحين والحين يحمل الأكفان المثقلة بأجساد الذكريات النتنة.. العفنة..
والآن..
أسئلة سوَّرت قلب ذلك العبد الفقير.. فتحت بوابة إلى مدخل في ذاكرته.. مدخل موحش تعلقت على جدرانه آثام..
قال لي: هل يغفر الله لي..!
قلت: (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
قال: لكن ذنوبي عظيمة… كثيرة..
قلت: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات).
قال: والذكريات رابضة.. جاثمة على عقلي.. رائحتها زكمت أنفي.. ثقلها يقبض نفسي..؟
قلت: عليك أن تشد تلك الذكريات وتدفنها في مقبرة الاستغفار.. وفي سجدات الأسحار..
قال: نعم.. صدقت.. سأتوشح بحسام التوبة وبرمح الأوبة.. سأعمل تقطيعاً بتلك الذكريات التي تكبلني.. سأمزقها إرباً إربا..!
ثم استغرقتُ أرتل بخشوع (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم).
عندها كغضبة الجمر في ليلة شاتية قارسة.. امتلأ ثقةً ورجاءً بعفو الله.. أصبح متفائلاً كالصباح.. مؤملاً فرحاً بمغفرة المولى كعشبة بريّة تطرب لأنشودة المطر.. غدا أكثر صبراً من الصبار على الآلام..!
ثم قال: حقاً لن يمسح الجراح المنفتحة في زفة الأحزان سوى الإيمان بتبديل السيئات إلى حسنات والصبر خير ذخر..
ثم سَكَت وسَكتُّ [1]
 

(2) الشيخ سليمان الثنيان(المخرج السينمائي سابقا) [2]

من الهندسة الكيميائية والإخراج السينمائي بألمانيا إلى كلية الشريعة بالرياض، هذه باختصار رحلة الشيخ سليمان الثنيان من الضياع والتخبط إلى الهداية والإيمان.
كانت البداية.. ابتعاث الدكتور سليمان الثنيان إلى ألمانيا لدراسة الهندسة الكيميائية، وهناك حدث التحول الأول في حياته، حيث وجد أن دراسة الكيمياء ليست كافية، وأراد أن يدرس شيئاً جديداً يستطيع التأثير من خلاله، فنصحه عددٌ من الأساتذة الألمان بدراسة الفن والتخصص في الإخراج السينمائي. وبروح التحدي استطاع أن يستكمل دراسة الهندسة الكيميائية، وفي نفس الوقت كان يدرس السينما والتلفزيون والمسرح.
ثماني سنوات قضاها في دراسة هذه الفنون، وضع خلالها منهجاً للدراسة يتيح له الحصول على المعلومات والمهارة الفائقة في مجال الإخراج وذلك بمساعدة  متخصصين ألمان ودرس في عدة معاهد فنية وفي الأكاديمية الوطنية للسينما والمسرح والتليفزيون.
ونترك الحديث للدكتور الثنيان ليحدثنا عن رحلته يقول: لم أترك مجالاً يحتاجه المخرج إلا ودخلته، فقد التحقتُ بمدارس ركوب الخيل وقيادة السفن ودخلتُ معاهد التمثيل والموسيقى، ودرستُ أنواع الصوت وجزئيات الإضاءة والمؤثرات الصوتية والملابس والديكور، وبذلك أنهيتُ المرحلة الأولى بنجاح، وبدأتُ المرحلة الثانية التي تميزتْ بالممارسة العملية من إخراج وتصوير وعمليات مسرحية وإنتاج فكري وكتابة قصص، وباليوم والساعة أنهيتُ هذه المرحلة، وبنهايتها انهالتْ عليّ العروض من (مسرح شلرد) ومن بعض الشركات لكي أعمل فيها كمخرج أو مساعد مخرج أو ممثل لفترة معينة.
ولكني لم أستجب لهذه العروض… فقد حدث تحول ثان في حياتي، فقد التقيتُ بمدير عام التليفزيون السعودي في ذلك الوقت الذي طلب مني العودة مع وعدٍ منه بأنني سوف أنتج أشياء جديدة، ولم تكن طموحاتي هي مجرد إخراج فيلم أو مسرحية، وإنما كنتُ أريد أن أقوم بأعمال أُسمِعُ من خلالها كلمة الإسلام والمسلمين للعالم أجمع، ومن هنا كانت استجابتي السريعة بالعودة.
عملتُ في التليفزيون السعودي أربع سنوات، ومثلتُ بلادي في مؤتمر (جينس) بميونج وكان حول دور التليفزيون في تربية الشباب، وفي عام 1396هـ، قررتُ أن أترك مجال الإعلام، لأنني وجدتُ أنني لن أحقق طموحي من خلال الإعلام التليفزيوني، فالسينما كانت أحبُ إلى نفسي، لأن إمكاناتها هائلة، وكانت (المادة) تقف حائلاً أمام تحقيق هذا الطموح، حيث إنني لم أجد إلا المال المشروط بالربح التجاري.
سنة ونصف السنة قضيتها بعد ذلك في حالة تردد. جاءتني الكثير من العروض التجارية ورفضتها تماماً، وفي إحدى رحلاتي من القصيم إلى الرياض حدث التحول الثالث، كان الوقت ضحى، وكنت في سيارتي، حيث رأيت سروراً عظيماً، وشعرتُ كأنني كنتُ مغمض العينين وأزيحتِ الغشاوة عني، لقد رأيتُ الدنيا من جديد وكدتُّ أطير فرحاً تعذبتُّ عاماً ونصف العام وها هو الخير أراه أمامي أصابني شيء من البكاء والضحك من شدة سعادتي، فقررتُ أن أستدرك بقية عمري وأن أتصل بالله سبحانه وتعالى ورأيت أنه لابدّ من العلم، وهذا ما تعودتُّه منذ طفولتي، فأنا لا أعمل شيئاً إلا بالعلم، وحتى أحقق ذلك عزمت على دراسة الشريعة والعلم الشرعي دراسة متعمقة.
انطلقت إلى كلية الشريعة وأنا في غاية الفرح والنشوة، قالوا لي: لك أن تقدم للدراسات العليا إن شئت. قلتُ لهم: لا.. أريد أن أبدأ الرحلة من أولها، أي من الصف الأول. وهذا ما حدث.. انتظمتُ في الدراسة حتى حصلتُ على البكالوريوس. دون أن أتغيبَ يوماً واحداً وبعد ذلك حصلتُ على الماجستير، ثم جاءت مرحلة الدكتوراه، وانتهيتُ منها في فترة وجيزة.
توقع الجميع ألا أصمد في دراسة الشريعة لصعوبتها، خاصةً وأنني -في رأيهم- تعودت على الشهرة والمال، وقالوا لي: ستعرف يوماً أنك أخطأت الطريق، ولن تتحمل الكراسي الخشبية التي تجلس عليها لتدرس الشريعة، ولكن بحمد الله حدث العكس، لم يكن يمر يوم إلا وتزداد رغبتي في الدراسة، ولم أندم لحظة واحدة على تغيير مسار حياتي.
ثم يضيف: إني مستعد في أي لحظة أن أعود إلى الإعلام، إذا ناسب ما أريد، دعني أقول لك رأيي فيما يطرح حالياً من أفلام في السوق العربية، كثير من هذه الأفلام كلام فارغ وعمل رخيص لا يستحق العرض وبذل المال، وضياع الوقت في مشاهدتها، إنها تسلب العقل وتضيع الفكر، وتجعل الإنسان يتخبط دون وعي أو بصيرة.
لم أر مثيلاً للدول العربية في تخبطها في إنتاج الأفلام. كلٌ ينتج ما يريد دون ضوابط أخلاقية أو دينية أو اجتماعية، أنها أفلام هابطة في معناها وتعبيرها وفي طريقة عرضها وأبعادها.
ثم يعقب الدكتور الثنيان بقوله: إنني مستعد أن أستغنى عن أدوار النساء تماماً، وقد جربت ذلك في مسرحية (خادم سيدين) حيث استغنيت فيها عن النساء تماما، واستعضت عن الموسيقى بمؤثرات وأشياء خاصة بالإيقاع تغني عن الموسيقى، بل أضعاف ما تعطيه الموسيقى.
ويضيف: إنني أستطيع أن ألغي دور أمرأة وأعوّضه بما هو أحسن منه، وأخرج أي عمل بواسطة الرجال، ويكون ذا تأثير وقوة ومتعة للمشاهد، وأجمع فيه بين الفكر والعلم والمتعة. وهذا هو النموذج مسرحية (خادم سيدين)، وهي في الأصل مليئة بالنساء والمواقف الطريفة، وقد استبعدت أدوار النساء منها، وجعلتها بالعربية الفصحى، وأعجب الناس بها.
وعموماً فإن تجربة المسرح الذي من العنصر النسائي ليست تجربة جديدة بل هي تجربة يتميز بها المسرح السعودي بعامة والذي استطاع على امتداد ثلاثين عاماً على الأقل أن يقدم عشرات المسرحيات التي تخلو من العنصر النسائي، وقد نجح في هذا تماماً بل إن أمريكا مسرحاً يقدم تجارب جيدة وهو يخلو من النساء أيضاً، المهم هو الفن ليس المرأة.
 

(3) توبة الممثل محسن محيي الدين وزرجته نسرين [3]


لقد أصبح الفن الرخيص في زمننا هذا وسيلة للكسب المادي، وتجارة رابحة، على حساب الغافلين والمغفلين من أبناء هذه الأمة، هذا إلى كونه من أعظم الوسائل لهدم القيم والأخلاق وتحطيمها.. ولقد ظهرتْ في السنوات الأخيرة ظاهرة أقلقت تجار الفن والغرائز وجعلتهم يفقدون صوابهم ويطلقون كل ما في جعبتهم من الإشاعات والتهم الباطلة دفاعاً عن كيانهم المتداعي وبنيانهم المنهار.. تلكم الظاهرة هي عودة كثير من الممثلين والممثلات أو ما يمسـون بالفنانين والفنانات [4] إلى الله -عز وجل- وإعلانهم بالتوبة والهروب من تلك الأوساط العفنة إلى أجواء الإيمان بالعقبة الطاهرة، وكان من آخر هؤلاء التائبين الممثل محسن محيي الدين وزوجته الممثلة المشهورة نسرين.
وقد روى الممثل سابقاً محسن محيي الدين قصته مع الهداية فقال: (أنا شاب كغيري من الشباب، تخبطي في فترات حياتي السابقة كان ناتجاً عن انبهاري بمظاهر الحياة الخادعة والتي أعمتْ بصري وأصمَّتْ أذني عن معرفة أشياء كثيرة كنتُ أجهلها؛ خاصةً وأني لم أكن أقرأ من قبل على الرغم من أن الله تعالى بدأ أول آية أنزلها بكلمة: (اقرأ) .. وبعد أن بدأت أقرأ في كتب الدين شعرت بأنني من أجهل خلق الله، وقد كنتُ أعتقد أنني من المثقفين.. فأخذت أقرأ بنهم شديد في كتب السيرة والتراث والتفسير.. وبعد هذه القراءة المتأنية وجدتُّ أن المؤثرات المحطية بي جعلتني في ضلال مبين، فكان قراري باعتزال التمثيل.. وقد شجعني على اتخاذه ارتداء زوجتي الحجاب الذي كنت أسعد الناس به).
ثم يضيف: (هذا القرار -إن شاء الله- لا رجعة فيه لأني اتخذته بكامل اقتناعي وإرادتي، وندمت لأنني تأخرت فيه حتى الآن، فأضواء ليست غالية حتى أحنّ إليها مرة أخرى.. فالشهرة والمال والأضواء لا تساوي ركعتين لله...).
ثم يضيف:
(إننا اعتزلنا ونحن في القمة الزائفة.. فقد كان قرارنا بعد مهرجان القاهرة السينمائي الذي أقيم في العام الماضي، وبعد النجاح الكبير الذي حققناه، وليس لأننا لم نجد أدواراً نمثلها كما يقول البعض.. وقد أدركنا الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع وهي أن الإنسان مهما طال عمره فمصيره إلى القبر، ولا ينفعه في الآخرة إلا عمله الصالح).
ثم يوجه نصيحته لإخوانه الشباب قائلا:
(سامحوني على كل ما قدمتُ لكم من أعمال فنية سابقة لا ترضي الله -عز وجل- ولا تقتدوا بي في ما كنتُ أفعله في مسلسلاتي وأفلامي فقد كنت ضالاً جاهلاً، والجاهل لا يقتدى به).
أما زوجته الممثلة نسرين فقد قررتْ الاعتزال وارتداء الحجاب بعد أن رأتْ أمها رؤيا في المنام، حيث رأتْ والد نسرين وهو غاضب على ابنته، فاستنتجت الأم أن سبب غضبه تقصير نسرين في أداء الصلاة بانتظام مما جعل نسرين تراجع نفسها وترجع إلى الله.
تقول نسرين: (الحمد لله.. كان يومي يضيع دون إحساس بالسعادة ودون أن أشعر بالسلام.. والآن ليس لدي وقت كافٍ.. لأن هناك أموراً كثيرة نافعة يجب اللحاق بها.. لقد وجدت السلام الداخلي).
وفي لقاء أجري معها قالت: (الناس مليئة بالريا والفسوق ويظهرون الفجور.. كيف نتعامل معهم؟) ولعلها تعني الناس الذين كانت تتعامل معهم في (الوسط الفني).
وقالت أيضاً: (لقد كرم الله المرأة التي ترتدي الحجاب وهو يحميها من القلوب المريضة والفسوق.. وعلى الأقل إنها ليست نافذة عرضٍ متحركة ليتفرج الناس عليها ويعجبوا بها).
 

(4) توبة الممثلة نورا

جاءت إلى مكة المكرمة لأداء العمرة والاستغفار بعد اعتزالها التمثيل منذ عدة أشهر.. كانت لا تفارق الحرم إلا لماماً، ولا يبرح المصحف الشريف يدها، ولا تكف عن البكاء.
إنها الممثلة (نورا) سابقاً، وشاهيناز قدري حالياً وهو اسمها الحقيقي.. وجواباً على سؤال وُجّه إليها عن رحلتها مع التوبة قالت: (إنها لحظة كانت من أعظم لحظات حياتي.. عدتُّ فيها من غربتي.. وولدتُ فيها من جديد حينما ذهبتُ مع صديقة لي لمقابلة عالم جليل، وكان من المقرر أن يمتد اللقاء لمدة ساعة، ولكنه امتد لمدة ساعات سمعت فيها -مع غيري من المسلمين والمسلمات- ما لم أسمعه من قبل.. وارتعدتْ فرائصي واهتز كياني وأنا أسمع كلمات الشيخ عن الإسلام والمعصية والتوبة، والطريق الخطأ والطريق الصواب.. فعدتُّ مع صديقتي إلى منزلي وأنا أرتعش، وأحسست بزلزال رهيب في أنحاء جسمي.. وفي اليوم الثاني -وعلى الفور- توجهتُّ إلى مسجد من مساجد القاهرة حيث الداعية الكبيرة شمس البارودي وهناء ثروت، وجلست أقرأ القرآن وأتفقه في دين الله والسنة المطهرة، وداومتُ على ذلك بصفة مستمرة ودون انقطاع.
وفي لحظة روحانية قررتُ وحسمتُ أمري بأن أكون مسلمةً مؤمنةً تائبةً إلى ربها، وأن أقطع كل صلتي بالتمثيل.
وتخلصتُ -والحمد لله- من كل ارتباطي الفنية مع المخرجين والمنتجين وكل ما يتعلق بالفن، بلا رجعة.. فمن يعرف طريق الله لن يجد له بديلاً.
وأنا الآن -والحمد لله- أعيش من رزق حلال طيب، أسأل الله -عز وجل- أن يبارك فيه).
وحول الشبهة التي يثيرها البعض من أن توبة الفنانين نتيجة تهديد من جهات ما أجابت:
(أنا عن نفسي رجعتُ إلى الله، وتبتُ وندمتُ خوفاً منه -سبحانه- واقتناعاً بما أفعل وليس خوفاً من تهديد مطلقاً ولا يخفى علينا جميعاً الحملة الشعواء لهذه الأقلام المغرضة التي تخشى الإسلام وقوّته)
وسُئلتْ: من واقـع تجربتك الفنيـة هل تعتقدين أن الفن حرام؟ فأجبت: (إن الفن -والله تعالى أعلم- بالنسبة للنساء حرام حرام لأن المرأة عورة، وفن هذه الأيام فن مبتذل فيه إسفاف.. ولن يكون رسالة سامية مطلقاً.. فهو بعيد كل البعد عن الإسلام).
هـذا هو ملخص ما قالته الممثـلة التائبة نورا بعد اعتزالها الفن والتمثيل.. وأني -بهذه المناسبة- أنصح كل فتاة تتخذ من هؤلاء (الفنانين) قدوة لها، أو تفكر في الزج بنفسها في وسط تلك الأجواء العفنة؛ أن تقف طويلاً وتمعن النظر في أحوالهم وأقوال التائبين منهم وألا تغتر بما هم فيه من المظاهر الجوفاء وبريق الشهرة الخادع، فما هو إلا كظل زائل أو سراب كاذب سرعان ما يزول فتنكشف الحقيقة.
 

(5) توبة رجل من أدعياء تحرير المرأة  [5]

(ذهب فلان إلى أوروبا وما ننكر من أمره شيئاً، فلبث فيها بضع سنين ثم عاد وما بقي مما كنا نعرفه عنه شيء. ذهب بوجه كوجه العذراء ليلة عرسها، وعاد بوجه كوجه الصخرة الملساء تحت الليلة الماطرة.. وذهب بقلب نقي طاهر، يأنس بالعفو ويستريح إلى العذر، وعاد بقلب مظلم مدخول، لا يفارقه السخط على الأرض وساكنها، والنقمة على السماء وخالقها. وذهب بنفس غصـة خاشعة ترى كل نفس [مسلمة] فوقها، وعاد بنفس ذهابة نزاعة لا ترى شيئاً فوقها، ولا تلقي نظرة واحدة على ما تحتها، ذهب وما على وجه الأرض أحب إليه من دينه وأهله، وعاد وما على وجهها أصغر في عينيه منهما.
كنت أرى أن هذه الصورة الغريبة التي يتراءى فيها هؤلاء الضعفاء من الفتيان العائدين من تلك الديار إلى أوطانهم إنما هي أصباغ مفرغة على أجسامهم إفراغاً تطلع عليه شمس المشرق فتمحوها كأن لم تكن، وأن مكان المدنية الغربية من نفوسهم مكان الوجه من المرأة؛ أذا انحرف عنها زال خياله منها، فلم أشأ أن أفارقه وفاء لعهده السابق، ورجاء لغده المنتظر، محتملاً في سبيل ذلك من حمقه ووسواسه وفساد تصوراته وغرابة أطواره؛ ما لا طاقة لمثلي باحتمال مثله، حتى جاءني ذات ليلة بداهية الدواهي ومصيبة المصائب، فكانت آخر عهدي به.
دخلت عليه فرأيته واجماً مكتئباً، فحييته، فأومأ إلىّ بالتحية إيماءً. فسألته ما باله؟ فقال: مازلت منذ الليلة من هذه المرأة في عناء لا أعرف السبيل إلى الخلاص منه، ولا أدري مصير أمري فيه.. قلت: وأي امرأة تريد؟ قال: تلك التي يسميها الناس زوجتي، وأسميها الصخرة العاتية؛ القائمة في طريق مطالبي وآمالي.. قلت: إنك كثير الآمال؛ فعن أي آمالك تتحدث؟ قال: ليس لي في الحياة إلا أمل واحد وهو أن أغمض عيني ثم أفتحها فلا أرى غطاءُ على وجه امرأة في هذه الأمة..(!!) [6] قلت: ما لا تملكه ولا رأى لك فيه قال: إن كثيراً من الناس يرون في الحجاب رأيي، ويتمنون في أمره ما أتمنى ولا يحول بينهم وبين تمزيقه عن وجه نسائهم وإبرازهن إلى الرجال إلا العجز والضعف والهيبة التي لا تزال تلم بنفس الشرقي كلما حاول الإقدام على أمر جديد(!!)، فرأيت أن أكون أول هادم لهذا البناء العادي [7] القديم الذي وقف سداً دون سعادة الأمة وارتقائها دهراً طويلاً(!!) وأن يتم على يدي من ذلك ما لم يتم على يد أحد غيري من دعاة الحرية وأشياعه... [8] فعرضت الأمر على زوجتي فأكبرته وأعظمته، وخيل إليها أنني جئتها بنكبة من نكبات الدهر أو رزية من رزاياه، وزعمت أنها إن برزت للرجال فإنها لا تستطيع أن تبرز للنساء من بعد ذلك حياءً وخجلاً.. ولا خجل هناك ولا حياء ولكنه الموت والجمود(!!) فلابدّ ينتهي بإحدى الحسنين(!!) إما بشفائه أو بكسره.
فورد من حديثه ما ملأ نفسي هماً وحزناً وقلت له: أعالم أنت أيها الصديق بما تقول؟! قال: نعم؛ أقول الحقيقة التي أعتقدها وأدين نفسي بها، واقعة من نفسك ونفوس الناس جميعاً حيث وقعت.
قلت: هل تأذن لي أن أقول لك: إنك عشت برهة من الزمان في ديار قوم لا حجاب بين رجالهم ونسائهم، فهل تذكر أن نفسك حدثتك يوماً من الأيام وأنت فيهم، بالطمع في شيء مما لا تملك يمينك، فنلت ما تطمع فيه من حيث لا يشعر مالكه؟ قال: ربما وقع لي شيء من ذلك، فماذا تريد؟
قلت: أريد أن أقول لك إني أخاف على عرضك أن يلم به من الرجال ما ألمَّ بأغراض الرجال منك.
قال: إن المرأة الشريفة تستطيع أن تعيش بين الرجال من شرفها في حصن حصين لا تمتد إليه الأعناق (!!!)..
فتداخلني ما لم أملك نفسي معه، وقلت له: تلك هي الخدعة التي يخدعكم بها الشيطان أيها الضعفاء، والثلمة التي يعثر بها في رؤوسكم؛ فينحدر منها إلى عقولكم ومدارككم فيفسدها عليكم.. فالشرف كلمة لا وجود لها إلا في قواميس اللغة ومعاجمها، فإن أردنا أن نفتش عنها في قلوب الناس وأفئدتهم فإنا لا نجدها.. قال: أتنكر وجود العفة بين الناس؟!
قلت: لا أنكرها لأني أعلم أنها موجودة عند كثير من الناس ولكني سقط من بينهما الحجاب وخلا وجهة كل منهما لصاحبه..
إنكم تكلفون المرأة ما تعلمون أنكم تعجزون عنه، وتطلبون عندها ما لا تجدونه عند أنفسكم، فأنتم تخاطرون بها في معركة الحياة مخاطرة لا تعلمون أتربحونها من بعد ذلك أم تخسرونها، وما أحسبكم -إن فعلتم- رابحين..
ما شكت المرأة إليكم ظلماً، ولا تقدمت إليكم طالبة أن تحلوا قيدها وتطلقوها، إنها لا تشكو إلا فضولكم وإسفافكم، ولصوقكم بها، ووقوفكم في وجهها حيثما سارت، وأينما حلت، حتى ضاق بها وجه الفضاء فلم تجد لها من سبيل إلا أن تسجن نفسها بنفسها في بيتها، تبرماً بكم، وفراراً من فضولكم، فوا عجباً لكم تسجنونها بأيديكم ثم تقفون على باب سجنها تبكونها وتندبون شقاءها.
إنكم لا ترثون لها بل ترثون لأنفسكم، ولا تبكون عليها بل على أيام قضيتموها في ديار يسيل جَوُّها تبرجاً وسفوراً، ويتدفق حرية واستهتاراً، وتودون لو ظفرتم هنا بهذا العيش الذي خلفتموه هناك.
عاشت المرأة حقبة من دهرها مطمئنة في بيتها راضية عن نفسها وعن عيشتها، ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها، أو وقفة تقفها بين يدي ربها، أو عطفة تعطفها على ولدها، أو جلسة تجلسها إلى جارتها فتبثها ذات نفسها، وتستبثها سريرة قلبها، وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها ونزولها عند رضاهما، وكانت تفهم معنى الحب وتجهل معنى الغرام فتحب زوجها لأنه زوجها، كما تحب ولدها لأنه ولدها، فإن رأى غيرها من النساء أن الحب أساس الزواج، رأت هي أن الزواج أساس الحب، فقلتم لها إن هؤلاء الذين يستبدون بأمرك من أهلك ليسوا بأوفر منك عقلاً ولا أفضل رأياً ولا أقدر على النظر لك من نظرك لنفسك، فلا حق لهم في هذا السلطان الذي يزعمونه لأنفسهم عليك، فازدرت أباها وتمردت على زوجها، وأصبح البيت الذي كان بالأمس عرساً من الأعراس الضاحكة، مناحة قائمة لا تهدأ نارها ولا يخبو أوارها.
قلتم لها: لابدّ لك أن تختاري زوجك بنفسك حتى لا يخدعك أهلك عن سعادة مستقبلك، فاختارت لنفسه أسوأ مما اختار لها أهلها، فلم يزد عمر سعادتها على يوم وليلة ثم الشقاء الطويل بعد ذلك والعذاب الأليم.
وقلتم لها إن الحب أساس الزواج فما زالت تقلب عينيها في وجوه الرجال مصعدة مصوبة حتى شغلها الحب عن الزواج.
وقلتم لها أن سعادة المرأة في حياتها أن يكون زوجها عشيقها، وما كانت تعرف إلا أن الزوج غير العشيق، فأصبحت تطلب في كل يوم زوجاً جديداً يحيي من لوعة الحب ما أمات القديم، فلا قديماً استبقت ولا جديداً أفادت.
وقلتم لها لابدّ لكِ أن تتعلمي لتحسني تربية ولدك والقيام على شؤون بيتك، فتعلمت كل شيء إلا تربية ولدها والقيام على شؤون بيتها.
وقلتم لها إنا لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها ويلائم ذوقها ذوقنا، فكان لابدّ لها أن تعرف مواقع أهوائكم، ومسارح أنظاركم لتتجمل لكم بما تحبون، فراجعت فهرس أعمالكم في حياتكم صفحة صفحة فلم تر فيه غير أسماء الخليعات والمستهترات والضاحكات اللاعبات، والإعجاب بهن والثناء على ذكائهن وفطنتهن، فتخلعت واستهترت لتبلغ رضاكم، وتنزل عند محبتكم، ثم تقدمتْ إليكم بهذا الثوب الرقيق الشفاف تعرض نفسها عليكم عرضاً كما يعرض النخاس أمته في سوق الرقيق، فأعرضتهم عنها، ونبوتم بها، وقلتم لها إنا لا نتزوج النساء العاهرات كأنكم لا تبالون أن يكون نساء الأمة جميعاً ساقطات إذا سلمت لكم نساؤكم، فرجعت أدراجها خائبة منكسرة، وقد أباها الخليع، وترفع عنها المحتشم، فلم تجد بين يديها غير باب السقوط فسقطت.
وهكذا انتشرت الريبة في نفوس الأمة جميعها، وتمشت الظنون بين رجالها ونسائها، فتحاجز الفريقان، وأظلم الفضاء بينهما وأصبحت البيوت كالأديرة لا يرى فيها الرائي إلا رجالاٍ متبرهبين ونساء عانسات، ذلك بكاؤكم على المرأة أيها الراحمون.
فما زاد الفتى على أن ابتسم في وجهي ابتسامة الهزء والسخرية، وقال: تلك حماقات ما جئنا إلا لمعالجتها، فلنصبر عليها حتى يقضي الله بيننا وبينها. فقلت له: لك أمرك في نفسك وأهلك فاصنع بهما ما تشاء وائذن لي أن أقول لك إني لا أستطيع أن أختلف إليك بعد اليوم إبقاء عليك وعلى نفسي، لأني أعلم أن الساعة التي ينفرج لي فيها جانبُ سترٍ من أستار بيتك عن وجه امرأة من أهلك في حضرتك تقتلين حياء وخجلاً، ثم انصرفت وكان هذا آخر ما بني وبينه.
وما هي إلا أيام قلائل حتى سمعت الناس يتحدثون أن فلاناً هتك الستر في منزله بين نسائه وأصدقائه، وأنه قد أصبح مغشياً لا تزال النعال خافقة ببابه، فذرفت عيني دمعة لا أعلم هل هي دمعة الغيرة على العرض المدال أو الحزن على الصديق المفقود.
مرت على تلك الحادثة ثلاثة أعوام، لا أزوره فيها ولا يزورني، ولا ألقاه في طريقه إلا قليلاً فأحييه تحية الغريب للغريب، ثم أنطلق في سبيلي.
فإني لعائد إلى منزلي ليلة أمس وقد مضى الشطر الأول من الليل إذ رأيته خارجاً من منزله يمشي مشية المضطرب الحائر وبجانبه جندي من جنود الشرطة كأنما هو يحرسه أو يقتاده، فأهمني أمره ودنوت منه وسألته عن شأنه فقال: لا أعلم لي بشيء سوى أن هذا الجندي قد طرق الساعة بابي يدعوني إلى مخفر الشرطة، ولا أعلم لمثل هذه الدعوة في مثل هذه الساعة سبباً، وما أنا بالرجل المذنب ولا المريب، فهل أستطيع أن أرجوك يا صديقي القديم بعد الذي كان بيني وبينك أن تصحبني الليلة في وجهي هذا علني أحتاج إلى معونتك فيما قد يعرض هناك من الشؤون؟ قلت: لا أحب إلىّ من ذلك، ومشيت معه صامتاً لا أحدثه ولا يقول لي شيئاً ثم شعرت كأنه يُزوّر في نفسه كلاماً يريد أن يفضي به إليّ فيمنعه الخجل والحياء، ففاتحته الحديث وقلت له: ألم تستطع أن تتذكر لهذه الدعوة سبباً؟ فنظر إليّ نظرةً حائرة وقال: إن أخوف ما أخافه أن يكون قد حدث لزوجتي الليلة حادث مؤلم، فقد رابني من أمرها الليلة، وإنها لم تعد إلى منزلها حتى الساعة وما كان ذلك شأنها من قبل. قلت: أما كان يصحبها أحد؟ قال: لا، قلت: ألا تعلم المكان الذي ذهبت إليه؟ قال: لا. قلت: ومما تخاف عليها؟ قال: لا أخاف شيئاً سوى أني أعلم أنها امرأة غيورة حمقاء، فلعل بعض الناس حاول العبث بها في طريقها فشرست عليه فوقعت بينهما خصومة، انتهت إلى رجال الشرطة.. وكنا قد وصلنا إلى المخفر فاقتادنا الجندي إلى قاعة المأمور حتى صرن بين يديه فأشار إلى جندي أمامه إشارة لم نفهمهما ثم استدنى الفتى إليه وقال: يسؤوني يا سيدي أن أقول لك إن رجال الشرطة قد عثروا الليلة في مكان ما من أمكنة الريبة على رجل وامرأة في حال غير صالحة فاقتادوهما إلى المخفر فزعمت المرأة أن لك بها صلة فدعوناك لتكشف لنا الحقيقة في أمرها وأمرها وأمر صاحبها فإذا كانت صادقة إذنّا لها بالانصراف معك إكراماً لك، وإبقاء على شرفك، وإلا فهي امرأة فاجرة لا نجاة لها من عقاب الفاجرات، وها هما وراءك، وكان الجندي قد جاء بهما من غرفة أخرى فنظر فإذا المرأة زوجته، وإذا الرجل أحد أصدقائه، فصرخ صرخة رجفت لها جوانب المخفر وملأت نوافذه وأبوابه عيوناً وآذاناً ثم سقط في مكانه مغشياً عليه.
فأشرت على المأمور أن يرسل المرأة إلى منزل أبيها ففعل، وأمر بصاحبها إلى السجن، ثم حملنا الفتى في مركبة إلى منزله ودعونا الطبيب فقرر أنه مصاب بحمى دماغية شديدة، ولبث ساهراً بجانبه بقية الليل يعالجه حتى دنا الصباح فانصرف الطبيب على أن يعود متى دعوناه، وعهد إلىّ بأمره فلبثت بجانبه أرثي لحاله وأنتظر قضاء الله فيه حتى رأيته يتحرك في مضجعه ثم فتح عينيه فرآني فلبِثَ شاخصاً إلىّ هنيهة كأنما يحاول أن يقول لي شيئاً فلا يستطيع فدنوت منه وقلت هل من حاجة يا صديقي؟ فأجاب بصوت ضعيف خافت: حاجتي أن لا يدخل عليّ من الناس أحد، قلت: لن يدخل عليك إلا من تريد، فأطرق هنيهة ثم رفع رأسه فإذا عيناه مبتلتان بالدموع، فقلت: ما بكاؤك يا صديقي؟ قال: لا شيء سوى أن أقول لها أني عفوت عنها، قلت: إنها في بيت أبيها، فقال: وارحمناه لها ولأبيها ولجميع قومها فقد كانوا قبل أن يتصلوا بي شرفاء أمجاد فألبستهم منذ عرفوني ثوباً من العار لا تبلوه الأيام.
من لي بمن يبلغهم جميعاً أنني رجل مريض مشرف وأنني أخشى لقاء الله إذا لقيته بدمائهم وأنني أضرع إليهم أن يصفحوا عني ويغتفروا ذنبي فيغفر لي الله لغفرانه، قبل أن يسبق إلىّ أجلي.
لقد كنت أقسمت لأبيها يوم أهتديتها [9] أن أصون عرضها صيانتي لحياتي، وأن أمنعها مما أمنع منه نفسي، فحنثتُ في يميني فهل يغفر لي ذنبي فيغفر لي الله بغفرانه.
إنها قتلتْني ولكني أنا الذي فتحتُ باب بيتي لصديقي إلى زوجتي فلم يذنب لي أحد سواي.
ثم أمسك عن الكلام برهة فنظرتُ إليه فإذا سحابة سوداء تنتشر فوق جبينه شيئاً فشيئاً، حتى لبست وجهه فزفر زفرة خلت أنها خرقت حجاب قلبه ثم أنشأ يقول:
آه ما أشد الظلام أمام عيني، وما أضيق الدنيا في وجهي، في هذه الغرفة على هذا المقعد تحت هذا السقف، كنت أراهما جالسين يتحدثان فتمثليء نفسي غبطة وسروراً، وأحمد الله على أن رزقني بصديق وفيّ يؤنس لي زوجتي في وحدتها، وزوجة سمحة كريمة تكرم صديقي في غيبتي، فقولوا للناس جميعاً إن ذلك الرجل الذي كان يفخر بالأمس بذكائه وفطنته ويزعم أنه أكيس الناس وأحزمهم قد أصبح يعترف أنه أبله إلى الغاية من البلاهة، وغبي إلى الغاية التي لا غاية وراءها.
والهفاه على أم لم تلدني، وأب عاقر لا نصيب له في البنين!
لعل الناس كانوا يعلمون من أمري ما كنت أجهل، ولعلهم كانوا إذا مررت بهم يتناظرون ويتغامزون ويبتسم بعضهم إلى بعض ويحدقون النظر إلىّ ويطيلون النظر في وجهي ليروا كيف تتمثل البلاهة في وجود البله، والغباوة في وجوه الأغبياء، ولعل الذين كانوا يطوفون بي ويتوددون إليّ من أصدقائي إنما كانوا يفعلون ذلك من أجلها لا من أجلي، ولعلهم كانوا يسمونني فيما بينهم وبين أنفسهم قواداً، ويسمون زوجتي موسماً، وبيتي ماخوراً [10]، فوا رحمتاه لي إن بقيت على ظهر الأرض بعد اليوم ولو ساعة واحدة، ووالهفاه على زاوية من زوايا قبر عميق يطويني ويطوي عاري معي.
ثم أغمض عينيه وعاد إلى ذهوله واستغراقه.
وهنا دخلت الحجرة مرضع ولده تحمله على يدها حتى دنت به من فراشه فتركته وانصرفت، فما زال الطفل يدب على أطرافه حتى علا صدر أبيه فلأحسّ به ففتح عينيه فرأه فابتسم لمرآة، وضمه إليه ضمة الرفق والحنان، وأدنى فمه من وجهه كأنما يريد أن يقبله ثم انتفض فجأة ودفعه عنه بيده دفعاً شديداً، فانكفأ على وجهه يبكي ويصيح وقال: أبعدوه عني، لا أعرفه ليس لي أولاد ولا نساء، سلوا أمه عن أبيه أين مكانه، واذهبوا به إليه، لا ألبس العار في حياتي، وأتركه أثراً خالداً ورائي بعد مماتي، وكانت المرضع قد سمعت صياح الطفل فعادت إليه وحملته وذهبت به فمسع صوته وهو يبتعد عنه شيئاً فشيئاً فأنصت إليه واستعبر باكياً وصاح أرجعوه إلىّ فعادت به المرضع فتناوله وأنشأ يقلب نظره في وجهه ويقول:
في سبيل الله يا بني ما خلف لك أبوك من اليتم وما خلفت لك أمك من العار فاغفر لهما ذنبهما إليك فلقد كانت أمك امرأة ضعيفة فعجزت عن احتمال الأمانة، فسقطت، وكان أبوك حسن النية في الجريمة التي اجترمها فأساء من حيث أراد الإحسان.
سواء أكنت ولدي يا بني أم ولد الجريمة فإني قد سعدت بك برهة من الدهر فلا أنسى يدك عندي حياً أو ميتاً.
ثم احتضنه إليه وقبّله في جبينه قبلة لا أعلم هل هي قبلة الأب الرحيم أو الرجل الكريم.
وكان قد بلغ منه الجهد فعاودته الحمى وغلت نارها في رأسه وما زال يثقل شيئاً فشيئاً حتى خفتُ عليه التلف فأرسلت وراء الطبيب فجاء وألقى عليه نظرة طويلة ثم استردها مملوءة يأساً وحزناً.
ثم بدأ ينزع نرعاً شديداً ويشن أنيناً مؤلماً، فلم تبق عين من العيون المحيطة به إلا رفضت كل ما تستطيع أن تجود به من مدامعها.
فإنّا لَجلوس حوله وقد بدأ الموت يُسبل أستاره السوداء حول سريره فإذا بامرأة متزرة بإزار أسود قد دخلت الحجرة وتقدمت نحوه ببطء حتى ركعت بجانبه ثم أكبت على يده الممتدة فوق صدره فقبلتها وأخذت تقول له:
لا تخرج من الدنيا وأنت مرتاب في ولدك فإن أمه تعترف بين يديك وأنت ذاهب إلى ربك أنها وإن كانت دنت من الجريمة، فإنها لم ترتكبها، فاعف عني يا والد ولدي، وأسأل الله -إن متُّ- أن يلحقني بك فلا خير لي في الحياة من بعدك.
ثم انفجرت باكية ففتح عينيه وألقى على وجهها نظرة باسمة كانت هي آخر عهده بالحياة وقضى.
 

(6) توبة شاب على يد رجل من أهل الحسبة [11]

قال من أعرفه: أمام تلك المرأة القابعة في الزاوية الشرقية من غرفتي كنت أسرح شعري في أصيل يوم قائظ.. وكانت نغمات الموسيقى تملأ الجو صخباً وضجيجاً.. وفجأة خفق قلبي خفقاناً شديداً لم أعرف سببه.. اتجهتُ إلى المسجل وأسكتُّ تلك الموسيقى الغربية وذلك الضجيج الذي لا أفهم منه شيئاً.. وزاد قلبي خفقانا.. اتجهتُ إلى النافذة لأستنشق الهواء، إلا أنني أحسست بشعور غريب لا أعلم كنهه ولا أدرك سببه! فما هي أول مرة أستعد هذا الاستعداد.. ثم أتجه إلى أحد الأسواق كي أُنقِّلَ طرفي هنا وهناك.. وأستأثم بمعاكسة الفتيات.
وخلال عبوري البيت متجهاً إلى الباب الخارجي مررتُ بأمي.
وبعد أن تجاوزتها ببضع خطوات نادتني: أحمد لقد رأيتك البارحة في المنام.. إلا أني تظاهرت بعد السماع وواصلت المسير.. لحقتْني وأمسكتْ بذراعي وقالت: ألن تضع حداً لهذا الاستهتار وضياع الوقت يا أحمد؟.
وعندما التقتْ عيناي بعينيها عاودني ذلك الخفقان القلبي المريب.. واتجهتُ إلى الباب صامتاً ومن ثم خرجتُ إلى صديقي وبعد أن امتطيت سيارتي الفارهة.. التفَتَ إلىّ مبتسماً ونفثَ في وجهي شيئاً من دخان سيجارته الملتهبة.
أما أنا فلا زال قلبي يضرب بقوة.. رفعتُ صوت المسجل علّه يصرف عني ما بي.. أي سوق سنذهب إليه الآن؟
سألني.. وعندما سمعت هذه الكلمة التي سمعتها ليلة البارحة وكأنما صمّت أذناي فلم أعد أسمع شيئاً سوى صدى تلك الكلمات المتدفقة بالحياة: أخي أليس من العيب أن تضيّع شبابك لاهياً.. ساعياً.. وراء بنات المسلمين، وأن تساهم في إفساد المجتمع وأن تدعم مخططات الأعداء وأنت من فلذات أكبادنا ومن أبنائنا.. أخي ألا تتقي الله؟).
وهكذا أصحبت هذه الكلمات تدوّي في سماء عقلي كالرعد المجلجل.. وصورة ذلك الرجل الذي يضيء وجهه إيماناً وطهراً لا تفارق مخيلتي رجل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمسك معصمي البارحة وأنا أتجول في أحد الأسواق ألاحق الفتيات.. وهمس في أذني بتلك الكلمات التي كانت أبلغ من كل تهديد أو وعيد..
فتحت عيني فإذا بصديقي يهزني بيده سائلا: ما بك؟
التفتُّ إليه وقلت: لا شيء .. أريد أن أرجع إلى البيت. ولا أدري ما هي القوة التي دفعت بصاحبي بأن يرجعني إلى البيت بدون مناقشة.
هبطتُ من السيارة واتجهتُ إلى البيت دون أن أودع صاحبي.. وكم كان عجبي شديداً عندما رأيتُ البيت ممتلئاً.. رجالا.. ونساءً ذهلتُ.
اتجهتُ إلى أخي الصغير لما رأيته ينتحب باكياً.. سألته ما بك؟! نشج.. ثم سعل.. ثم رفع رأسه الصغير إلىّ وقد امتلأت عيناه دموعاً وقال: أحمد.. لقد ماتت أمي.. أصيبت بنوبة قلبية.. وماتت.. أحسست بقلبي يتوقف رويداً رويداً، وتمنيتُ أن يعاوده ذلك الخفقان، إلا أنه لم يفعل. لقد مضى على هذه القصة ثلاث سنوات، وها أنذا الآن أرويها بدموعي.. وأردد الدعاء وجزيل الشكر لذلك الرجل الذي منحني عاطفة صادقة وكلمات ناصحة من القلب.
 

(7) توبة فتاة بعد سماعها لآيات من القرآن الكريم [12]

تقول هذه الفتاة:
نشأت في بيت متدين بين والدين صالحين، يعرفان الله -عز وجل- كنتُ ابنتهم الوحيدة.. فكانا يحرصان دائماً على تنشئتي تنشئة صالحة، ويحثانني على الالتزام بأوامر الله -عز وجل- وخاصة الصلاة وما إن قاربتُ سن البلوغ حتى انجرفت مع التيار، وانسقت وراء الدعايات المضللة، والشعارات البراقة الكاذبة التي يروج لها الأعداء بكل ما يملكونه من طاقات وإمكانيات.. ومع ذلك كنت بفطرتي السليمة أحب الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة، وأخجل أن أرفع عيني في أعين الرجال.. كنت شديدة الحياء، قليلة الاختلاط بالناس، ولكن -وللأسف الشديد- زاد انحرافي وضلالي لدرجة كبيرة بعد أن ابتُليت بزوج منحرف لم أسأل عن دينه.. كان يمثل عليّ الأخلاق والعفة.. عرّفني على كثير من أشرطة الغناء الفاحش الذي لم أكن أعرفه من قبل، وأهدى إلىّ الكثير من هذه الأشرطة الخبيثة التي قضت على ما تبقى فيّ من دين حتى تعودتْ أذنيّ سماع هذا اللهو الفاجر.. تزوجته ووقع الفأس في الرأس.. زواجي في بدايته كان فتنة عظيمة لما صاحبه من المعازف وآلات الطرب والتبذير والإسراف والفرق الضالة والراقصات الخليعة.. مما صد كثيراً من الحاضرين عن ذكر الله في تلك الليلة.
ومع مرور الأيام التي عشتها مع هذا الزوج الذي كان السبب الأول في انحرافي وشرودي عن خالقي؛ تركت الصلاة نهائياً، ونزعت الحجاب الذي كنت أرتديه سابقاً.. ولأنني لم أعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجه)، قطعتُ الصلة بربي فقطع الصلة بي ووكلني إلى نفسي وهواي.. ويا شقاء من كان هذا حاله.. (ولا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنَا قلْبُه عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أمْرُهُ فُرُطاً).
ولكني لم أجد السعادة بل الشقاء والتعاسة.. كنت دائماً في هم وفارغ كبير جداً، أحسه بداخلي رغم ما وفّره لي زوجي من متاع الدنيا الزائل. لقد أنزلني هذا الزوج إلى الحضيض.. إلى الضياع.. إلى الغفلة بكل معانيها.. كنت دائماً عصبية المزاج غير مطمئنة.. ينتابني قلق دائم واضطراب نفسي.. وكما كنت متبرجة ينظر إلىّ الرجال، كذلك كان زوجي يلهث وراء النساء، ولم يخلص لي في حبه، فقد تركني وانشغل بالمعاكسات، والجري وراء النساء.. تركني وحيدة أعاني ألم الوحدة والضياع، وأتخبط في ظلمات الجهل والضلال.. حاولت مراراً الانتحار، لكي أتخلص من هذه الحياة الكئيبة، ولكن محاولاتي باءت بالفشل، وأحمد الله على ذلك.. إلى أن تداركني الله بفضله ورحمته واستمعتُ إلى شريط للقارئ أحمد العجمي، وهو يرتل آيات من كتاب الله بصوته الشجي.. آيات عظيمة أخذتْ بمجامع فكري وحرّكت الأمل بداخلي.. تأثرتُ كثيراً.. وكنت أتوق إلى الهداية، ولكني لا أستطيعها، فهرعتُ إلى الله ولجأتُ إليه في الأسحار أن يفتح لي طريق الهداية ويزيّن الإيمان في قلبي ويحببه إلىّ، ويكرّه إلىّ الكفر والفسوق والعصيان.. كنتُ دائماً أدعو الله بدعاء الخليل إبراهيم -عليهم السلام- (رَبِّ اجْعَلْنِيْ مُقِيْمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِيْ رِبَّنَا وَتَقَبَّلّ دُعَاء).
ورزقني الله بشائر الهداية فحافظتُ على الصلاة في أوقاتها، وارتديتُ الحجاب الإسلامي، وتفقّهتُ في كثير من أمور ديني.. حافظتُ على تلاوة كتاب الله العزيز باستمرار، وأحاديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وسيرته العطرة، والكثير من الكتب النافعة، وأصبحت أشارك في الدعوة إلى الله، وقد حصل كل هذا الخير بعد أن فارقتُ هذا الزوجَ المنحرفَ الذي كان لا يلتزم بالصلاة، رغم حبي له، وآثرتُ قرب خالقي ومولاي، فلا خير في زوج طالح صدني عن ذكر الله.. (ومن ترك شيئاً لله، عوضه الله خيراً منه).
وها أنا الآن -والحمد لله- أعيش حياة النور الذي ظهرت آثاره على قلبي ووجهي، هذا بشهادة من أعرفه من أخواتي المسلمات، يقلنَ لي إن وجهك أصبح كالمصباح المنير، وقد لاحظنَ أن النور يشع منه، وهذا فضل عظيم من الله سبحانه.
أدعو الله أن يثبتني على دينه وسائر المسلمين.
أختكم: ع. أ.
 

(8) توبة شاب في طليطلة [13]

يقول هذا التائب:
عشتُ حياتي في سعادة بالغة أتلقى كل الرعاية والاهتمام من والديَّ، بعد أن كرسا حياتهما من أجل إسعادي؛ لأني كنتُ الطفل الوحيد لهما.. وعندما حصلتُ على شهادتي الجامعية، أهداني والدي سيارة، وأبلغني بضرورة الاستعداد للعمل معه في شركته الخاصة.
وفي ذلك الوقت كنتُ أرتبط بعدد من زملاء الدراسة بصداقة وطيدة.. وكان أكثر هؤلاء قرباً مني شخص اسمه علي.. وزاد من ارتباطي به تشابه ظروفنا الاجتماعية، فقد كان هو الآخر وحيد والديه وكانا في حال مادية متيسرة مثل والدي تماماً.. ويسكنان بالقرب من منزلنا مما ساعد على لقائنا المستمر بصفة يومية.
وعقب تخرجنا من الجامعة معاً، عرض علي ضرورة السفر إلى الخارج، كما يفعل الآخرين من زملائنا الذين يعرفون كيفية الاستمتاع بأوقاتهم!!
وطرحتُ الفكرةَ على والديّ اللذان وافقا على سفري بعد إلحاح شديد من جانبي.. وأبدى والدي تخوفه من حدوث انحراف في أخلاقياتي مثلما حدث للكثير من الشباب، فطمأنته ووعدتُّه بأن أكون مثالاً للابن الصالح.. ووسط دعوات والديّ بسلامة العودة قمت بشراء تذكرتي سفر لنفسي ولصديقي إلى أسبانيا.
وفور وصولنا إلى هناك.. لاحظتُ أن صديقي يصرُّ على إقامتنا في أحد الفنادق دون غيرها.. ولما سألتُه عن السبب أخبرني بأن هذا الفندق يقع بجوار العديد من حانات الشراب التي سوف نجدد فيها حياتنا كالآخرين!!
وهنا تذكرتُّ نصائح والديّ لي بالابتعاد عن كل ما يسيء إلى ديني، فرفضتُ الذهاب بصحبته في اليوم الأول... لكن تحت ضغوط إلحاحه الشديد وافقتُ على الذهاب معه.
ومنذ اليوم الأول جرّني إلى مزالق كثيرة ومساويء أخلاقية مشينة، ولم أحس بالآثام التي ارتكبتها، إلا في اليوم التالي. وهنا أحسستُ بالندم الشديد على ما ارتكبتُه من إثم في حق ديني ونفسي.
ولكن الندم لم يدم طويلاً .. ومن أجل التغيير سافرنا إلى غرناطة  وطليطلة.. وكان بصحبتي فتاة غير مسلمة أخذتْ تتجول معي في مناطق الآثار الإسلامية.
وفي طليطلة شاهدتُ القصور العظيمة التي بناها أجدادنا المسلمون.. وشرحتْ لي الفتاة كيف أن أهلها لا يذكرون المسلمون إلا بكل خير؛ لأنهم لم يسيئوا لأحد من أهل الأندلس عندما قاموا بفتحها.
وكانت خلال شرحها المسهب لعظمة التاريخ الإسلامي في هذا البلد يزداد إحساسي بالخجل مما ارتكبتُه من آثام في هذه المدينة، التي لم يفتحها أجدادنا إلا بتقوى الله -عز وجل-.
ووصل أحساسي بالذنب إلى أقصاه، عندما رأيت أحد المحاريب داخل قصر إسلامي بالمدينة كتبتْ عليه آيات من القرآن الكريم.. وكنتُ كلما نظرتُ إلى كلمات هذه الآيات أحس وكأن غصة تقف بحلقي لتفتك بي من جراء تلك الذنوب التي ارتكبتها في حق نفسي في اليوم الأول من وصولي إلى تلك البلاد التي تنتسب إلى ماضينا الإسلامي المجيد.
وانسابتْ الدموع الغزيرة من عيني عندما رأيتُ قول الله تعالى: (وَلا تَقْرَبوا الزِّنى إنَّه كانَ فَاحِشَةً وَّسَاءَ سَبِيْلاً). ودهشتِ الفتاة التي رافقتني لتلك الدموع فأخبرتُها أنني تذكرتُ بعض الذكريات المؤلمة في حياتي لإدراكي أنها لن تفهم ما سأخبرها به.
وفي هذه اللحظة قررتُ العودةَ إلى المملكة على أول طائرة تغادر برشلونة.. وحاول صديقي إقناعي بالبقاء معه لمواصلة رحلتنا، لكنني رفضتُ بإصرار، بعد أن أدركتُ بشاعة ما يرتكبه في حق دينه ونفسه.
وهكذا عدتُ إلى بلدي نادماً على ما فعلتُ متمنياً من الله تعالى أن يغفر لي الذنوب التي ارتكبتُها.. ومنذ أن وطئتْ قدماي أرضَ بلادي، قررتُ قطع كل علاقة لي بهذا الصديق الذي كاد أن يوقعني في موارد التهلكة لكن الله تعالى أنقذني قبل فوات الآوان.
م. د. – جدة
 

(9) توبة شاب في روما

روما عاصمة إيطاليا، معقل النصرانية ومقر الفاتيكان.. هناك.. عاد هذا الشاب إلى ربه فوجد حلاوة الإيمان.. ولكن على يد من؟ على يد فتاة إيطالية. كانت سبباً في هدايته.. حدثني بنفسه عن قصته فقال:
ولدتُّ في مدينة الرياض ونشأتُ بين أبوين مسلمين، وفي مجتمع مسلم معروف بصفاء العقيدة وسلامتها من البدع والخرافات.. منذ الصغر كانت لي ميول (فنية) في الرسم والتشكيل، لذا تخصصت في هذا الفن، وحزتُ على شهادة في التربية الفنية، وعملتُ في سلك التدريس ملعماً لهذه المادة لمدة عام كامل، ثم أُعلن عن بعثة إلى إيطاليا للدراسة في مجال الفن وهندسة الديكور، فسارعت إلى التسجيل، فكنت ضمن قائمة المرشحين للسفر في هذه البعثة.
سافرتُ إلى إيطاليا -وكان ذلك عام 1395هـ- وكان اتجاهي آنذاك منحرفاً.. نعم.. كنتُ مقراً بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم.. ولكن لا أقيم شعيرةً من شعائر الله اللهم إلا النطق بالشهادتين.. وماذا يغني قول بلا عمل؟!
مضتْ عليّ سنتان وأنا على هذه الحال، اكتشفتُ خلالها حقيقة الحياة الغربية، وما يمكن أن أصل إليه في المستقبل، إن أنا سرتُ في هذا الطريق.. نظرتُ إلى من حولي، فلم أر إلا قطعان من الذئاب والحيوانات البشرية، التي لا همَّ لها إلا الأكل والشرب واللهو، والسعي وراء الشهوة بأي ثمن. فساد أخلاقي. أثرة وحب للذات.. هذا ما رأيته بنفسي، وبما تعلمتُه من مجتمعي المسلم المحافظ.
كنتُ أحدّث نفسي دائماً وأقول: لابدّ وأن يأتي يوم أعود فيه إلى الله وألتحق بركب الإيمان.. ولكن متى يأتي هذا اليوم؟! لا أدري.
ومضتِ الأيام وأنا على تلك الحال من الغفلة والضياع إلى أن قررتُ الالتزام، فبدأتُ بالمحافظة على الصلاة وبعض الشعائر الظاهرة، فكان التزاماً ظاهرياً فقط دون إدراكٍ لروح الدين وحقيقته.
كنتُ أقيم هناك في مدينة تدعى (فلورنسا)، وفي إحدى الإجازات كان من المقرر أن أسافر بالقطار إلى روما -أنا وصاحب لي- لقضاء بعض الأعمال، وفي اليوم المحدد للسفر شاء الله -عز وجل- أن نصل متأخرين إلى محطة القطار، وتفوتنا الرحلة فوجدنا قطاراً آخر.
كان هذا القطار قد امتلأ بالركاب، وأوشك على المسير، فكنتُ أنا وزميلي آخر راكبين قبل إغلاق الباب.
نظرنا يميناً وشمالاً فلم نر مقعداً خالياً، فأخذنا نبحث عن مكان نجلس فيه، وبعد زمن ليس بالقصير لمحت مقعداً خالياً في إحدى المقصورات بينما وجد صاحبي مقعداً آخر في المقصورة التي تليها.
دخلتُ إلى تلك المقصورة -وهي في العادة تتسع لستة أشخاص- فلم يكن بها إلا أربعة فقط كلهن نسوة، أما المقعدان الباقيان فقد كانا مشغولين ببعض الحقائب، فاستأذنتهن في إخلاء المقعدين والجلوس فيه فأذنّ لي.
ثلاث ساعات ونصف الساعة هي المسافة الزمنية بالقطار بين فلورنسا وروما.. مضتْ ساعتان ولم يتفوه أحد منا بكلمة واحدة.. بعضنا كان يقرأ، والبعض الآخر كان يقلب نظراته تارة من خلال النافذة وتارة في وجوه الآخرين.
كنتُ أحمل في يدي كتيباً صغيراً ولكني شعرت بالملل -وهو ما لاحظته على وجوه البقية- فأردتُ أن أكسر حاجز الصمت، وأبدأ في الكلام.
فقلتُ: إننا منذ ساعتين لم نتحدث ولم ننطق بكلمة واحدة.. فوافقنني على ذلك، وبدأ النقاش..
قالت إحداهـن: من أيـن أنت؟ قلت: من السعوديـة.. وأنت؟ قالت: أنا إيطاليـة ]نصرانية[ .. وجاء دور الثالثة لتعرّف بنفسها فقالت: إنها يهودية من إسرائيل.
ما أن أطلقتْ هذه اليهودية كلمتها حتى انتفضتُ كما ينتفض العصفور إذا بلله القطر، وتمعر وجهي، وتسارعت نبضات قلبي، فكانت تلك نقطة التحول.
(يهودية من إسرائيل)!! قالتها بتحدٍ واضح وتعالٍ واستكبار وكأنها تقول لي: إنني من الأرض التي انتزعناها من أيديكم وطردناكم منها فمتْ بغيظك..
كانت لحظات معدودة ولكني أذكر تفاصيلها بدقة ولن أنساها ما حييت.. ثم تفجر البركان..
لقد فقدتُ شعوري في تلك اللحظات، وانفجرتُ بالكلام على الرغم من قلة بضاعتي في العلم الشرعي، بل حتى في التحدث مع الآخرين.. وقمت بشن هجوم عنيف لا هوادة فيه على هذه اليهودية، وقلتُ كلاماً كثيراً -لا أتذكره الآن- ولم يتوقف هذا البركان المتدفق عن الكلام المتواصل إلا حينما توقف القطار في محطته في روما..
ساعة كاملة ونصف الساعة من الحديث المتواصل دون انقطاع.. كانت الأفكار تتدفق كالسيل وتسبق الكلام أحياناً على الرغم من ضحالة ثقافتي العامة -كما أسلفت- إلا فيما يتعلق بالألوان والرسم.
وإن مما أذكره الآن أنني بدأت بالقضية الفلسطينة، وأن اليهود مغتصبون وخونة، وهي عادتهم على مرّ التاريخ، وأنهم شعب مشرد جبان.. الخ، وجرني هذا الحديث إلى الحديث عن الديانة اليهودية وما طرأ عليها من التحريف، وكان من الطبيعي أن يجرني الحديث إلى النصرانية كذلك وما طرأ عليها من تحريف النصارى.. وهذه هي المرة الأولى التي أتحدث فيها عن مثل هذه الموضوعات المتعلقة بالأديان.
وواصلتُ الحديث بحماس واندفاع منقطع النظير.. وقد ظهرت واضحة أثناء حديثي الحمية الدينية والقومية والوطنية.. وما شئت من الحميات لاسيما وأنني لم أكن -آنذاك- قد التزمت التزاماً حقيقيا.
وبعد الفراغ من الحديث عن الديانتين اليهودية والنصرانية؛ تحدثت عن الإسلام وسماحته ويسره.. ومن ثم عقدتُّ مقارنة بين هذه الديانات الثلاث.. وأنا حين أتذكر ذلك أضحك من نفسي، وأعجب كيف حدث هذا.
كنتُ أتحدث والجميع ينصتون إليّ وقد حدجوني بأبصارهم إلا اليهودية، فقد نكّست رأسها خوفاً أو خجلاً -لا أدري- ولسان حالها يقول ليتني لم أقل شيئا...
ولما توقف القطار كانت أول نازل منه.. أما الآخريات فقد شكرني على ما قلتُ إما مجاملة أو خوفاً.. لا أدري أيضاً.
وعند نزولي من القطار كانت الإيطالية تنتظرني -وهي فتاة في العشرينات من عمرها- فأثنتُ على ما قلتُ وطلبتْ مني مزيداً من المعلومات عن الإسلام فأخبرتُها بأني لا أعلم الآن شيئاً غير ما قلته.. ولكني سأحاول البحث مستقبلاً وسؤال أهل العلم عما يشكل.. وكتبتُ لها عنواني، ومن توفيق الله أنها كانت تسكن في ذات المدينة التي أسكنها وهي فلورنسا، وأنها قدِمتْ إلى روما لعمل وستعود بعد أيام، وأنا كذلك.
كانت تسكن في فلورنسا مع أخيها للدراسة بعيداً عن أهلها الذين يسكنون في الجنوب. وفي أول لقاء تم بيننا كان الحديث عادياً بعيداً عن الدين، وتكررتْ الزيارات بيننا وكنتُ أتجنب الحديث عن الدين لوجود أخيها معنا، ولكنها هي كانت تسألني دائماً عن الإسلام، فقد كان لديها شغف عجيب للتعرف على هذا الدين، وكما قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَّهْدِيَه يَشْرَحْ صَدْرُه لِلإسلام، وَمَنْ يُّردْ أنْ يُْضِلَّه يَجْعَلْ صَدْرَه ضَيِّقاً كأنمّا يَصَّعَدُ في السَّمَاءِ..).
أما أخوها فلم يكن يعجبه الحديث حول هذه الأمور، فكان يتهرب عند اللقاء ويبتعد عن المجلس، متظاهراً بالانشغال بأمور أخرى.
كانتْ تسألني أسئلة كثيرة معظمها لا أعرف له جواباً، فكنتُ لا أجيبها إلا بعد سؤال أهل العلم أو البحث والقراءة.
والحقيقة أنني -بسبب أسئلتها- تبينتُ حقيقة نفسي وجهلي المطبق بأحكام ديني الذي تنكرت له زمناً طويلاً.
وفي الإجازة عدتُ إلى المملكة في زيارة، وعند عودتي حملتُ معي مجموعة من الكتب في أصول الدين وفروعه، وانهمكتُ في القراءة بشغف شديد ونهم غير معتاد.
كنتُ أقرأ أولاً ثم أحاول فهم ما قرأته فهماً جيداً لأترجمه إلى الإيطالية بعد ذلك، ومثل هذا العمل يستغرق وقتاً طويلاً وجهداً مضاعفاً.
وهناك قدّر الله عليّ بمرض أُدخلت بسببه المستشفى وقد مكثتُ فيه خمسة عشر يوماً، وخلال هذه الأيام المعدودة قرأت صحيح الإمام مسلم بكامله، وقمتُ بترجمته لها، ولك أن تتخيل مدى الجهد، الذي يمكن أن يبذل في مثل هذا الأمر -قراءة وترجمة- خلال هذه المدة القصيرة، فقد كنتُ أقرأ يوماً وأترجم ما قرأته في اليوم التالي.
فتغيرتْ حياتي ومفاهيمي وسلوكي، وأصبحتُ إنساناً آخر غير ذلك الإنسان العابث اللاهي.
أما هي فقد اقتنعتْ بالإسلام، وقالت لي بكل وضوح: (إنني الآن مسلمة).
لقد أسلمتْ هذه الفتاة الإيطالية في معقل النصرانية، إلا أنها لم تعلن إسلامها، وإنما جعلته بينها وبين ربها، وأصبحتْ تحرص على تطبيق تعاليم الإسلام في كل ما تعلم، ومن ذلك اللباس والمأكل والهيئة.
وعَلِمَ أخوها بالخبر، فأرسل إلى أهله يخبرهم بما حدث، فغضبوا عليها وقطعوا عنها المعونة الشهرية، وبدؤوا بمضايقتها وتهديدها عن طريق الرسائل وغيرها، إلا أن ذلك كله لم يصدها عن اتباع الدين الحق، لاسيما وأنها منذ البداية لم تكن مقتنعة بدين النصارى وخرافاتهم، فقد كانت تمقت وبشدة شرب الخمر الذي يعتبرونه دم المسيح -عليه السلام-، كما كانت تمقت التعري على البحر، وتعاف لحم الخنزير، ومنذ أن بلغتْ السابعة من عمرها لم تدخل الكنيسة قط.. وبالجملة كانت تمقت دين النصارى بكل ما فيه من شرك وخرافات.
كنتُ أعلم أنها في ضائقة مالية ولكني تعمدتُّ ألا أعطيها شيئاً من المال إلا القليل لأرى صدق إيمانها ويقينها؛ فكانت صادقة والحمد لله.
ولما كثرتْ التهديدات والمضايقات من أهلها، قامتْ بتوكيل محامٍ للدفاع عنها، فكفاها الله شرهم وكفوا عن أذاها.
وأعلنتْ إسلامها، وبدأتْ في التطبيق بشكل جدي وبحماس شديد يفوق حماس بعض المسلمات العربيات هناك، بل كانتْ تنصحهنَّ أحياناً حتى أصبحن يتوارين منها خجلاً، ولم يكن ذلك بفضلي وإنما بتوفيق الله -عز وجل- وحده بل لقد كانت هي سبباً في هدايتي ورجوعي إلى الله.
لم أكن آنذاك متزوجاً، وفي الوقت نفسه لم أكن أفكر في الزواج من أجنبية، فقد كنت -ولازلتُ- ضد ذلك، وقد كنتُ تقدمتُ لخطبة إحدى الفتيات السعوديات هناك، وكان من المقرر أن يتمَّ الزواج بعد الإجازة، وحينما ذهبتُ إليهم بصحبة هذه الفتاة الإيطالية -وقد أرادتْ أن تستفيد منهم- أساؤوا بي الظن، مما أدى إلى سوء تفاهم بيننا، ومن ثمّ تأجيل الزواج أو إلغاؤه، ولكنهم بعد زمن علموا حقيقة الأمر وإني ما أردتُّ إلا خيراً.
وشاء الله أن يحدث بيني وبين تلك الفتاة خلاف، فغضبتُ عليها، فجاءني أحدهم ليصلح بيننا، فعجبتُ لمجيئه، وهو الذي أساء بي الظن من قبل، وفسخ خطوبتي من قريبته، فأخبرني بأنه قد علم حقيقة الأمر، وأنه يأسف لما حدث، ثم نصحني بالزواج من تلك الفتاة الإيطالية وترك التفكير في قريبته.
وهنا انقلبت لدي كل الموازين، فأنا لم أكن أفكر في الزواج من أجنبية أصلاً، بل لقد أخبرتُ صاحبتي الإيطالية بأني لن أزوجها وألا تفكر في ذلك أبداً –علماً بأن علاقتي بها كانت نظيفة، لا يشوبها فعل محرم حتى أني لم أخلُ بها قط- [14] ولكن عندما عرض عليّ الأخ هذا الموضوع بدأت أضرب حسابات أخرى، وفكرتُ في الأمر جدياً، فاستخرتُ الله -عز وجل- وانشرح صدري لذلك ففاتحتها بالموضوع..
لم تصدق باديء الأمر وظنتْ أني أسخر منها، ولكني أخبرتُها أن الأمر جد، فوافقتْ بلا تردد، لاسيما وأن الظروف كانتْ مهيأ لإتمام هذه الزيجة.
فقمنا بإتمام عقد النكاح على سنة الله ورسوله، ورزقتُ منها بأربعة أولاد -ولله الحمد- ونحن الآن نعيش في سعادة وهناء، وقد أنهيتُ بعثتي وعدتُّ إلى أرض الوطن.. ذهبتُ ضالاً وعدتُ مهتدياً غانماً، فلله الحمد والمنة.
 

(10) توبة طالبة على يد معلمتها [15]

تقول هذه التائبة:
(لا أدري بأي كلمات سوف أكتب قصتي.. أم بأي عبارات الذكرى الماضية التي أتمنى أنها لم تكن؛ سوف أسجلها..)
فقد كان إقبالي على سماع الغناء كبيراً حتى أني لا أنام ولا أستيقظ إلا على أصوات الغناء.. أما المسلسلات والأفلام فلا تسأل عنها في أيام العطل.. لا أفرغ من مشاهدتها إلا عند الفجر في ساعات يتنزل فيها الرب -سبحانه- إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟.. هل من سائل فأعطيه سؤاله؟.. وأنا ساهرة على أفلام الضياع..
أما زينتي وهيئتي فكهيئة الغافلات أمثالي في هذه السن: قصة غريبة، ملابس ضيقة وقصيرة، أظافر طويلة، تهاون بالحجاب.. الخ.
في الصف الثاني ثانوي دخلتْ علينا معلمة الكيمياء، وكانت معلمة فاضلة صالحة.. شدني إليها حسن خلقها، وإكثارها من ذكر الفوائد، وربطها مادة الكيمياء بالدين، حملتني أقدامي إليها مرة، لا أدري ما الذي ساقني إليها لكنها كانت البداية.
جلستُ إليها مرة ومرتين، فلما رأتْ مني تقبلاً واستجابةً نصحتْني بالابتعاد عن سماع الغناء ومشاهدة المسلسلات.
قلتُ لها: لا أستطيع.
قالت: من أجلي.. قلتُ: حسناً من أجلك، وصمتُ قليلاً ثم قلتُ لها: لا.. ليس من أجلك بل لله إن شاء الله.. وكانت قد علمتْ مني حب التحدي. فقالتْ: ليكن تحدٍ بينك وبين الشيطان، فلننظر لمن ستكون الغلبة، فكانت آخر حلقة في ذلك اليوم، فلا تسأل عن حالي بعد ذلك وأنا أسمع من بعيد أصوات الممثلين في المسلسلات.. أأتقدم وأشاهد المسلسل.. إذن سيغلبني الشيطان.. ومن تلك اللحظة تركتُ سماع الغناء ومشاهدة المسلسلات ولكني -بعد شهر تقريبا- عدتُ إلى سماع الغناء خاصة، واستطاع الشيطان -على الرغم من ضعف كيده كما أخبرنا الله- [16] إن يغلبني لضعف إيماني بالله.
وفي السنة الثالثة -وهي الأخيرة- دخلتْ علينا معلمة أخرى، كنت لا أطيق حصتها وعباراتها الفصيحة ونصائحها.. إنها معلمة اللغة العربية، وفي أول امتحان لمادة النحو، فوجئتُ بالحصول على درجة ضعيفة جداً، وقد كتبتْ المعلمة في ذيل الورقة بخطها عبارات عن إخلاص النية في طلب العلم، وضرورة مضاعفة الجهد، فضاقتْ بي الأرضُ بما رحبت؛ فما اعتدتُّ الحصول على مثل هذه الدرجة ولكن.. عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم...
ذهبتُ أحث الخطى إليها، فبأي حق توجه إليّ هذه العبارات، فأخذتْ تحدثني عن إخلاص النية في طلب العلم، و...، وفي اليوم التالي أخبرتني إحدى الأخوات أن المعلمة تريدني، فلم ألق لذلك بالاً، ولكن شاء الله أن أقابلها عند خروجها وهي تحمل في يدها مصحفاً صغيراً.. صافحتني، ووضعتْ المصحفَ في يدي، وقبضتْ على يدي، وقالت: لا أقول لك هدية بل هي أمانة، فإن استطعتِ حملها وإلا فأعيديها إلىّ.. فوقع في نفسي حديثها، ولكني لم أستشعر نقل تلك الأمانة إلا بعد أن قابلت إحدى الأخوات الصالحات فسألتني: ماذا تريد منك؟ فقلتُ: إنها أعطتني هذا المصحف وقالت لي: أمانة.. فتغير وجه هذه الأخت الصالحة، وقالت لي: أتعلمين ما معنى أمانة؟!.. أتعلمين ما مسؤولية هذا الكتاب؟! أتعلمين كلامَ مَن هذا، وأوامر مَن هذه؟!.. عندها استشعرتُ ثقل هذه الأمانة.. فكان القرآن الكريم أعظم هدية أهديت إلىّ.. فانهمكتُ في قراءته، وهجرتُ -وبكل قوة وإصرار- الغناء والمسلسلات، إلا أن هيئتي لم تتغير.. قصة غريبة، وملابس ضيقة.. أما تلك المعلمة فقد تغيرت مكانتها في نفسي، وأصبحت أُكِنُّ لها كل حب وتقدير واحترام.. هذا مع حرصها على الفوائد في حصتها، وربط الدرس بالتحذير مما يريده منا الغرب من التحلل والإباحية ونبذ كتاب الله جانباً .. وفي كل أسبوع كانت تكتب لنا في إحدى زوايا السبورة آية من كتاب الله، وتطلب منا تطبيق ما في هذه الآية من الأحكام.. وهكذا ظلتْ توالي من نصائحها إصافةً إلى نصائح بعض الأخوات حتى تركتُ قَصةَ الشعر الغربية عن اقتناع، وأنها لا تليق بالفتاة المسلمة المؤمنة، وأنها ليست من صفات أمهات المؤمنين.. فتحسن حالي -ولله الحمد- والتزمتُ بالحجاب الكامل من تغطية الكفين والقدمين بعدما كنتُ أنا وإحدى الصديقات نحتقر لبس الجوارب حتى إننا كنا نلبسه فوق الحذاء (!!) استهزاءً، ونضحك من ذلك المنظر.
أنهيتُ الثانوية العامة، والتحقتُ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وفي يوم من الأيام ذهبتُ مع إحدى الأخوات إلى مغسلة الأموات، فإذا بالمغسلة تغسَّل شابة تقارب الثالثة والعشرين من عمرها -وكانت في المستوى الثالث في الجامعة-.. ولا أستطيع وصف ما رأيت.. تُقلب يميناً وشمالاً لتُغسّل وتكُفّن، وهي باردة كالثلج.. أمها حولها وأختها وأقاربها، أتراها تقوم وتنظر إليهم آخر نظرة، وتعانقهم وتودعهم؟!.. أم تراها توصيهم آخر وصية.. كلا لا حراك.
وإذ بأمها تقبّلها على خديها وجبينها -وهي تبكي بصمت- وتقول: اللهم ارحمها.. اللهم وسعّ مدخلها.. اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة.. وتقول لها: قد سامحتك با ابنتي.. ثم يسدل الستار على وجهها بالكفن..
ما أصعبه من منظر.. وما أبلغها من موعظة.. لحظات وستوضع في اللحد، ويهال عليها التراب، وتسأل عن كل ثانية من حياتها.. فوالله مهما كتبتُ من عبارات ما استطعتُ أن أحيط بذلك المشهد..
لقد غيّر ذلك المشهد أموراً كثيراً بداخلي، وزهدني بهذه الدنيا الفانية.. وإني لأتوجه إلى كل معلمة، بل إلى كل داعية أيّاً كان مركزها، أن لا تتهاون في إسداء النصح وتقديم الكلمة الطيبة حتى وإن أقفلت في وجهها جميع الأبواب.. حسبها أن باب الله مفتوح.
كما أتوجه إلى كل أخت غافلة عن ذكر الله.. منغمسة في ملذات الدنيا وشهواتها.. أن عُودي إلى الله -أُخيّة- فوالله إن السعادة كل السعادة في طاعة الله..
وإلى كل من رأت في قلبها قسوة، أو ما استطاعت ترك ذنب ما.. أن تذهب إلى مغسلة الأموات؛ وتراهم وهم يغسلون ويكفنون.. والله إنها من أعظم العظات (وكفى بالموت واعظاً).
أسأل الله لي ولكن حسن الخاتمة.
أختكم أم عبد الله.
 

(11) توبة شاب مصري [17]

يقول المنصر جيفورد بالكراف: (متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه) [18].
في إندونيسيا المسلمة قام مجموعة من المنصّرين بتنصير عدد كبير من المسلمين مستغلين ما هو فيه من الجهل والحاجة، وبعد أن فرغوا من تعميدهم في الكنيسة قالوا لهم: والآن ماذا تريدون؟؟ قالوا: نريد أن نذهب مكة..[19]
إن العقيدة الإسلامية راسخة في قلوب المؤمنين رسوخ الجبال الرواسي، ولولا جهل كثير من المسلمين بدينهم، وشدة حاجتهم وفقرهم؛ ما تنصر مسلم واحد على وجه الأرض مهما انفق المنصرون وغيرهم من الأموال الطائلة لصد المسلمين عن دينهم، وأخراجهم منه.. يقول الله -عز وجل- : (إنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا يُنْفِقُونَ أموَالَهُمْ لِيَصُدُّوْا عَنْ سَبِيْلِ الله، فَسَيُنْفِقُوْنَهَا ثُمَّ تَكُوْنُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُوْنَ، وَالَّذِيْنَ كَفَرُوْا إلى جهنَّمّ يُحْشَرُوْنَ).
وقصة هذا الشاب شاهد على ما أقول.. يقول:
أنا شاب مصري من محافظة أسيوط، نشأت بين والدين مسلمين في سعادة غامرة إلا أن سعادتي لم تدم طويلاً إذ شاء الله أن يطلق والدي والدتي فقررنا -أنا واخوتي- العيش مع والدتي، مما جعل والدي يقطع عنا المصروف لنعيش في حال لا يعلمها إلا الله؛ من الفقر والحاجة.
كنتُ أعمل عملاً متواصلاً لتوفير لقمة العيش لي ولإخوتي، ولما ضافت بي الحياة في بلدتي الصغيرة قررتُ السفر إلى القاهرة للبحث عن عمل أفضل، فوجدتُ عملاً في أحد المقاهي وهنا تبدأ القصة، فقد تعرفتُ من خلال عملي هذا على أصدقاء كثيرين، من بينهم عدد من النصارى.. كانوا يعاملونني معاملة خاصة وباهتمام شديد.. فكنتُ أقضي معهم معظم الأوقات. نضحك ونلهوا. مع جهلي الشديد بديني حيث كنتُ منهمكاً في البحث عن الشهوات وتعاطي المخدرات أحياناُ على الرغم من حالتي الاقتصادية السيئة.
أعود إلى الحديث عن (أصدقائي) النصارى فقد كانوا خمسة، يعملون في مصنع للأحذية يمتلكه أحدهم، وشيئاً فشيئاً بدؤوا يحدثونني عن المسيح، ويخوضون معي في حوارات دينية.. وذات مرة دخلت عليهم في مصنعهم وهم يستمعون -من شريط مسجل- إلى ترانيم دينية لرجل نصراني كان يرتل بعض الأناشيد عن يسوع المسيح (عيسى عليه السلام) وأمه العذراء، ونحن المسلمـين نؤمن بعيسى -عليه السلام- عبداً ورسولاً، كما نؤمن بأمه العذراء، فلاحظوا عليّ تأثراً وانفعالاً.. فكانوا كلما غبتُ عنهم سألوا عني، وإذا علموا بقدومي إليهم أعدوا لي شريطاً دينياً ليسمعوني إياه، ثم يعدونني بشريط آخر جديد، وفي الوقت نفسه لا يردون لي طلباً مهما كان، وإذا أحضروا شيئاً من الطعام -كالجبن والسمك- حفظوا لي منه، في الوقت الذي أجد فيه معاملة قاسية من إخواني المسلمين بل من أقرب الناس إليّ، والدي -سامحه الله- الذي كان يعمل على تجويعنا وتحطيم حياتنا.
ثم بدأ هؤلاء النصارى يمنعون عني الأشرطة فكنت أشتاق إليها لجهلي، فيعدونني بها لكن لا يفون بوعدهم، فأصبحتُ حائراً، وبصراحة كرهتُ المسلمين، وبدأتُ أتقرب إلى النصارى بشدة(!!)
وذات مرة سألوني: ما رايك في دين المسيح؟.. قلت لهم: من الأديان السماوية ولا شك [20] .. ثم سألتُهم عن دين الإسلام.. فقالوا: إن الإسلام ليس ديناً صحيحاً.. قلتُ لهم: كيف ذلك؟!.. قالوا لي: ذات مرة كان المسيح -عليه السلام- يجلس مع تلاميذه، فسألوه: أأنت هو أم يوجد أحد بعدك فنتبعه؟ قال المسيح -والكلام لهم-: أنا هو لا يوجد غيري [21]..
أي أنهم لا يؤمنون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه كاذب...
ولم يكونوا يصرحون بذلك، وإنما يأتون بكلمات معسولة وبطرق ملتوية.. وهذا ما غرني بهم، وجعلني أقترب منهم أكثر، وأبتعدُ عن كل ما هو من الإسلام.. حتى بلغت بهم الوقاحة والجرأة إلى شتم الحبيب صلى الله عليه وسلم، بشتائم أعجز عن ذكرها، ولفرط جهلي كنت أصدقهم فيما يقولون -أسأل الله أن يغفر لي-.
واستمر هؤلاء في حوارهم معي، وتطرقنا لمسألة صلب المسيح، وجرنا الحديث إلى حقيقة المسيح -عليه السلام- فقلتُ لهم: كيف يكون عيسى -عليه السلام- إلها؟! قالوا: أولاً نحن لا نسمي المسيح عيسى، وإنما نسميه (يسوع).. قلت لهم إن اسمه عندنا عيسى.. قالوا: ألم نقل لك من قبل إن دينكم ليس بصحيح.
قلتُ: إذاً كيف يكون إلهاً؟! إن الرب عندما أرسل رسله إلى الناس وجدهم يعادون هؤلاء الرسل، ويعذبونهم، فقرر الرب (!!) أن ينزل إلى الأرض لكي يدعو الناس بنفسه، ولكن لو نزل على صورته الحقيقية مات الناس جميعاً، لذا قرر أن ينزل على صورة إنسان ويكون هو آخر الرسل إلى يوم القيامة فاختار امرأة كانت على قدر من التقوى.. إلى آخر تلك الخرافات التي يعتقدونها والتي لا تليق بالله -عز وجل- (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً).
ولفرط جهلي آنذاك قلتُ لهم: بالفعل هذا الصيحيح.
وتمضي الأيام وأنا أزداد منهم قرباً ومن الإسلام بعداً حتى أصبحوا يسخرون من المسلمين جميعاً ويشتمون الصحابة -رضي الله عنهم- وعلماء المسلمين كأبي حنيفة وغيره وأنا معهم في ما يقولون -أسأل الله أن يعفو عني ويغفر لي-.
ثم تحدثنا عن مسألة صلب المسيح فقلتُ لهم: إن القرآن يقول: (وما قتلوه وما صَلَبُوه وَلكنْ شُبّهَ لهم) [22] فقالوا: لقد حدثناك من قبل عن موضوع القرآن.. قلت: تعنون أن القرآن محرف؟. قالوا -والابتسامة تملأ وجوههم-: إنه لا أصل له نهائياً.
واقتنعتُ بكلامهم، وكرهتُ ديني الإسلام، كما كرهتُ كل مسلم على وجه الأرض، ثم سألتُهم: ما شعوركم حين تسمعون أن نصرانياً قد أسلم؟ قالوا: كأنك مررتَ بشارع فرأيتَ كلباً دهستْه سيارة فحزنتَ لذلك، ثم عدتَّ إلى البيت ونيستَ ما حدث.. أرأيت -أخي المسلم- إنهم يعتبرون المسلمين كالكلاب.. عفواً، فما كنتُ أريد أن أكتب كل هذا، ولكن لتتضح الحقيقة كاملة.
ثم بدؤوا يدعونني بشدة، وأنتظر لقاءهم بشوق حتى قال لي أحدهم لماذا لا تتنصر؟؟ قلتُ: إني أخاف أن يقتلني أهلي، قالوا: لا وهناك سنعطيك ما تريد.. فقلتُ: أمهلوني إذن أسبوعاً واحداً.
وفي هذا الأسبوع، وفي الأيام منه كنتُ أسبح في بحر من التفكير والهموم والخطرات المتلاحقة، وقبل نهايته بيومين عزمتُ على الذهاب إليهم للتخلي عن إسلامي، الذي لم أكن أعرفه حق المعرفة، وهنا أدعوكم أن تتأملوا معي لطف الله -عز وجل- فبينما أنا ذاهب إليهم وقد تعلق قلبي بهم، مررتُ في طريقي بمسجد صغير -وكان الوقت ظهراً- وجدتُّ المسجد مفتوحاً، وخالياً من المصلين، فدلفت إليه وقلتُ في نفسي: سوف أرى الآن هل الإسلام حق أم باطل.. فتوضأت وصليتُ ركعتين، ودعوتُ ربي وتضرعتُ إليه أن يهديني إلى الدين الحق، فشعرتُ بإحساس غريب يسري في كياني ويهزني هزّاً عنيفاً... أحسستُ بأني لستُ ذلك الرجل الذي سبّ دينه وأراد أن يتخلى عنه من أجل حفنة من المال أو الطعام.. وخرجتُ من المسجد مندفعا تسوقني أقدامي إلى ذلك المصنع.
دخلت عليهم دون تحية فإذا بهم يهابونني على غير العادة أحسست وكأن بداخلي بركاناً تأثراً يريد أن يتفجر.. وتفجر البركان.. وتكلمتُ بكلام طويل كأنما قد حفظته من قبل عن ظهر قلب.. كنتُ أتكلم بقوة وهم يستمعون إلىّ والدهشة قد عقدتْ ألسنتهم. لم أقف لحظة واحدة وكأنما هناك قوة تدفعني للكلام.. وآثار الوضوء لازالت تتقاطر من وجهي.
أحسستُ بأن الله ينصرني في وجه الباطل.. قلتُ لهم منفعلا: أريد أن أسألكم سؤالاً واحداً قبل أن أتنصر، إن أجبتم عليه تنصرت فوراً -وكنت واثقاً من أنهم لن يجيبوا عليه-.
قلت لهم -متهكماً- لنفرض أن المسيح هو الإله.. ففرحوا بذلك.. قلتُ: فكيف كان  حال الكون والمسيح والرب- حسب زعمكم- موجود في بطن امرأة من خلقه؟!.. كيف كان حال الدنيا ونظام الكون بأكمله وقد قتل المسيح الإله -بزعمكم- وصُلب.. هل الإله يقتل ويصلب؟؟ وهل الإله تحمله امرأة في بطنها؟!!
فرأيت الوجوم باد على وجوههم وقد صوبوا إليّ أبصارهم وهم في غاية الدهشة.
قلت لهم  -متهكما- لنفرض أن المسيح إله ولكن أليس الذي قتل المسيح وصلبه أقوى منه؟ فالأولى أن نعبد من قتله وصلبه.. ولكن أين الذين قتلوه -حسب زعمكم-؟ لقد ماتوا جميعاً.. ومن الذي أماتهم؟ إنه الله -عز وجل- فإن للكون إلهاً واحداً، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
قلت لهم أجيبوا.. فلم يجيبوا وبهتوا جميعاً، فخرجتُ مسرعاً وكأني قد ملكتُ الدنيا بأسرها، وتمنيت لو أحتضن كل مسلم يمشي على وجه الأرض وأطلب منه السماح بسبب ما ارتكبتُه في حقه.. لقد خنت ديني، وكدت أن أخلى عنه، ولكني أحمد الله الذي هداني وأعادني إليه، ووالله إن ديني خير من المال والطعام ومن كل متاع الدنيا الزائل.
ولكن هل تركني أهل الباطل؟ كلاً فقد أرسلوا ورائي أحد (البلطجية) ودفعوا له مبلغاً من المال لضربي والاعتداء عليّ ولكني لم آبه لذلك بل كنت مسروراً لأنني سأضرب في سبيل الله بعد أن انتصرت لديني وعقيدتي.

ولست أبالي حين أقتـل مسلماً *** على أي جنب كان في الله مصرعـي
وذلك في ذات الإله وإن يشـاء *** يبـارك على أوصـال سلو ممـزع

وتركتُ القاهرة وعدتُّ إلى بلدتي الصغيرة ولما أهتد بعد هداية كاملة فقد كنت أدخن بشراهة وأتردد على المقاهي، واستمع إلى الغناء المحرم، حتى قابلت رجلاً آخـر نصرانياً، وخضت معه في حوار حول الدين، فرآني أحد الإخوة الفضلاء -وكان يعلم ما حدث لي في القاهرة- فأبعدني عن هذا النصراني الكافر، وعرفني على أحد المشائخ الفضلاء، فأخبرتُه بما حدث لي فجعل يتعهدني بالرعاية والاهتمام، وأخذ بيدي إلى بر الأمان، فبدأت أصلي، وأقترب من المسلمين وأحبهم، وأسير على النهج الإسلامي القويم، وأنا الآن في العشرين من عمري.. وإني -بهذه المناسبة- أدعو المسلمين عامة والشباب خاصةً أن يعضوا على دينهم وألا يختاروا عنه بديلاً،  فهو الدين الحق الذي لا يقبل الله ديناً سواه.
قال تعالى: (وَمَنْ يَّبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ فَلَنْ يَّقْبل مِنه وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِيْنَ).
 

(12) توبة رجل عاص على يد ابنته الصغيرة

كان يقطن مدينة الرياض.. يعيش في ضياع ولا يعرف الله إلا قليلاً.
منذ سنوات لم يدخل المسجد، ولم يسجد لله سجدة واحدة.. ويشاء الله -عز وجل- أن تكون توبته على يد ابنته الصغيرة.
يروي القصة فيقول:
كنتُ أسهر حتى الفجر مع رفقاء السوء في لهو ولعب وضياع، تاركاً زوجتي المسكينة، وهي تعاني من الوحدة والضيق والألم ما الله به عليم، لقد عجزتْ عني تلك الزوجة الصالحة الوفية، فهي لم تدخر وسعاً في نصحي وإرشادي، ولكن دون جدوى...
وفي إحدى الليالي، جئت من إحدى سهراتي العابثة، وكانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحاً، فوجدتُ زوجتي وابنتي الصغيرة وهما تغطان في سبات عميق، فاتجهت إلى الغرفة المجاورة لأكمل ما تبقى من الفيديو.. تلك الساعات، والتي ينزل فيها ربنا -عز وجل-، فيقول: (هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه سؤاله؟..).
وفجأة.. فتح باب الغرفة، فإذا هي ابنتي الصغيرة التي لم تتجاوز الخامسة.
نظرِتْ إلىّ تعجب واحتقار، وبادرتني قائلة: (يا بابا، عيب عليك، اتق الله...). ردّدتْها ثلاث مرات، ثم ألقت الباب وذهبت.. أصابني ذهول شديد، فأغلقت جهاز الفيديو، وجلستُ حائراً وكلماتها لا تزال تتردد في مسامعي وتكاد تقتلني.. فخرجتُ في إثرها فوجدتها قد عادت إلى فراشها..
أصبحت كالمجنون، لا أدري ما الذي أصابني في ذلك الوقت، وما هي إلا لحظات حتى انطلق صوت المؤذن من المسجد القريب؛ ليمزق سكون الليل الرهيب، منادياً لصلاة الفجر.
توضأت، وذهبت إلى المسجد، ولم تكن لدي رغبة شديدة في الصلاة، وإنما الذي كان يشغلني ويقلق بالي، كلمات ابنتي الصغيرة.
وأقيمت الصلاة.. وكبر الإمام، وقرأ ما تيسر له من القرآن، وما إن سجد وسجدتُ خلفه ووضعتُ جبهتي على الأرض حتى انفجرتُ ببكاء شديد لا أعلم له سبباً، فهذه أول سجدة أسجدها لله -عز وجل- منذ سبع سنين.
كان ذلك البكاء فاتحة خير لي، لقد خرج مع ذلك البكاء كل ما في قلبي من كفر ونفاق وفساد، وأحسستُ بأن الإيمان بدأ يسري بداخلي..
وبعد الصلاة جلستُ في المسجد قليلاً، ثم رجعتُ إلى بيتي فلم أذق طعم النوم حتى ذهبتُ إلى العمل، فلما دخلتُ على صاحبي استغرب حضوري مبكراً فقد كنت لا أحضر إلا في ساعة متأخرة بسبب السهر طوال ساعات الليل، ولما سألني عن السبب، أخبرته بما حدث لي البارحة.. فقال: احمد الله أن سخر لك هذه البنت الصغيرة التي أيقظتك من غفلتك، ولم تأتك منيتك وأنت على تلك الحال.
ولما حان وقت صلاة الظهر، كنت مرهقاً حيث لم أنم منذ وقت طويل، فطلبتُ من صاحبي أن يتسلم عملي، وعدتُّ إلى بيتي لنال قسطاً من الراحة، وأنا في شوق لرؤية ابنتي الصغيرة التي كانت سبباً في هدايتي ورجوعي إلى الله؟
دخلتُ البيت، فاستقبلتني زوجتي وهي تبكي... فقلت لها: ما لك يا امرأة؟! فجاء جوابها كالصاعقة: لقد ماتت ابنتك..
لم أتمالك نفسي من هول الصدمة، وانفجرتُ بالبكاء.. وبعد أن هدأت نفسي، تذكرتُّ أن ما حدث لي ما هو إلا ابتلاء من الله -عز وجل- ليختبر إيماني، فحمدتُ الله -عز وجل- ورفعتُ سماعة الهاتف، واتصلتُ بصاحبي، وطلبتُ منه الحضور لمساعدتي.
حضر صاحبي، وأخذ الطفلة وغسّلها وكفّنها، وصلّينا عليها، ثم ذهبنا بها إلى المقبرة، فقال لي صاحبي: لا يليق أن يدخلها في القبر غيرك.. فحملتها والدموع تملأ عينيَّ، ووضعتها في اللحد.. أنا لم أدفن ابنتي، وإنما دفنت النور الذي أضاء لي الطريق في هذه الحياة، فأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلها ستراً لي من النار، وأن يجزي زوجتي المؤمنة الصابرة خيرالجزاء.
 

(12) توبة امرأة غافلة بعد موت زوجها (1)

ن. ع. ص. تحولت حياتها تماماً عندما مات زوجها، تروي لنا القصة فتقول:
كنا في زيارة لأخت زوجي فلما دخلنا (الشقة)، جلسنا في غرفة الاستقبال.. وفجأة وبدون مقدمات سقط زوجي على الكرسي.. صرختُ وأنا مذهولة.. توقعتُ كل شيء إلا أن يكون قد مات.. واتصلنا بالإسعاف وفجأة أخبرنا الطبيب أن زوجي مات.. مات.. مات.. صرتُ أبكي وأصرخ وأنا غير مصدقة لما قاله الطبيب.
لم يخطر ببالي شيء أقوله.. فلم أكن أعرف الله.. ولم أكن أصلي.. ولم أكن ملتزمة بالزي الشرعي.. غير أنني كنتُ خجولة وكنتُ أستحي من الناس.. وكانت نفسي تراودني أن ألبس لباساً ساتراً طويلاً.. إلا أن زوجي كان يمنعني ويعتبر أن هذا عودة إلى عهد (ستّي العجوزة)!!.
كان زوجي لا يصلي وكان بيننا وفاق وحب زائف.. لم يكن همنا سوى الأكل والشرب والفسح والخروج.. والتعرف على آخر موديلات الأزياء..
وبعد موت زوجي انتقلتُ إلى بيت أبي.. فإذا بأختي التي تصغرني بسبع سنوات تلبس الحجاب.. وكانت هي الوحيدة التي تواسيني بحرص وحب.. خففت من صدمتي، وعلمتني أن أقول دعاء ما سمعته من قبل (اللهم أؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها..) قلتها وأنا أبكي.. وعلمتني الصلاة.. وعلى الرغم من اني أعرف الصلاة إلا أنني شعرت أن صلاتي هذه المرة فيها خشوع وخضوع ولذة.. ولبست لباساً محتشماً.. ووجدتُ نفسي مستريحة من داخلي ومطمئنة.. والذي زاد من راحتي هو قراءة القرآن.. فبدأتُ أحفظ من قصار السور، وعلمتْني أختي أحكام التجويد.. واصطحبتْني معها لبعض الأخوات اللائي ملأن كل فراغي.. وقد بحثن لي عن زوج طيب، فحمدتُ الله الذي هداني.. وأسأل الله أن يغفر لي ما قد سلف.

هو المـوتُ ما منه ملاذٌ ومَهـرَب *** متى حُطَّ ذا عن نعشـه ذاك يركب
نشاهد ذا عيـن اليقيـن حقيقـة *** عليه مضى طفلٌ وكهـل وأشيب
ولكن علا الرانُ القلوب كأننـا*** بما قـد علمناه يقينـاً.. نكـذب
نؤمـل آمالاً ونـرجـو نتاجهـا *** وعلَّ الردى ممـا نرجيـه أقـرب
ونبني القصور المشمخرات في الهوى *** وفي علمنـا أنـا نمـوت وتخـرب
إلى الله نشكوا قسـوة في قلوبنـا *** وفي كل يومٍ واعظ المـوت ينـدب
 

(13) توبة فتاة غافلة (1)

التائبة ع. ص. س. تقول: سبب هدايتي بعد توفيق الله معلمتي الفاضلة..
ثم تروي قصة هدايتها فتقول:
كنت مغرية أشد الغرام بسماع الغناء الذي حرّمه الله ورسوله، فلا يكاد الحديث عنه وعن أخباره يفارق لساني في أي مجلس من المجالس.. كنتُ أتحدث عنه بسبب وبلا سبب حتى صار الغناء هو غذائي وهوائي ومائي، أستغني عن كل شيء ولا أستغني عنه.
جهاز التسجيل لا يفارقني ليلاً ونهاراً. أتابع أحداث (الفن) وكل جديد، عربياً كان أو غربياً.. لقد اتسحوذ عليّ الشيطان فلأنساني ذكر الله حتى صرت من حزبه، وكدتُّ أن أكون من الخاسرين لولا أن الله جل وعلا تداركني برحمته ومنّ عليّ بالهداية.
فقد شاء الله -عز وجل- أن تحضر معلمة جديدة، وكان ذلك في منتصف العام الدراسي تقريباً، كانت مربّية فاضلة وأمّاً حنوناً.. كانت تشفق عليّ وأنا أترنم ذهاباً وإياباً، فاستوقفتني مرةً، وقالت لي ألا تعرفين أن الغناء محرم؟ قلتُ: بلى ولكن، مضيعة وقت وتوسعة صدر، فكان ردي السخيف هذا لإسكاتها فقط... ومن تلك اللحظة وأنا أتحدى تلك المعلمة المؤمنة التي أرادتْ لي الخير والصلاح، فكنتُ كلما رأيتُها أشدو بإحدى الأغنيات، وأرفع صوتي متحديةً لها.
كنت –لفرط جهلي وضلالي- أعتبرها عدواً لي.. أما هي –جزاها الله كل خير- فكانت تنظر إليّ نظرة شفقةٍ ورحمةٍ، فأنا مع الشيطان وهي مع الرحمن.
قالت لي يوماً: ماذا تفعلين لو داهمك الموت وأنتِ على هذه الحال؟؟
قلتُ: إن الله غفور رحيم.. فقاطعتني قائلة: ولكنه شديد العقاب.
قلتُ: ولكن ماذا أفعل؟ لو لم أستمع إلى الغناء.. كيف أقضي وقتي؟!
قالت: اسمعي أشرطة إسلامية.. خطب، ندوات، محاضرات، أناشيد. فكأني أسمع ذلك لأول مرة.
قلتُ: ولكن من أين آتي بها؟!
قالت: الذي أحضر لك أشرطة الغناء يحضر لك الأشرطة الإسلامية المفيدة.
ولما رأتنْي جادة في قولي أحضرت لي شريطاً بعنوان (تحريم الغناء) وشريطاً آخر عن مشاهد يوم القيامة.
وفي المنزل.. عشتُ صراعاً عنيفاً مع نفسي الأمارة بالسوء ومع الشيطان، فتارة أخرج شريط الغناء من جهاز التسجيل وتارةً أخرج شريط الخطبة.. لا أدري إلى أيهما أستمع، إلى هذا أم إلى ذاك، وأخذت أقول: يا رب ماذا أفعل؟ وما هي إلا لحظات حتى وقع سمعي على أهوال يوم القيامة، ووصف الجنة والنار. فأحسستُ أن قلبي يكاد ينفطر وانفجرتُ بالبكاء حتى ظننت أني أبكي بدل الدموع دماً وشريط العمر يمر أمامي سريعاً.. أحاول أن أتناسها بالبكاء وبالنحيب ولكن دون جدوى.. فأسرع إلى ما لديّ من أشرطة الغناء أكسّرها واحداً تلو الآخر.. أحطم ما وقعت عليه يدي قبل عيني معلنة التوبة الخالصة لله تعالى ولسان حالي يقول: (جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً).
ونصيحتي لأخواتي المسلمات أن يحذرن من سماع الغناء، الذي لا يزيد الإنسان إلا بعداً عن الله تعالى وغفلة عن ذكره، وذلك -والله- هو الخسران المبين.
 

(14) توبة عدد من الإخوة والأخوات بعد قرائتهم للأجزاء الأولى من هذا الكتاب(1)

من الكويت بعثتْ إليّ الأخت مريم محمد برسالة تقول فيها: ... لقد قرأت كتاب (العائدون إلى الله) قبل قليل، وكم أثّر في نفسي، وحملني على الذهاب فوراً إلى خزانتي الممتلئة بالمجلات الفاسدة والأشرطة الأجنبية فقمتُ برميها في القمامة، أما الأشرطة فسوف أستبدل بها -بإذن الله- أشرطة قرآن.
أتمنى من الله العلي القدير أن يصل هذا الكتيب إلى يد كل مسلم ويقرأه ويأخذ العبرة مما فيه.
ومن السودان أرسل إلىّ الأخ بابكر محمد يوسف يقول:
... أنا شاب في العشرين من عمري، نشأتُ في أسرة متدينة، فوالدي رجل وقور متمسك بالإسلام وكان يحثني على أداء الصلاة منذ صغري.. ويراقبني، فأصبحتُ متمسكاٍ بالإسلام حتى بلغتُ الثانية عشرة من عمري حيث ابتعدتُ عن القرية التي يسكن فيها والديّ، وذهبتُ إلى المدينة لمواصلة تعليمي.. وفي المدينة تعرفتُ على أصدقاء، وقد كانوا بئس الأصدقاء.. فعلى أيديهم تعلمتُ كل أنواع الفساد، ومعهم سلكت طريق الغواية والضلال، وابتعدتُ عن طريق الهدى والنور، وتركتُ الصلاة، وأصبحتُ مسلماً بالاسم فقط.
وفي هذا الجو المعفم بالإحباط استمرت حياتي مع هؤلاء اللئام، أصبحتُ أعيش في فراغ قاتل تنقصه السعادة، وكنتُ كلما عزمتُ على التوبة يلاحقني أصدقاء السوء، فأعود إلى الضلال والتشرذم.
وأنا على هذه الحال من الضياع وفقدان الهوية إذ أراد الله بي خيراً.. فوجدت كتابك (العائدون إلى الله) وقد قرأتُه دون أن يؤثر فيّ حتى وصلت إلى الخاتمة: (إن في قصصهم لعبرة...) فاغرورقت عيناي بالدموع، وانفجرتُ بالبكاء، فأعدت قراءة الكتاب من جديد، وبدأت من الإهداء:
(إلى الغافلين عن الله والهاربين منه... إلى الذين ظلموا أنفسهم واسرفوا عليها بالمعاصي والذنوب...) وشعرت بأنك تخاطبني بهذه الكلمات، وكأن الكتاب قد أُهدي إليّ وحدي، فازددت في البكاء.. وهنا أحسست بأنه لابدّ من وضع حد لهذه المعاصي وهذا البعد عن الله.
ومن مكاني هذا قمتُ واغتسلتُ ونطقتُ بالشهادتين من جديد وأديتُ الصلاة وبدأتُ في قراءة القرآن..) إلى آخر ما ذكر في رسالته.
ومن الإمارات العربية المتحدة كتب إلىّ الأخ مروان محمد يقول:
أكتبُ لك هذه الرسالة بعد قراءتي للجزء الثالث من كتاب (العائدون إلى الله)، وأشكر الله على وصوله إليّ لأخذ العبرة والعظة منه والتوبة إلى الله من كل المعاصي التي وقعت فيها قبل قراءتي لهذا الكتاب.
والحقيقة أني قبل سنتين أو ثلاث كنتُ من الطيبين الملتزمين بدين الله ولكن كثرة أصحاب السوء حولي، وكثرة المغريات جعلتْني أنجذب إليها... ولكن بعد قراءتي لهذا الكتاب رجعتُ فحاسبت نفسي فوجدتُ أني على خطأ، وأرجو الله أن يتوب عليّ ويغفر لي.
ومن الإمارات أيضاً تلقيت هذه الرسالة من الأخ (ج. ع.) يقول فيها:
لقد كنت من الذين لا يحسبون للدين حساباً... كنت أتهاون بالصلاة، غير مبالٍ بشيء من الأخلاق والقيم، بل كنتُ من أصحاب المكالمات الهاتفية، مغشوش النفس، ساقطاً في قبضة الشيطان، أعيش في ظلام كالح لا يُرى فيه نور أبداً. وفي يوم من الأيام دخلتُ إحدى المكتبات فرأيت نسخة من كتاب (العائدون إلى الله) وعندما قرأتُه زادني إيماناً وهدايةً، وأرشدني إلى الطريق المستقيم.. لقد غيّر كل ما في حياتي... إلخ.

-----------------------
[1] أبى بعض القراء إلا أن يشاركني في إعداد هذا الكتاب فكانت هذه المشاركة الرائعة من أحد الأخوة من جدة، بارك الله فيه، وقد نشرتها كما هي دون زيادة أو نقصان.
[2] سمعتها منه بنفسي.
[3] نشرت في بعض الصحف والمجلات.
[4] الفنان معناه في لغة العرب الحمار، انظر لسان العرب، مادة (فنن).
[5] هذه القصة ذكرها المنفلوطي –رحمه الله- في 0العبرات)، وقد نبهني إليها أحد الاخوة –جزاه الله خيراً- وقد اختصرتها لطولها واشتمالها على بعض العبارات التي لا نوافقه عليها، ولا لو خشية الإطالة لذكرتها بتمامها مع التعليق على تلك العبارات.
[6] جميع علامات التعجب من عندي
[7] أي القديم نسبه إلى قبيلة عاد.
[8] سترى فيما بعد ما الذي حدث؟.
[9] اهتدى الرجل امرأته؛ جمعها إليها وضمها.
[10] الماخور: بيت الريبة.
[11] جريدة الجزيرة عدد (6999) عبد الله العلي.
[12] كتبتها لي بنفسها من الإمارات العربية المتحدة.
[13] الأمة الإسلامية عدد (17)، وطليطلة مدينة من المدن الأسبانية.
[14] لا يجوز للرجل أن يصاحب امرأة أجنبية عنه مهما ادعى أن علاقته بها نظيفة أو بريئة.
[15] كتبتها لي هذه التائبة بنفسها.
[16] قال تعالى: (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً)
[17] كتبها لي بنفسه.
[18] الإسلام على مفترق الطرق، لمحمد أسد.
[19] لست - بذكر هذه القصة- أقلل من شر التنصير والمنصرين. فالتنصير يجتاح العالم الإسلامي بطرقه ووسائله الملتوية الخبيثة، لا لمهارة المنصرين ولكن لضعف المسلمين وابتعادهم عن دينهم.
[20] الدين النصراني من الأديان السماوية قبل أن يطرأ عليه التحريف، وأما اليوم فهو كسائر الأديان البشرية الوثنية، ثم إن الإسلام جاء ناسخاً لجميع الأديان السابقة. قال تعالى: (ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
[21] كذبوا على أنفسهم وعلى المسيح -عليه السلام- فإن نبينا محمداً، صلى الله عليه وسلم، مذكور في الأناجيل الصحيحة التي لم تمسها أيدي النصارى.
[22] سورة النساء، الآية: 157.
 


مع الشكر لموقع عـودة و دعـوة
http://www.awda-dawa.com/
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

قصص مؤثرة

  • قصص الرسول
  • قوافل العائدين
  • قصص نسائية
  • قصص منوعة
  • الحصاد المر
  • مذكرات ضابط أمن
  • كيف أسلموا
  • من آثار الدعاة
  • قصص الشهداء
  • الصفحة الرئيسية