صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







من ذكريات بعثة الدكتوراه
خاص لمن يهمهم ما دارفي بهو الماريوت من المستثقفين..
حجاب زوجتي!

الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد الباري


سافرت في مايو عام 1975 إلى سلوفانيا – وكانت إحدى جمهوريات الاتحاد اليوغوسلافي السابق، وكانت كل من البوسنة والهرسك ، وكوسوفو ، وكرواتيا ، وصربيا كذلك. سافرت للتحضير لدرجة الدكتوراه في فسيولوجيا الجهاز العصبي في الحشرات.  وكنت قد نلت من كلية الزراعة جامعة الإسكندرية درجة الماجستير في نفس التخصص في عام 1971 قبل حرب أكتوبر1973 تحت إشراف الأستاذ الدكتور أحمد الشاذلي، رحمه الله، وقد كان ابن عم الفريق أول سعد الدين الشاذلي رئيس هيئة الأركان وقائد حرب أكتوبر- رمضان الحقيقي، حفظه الله.

كانت دراستي في معهد الباثوفسيولوجى بكلية الطب جامعة ليوبليانا.  وليوبليانا مدينة جميلة وهى عاصمة سلوفانيا حتى الآن.  لم أر أجمل من سلوفانيا والبوسنة وريفها وسراييفو الحبيبة.

كانت لجنة الإشراف على الدكتوراه مشكلة من البروفيسور "آداميتش" والبروفيسور "برزين" من كلية الطب وثالثهما البروفيسور "جوجالا" من كلية التكنولوجيا الحيوية من نفس الجامعة.  جامعة ليوبليانا.

خصصت كلية الطب لي معملا مستقلا تماما.  وكان موضوع الدكتوراه عن  "حركة الكولين عبر أغشية الخلايا العصبية في الجهاز العصبي المركزي لحشرة أونكوبيلتس فاسكياتاس".
عشت مع الجهاز العصبي لتلك الحشرة ووضعت يدي على عجائب تنظيم الله في خلقه، ولكن لتلك قصة أخرى قد أتكلم عنها إن أحياني المولى عزّ وجل.
عشت بفضل الله في كلية الطب ثلاث سنوات الدكتوراه عزيزا كريما مهابا، فقد فهمني الجميع وأولهم المشرفان أساتذة الطب.  فقد وجدوا أن سلوكي لم يتغير مطلقا تحت أي ظرف من الظروف.


البروفيسور "جوجالا" أستاذ كلية التكنولوجيا الحيوية وفر لي الحشرة موضوع الرسالة وذهب معي إلى غابة على مسافة 400 كيلومتر للحصول على غذائها.  فقد كانت نوع من البق النباتي يتغذى بامتصاص الزيت من بذور نبات يسمى حشيشة اللبن.


جاءني البروفيسور "جوجالا" إلى معملي بكلية الطب يوما، وعرض علىّ أن أقطن أنا وزوجتي مع والدته (84 سنة) لأنها تعيش وحدها في شقة كبيرة مكونة من 4 غرف كبيرة.  وقال لي أنه من حسن حظي أنها تجيد الانجليزية، حيث أغلب أهل ليوبليانا يتحدثون لغتهم السلوفانية ومعها الألمانية ولا يتحدثون الانجليزية ( ولكنني كنت أتحدث مع كل الأساتذة الأطباء في كلية الطب بالانجليزية وأعدّ رسالتي بالانجليزية، ولكنهم يدرّسون لطلابهم الطب وغير الطب في الجامعة باللغة السلوفانية)


وافقت على الفور على اقتراح البروفيسور "جوجالا" مشيرا إلى أنني لي شروط غير مادية لكي أوافق على السكن معها.  لم يناقش معي تلك الشروط، ولم يبد رغبة في معرفتها، ولكنه أعطاني عنوان والدته ورقم هاتفها وقال لي: "تستطيع أن تناقش شروطك مع والدتي". وافقت على اقتراحه لقرب سكن والدته من كلية الطب، وحتى لا تبقى زوجتي وحدها أثناء عملي في الكلية.


اتصلت هاتفيا بوالدته، وتواعدنا على اللقاء عندها في وقت حددناه.  ذهبت إليها وحدي في الميعاد بالضبط، واستقبلتني مرحّبة وأطلعتني على الشقة وعلى الغرفة التي سوف أعيش فيها، وأبدت استعدادها على أن أشارك في كل شيء بنسبة العدد.  أي أنا أدفع ثلثي جميع التكاليف (ماء – كهرباء – إيجار الشقة – الغاز – الزبالة – التدفئة – تكاليف التنظيف والإصلاحات وهكذا). قلت لها أنني موافق على كل ذلك، ولكنني لكي أوافق على المعيشة معها لي شروط.


 قالت: ماهى شروطك؟

  قلت: هي:

1- 
"زوجتي لا يراها أي رجل يأتي البيت من طرفك وأولهم على الإطلاق هو ابنك البروفيسور ماتياش جوجالا. فإذا حضر إليك في أي وقت سواء كنت أنا موجودا أو لست موجودا يجب أن تنبهي زوجتي لتدخل غرفتها قبل أن تفتحي له الباب.  أنت وحدك أو أقربائك أو صديقاتك أو جيرانك من النساء يمكنكم قضاء أي وقت شئتم مع زوجتي .  ولكن يمنع تماما ذلك بالنسبة للرجال".

 نظرت لي متفحصة في صمت ثم قالت:  "الشرط الثاني؟"

2- 
قلت: "لا مجال لتدخلك في شئوننا وحياتنا الشخصية التي سوف تجديها مختلفة عن نمط حياتكم بعض الشيء، فأننا سوف لن نتغير مهما مكثنا سويا، فعليك احترام نظامنا في الحياة، وبالطبع سيكون نظامكم محل احترام كبير من ناحيتنا".

 سكتت ثم قالت :  "وبعد ؟"

3- 
قلت: "نحن لا نأكل لحوم الخنزير مطلقا، ولا نشرب الخمر مطلقا، ولا يتلامس نسائنا مع الرجال.  بناء على ذلك سوف نقتسم الثلاجة (المبرّد)، فسيكون الرفين العلويين لنا والرفين السفليين لك، لا نستغل أرففك في الثلاجة مطلقا ولا تستغلى أرففنا مطلقا.  كذلك سوف نقتسم كل أدوات المطبخ والأدوات التي تحتاج إلى التكرار سوف أشتريها أنا فلا تستعملي أدواتي ولا أستعمل أدواتك مطلقا".

ظلت تتابعني بنظراتها المترقبة المتفحصة ثم قالت: "وبعد ؟"

4- 
قلت: "فيما عدا ذلك فسوف تجدين منى ومن زوجتي كل عون وكل مساعدة، وسوف تسعدين لما سيكون بيننا من تعاون واهتمام".

قالت السيدة العجوز "جوجالا" بعد برهة: "أنا موافقة تماما على كل ما قلت".
قلت لها: "تأكدي يا سيدة جوجالا أننا لن نتغير أبد ولن نغيّر من أسلوبنا في الحياة مطلقا، فأرجو أن تراجعي نفسك جيدا".
قالت: "أنا موافقة وأحضر زوجتك ومتاعك اليوم".


عشنا سويا على ذلك المنوال، غير أنها كلما لاحظت تصرفاتنا وانضباطنا تتصل بأصدقائها وجيرانها هاتفيا وتنقل لهم الصورة بحذافيرها وبخاصة في رمضان. وكانت كلما شغّلنا الكاسيت بالقرآن الكريم تتساءل عن ذلك الكلام،  وكلما شغلت شرائط الشيخ كشك رحمه الله تتساءل باهتمام وفضول إن كان ذلك سياسة !!


بعد نحو خمسة أو ستة شهور طلب منى ابنها البروفيسور "جوجالا" أن أذهب إليه في كلية التكنولوجيا الحيوية لبحث بعض النقاط العلمية، وكان يوصى تلاميذه من المعيدين والمحاضرين بتذليل أي عقبات تصادفني في تربية الحشرة موضوع البحث. ولكنّ البحث نفسه كان منوطا بكلية الطب. وبعد أن فرغنا من الحديث العلمي بادرني وفاجأني قائلا:


"مستر هاشم، قل لي لماذا تغطى زوجتك رأسها دائما ؟"

فاجأني السؤال، وهو لم يكن يرى زوجتى مطلقا فى البيت، ولكنه لم يرها الا فى الشارع عندما ننزل للتسوق دون أن يتقابل معنا مطلقا، ولكنّ الله ألهمني بالرد الفوري فقلت له:
"بروفيسور ماتياش، زوجتي لا تغطى رأسها دائما وإنما فقط عندما يكون هناك رجال غرباء أو حينما تخرج إلى الشارع وزوجتي ليس فيها عيب تخفيه!"


قال البروفيسور جوجالا: "ولكن لماذا ذلك ؟"

قلت: "لأنّ تلك هي تعاليم الإسلام الذي ندين بها ونتخذه منهجا لحياتنا نحن المسلمون"


قال: "ولكنكما لستما الآن في مصر حتى تلتزما بهذا المنهج!"

قلت له: "المنهج من عند الله، والله في مصر والله في ليوبليانا والله وفى كل أنحاء العالم وفى السماء وفى الأرض ومعنا أينما ذهبنا".


قال: "أنا أفهم (
I see)، ولكنكم تعيشون الآن في بيئةMedium)) مختلفة عن بيئتكم في مصر، ومن اللائق أن تسايروا البيئة التي تعيشون فيها، وعندما تعودون إلى مصر تعودون إلى نظام حياتكم هناك!"
قلت: "المسلم يعيش حياته في أي بيئة وفى أي وسط ولا تؤثر فيه العادات والنماذج المخالفة للإسلام.  ولا تسمح لنا أخلاقنا الإسلامية أن نترك منهجنا ونساير البيئات المتنوعة التي قد نوجد ونعيش فيها".


قال: "كانت المسلمات في البوسنة يرتدين الحجاب مثل زوجتك، ولكن قوانين تيتو منعت ذلك، فلماذا تكون زوجتك هي الوحيدة في مدينة ليوبليانا التي تلبس الحجاب؟"

قلت: "أنا رأيت أن الأكثرية الساحقة من نساء البوسنة يرتدين الحجاب، وكل نساء ريف البوسنة على الإطلاق يرتدين الحجاب، وقوانين تيتو الاجتماعية تنطبق عليكم أنتم هنا ولكنها لا تنطبق علينا نحن".


قال: "من الذوق أن تتجاوبوا مع البيئة التي تعيشون فيها الآن، وعندما تنهى رسالتك وتعود إلى مصر افعل ما شئت تبعا لدينكم!"

قلت: "من الذوق أن يتحمّل عشرون مليونا أو أكثر عادات ومنهج شخصين فقط لا يشكلان مضايقة لهم وهما أحرار، ولكن ليس من الذوق أن يجبر عشرون مليونا شخصين على مجاراتهم في السلوك،

ولكن دعني أفهمك شيئا،  أنت أحد المشرفين علىّ في رسالة الدكتوراه، وأنت تشرف علىّ علميّا فقط، ولكن لا تشرف على حياتي الاجتماعية، أذا لم يعجبك أدائي من الناحية العلمية لك أن تأمرني بالإعادة فأعيد، ولك أن تأمرني بالتحسين والتطوير فأحسّن وأطوّر.  ولك أن تطلب منى الإعادة والتطوير مرات ومرات وأنا علىّ الطاعة والاستجابة.  إذا لم يعجبك ذلك بعد، وإذا لم أعجبك أنا كباحث، ما عليك إلا أن تكتب تقريرا بذلك إلى كلية الطب لكي يعيدوني إلى بلدي بلا دكتوراه من عندكم. ولكن ليس لك أن تناقشني بعد ذلك في حجاب زوجتي أو في سلوكي الاسلامى، ولن أقبل"


قال: "زملائك المصريون والعرب المسلمون يرقصون ويشربون وزوجاتهم لا يغطين رءوسهن ونحن نرى ذلك!"

قلت: "كل إنسان سواء كان مسلما أو غير مسلم مسئول أمام الرب عن أفعاله وسوف يحاسب عليها، ّ يختار الطريق الذي يسلكه، وأرجو إن كان هناك أمرا علميا فلنبحثه الآن".

عندها أوقف النقاش في مسألة حجاب زوجتي نهائيا وفيما بعد، حتى أتممت رسالتي.  وكانت رسالة رائعة حقا، وكانت أول رسالة في العالم عن أخذ الكولين بواسطة أغشية الخلايا العصبية في دماغ الحشرات وتحويله حيويا إلى مادة الأستيل كولين.  تلك المادة المسئولة عن النقل الكيميائي للنبضات العصبية في الجهاز العصبي المركزي لكل من الإنسان والحشرات على السواء.  ولتلك قصة أخرى.


ترى هل أصابني أي مكروه عندما وقفت هذا الموقف أمام أستاذي المشرف؟  كلا والله!  هل آذاني في نفسي أو في دراستي أو في زوجتي؟  كلا والله! هل احتقرني أو تشاجر معي ؟ كلا والله! هل نقص منى رزق أو ذراع أو عين أو أذن ؟ كلا والله كلا!

فلم أجد منه ولا من أمه ولا من بقية المشرفين على الرسالة ولا من أساتذة كلية الطب ولا من الزملاء  ولا من التقنيين إلا كل تقدير وكل احترام.  بل أصرّ ذلك البروفيسور "جوجالا" نفسه عند سفري عائدا إلى وطني على أن يوصلني وزوجتي وابني وأمتعتي إلى مطار ليوبليانا بنفسه بسيارته، قاطعا مسافة عشرات الأميال.  وكاد يبكى وكادت زوجته تبكى عند رفضت ذلك معتذرا مشفقا عليه، ولكنه أصر.  عندما أوصلني للمطار أصرّ على أن يحمل أمتعتي بنفسه وعانقني عناقا حارا مودعا وعانقت زوجته زوجتي عناقا حارا، متوقعين لي مستقبلا طيبا ومتمنين لنا كل خير.


ومما يدعو للعجب، وبعد عودتي إلى الوطن كنت أسمع الكثير والكثير حتى اليوم  وحتى في النت وفى الكلية وفى الجامعة وفى كل الجامعات من شكاوى الطالبات من أساتذة ومحاضرين مسلمين يهاجمون الحجاب ويحضّون الطالبات على خلعه.


ترى هل كل من اشتغل بالعلم وكل من حصل على دكتوراه وكل من قرأ كلمتين انجليزي وكل من تكلم كلمتين انجليزي وكل من أمسك بمرجع انجليزي نسى نفسه، وراح ينحر وراح ينخر في دينه، ويستحى من دينه، ويتنصل من دينه ويتبرأ منه وينسلخ منه كما ينسلخ الثعبان من جلده، وهو لم يتخلص بعد من لهجته القروية التي توحي بسلامة فطرة أهله؟؟؟؟؟؟!!!!!!!


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

للنساء فقط

  • المرأة الداعية
  • رسائل دعوية
  • حجاب المسلمة
  • حكم الاختلاط
  • المرأة العاملة
  • مكانة المرأة
  • قيادة السيارة
  • أهذا هو الحب ؟!
  • الفتاة والإنترنت
  • منوعات
  • من الموقع
  • شبهات وردود
  • فتاوى نسائية
  • مسائل فقهية
  • كتب نسائية
  • قصـائــد
  • مواقع نسائية
  • ملتقى الداعيات
  • الصفحة الرئيسية