صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لا يستغنى عن الفتاوى الشرعية في منع قيادة المرأة السيارة بفتوى غير شرعية

عبدالمحسن بن حمد العباد البدر

 
شريعة الله كاملة شاملة أحوال العباد كلها الاجتماعية والتربوية والتعليمية والاقتصادية والسياسية وغير ذلك؛ لأنها منزلة من الله الحكيم العليم، العالم بأحوال العباد وما يحتاجون إليه في أمور دينهم ودنياهم، قال الله عز وجل: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دين }، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك)) حديث صحيح، رواه ابن أبي عاصم في السنّة (48) عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ، ورواه أيضا (47) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ، وفي صحيح مسلم (262) عن سلمان رضي الله عنه قال: قيل له:((قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة، قال: فقال: أجل! لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم))، وهو يدل على كمال الشريعة واستيعابها لكل ما تحتاجه هذه الأمة، حتى آداب قضاء الحاجة، وفي صحيح البخاري (5598) عن أبي الجويرية قال:((سألت ابن عباس عن الباذق، فقال: سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق، فما أسكر فهو حرام، قال: الشراب الحلال الطيب، قال: ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث))، والباذق نوع من الأشربة، والمعنى أن الباذق لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم ، ولكن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مستوعب له وغيره، وذلك في عموم قوله صلى الله عليه وسلم :((ما أسكر فهو حرام))، فإن عموم هذا الحديث يدل على أن كل مسكر مما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم أو وجد بعد زمنه - سواء كان سائلاً أو جامداً - فهو حرام، وأن ما لم يكن كذلك فهو حلال؛ وقال الإمام ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين (4/375-376) في بيان كمال الشريعة، قال:((وهذا الأصل من أهم الأصول وأنفعها، وهو مبني على حرف واحد، وهو عموم رسالته صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم، وأنه لم يُحْوج أمته إلى أحد بعده، وإنما حاجتهم إلى من يبلِّغهم عنه ما جاء به، فلرسالته عمومان محفوظان لا يتطرق إليهما تخصيص، عموم بالنسبة إلى المرسَل إليهم، وعموم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه مَن بُعث إليه في أصول الدين وفروعه، فرسالته كافية شافية عامة، لا تحوج إلى سواها، ولا يتم الإيمان به إلا بإثبات عموم رسالته في هذا وهذا، فلا يخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه الأمة في علومها وأعمالها عما جاء به، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر للأمة منه علماً، وعلَّمهم كل شيء حتى آداب التخلي وآداب الجماع والنوم، والقيام والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول، والسفر والإقامة، والصمت والكلام، والعزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت))، إلى أن قال:((وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برمَّته، ولم يُحْوجهم الله إلى أحد سواه، فكيف يُظن أن شريعته الكاملة التي ما طَرق العالَم شريعةٌ أكمل منها ناقصة، تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها؟! ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده، وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك، وقلة نصيبه من الفهم الذي وفَّق الله له أصحاب نبيه الذين اكتفوا بما جاء به، واستغنوا به عما سواه، وفتحوا به القلوب والبلاد، وقالوا: هذا عهد نبينا إلينا، وهو عهدنا إليكم)).

بعد إيراد هذه المقدمة في كمال الشريعة، أقول: إن من المؤسف أن يتصدى بعض الكُتاب ومن لا علاقة لهم بالعلم الشرعي للكلام في بعض الأمور الخطيرة، مهوِّنين من شأنها، زاعمين أنه لا يوجد شرعاً ما يمنع منها، مثل قيادة المرأة للسيارة، التي تؤدي إلى أن تذهب المرأة كيف شاءت، وتختلط بمن شاءت دون حفيظ لها أو رقيب عليها، ومما قاله أحدهم في أحدى الصحف:((إنه لا يوجد مانع شرعي إسلامي لقيادة المرأة للسيارة ... وأن قيادة المرأة السعودية للسيارة شأن اجتماعي وليس حكومياً، ولا يحتاج إلى إصدار فتوى شرعية!!!)).

وهذه منه فتوى غير شرعية استغنى بها عن إصدار فتوى شرعية!، وكيف يُظن أو يُتصوَّر أن تكون الشريعة الإسلامية الكاملة تخلو من وجود مانع لقيادة المرأة السيارة، وهو من الأمور الخطيرة التي يترتب عليها أضرار كبيرة، وهي الشريعة العظيمة التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، وسد المنافذ التي توصل إليها؟! ومن القواعد الشرعية سد الذرائع الموصلة إلى الحرام، وأن الوسائل التي توصل إلى غايات محرمة محرمة، ولا شك أن قيادة المرأة للسيارة يترتب عليه ترك الحجاب واختلاط النساء بالرجال وتيسر وصولها إلى ما فيه ضررها، وقد قال الله عز وجل : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم }، فقد نهى الله في هذه الآية الكريمة عن سب آلهة المشركين مع أنه حق إذا ترتب عليه قيام المشركين بسب الله سبحانه وتعالى، وثبتت السنة بتحريم الخلوة بالأجنبية ولو في إقراء القرآن، وسفر الأجنبي بها ولو للحج وزيارة الوالدين؛ سدّاً لما يحاذر من الفتنة وغلبات الطباع، ففي صحيح البخاري (1862) ومسلم (3272) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله! إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج؟ فقال: اخرج معها))، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الرجل السائل في هذا الحديث إلى ترك الجهاد ليسافر مع امرأته للحج، قال ابن القيم في الطرق الحكمية (ص280) :((ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفُرَج ومجامع الرجال))، وقال (ص281) :((ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة))، وقال:((فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا؛ بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية - قبل الدين - لكانوا أشد شيء منعا لذلك)).

وهذا الذي ذكره ابن القيم من وجوب قيام ولاة الأمور بمنع اختلاط النساء بالرجال وكذا منع كل ما يؤدي إليه لما يترتب عليه من الأضرار الكبيرة يوضح فساد الفتوى غير الشرعية في أن قيادة المرأة السعودية للسيارة شأن اجتماعي وليس حكوميا، وكيف لا يكون حكوميا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته)) الحديث، أخرجه البخاري (893) ومسلم (1829) ؟! .

وأسأل الله عز وجل أن يحفظ على هذه البلاد أمنها وإيمانها وعفتها وطهرها، وأن يوفق الكُتاب وغيرهم لترك الكلام في مثل هذه الأمور الخطيرة بغير علم، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

للنساء فقط

  • المرأة الداعية
  • رسائل دعوية
  • حجاب المسلمة
  • حكم الاختلاط
  • المرأة العاملة
  • مكانة المرأة
  • قيادة السيارة
  • أهذا هو الحب ؟!
  • الفتاة والإنترنت
  • منوعات
  • من الموقع
  • شبهات وردود
  • فتاوى نسائية
  • مسائل فقهية
  • كتب نسائية
  • قصـائــد
  • مواقع نسائية
  • ملتقى الداعيات
  • الصفحة الرئيسية