بسم الله الرحمن الرحيم
جاء الإسلام بالحث على كل خير، والتحذير من كل شر، ومما جاء الإسلام بالحث
عليه، وإباحته: "تعدد الزوجات"؛ لما في ذلك من المصالح العظيمة، والفوائد
الجليلة للرجال والنساء خاصة، وللمجتمع عامة، ولم يترك ذلك عبثا أوهملاً،
بل وضع له ضوابط صارمة، وشروط مشددة؛ وهذه منقبة من مناقب الإسلام العظيمة،
ومحمدة من محامده الحسنة؛ كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة النبوية
الصحيحة، ودل عليه الواقع، وشهد به المنصفين من أعداء الملة!.
ومع هذا كله؛ فهناك ثلة من أعداء الإسلام اللئام؛ طفحت قلوبهم حقداً على
الإسلام ونبيه -عليه الصلاة والسلام- وعميت بصائرهم وأبصارهم عن محاسنه
العظيمة، فتطاولت ألسنتهم بإثارة شبهات عديدة حول "تعدد الزوجات في
الإسلام"، وسطرت ذلك أقلامهم، وطفحت بذلك كتبهم، وضجت به قنواتهم.
وعجباً لهؤلاء المستشرقين الذين تكتظ بلادهم باللقطاء والمشردين، وتئن
أسرهم من التفكك والانحلال، وتمزق أعراض نسائهم سراً وجهاراً، وتوضع
كرامتهن التي يتشدقون بها في أوحال الرذيلة، ثم يرمين في الشوارع والطرق
يجنين ثمار الذل والهوان والعار والحرمان.
وبعد كل هذا يتبجحون في غير حياء ولا خجل؛ بشن حملاتهم الدنيئة ضد الإسلام،
ونبيه وقرآنه والمسلمين، بشأن إباحة تعدد الزوجات، متهمين الإسلام بأنه
بإباحة التعدد قد اضطهد المرأة وجعلها متعة في يد الرجال يستغلونها في
إرضاء شهواتهم ونزواتهم.(هيكل،1402هـ،ص78).
الحق شمس ساطعة قوية، يحاول أعداؤه أن ينفثوا حوله السموم والشبهات،
ليطفئوا بها هذا النور، ولكن الله - سبحانه وتعالى - يحق الحق ولو أبى أهل
الباطل. فهم وسفائهم ومؤامراتهم علي المرأة خاصة كالغيمة التي يمكنها أن
تحجب النور للحظات ولكن سرعان ما تنقشع.
وإن الإسلام لم يبتدع التعدد، ولم يأمر بالتعدد علي سبيل الوجوب، وإنما رخص
فيه وقيّده. ولقد وُجد التعدد قبل الإسلام لدى كل من الأثينيين، والصينيين،
والهنود،والبابليين، والأشورين، والمصريينالقدامىوالعرب قبل الإسلام، وفي
الديانة اليهودية أيضاً أبيح التعدد بدون حد، ولم يرد في المسيحية نص صريح
يمنع التعدد(السباعي، 1420هـ، ص71-72).
ومن هنا جاءت الردود حول الشبهات التي أثيرت حول قضية تعدد الزوجات، والتي
أحيطت من قبل بأوهام وأباطيل أدعوها، يخدعون بها المرأة لتضل الطريق وتنحرف
عن دينها، ولكن الله لهم بالمرصاد.(عاشور،1426هـ، ص184).
ومن هنا تأتي أهمية تبصير المرأة المسلمة بما يحاك لها من الشبهات
والمؤامرات، وما ينصب لها من أهواء المضللين مهما تزخرفت وتزينت، وأخذ
العبرة من الواقع المؤسف الذي هبطت إليه المرأة التي تأثرت بهذه التقاليد
الفاسدة. وبيان الرد عليها من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
ومن أبرز الشبهات التي يثيرونها حول تعدد الزوجات في الإسلام ما يأتي:
الشبهة الأولى: عدم مساواة المرأة بالرجل في
التعدد. حيث إن الإسلام حرم المرأة من حق التعدد، وفي هذا اعتداء على مبدأ
المساواة بين الجنسين. وأباح تعدد الزوجات لمصلحة الرجل على حساب المرأة!
وذلك بتلبيته لرغبات الرجل وانتقاصه من حقوق المرأة في المعاملة بالمثل!
فلم يجز لها أن تقترن بأكثر من رجل في آن واحد، كما أجاز ذلك للرجل!. ففي
التعدد اعتداء على مبدأ المساواة بين الزوجين بإعطاء الرجل التعدد ومنع
المرأة هذا الحق. (هيكل،1402هـ،ص78).
الشبهة الثانية: أن الإسلام أهدر كرامة
الزوجة التي يقترن زوجها بأخرى، أو أخريات، ولم يعبأ بمشاعرها وأحاسيسها!.
ففي التعدد إهدار لكرامة المرأة وإجحاف بحقوقها وظلم لها،حيث يشاركها غيرها
في زوجها وينازعها سلطة بيتها(هيكل،1402هـ،ص78).
الشبهة الثالثة: أن تحقيق العدل بين الزوجات
مستحيلاً! وأن القرآن يعترف باستحالة العدل بين الزوجات وربما استدلوا على
ذلك بجزء من آية: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ
وَلَوْ حَرَصْتُمْ } [النساء : 129].
الشبهة الرابعة: منع النبي صلى الله عليه
وسلم التعدد؛ حين أنكر على عليٌ بن أبي طالب رضي الله عنه الزواج على ابنته
فاطمة.(موسوعة بيان الإسلام،ج19،ص45).
الشبهة الخامسة: أن الرجل إذا تزوج بأكثر من
امرأة أدى ذلك إلى كثرة النسل، وبالتالي يؤدي إلى انتشار الفقر، ففي التعدد
مجال لكثرة النسل وهو مظنة العيلة والفقر. وكثرة البطالة في البلاد!.
(هيكل،1402هـ،ص79).
هذا هو مجمل الشبهات التي أثارها المستشرقون ضد الإسلام والمسلمين، حول
قضية التعدد فتلقاها عنهم المستغربون بألسنتهم دون أن يمرروها على آذانهم
فضلا عن عقولهم.(هيكل،1402هـ،ص78-79).
الرد على الشبهات المثارة حول تعدد الزوجات من الكتاب والسنة
إن الإسلام لم ينشئ نظام التعدد، ولم يوجبه ولم يرغب فيه. وإنما وجده
مباحاً مطلقاً من كل قيد وشرط،فقيده، وهذبه وأحاطه بما يجعله رحمة وخيراً
للعباد إن نفذوا تعاليم الإسلام فيه.
فإذا وجد في المسلمين- وخاصة في العصر الحالي الذي جهلوا فيه أحكام دينهم
وابتعدوا عن تعاليمه-من اتخذ تعدد الزوجات ملهاة واستهتاراً بحقوق المرأة
وحرمة الأسرة، ضاربا بأحكام دينه وتعاليمه عرض الحائط، فإن الإسلام لا
يتحمل وزرهم والإسلام والمسلمون منهم براء. (هيكل،1402هـ،ص79).
وفيما يلي الرد على الشبهات التي أوردتها، كل شبهة على حدة؛ وذلك على النحو
التالي:
-الرد على الشبهة الأولى:
أولاً: أن تعدد الزوجات ليس خاصاً بالإسلام، فقد كان موجوداً قبل مجيئه
بآلاف السنين، وكان ذلك من دون قيد أو شرط، بخلاف الإسلام فقد وضع لذلك
ضوابط صارمة، وشروط مشددة، وما يدل على أن تعدد الزوجات كان موجوداً قبل
الإسلام أنه: كان للفرعون الشهير رمسيس الثاني ثمان زوجات، وعشرات
المحظيات، وأنجب منهن أكثر من مائة وخمسين ولدًا وبنتًا، وأسماء الجميع
منقوشة على جدران المعابد، وأجساد بعضهن موجودة حتى الآن بالمتاحف.
وكان لفرعون موسى عِدَّة زوجات منهن السيدة آسيا -رضي الله عنها- التي ربّت
موسى-عليه السلام- وكانت قد احتضنته رضيعًا ومنعت فرعون من قتله لتتخذه
ولدًا.(شفيق،ص4).
ثانياً: أن تعدد الزوجات كان مباحاً في شرائع الأنبياء قبل نبوة نبينا محمد
-عليه الصلاة والسلام- وقبل نزول القرآن عليه؛ فقد تزوَّج خليل الرحمن
إبراهيم -عليه السلام- سارة وهاجر، ثم اثنتين أخرتين هما: قطور ابنة يقطان
الكنعانية، وحجون بنت أهيب.
وكان لداود عليه السلام زوجات عدة؛ قال تعالى:{فَقَدْ آتَيْنَا آلَ
إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا }
[النساء : 54].قال ابن كثير -رحمه الله-: "يعني ما آتى الله سليمان بن داود
كانت له ألف امرأة، سبعمائة مهرية، وثلاثمائة سرية، وكانت لداود عليه
السلام مائة امرأة منهن امرأة أوريا أم سليمان بن داود التي تزوجها بعد
الفتنة، هذا أكثر مما لمحمد صلى الله عليه وسلم". وقد ذكر الكلبي نحو هذا،
وأنه كان لداود عليه السلام مائة امرأة ولسليمان ألف امرأة، منهن ثلاثمائة
سرية(1420هـ،ج2،ص336).
ثالثاً: أن تعدد الزوجات كان منتشرًا في الجزيرة العربية قبل الإسلام؛ كما
تدل على ذلك شواهد عديدة؛ منها: "أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر
نسوة، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اختر منهن أربعاً».(رواه
أحمد:4595 وصححه الألباني 6/245رقم4144).
وعن وهب الأسدي قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله
عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اختر منهن أربعاً».(رواه أبو
داود:2241).وعن نوفل بن معاوية، قال: أسلمت وتحتي خمس نسوة، فسألت النبي -
صلى الله عليه وسلم -فقال: «فارق واحدة، وأمسك أربعاً».(رواه
الشافعي،3/70:رقم1191).
رابعاً: واقع هؤلاء اللئام يكذبهم فيما يزعمونه! فإنهم لم ولن يكتفوا
بامرأة واحدة؛ كما تشهد على ذلك الفوضى الجنسية العارمة! والدنس والانحلال!
وذلك ليس بخاف على أحد، بل ذلك مما عم زعمائهم ورؤساءهم -ناهيك عن عامتهم
بل روجوا لذلك بوسائلهم الإعلامية الهابطة! وقنواتهم الفضائية المنحلة!!.
خامساً:إن المساواة بين الرجل والمرأة في نظام الزواج لا ينبغي أن تكون
مساواة مطلقة لاختلاف طبيعة كل من الرجل والمرأة، والمساواة بين مختلفين
تعني ظلم أحدهما، فالمرأة خلق الله تعالى لها رحماً واحدة، وهي تحمل في وقت
واحد ومرة واحدة في السنة ويكون لها تبعاً لذلك مولود واحد من رجل واحد.
أما الرجل فغير ذلك من الممكن أن يكون له عدة أولاد من عدة زوجات، ينتسبون
إليه ويتحمل مسئولية تربيتهم والإنفاق عليهم، وتعليمهم وعلاجهم وكل ما
يتعلق بهم وبأمهاتهم من أمور. أما المرأة فعندما تتزوج بثلاثة أو أربعة
رجال، فمن من هؤلاء الرجال يتحمل مسئولية الحياة الزوجية ؟ أيتحملها الزوج
الأول ؟ أو الزوج الثاني؟ أم يتحملها الأزواج الثلاثة أو الأربعة؟ ثم لمن
ينتسب أولاد هذه المرأة متعددة الأزواج؟ أينتسبون لواحد من الأزواج؟ أم
ينتسبون لهم جميعاً؟ أم تختار الزوجة أحد أزواجها فتلحق أولادها به
؟(جندول،1399هـ، ص 73-74).
سادسا:الحقيقة إن سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه جعلت نظام الزوج الواحد والزوجة
الواحدة يصلح لكل من الرجل والمرأة. وجعلت نظام تعدد الأزواج لا يصلح
للمرأة، بينما جعلت نظام تعدد الزوجات مناسباً جداً للرجل؛ فالمرأة – كما
هو معروف- لها رحم واحد، فلو تزوجت بأكثر من رجل لأتى الجنين من دماء
متفرقة، فيتعذر عند ذلك تحديد الشخص المسئول عنه اجتماعاً واقتصادياً
وقانونياً. بينما صلحت طبيعة الرجل لأن يكون له عدة زوجات، فيأتي الجنين من
نطفة واحدة، وبالتالي يكون والد هذا الجنين معروفاً ومسئولاً عنه مسئولية
كاملة في جميع الأحوال، وتقوم المسئولية الاجتماعية في نظام تعدد الزوجات
على أساس رابطة الدم وهي رابطة طبيعية متينة، بينما يفتقر نظام تعدد
الأزواج إلى أساس طبيعي تبني عليه الروابط الاجتماعية، لأن الإنسان بغير
اقتصار المرأة على زوج واحد لا يستطيع أن يعرف الأصل الطبيعي له
ولأولاده.(العطار، د.ت، ص 13- ص 16).
سابعا:إن المجتمع لا يستفيد شيئاً من نظام تعدد الأزواج للمرأة بعكس نظام
تعدد الزوجات للرجل الذي يتيح فرص الزواج أمام كثيرات من العانسات
والمطلقات والأرامل. هذا إلى جانب أنه لو أبيح للمرأة أن تتزوج ثلاثة أو
أربعة رجال لزاد عدد العانسات زيادة كبيرة وأصبح النساء في وضع اجتماعي لا
يحسدن عليه.(العطار، د.ت، ص13- ص 16)
وخلاصة القول، أن ما كان من إباحة التعدد في حق الرجل إنما هو مراعاة
لمصالح عدة، والمرأة أولها، وما كان من عدم إباحته في حق المرأة أيضاً
لمصالح ومقاصد على رأسها الحفاظ عليها صحيا وعدم تعريضها للأمراض القاتلة،
وحفاظاً على نسلها من الضياع، وضماناً لحقوقها كاملة غير منقوضة.(موسوعة
بيان الإسلام،ج18، ص95).
الرد على الشبهة الثانية:
أولاً: أن الإسلام حينما أباح تعدد الزوجات لم يجعل ذلك موافقاً لهوى الرجل
واختياره؛ بل ألزم الرجل بمراعاة شروط عدة، منها:
1- أن يكون قادراً على التعدد، والقدرة تعني النفقة، والوطء، وما أشبه ذلك.
2- أن لا يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات في آن واحد؛ قال تعالى: {
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ
} [النساء : 3].
"أي مَنْ أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل، أو ثلاثاً فليفعل، أو أربعاً فليفعل،
ولا يزيد عليها؛ لأن الآية سيقت لبيان الامتنان، فلا يجوز الزيادة على غير
ما سمى الله تعالى إجماعاً"(السعدي،1426هـ،ص136).
3- أن يعدل بين زوجاته، ولا يجور في ذلك، بل يكون غاية في القسط والعدل،قال
تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } [النساء : 3].
وذلك بأن يعدل بينهن في النفقة، والمبيت، والمسكن، وما أشبه ذلك. فإذا
توفرت هذه الشروط جميعهاً جاز له التعدد، وإلا فلا يجوز له ذلك.
ثانياً: وزعمهم أن في تعدد الزوجات في الإسلام إهداراً لكرامة المرأة
وإجحافاًلحقوقها لأن غيرها يشاركها في زوجها، وينازعها سلطة بيتها. رداً
لما قيل عليه،أن هذا منطق معكوس، أليست الزوجة الثانية امرأة هي الأخرى؟
.فأي الحالين حينئذ تهدر فيه كرامة إحداهما؟ أن تكون أيماً لا زوجاً لها،
مشردة لا مأوى لها، أم أن تكون كلتاهما شريكتين في حياة زوجية نظيفة، كل
منهما ربة بيت وأم أولاد لها ما للزوجة من حقوق وعليها ما عليها من
واجبات؟. ومن إكرام الإسلام للمرأة: أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان
معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها.قال تعالي: {ْ وَلَا
تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ } [الطلاق : 6] ولقوله سبحانه :
{ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ
ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }
[البقرة : 231].وقال النبي – صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع :" اتقوا
الله في النساء فإنهم عوايد (عوان) عندكم، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم
فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"(رواه مسلم،1218).
وتدني مكانة المرأة قبل ظهور الإسلام وعند الأمم والشعوب المختلفة قديماً
وحديثاً يؤكد عظم صنيع الإسلام وتكريمه للمرأة ورفعة مكانتها وشأنها في
المجتمع. فالإسلام هو الذي كرم المرأة وأعطاها حقوقها بعد أن لم يكن لها أي
حق، ورفع عنها الظلم الذي أوقعته بها الأمم الأخرى(موسوعة بيان
الإسلام،ج18،ص9).
فليس في إباحة تعدد الزوجات في الإسلام أي امتهان للمرأة، أو إهدار
لكرامتها، بل هو صيانة لها بجعلها زوجة فاضلة بدلاً من أن تكون خليلة
خائنة، وبالتزام الرجل بحقوقها بدلاً من أن تكون ضائعة
ومشردة(هيكل،1402هـ،ص83-84).
فالإسلام هو الذي كرم المرأة، وأعطاها حقوقها ورفع عنها الظلم الذي أوقعته
بها الأمم الأخرى. ومن مكانة المرأة في نصوص الإسلام، أنه تعالى كرم الجنس
البشري بنوعيه دون تميز بين رجل وامرأة. فالمرأة إنسان مكرم داخل في
قولهتعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء : 70].وأوصى ربنا
بالمرأة تكريماً لها ورحمة بها، خاصة في مقام الزوجية قال
تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [النساء : 19](موسوعة بيان
الإسلام،ج18،ص35-36).
الرد على الشبهة الثالثة:
أن العدل بين الزوجات ليس مستحيلاً، بلإنذلك ممكناً ومتيسراً؛ كما تدل على
ذلك حالات كثيرة من أحوال الرجال المتزوجين بأكثر من امرأة، وإن وُجدت بعض
الحالات التي جار فيها بعض الرجال على زوجاتهم، فتلك حالات نادرة، والنادر
لا حكم له كما تدل على ذلك النصوص الشرعية، وأيضاً يقال في هذه الحالات
الشاذة والنادرة أن العيب والخلل في الرجل نفسه، وليس ذلك عيباً وخللاً في
الإسلام الذي أباح ذلك بشروطه وضوابطه.
وأما ما استدل به المشككون في إمكانية العدل بين الزوجات في قوله: {وَلَنْ
تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ }
[النساء : 129]، إن المقصود بالعدل الذي لا يستطاع في الآية: "الميل
القلبي" فإن الرجلَ لا يملكُ قلبَه الذي بين جنبيه، ولذلك كان دعاء النبي
-عليه الصلاة والسلام-: «اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك
ولا أملك»(رواه الترمذي:1140). فالرجل يستطيع العدل بين زوجاته في النفقة
والكسوة والقسم في المبيت والفراش، ونحو ذلك، وذلك هو المطلوب شرعاً، وأما
ميل القلب فليس مطلوباً شرعاً؛ لأن العبد لا يملك ذلك؛ ولم يكلفه الله
بذلك، لأن تكليفه بذلك تكليف بما لا يستطاع، والله لم يكلف العباد إلا بما
يستطيعون، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن :
16].
ومع أن المقصود بالعدل الذي لا يستطاع هو "الميل القلبي"؛ فقد حذر الله
الزوج من أن يتبع ذلك ميلاً بالفعل؛ وذلك بالإخلال بمفهوم العدل المطلوب
شرعاً، فقال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ
النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ
فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ
اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء : 129] أي إذا
حصل منكم ميلاً بقلوبكم إلى بعض الزوجات، فيجب أن لا يؤدي ذلك إلى الميل
بالأفعال، فتظلمونهن فيما يجب عليكم من المبيت والنفقة، وما أشبه ذلك.
وحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- الزوج من الجور والظلم؛ فعن أبي هريرة عن
النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من كانت له امرأتان؛ فمال إلى إحداهما
جاء يوم القيامة، وشقه مائل»(رواه أبوداود:2133).
ومع هذا كله فقد أجاز الإسلام للمرأة أن تطلب فراق زوجها، إذا رأت منه
جوراً وحيفاً واضحاً وبيناً، وإن صبرت على ذلك؛ رفع الله قدرها، وضاعف
أجرها.
-الرد على الشبهة الرابعة:
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من فوق المنبر:"إن بني هاشم بن
المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم- وهي ابنة أبي جهل- علي بن أبي طالب،
فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يُريد ابن أبي طالب أن يُطلق ابنتي
وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها، ويُؤذيني ما
آذاها(أخرجه البخاري في صحيحه،باب النكاح،باب ذب الرجل على ابنته في الغيرة
والانصاف(4932).
وقد استنبط الإمام البخاري من هذا الحديث أنه يجوز للأب ألا يأذن بزواج
صهره على ابنته من باب صلة الرحم والغيرة على ابنته،ولم يرد عن الرسول- صلى
الله عليه وسلم - أنه اختص فاطمة-رضي الله عنها- بأحكام خاصة، بل الثابت
عنه أنه كان يُعاملها كما يُعامل سائرالمسلمين، وقد قال:"والذي نفسي بيده
لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"(أخرجه مسلم في صحيحه،كتاب
الحدود،باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود(4506).
وحاشا للرسول- صلى الله عليه سلم - أن يحيد عن العدل مع المسلمين في
معاملاته، فلا يُبيح الزواج على ابنته، بينما يُبيح الزواج على بنات غيره.
ويؤكد ذلك ما في رواية الزهري من زيادة في الحديث، هي قوله - صلى الله عليه
وسلم -:"وإني لستُ أُحرم حلالاً، ولا أُحلُ حراماً، ولكن والله لا تجتمع
بنت رسول الله وبنت عدو الله بمكان واحداً أبداً".(أخرجه البخاري في
صحيحه،كتاب الخمس،باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه
وقداحه(2934).
إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لا يُحرم حلالاً، أي : لا يُحرم تعدد
الزوجات على زوج ابنته علي بن أبي طالب، ولا على غيره من عامة المسلمين،
ويؤكد ذلك أنه لم يعترض - صلى الله عليه وسلم - على رغبة علي بن أبي طالب
في الزواج على فاطمة-رضي الله عنها- إلا بعد استئذانه، بدليل أن علياً- رضي
الله عنه -عندما استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في زواجه ببنت أبي
جهل، قال له:"أعن حسبُها تسألني"؟ فقال علي: لا،ولكن أتأمرني بها؟ وعندئذ
قال له المصطفى - صلى الله عليه وسلم -:"لا".(الحاكم،4749). كما قال لأهل
بنت أبي جهل:"لا آذن"، يؤكد ذلك أيضاً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وضح أن اعتراضه ليس على تعدد زوجات علي، وإنما على جمعه بين بنته وبنت أبي
جهل بالذات،بحيث لو اختار علي بن أبي طالب غيرها لما اعترض الرسول - صلى
الله عليه وسلم -(موسوعة بيان الإسلام،ج19،ص78-79).
الرد على الشبهة الخامسة:
أن الذي أباح تعدد الزوجات اللطيف الخبير، وهو أعلم بما يصلح العباد، وما
يضرهم؛ وقد حث سبحانه على الزواج، وجعل التكاثر في النسل مدعاة لمباهاة
النبي-عليه الصلاة والسلام- بذلك يوم القيامة؛ فقال -عليه الصلاة والسلام
-: «تزوجوا الودود الولود إني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة»(رواه
أحمد:13157). وهو سبحانه الغني الكريم، وقد تكفل بأرزاق العباد، قال تعالى:
{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ }
[التوبة : 28]، وقال: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى
اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا } [هود : 6]،
وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه
أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك،
ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله وعمله
وشقي أو سعيد...»(رواه مسلم:2643).
وليس صحيحاً أن كثرة النسل يؤدي إلى العيلة، وكثرة البطالة! قال الدكتور
محمد: "إن من المعلوم في العالم وعلى مر العصور أن كثرة النسل مع حسن
التربية من عوامل قوة الأمة وازدهارها، وأوضح الأمثلة على ذلك اليابان
والصين، فما يزعمونه منشؤه سوء التربية، وليس كثرة النسل، فالبطالة موجودة
في كثير من الدول العربية، مع أن أرضها واسعة، ومواردها كثيرة، ولو أٌحسن
استغلالها لاستوعبت أضعاف من يعيشون فيها.." إلى أن قال: "ولو قيست هذه
المضار المظنونة بمصالح التعدد المحققة لرجحت المصالح لما تحققه من خيرٍ
كثير يربوا آلاف المرات على أمورٍ يمكن تلافيها باتباع تعاليم الله في
العدل وحسن التربية"(الرفاعي،2010م،ص28).
وقد سئل ابن عثيمين -رحمه الله- عن حكم الشرع فيمن يقول: "إن فقر وضعف
وتخلف المسلمين في هذا العصر نتيجة للانفجار السكاني وكثرة النسل تفوق
الاقتصاد الغذائي؟"فأجاب بقوله: "إن رأيه -أي القائل لذلك- خطأ كبير، وذلك
لأن الله تعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وليست العلة كثرة
السكان؛ لأنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ولكن الله عز وجل
يعطي لحكمة، ويمنع لحكمة... ونصيحتي أن العالم مهما كثروا؛ فإن الله تعالى
لو شاء لبسط لهم الرزق(الجريسي،ص25). قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ
الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ
بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ } [الشورى : 27].
وأما قولهم: أن التعدد مدعاة لكثرة النسل وهو مظنة العيلة والفاقة، فنقول
لهم: مرحبا بكثرة النسل لكل أمة تنفض غبار الكسل عن كاهلها، وتضرب في مناكب
الأرض، وتأكل من رزق الله.فالتعدد وسيلة للغني ووسيلة لجلب الخير وكثرة
الرزق :حيث نقل ابن أبي حاتم ما ورد عن أبي بكر الصديق – رضي الله عنه –
قوله: "أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من
الغني".وعمر بن الخطاب – رضي الله عنه- قال: عجبي ممن لا يطلب الغني في
النكاح وقد قالتعالي:{إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [النور : 32](القرطبي،1423هـ،ج12،ص239).
|