اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/fawaed/53.htm?print_it=1

المجموعة الأولى من الفوائد المنتقاة من كتاب: «المغربية» للشيخ عبدالعزيز الطريفي

جمعتها: عبير

 
بسم الله الرحمن الرحيم


[١]- ‏إن أعظم الواجبات على الإنسان: معرفة موجِدِه، وغاية وجوده، وحقّ موجِدِه -وهو الله- عليه؛ وذلك أن هذا هو دعوة جميع الرسل، قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}. [ص١٥]

[٢]- ‏بيانُ الحقِّ يكون بأخذه من أصوله والتدليل عليه به، وبيانُه يكون بلا جدال ولا مراء؛ فإن الجدالَ والمراء الزائدَ عن البيِّنة يُورثُ العنادَ والمكابرة، ويُحدِث في نفوس المخالفين العزةَ بالأثمِ حتى وإن استبانوا الحقَّ. [ص ١٥]

[٣]- ‏من الناس من يقول الخطأ بلا قناعة، فإذا جادَله أحد عاند وكابر، فيكون جداله تثبيتاً للخطأ في نفسه! ومثل هذا يُبَيّن له الصواب ويترك بلا جدال. [ص ١٥]

[٤]- ‏قد نهَجَ الأئمةُ من السلف بيانَ الحق والبعدَ عن الجدال الزائد فيه، وقد قيل لمالك: الرجلُ له علم بالسُّنة يجادل عنها؟ قال: "لا، ولكن يُخبر بالسُّنة؛ فإن قُبِل منه، وإلا سكت". [ص ١٦]

[٥]- ‏إيضاح الحقِّ بلا جدال ولا مراء زائد عن الحُجة، يُبقي في قلب المخالِف قَبَسَاً منه وإن لم يُظهر قَبُوله، وربما حمله ذلك على المراجعة في السِّر، تهيباً من الرجوع في العَلَن؛ فللنَّفس سُلطان وعِزِّة لا يغلبها بالحق إلا النُّدرة من أصفياء الناس. [ص١٦]

[٦]- ‏يجب بيانُ الحق بحجته بما يفهمه السامع والقارئُ بلا تكلف، مع الأخذ في الحسبان: المعاندُ وضعيفُ الفَهْم والتفريق بينهما؛ فإن بعض من يَعجِزُ عن الفهم، يظن أن القائل يعجز عن التعبير؛ وهذا يمكن تقريبه بالرفق، ويمكن أن يُبعد فيصنَعَ منه الإبعادُ معانِداً شديداً. [ص١٦]

[٧]- ‏لم يزلِ العلماء يعَّرفون الإنسان ويذكرونه بحقِّ ربِّه عليه، وذلك في كل بلد، وفي كل زمن، ولم تَخلُ بلد من بلدان الإسلام مشرقاً ومغرباً من مبلِّغ عن الله مقيمٍ للحجة على الخلق؛ وهذا مقتضى حفظِ الله لدينه أن سخر له حفظةً يحفظونه ويبلِّغونه. [ص١٦]

[٨]- ‏إن توفيق الإنسان يكون بمقدار علمه وصدقه فيه، فلا ينال التوفيق إلا بالعلم بالحق، وكمال التوفيق إصابة الحق عن علم به؛ وذلك أنه قد يصيب الإنسان الحق وهو جاهل، وذلك بالصدفة والتقليد، ومن أصاب الحق بالصدفة والتقليد لا يثبت عليه. [ص١٩]

[٩]- ‏لا يختلف الناس على فضل العلم، وأن زيادة اليقين تكون بمقدار زيادة العلم، ففضل العلوم بفضل المعلوم، وأفضل العلوم نوعان:
- العلم بالمعبود، وهو الله تعالى.
- العلم بحق المعبود، وحقه: أن يُعبد وحده بما شرع، فالعبادة هي الصلة التي تكون بين العابد ومعبوده. [ص١٩-٢٠]

[١٠]- ‏أدنى دركات الجهل: الجهل بالمعبود، ثم الجهل بعبادته، فمن كان جاهلاً بالله صرف العبادة لغير الله، ومن كان عالماً بالله وجاهلاً بالعبادة عبدَ الله بغير ما شرع، ومن كان جاهلاً بالعبادة والمعبود وقعَ في الشرك والبدعة كليهما. [ص٢٠]

[١١]- ‏قد أوجد الله الإنسان في الأرض، وجعل له عقلاً ليبصر به دنياه، وأنزل إليه النقل (الوحي) ليبصر به دينه، فمن عطّل العقل فسدت دنياه، كما تفسد دنيا المجنون، ومن عطل النقل فسد دينه، كما يفسد دين أهل الأهواء، ومن أبصر فساد دنيا فاقد العقل، عرف كيف يكون فساد دين فاقد النقل. [ص٢٠]

[١٢]- ‏أصح الناس اعتقاداً وأسلمهم فهماً: أصحاب القرون الثلاثة، لقوله ﷺ: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وقد أنزل الله الوحي على نبيه بلسان عربي مبين، وأقرب الناس إلى الحق وفهمه: من تحقق فيه القربان من الوحي:
- قرب الزمان.
- قرب المكان. [ص٢١]

[١٣]- ‏كان طلاب الحق في القرون الأولى يقدِّمون فَهم أهل الحجاز، فكلما كان الواحد أسبقَ زمنا وأقربَ مكانا كان أقربَ إلى الصواب؛ لأن الوحي نزل بين أظهرهم وبلسانهم، وكلما تقادم الزمان وتباعد المكان ضعف اللسان.
وقد يوجد صحيح الاعتقاد بعيدَ المنزل، وقريبُ المنزل فاسدَ الاعتقاد. [ص٢١-٢٢]

[١٤]- ‏المذاهب الفقهية -ومنها المذاهب الأربعة المشهورة- مذاهبُ فقهية، وليست طُرُقاً عقدِيَّة؛ فليس كلُّ مَن انتسب إلى إمام في الفروع، فهو على طريقته في الاعتقاد، ولا يُنسَب للإمام اعتقادٌ قرَّره بعضُ أتباعه في الفروع. [ص٢٩]

[١٥]- ‏عادةُ العلماء عند ظهور البدع من المغمور: تقريرُ السُنَّةِ وإبطالُ البدعةِ، من غير ذكرِ صاحبِها؛ حتى لا يُدَلَّ عليه. [ص٣٩]

[١٦]- ‏أهل الكلامِ أكثرُ نِزَاعاً من أهل الحديث والأثر، فأهل الحديثِ نِزاعُهم في الفروع، وأهلُ الكلامِ نزاعُهم في الأصول والفروع، وإذا تنازعوا في أصلٍ تنازعوا في فروعه. [ص٤٢]
[١٧]- ‏الأشاعرةُ منهجٌ قبلَ أبي الحسن الأشعري، وإنْ سُمَّيَ به، وهو مسلكٌ جرى عليه بعض أهل العربية؛ كأبي زكريا يحيى بن زياد الفَرَّاء، وأبي العباس محمد المبرِّد، وغيرِهم، ثم بدأ يلتئم شعَثُه ويجتمع شتاتُه بعد ذاك. [ص٥٢-٥٣]

[١٨]- ‏المتكلمون يحاولون التعرف على الله من غير طريق الله، وما دلَّل الله على نفسه به، ومن أظهر فساد تلك العلوم الكلامية: أن العلمَ الصحيح يورث خشية الله، ولا يكاد داخل في علم الكلام ليتعرف على الله به، إلا ضعفت خشية الله في قلبه ورقَّ دينه. [ص٦٠]

[١٩]- ‏الفلاسفة كلما تعمَّقوا في الفلسفة ازدادوا حزناً وحَيْرة لا طمأنينة ويقيناً، يبدأ الداخل في الفلسفة وعلم الكلام بنشوة، ثم ينتهي بحَيْرة، كما يقول أرسطوطاليس: "لماذا كلما تجاوزنا المستوى المتوسط في الفلسفة تملَّكتنا الأحزان ولازمتْنا الأمراض؟" [ص٦٠]

[٢٠]- ‏السلف إنما يثبتون الحقيقةَ للصفة اللائقة بالله لا اللائقة بالعبد، وإثباتهم للحقيقة تلك لا يعني تشبيهاً، كما أن نَفْيهم للتكييف لا يعني تعطيلاً، فلا هم مشبهة، ولا معطلة، ولا مكيِّفَة، لأن التأويل للحقيقة زيادة على النص، كما أن التشبيه زيادة على النص. [ص٦١]

[٢١]- ‏يجب إمساك الذهن عن الاسترسال بالتفكر في كيفية ذات الله وصفاته؛ لأن العقل يشبِّه ويمثِّل ويكيِّف، فكل عقل يصور الغائب عنه على ما يرى، حتى تختلف الصور في العقول للذات الواحدة، لاختلاف المشاهَد في كل عقل؛ ولهذا نهى السلف عن الجدال في الله وصفاته وأسمائه. [ص٦١]

[٢٢]- ‏التفكر في أسماء الله يؤدي لمعرفة معناها وآثارها ، والعمل بمقتضاها، وهو الإحصاء المقصود بقوله ﷺ: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة"، وقد قال ابن عبدالبر: نهينا عن التفكر في الله، وأمرنا بالتفكر في خلقه الدال عليه. [ص٦١-٦٢]

[٢٣]- ‏كان اللسان العربي الأول حامياً من الخروج عن وضع الشريعة ومراد الله سبحانه، ولما انتشرت العُجمة في الناس، ظن أولاد العرب أنهم كآبائهم يَرثون اللسان كما يرثون النسب، ففسدت أفهام بعضهم للنصوص لفساد اللسان، قال الحسن البصري: أهلكتهم العجمة، يتأولون القرآن على غير تأويله. [ص٦٢]

[٢٤]- ‏كان مالكٌ يحذِّر من تفسير القرآن وتأويلِه من غير معرفةٍ بلسان العرب ولغاتها، ويدعو إلى تأديب فاعله؛ لأن ذلك يؤدي إلى حمل كلام الله على غير مراده، قال: "لا أُوتَى برجل يفسر كتاب الله غيرَ عالِم بلغات العرب، إلا جعلته نكالاً" [ص٦٢]

[٢٥]- ‏يشرع البداءة بذكر الله قبل الشروع في المقامات المهمة، وقد استفاضت السنَّة العملية بذلك، وقد دلت السنة على أنواع من الذكر يشرع البداءة به باختلاف أنواع المقام المشروع فيه، فجاءت النصوص بالبدء بالبسملة، ونصوص بالبدء بالحمدلة والشهادة والصلاة على النبي ﷺ. [ص٦٩]

[٢٦]- ‏‏الضلال بمسألة نِعَم الله يكون من جهتين:
١- أن ينسب فضل الله ونعمته إلى غير الله، فيعبدَه من دون الله.
٢- أن ينسى فضل الله عليه، ويغفلَ عنه، فيغفلَ عن عبادة الله وحقِّه عليه.
ولهذا تأتي أسباب التذكير بفضل الله، إما بالابتلاء ليرجع، وإما بالتوفيق للحق بالتذكر والعلم. [ص٧٢]

[٢٧]- ‏الله جعل في الحلال غُنية عن الحرام وكفاية، وكثيراً ما ينهى الله عن شيء ثم يبيِّن سعةَ الحلال؛ حتى لا يشعرَ الإنسان بالحرج والضيق، وتتوهَّمَه نفسُه؛ فإن الشيطان يكثر من عرض المحرمات على الإنسان؛ حتى يشعرَ بسَعَتِها، وينسيَه الحلال حتى يشعر بضيقه وقلته. [ص٧٣]

[٢٨]- يذكر الله الحلال ويوسعه ويذكر الحرام ويضيقه، {ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان} ذكر الحلال فأطلقه، وذكر الحرام ووصفه بالخطوات، ولا يتجرأ أحد على حرام إلا وقد ضاق الحلال عليه إما توهماً في نفسه، أو حقيقة في الواقع، والتضييق ليس من التشريع. [ص٧٤]

[٢٩]- ‏لقد يسر الله كلامَه لمن يريد فَهمَه من العرب وممن عرف لسانهم غيرَهم {ولقد يسرنا القرآن للذكر} وجعله سهلاً بيناً، لا يحول بينه وبين فهمه إلا إعراضُ قلبه وانصرافُه عن الحق، ومثْلُ هذا لو سمع الحق لم ينتفع به، ويكون سماعُه كسماع الأصم {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم}. [ص٧٥]

[٣٠]- ‏ربما نظَرَ من في قلبه مرضٌ في القرآن، وتتبَّع المتشابه، فزاد زيغُه؛ لأنه طلب الزيغَ بنفسه، والله لايبتدئ أحداً بإزاغةٍ {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}، ولا يصرف أحداً عن الحقِّ وهو يريده {ثم انصرفوا * صرف الله قلوبهم}. [ص٧٥-٧٦]

[٣١]- ‏لا يصرف الله أحداً عن الحق وهو يريده، ولا يقذف في قلب أحدٍ مرضاً أو رجساً إلا وهو يطلب المرض {وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم}، ومن كان في قلبه قصد الخير وطلبه؛ فإن الله يهديه: {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم}. [ص٧٦]

‏[٣٢]- من جَهِل شيئاً من الوحي المتعيِّن عليه، وجب عليه سؤالُ أهلِ العلم العارفين بذلك؛ فإن مجرد الجهل مع إمكان رفعه، لا يُعذَرُ صاحبُهُ به؛ وإلا لكان الجهلُ خيراً من العلم، وتجهيل الناس أفضل من تعليمهم؛ لأن تعليمَهم تكليف وحساب، وتجهيلهم إعذارٌ وعفو. [ص٧٦]

[٣٣]- يَنشأُ الصغيرُ على الفِطرة، وتقبُّلِ الحقّ والاتجاهِ إليه، واستنكارِ الباطل والنُّفرة منه، ولكنَّه قد يتوطَّنُ على الشرِّ؛ إذا تدرج فيه، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدَانه أو يمجِّسَانه ...". [ص٧٦]

[٣٤]- ‏تعليم الولدان الحقَّ والخيرَ واجبٌ، وهوحقُّهم على وليِّهم، ويتأكد ذلك في الأزمنة التي يَكثر فيها الشرُّ، فيجب أن يُسبَقَ بالخير إلى قلوبهم قبل أن يَسبِقَ إليهم الشرُّ؛ فيتقبَّلونه ويتشرَّبونه. [ص٧٦]

[٣٥]- ‏أنقى القلوب: القلب الذي يكون على الفطرة، ولم يرِدْ إليه وارد من الشر؛ لأن القلب إذا تمكن منه الشر تصلَّب وقسا وشقَّ عليه الرجوع؛ لأن للقلب منافذَ يدخل منها الخير، وإذا كَثُر الباطل على القلب، كثُرَ إغلاق منافذ الخير إليه؛ حتى يكون كالحجارة أو أشد قسوة في قبول الحق. [ص٧٧]

[٣٦]- ‏جاءت الأدلة بتعليم الصغار دينَ الله، وخاصة ما يتعلق بهم وما يشق عليهم الثبات عليه بعد تكليفهم، كالصلاة وأحكام العورة، كما قال ﷺ: "مُروا أولادكم بالصلاة ...."، وكما في ظاهر آية العورات في سورة النور، وتعليم الصغير أثبتُ في قلبه من تعليم الكبير، لخلو قلبه. [ص٧٧-٧٨]

[٣٧]- ‏الأمم التي تنشأ على الفطرة ولم تتبدل، فإنها أسرع لقَبول الحق والتسليم به، كما هو اليوم في كثير من بلدان إفريقية وبعض بلدان جنوب شرق آسيا، وأما التي تبدلت فطرتها وطال الأمد على انحرافها، فإن قبولها للحق شاق؛ لأن قلوبهم منحرفة، كالإناء المائل. [ص٧٨]

[٣٨]- ‏من أراد دعوةَ أحدٍ إلى الحق، فلينظر إلى فطرتِه ومقدار انحرافها قبل دعوته، حتى يُقوِّم الإناء قبل الصبِّ فيه، ومن يدعو أصحاب فطر مبدَّلة أعظمُ أجراً ممن يدعو أصحاب الفطر الصحيحة، ولو كان أقل أتباعاً؛ فكل أولي العزم من الرسل أرسلوا إلى أمم مبدلة للفطرة. [ص٧٨]

[٣٩]- ‏إذا نشأ الإنسانُ في بيئةِ شرٍّ وعرف الحقَّ، فهو أثبتُ وخيرٌ ممن عرف الحقَّ في بيئة خير، ومن هذا الباب قولُ أحمدَ: "إذا أصبْتَ الكوفيَّ صاحبَ سنَّةٍ، فهو يفوقُ الناس"؛ وذلك لأنه غلبتْ على الكوفة بدعةُ التشيُّع والرَّفْض. [ص٧٨]

[٤٠]- ‏أمرُ الصبي بالصلاة في صغره متوجّه في الشرع لوليّه، كما في الحديث: (مُروا أولادكم بالصلاة ..) لأن الصبيَّ غيرُ مكلف، فلا يتوجه إليه الخطاب، والتقصير والإثم في ذلك يقع على وليّه لا عليه، وإذا بلغ، وقع عليه لا على وليّه. [ص٧٩]

[٤١]- ‏الصلاة على غير النبي ﷺ من آله وأصحابه، مع الصلاة عليه ﷺ جائزة.
وأما أن يفرد أحدٌ منهم بصلاة من غير النبي ﷺ، ففي ذلك قولان مشهوران للعلماء، المنع والجواز.
ويكره تخصيص أحدٍ بالصلاة دون غيره؛ على وجه يُفهم منه الغلو. [ص٨٤]

[٤٢]- ‏الواجب على العقول: أن تتوقف عند إثبات حقيقة الصفات ومعانيها الثابتة، ولا تتجاوز ذلك إلى الكيفية تفكراً أو بحثاً، فلا تشبّه ولا تؤوّل، ولا تفوّض ولا تحرّف، فكل مجاوزة للعقل عن الحد المأذون به شرعاً، فلا بد أن ينتهي بصاحبه إلى تشبيه أو تحريف وتعطيل. [ص٨٦]

[٤٣]- ‏إنما نهى الله عن الخوض فيما لا يدركه العقل؛ لأنه باب للشيطان لإغواء الناس، فيستدرجهم إلى الخوض في غيبٍ لا يُحسنونه، ويَغرهم بعقولهم، وربما ابتدأ بهم بالمشروع تطميناً لنفوسهم حتى يجرهم إلى الممنوع، والنهي ليس للبدء بالتفكر المشروع، وإنما للحذر أن يكون طريقاً للمنوع. [ص٨٧]

[٤٤]- ‏التفكر في آيات الله مشروع، فإنها تدل على عظيم صفاته وحسن أسمائه، وكل عظيم له آيات، ولا أعظمَ من آيات الله ولا أكبر؛ لأنه لا أعظمَ من الله ولا أكبر، ومن لم يرَ آيات الله، ضعفت عظمةُ اللهِ في قلبه؛ لأن عظمةَ الشيءِ تُعرف برؤيته، أو برؤية آياته، أو بهما. [ص٩٠]

[٤٥]- ‏قد أمر الله بالتفكر في آياته الدالة عليه؛ حتى يعرف العبدُ عظمةَ الله وقوَّتَه وضعفَ غيره؛ فيعرف المستحق للتعظيم والعبادة ممن لا يستحقها.
فأمر الله بالنظر في السماء والأرض وما فيهما، وأمر الإنسان بالنظر إلى أصله ومعاشه، وأن ينظر في خصائص بعض المخلوقات. [ص٩٠]

[٤٦]- ‏وقعَ الشرك في الناس بسبب جهلهم بربهم، وعدم معرفة قدره، فقد يتوهم الإنسان عظمةَ ضعيف عاجز، فيبذل له من العبودية ما يناسب ما توهمه من عظمة؛ ولذا يقرن الله الجهل بقدره بعبودية غيره من دون الله، فلما ذكر الله الشرك ذكر جهلهم بقدره في أكثر من آية في كتابه. [ص٩٠-٩١]

‏[٤٧]- لا يُعرَفُ في أقوال أحدٍ من الصحابة ولا التابعين ولا أتباعهم: تفويضُ حقيقةِ الصفات، وإن أخذَ مَن لم يعرِف مناهجهم بعض إطلاقاتهم، فحملها على التفويض، فهؤلاء إنما أخذوا اللفظ المحتمِل، ولم يعرفوا سياقَه، ولا المواضع الأخرى القاطعة بتفسيره. [ص٩٣]

[٤٨]- ‏أنزل الله كتابه ليُتدبر وهو معلوم المعنى، ولم يذكر أحد من الصحابة والتابعين وأتباعهم من المفسرين وغيرهم: أن آياتِ الصفات من المتشابه الذي لا يجوز الكلام في تفسيره وبيان معانيه، بل صح عن ابن عباس: أنه جعلها من المحكَمات. [ص٩٤]

[٤٩]- ‏من فوَّض الصفات ولم يثبت حقيقتها، وجعل غاية الإيمان بآيات الصفات الإيمان بحروفها: فقد خالف المقصد من التنزيل، وجعل عربية القرآن لا معنى لها، فالإيمان بالحروف لا يختلف فيه العربي والأعجمي.
والقول بالتفويض لم يسبق قائله بهذا لا من الصحابة ولا التابعين. [ص٩٤-٩٥]

[٥٠]- ‏لما ضعف اللسان العربي، وراجت مقولة التشبيه، والمقالات ضدها، مال بعضهم إلى مذهب التفويض، وبعضهم أراد للعوام السلامة من تلك الآفات.
وليس من السلامة ترك مراد الله في كلامه، فإن ترك حقائق النصوص ومعانيها الصحيحة: هلاك، لا سلامة؛ لأن التفويض مبني على التعطيل. [ص٩٧-٩٨]

[٥١]- ‏المعتزلة الذين هم أسبق في علم الكلام يعرفون الفرق بين مذهب السلف وبين الكلابية، فالأشاعرة يجعلون السلف مفوضة؛ تمسكاً ببعض الإطلاقات المشتبهة من أقوالهم، والمعتزلة يفرقون بين مذهب الكلابية في التفويض وبين مذهب السلف في إثبات حقيقة الصفات الخبرية والعقلية. [ص٩٨]

 

فوائد وفرائد
  • فوائد وفرائد من كتب العقيدة
  • فوائد وفرائد من كتب الفقه
  • فوائد وفرائد من كتب التفسير
  • فوائد وفرائد من كتب الحديث
  • فوائد وفرائد منوعة
  • غرد بفوائد كتاب
  • فوائد وفرائد قيدها: المسلم
  • فوائد وفرائد قيدها: عِلْمِيَّاتُ
  • الرئيسية