اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/daeyat/sahar/99.htm?print_it=1

المنع.. عين العطاء!

 أ.سحر المصري


رسالة على الجوال.. لم يستطع حتى أن يواجهني بالخبر خوفاً من ردّة الفعل أو ربما قل خجلاً من عدم استطاعته تأمين ما أرغب به.. تم رفض تأشيرة العمرة! واخترق الخبر مساحة الذهول الشاسعة في كياني فأرداني مشلولة عن الحركة.. أحسست بصفعةٍ تلفّني ما لبثتُ بعدها أن عدتُ إلى وعيي وابتدأت بتفكيرٍ عميق في ماهية هذا المنع.. وفلسفةٍ كنتُ قد قرأتُ عنها كثيراً في حِكم ابن عطاء الله السكندري “ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك” ولكني أراني اليوم أقدر على استيعاب تلك الحِكَم الربّانية..
ربما منعك فأعطاك! كيف يكون المنع عطاءاً؟ حين يرغب أحدنا أمراً فيُحرَم منه حينها يقف.. يُعيد حساباته.. ثمّ يكون اللجوء لله جل وعلا أكبر ويتمرّغ هذا الطالب على بابه ويلزم الدعاء ويتقرّب منه جلّ وعلا لعلّه يصيب بعضاً من رحمة وعطاء! ولربما يلتهب من مجرد شعور أن ربّه غير راضٍ عنه.. وتتردّد كلماتٍ نطقها الحبيب عليه الصلاة والسلام هناك وقد لاقى ما لاقاه في الطائف “إن لم يكن بك سخطٌ عليّ فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي.. لك العتبى حتى ترضى“.. فليتك تحلو والحياة مريرةٌ.. وليتك ترضى والأنام غضابُ! وما أروعه من تشميرٍ عن ساعد الجدّ والعودة بصدق وتذلّلٍ إلى الله جلّ في علاه..
وقد أتخيّل أن يريد الإنسان أشياء دنيويّة وهي محض شرٍ له ولقلة ادراكه وانعدام علمه بالغيب يخال أن كل الخير فيها.. فحين لا يحصل عليها تجده أمام سبيلين: إمّا شاكراً وإمّا كفورا.. أمّا أن يريد الإنسان أمراً دينياً وطاعةً يتقرّب بها إلى الله جلّ وعلا فيُمنَع.. فهنا قد يتوقف المرء برهةً ليتأمّل وينقّب عن أسرار توارَت بحجاب الغفلة! قد يكون ظاهر الأمر غريباً وبحاجة إلى تفسير ولكن يجب على المرء أن تتحرّك في دهاليز نفسه خبايا تؤهِّله للوصول إلى السبب الحقيقي وراء هذا المنع.. “بل الإنسانُ على نفسه بصيرة“! ومفتاحُ معرفة سبب المنع: الانفتاح على ما كان من هذا الإنسان في غابر الأيام أو قل: حاضرها!.. فلربما هناك ذنبٌ اقترفه وأصرّ عليه، أو كلمة قالها ولم يلقِ لها بالاً ولكنها مكتوبة عند من لا يغفل ولا ينام، أو موقف قادته فيه شهوة، أو مظلمةٌ عند ضعيف مدّ يداه في غسق الدجى يئنّ من ألم الظلم، أو أبوان بلغا من الكِبَر عتيّا ولم يبرّهما، أو علاقة مشبوهة لم يسعَ لقطعها لله جلّ وعلا، أو ربما.. ترافق هذه الطاعة إمكانية ذنب قد يُقدِم عليه فيحبط العمل.. ومن رحمته به منعه عنها لئلاّ يسقط في غياهب الذنوب فلا يعود للطاعة معنىً ولا قيمة ولا قرار في سجلّ الحسنات! وقد لا يكون شيء من ذلك ولكن الله جلّ وعلا أراد أن يسمع أنيناً ودعاءا ويختبر العبد في ذلك المنع أيكون سخطٌ أم رضا؟!
يقول ابن عطاء الله رحمه الله “متى فتح لك باب الفهم في المنع، عاد المنع عين العطاء” وحين يفهم الإنسانُ لِمَ حُرِم حتى من الطاعة التي قد تصاحِبها معصية يرضخ ويرضى بل ويفرح لأنه يمشي بنور الله.. أليس جلّ وعلا هو من قال في الحديث القدسي: “فإذا أحببته، كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها” فكيف يمشي بعدها حتى إلى طاعةٍ قد يرافقها ذنب لا يُرضي الله جلّ في علاه..
أما وقد فقِه العبد على ربه وعلِم أنه لا يكون إلا ما قد كان وأن الله جلّ وعلا لا يقدِّر إلا الخير “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم” فلا يبقَ على العبد إلا أن يلبس ثوب الرضا ويفتش عن تقصيره ليجبره ويواجه سخطه بسلاح التسليم وحسن التوكل على ربّه.. وحينها فقط يحلو العيش وتسكن النفس وتتحقق السعادة في هذه الحياة الدنيا وتسمو الروح في فضاءات الله الرحبة..
و “متى أطاعك أشهَدَك برّه، ومتى منعك أشهدَك قهره، فهو في كل ذلك متعرّف إليك ومقبل بوجود لطفه عليك” أفلا يكفيك فخراً أنّ ربّك لم يعاملك بذنوبك وعامَلَك بفضله فمنعك لتصحو من سكرة الغفلة وهزّك لتعود إليه ولتعرفه في الشدّة كما في الرخاء؟! أولا يكفيك أنه لم يتركك عابثاً دون اشارات منه تدعوك للإياب؟!
فاسعَ لرضاه.. وتذلّل على بابه واسأله وحده.. فما لك مولىً سواه! وإذا منعك فافهم.. وتربّى!
اللهمّ اهدِ قلوبنا!


 

سحر المصري
  • اجتماعية
  • أُسرية
  • دعوية
  • بوح روح
  • جراح أُمّة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط