صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







إنما يكون النماء.. بالماء!

 أ.سحر المصري


مَن كان همّه السعادة الأُسرية وديدنه الدعوة للأخذ بأسبابها ينتعش حين يرى زوجين سعيدين وأسرة مترابطة هانئة.. لطالما حاورت أشخاصاً وجدت في حياتهم عجبا.. فمن زوجين مقطوعة أوصال التواصل بينهما.. إلى زوجين بقيا مع بعضهما فقط لأجل الأولاد بعد أن نعى كلّ منهما مشاعره وعواطفه.. إلى أزواجٍ يسيرون مع الهَمَل ويدورون كيفما أرادت رياح الحياة.. فإن حصل خلاف فالوقت كفيل بإزالته وإن أُصقِعَت القلوب فهناك ما هو أهم من تنمية الحب والمودة.. وهذا لا شك قاتل للحياة الزوجية إن استمرت من دون روح!
ساقني القدر بفضل الله جل وعلا إلى معرفة زوجين تراقصت نبضات قلبي فرحاً واستئناساً بما وجدت في حياتهما.. وأعادا إلي الأمل أن ما ندعو إليه ليس بدعاً ولا أوهاما! أسأل الله تعالى أن يبارك لهما ويزيدهما من فضله ويثبت المودة والرحمة في قلبيهما.. وحين أقع على نموذج كهذا يُحتذى لا أستطيع كبح جماح نفسي من التكلم عنه.. ليدرِك الناس أن السعادة الزوجية واقع يُعاش وغاية يُسعى لها ونبتة لا تنمو إلا بالسقاء..

جمعت هذين الزوجين معايير راقية.. زوجةٌ ملتزمة خليقة جميلة وذكية.. وزوجٌ ملتزم خليق متعلّمٌ مسؤول وذكي.. ولا زالا “عاشقان” مذ ارتبطا قبل ثلاثة وعشرين سنة! علماً أنهما تزوجا زواجاً تقليدياً من دون علاقة جمعتهما قبل الزواج فتولّدت المودة على بصيرة وبالعشرة فكانت أثبت وأضمن لحياة مشتركة راقية..
يصف الزوج زوجته بالقول: زوجتي ذكية جداً.. أثق بها ثقة مبصرة ومن دون حدود.. نشيطة مثابرة.. تساعدني في حل الكثير من المشاكل.. وتطوِّر نفسها بشكل دائم.. حريصة على مملكتها كحرصها على قلبها..
ويخبر الزوج أنه حينما تزوج سعى إلى تنمية شخصية زوجته ولم يسمح لها بالذوبان فيه بل ذاب كلّ منهما بالآخر..
يقول بعد إبداء إعجابي ببقاء “الحب” طوال هذه الفترة الزوجية: “ليست القصة أنه يوجد حب لهذه الدرجة بعد ارتباط طويل ولكن الأهم أنه ما زال ينمو يومياً وأصحبت أؤمن أنه ليس له حدود للنمو.. أنا أحب أن أشيِّع بين الناس هذه الحقيقة.. ولكن هذا الأمر لا يأتي بالصدفة أو العادة بل هو نتيجة عمل جاد ومركَّز.. يحتاج الشريكان إلى جهد ومثابرة وقبل ذلك تفكير واهتمام.. أبوح لك بشيء: أحسن الناس يقول أنه يجب ألا يدع الإنسان فرصة ليثبت حبه لشريكه إلا ويغتنمها.. جيد.. كلام صحيح ولكنه قاصر جداً.. أنا اكتشفت أنّ هناك أمر أهم من ذلك.. إذ يجب على كلٍّ من الشريكين أن يثبت لنفسه أولاً أنه يحب شريكه ويقنع نفسه بذلك بشكل دائم حتى يستقر الأمر في هذه النفس.. فأنا مثلاً وخلال تواجدي خارج المنزل يجب أن اتصل بزوجتي يومياً مرة واحدة على الأقل وهي ترد أو العكس تقوم هي بالاتصال وأنا أرد.. ليس للسؤال عن متطلبات البيت وخلافه وإنما فقط لبث الاشتياق.. ورنة الهاتف عندي وعندها هي نفسها وفيها كلمات حب خاصة.. الأمر عادي وهو محاولة ليثبت كل منا لشريكه أنه يتذكره ويحبه.. أحببت أن أستفيد من هذا الأمر أكثر فأصبحت أتعمّد أن أفعل ذلك حين أكون مشغولاً وليس حين أكون في فراغ.. بمعنى أن أنتزع نفسي من العمل الذي يشغلني لأتصل بها.. وهذا الأمر رسّخ في نفسي أن زوجتي مهمة عندي أكثر من عملي وأنني أحبها فعلاً وهي باتت تفعل نفس الشيء.. يجب تعليم الشباب أسس وأساليب تنمية الحب الحقيقية وأعتقد حينها أن كلا منهم سوف يعطينا أمثلة رائدة نحتذي نحن بها.. المطلوب إشعال هذه الشرارة في نفوسهم!
أساس المشكلة بنظري ينطلق من أن الناس ينظرون إلى الزواج على أنه أمر فطري لا يحتاج الإنسان لتعلمه.. وكأنه بمجرد كون الرجل ذكراً فهذا كفيل بأن يدلّه على طريقة التصرف الصائبة للزوج وكذلك المرأة.. الأمور كانت أحسن من قبل ربما لأن الناس كانت تتعلم الاحترام في البيت بالقدوة التي هي أساس هام من أسس التعلم.. أما اليوم ومع انعدام القدوة في المنازل يتوجب على الشباب والفتيات البحث وتعلم أسرار الزواج والخروج من وهم أن ذلك أمر فطري يستفتي فيه كل منهم قلبه..”
وفي محاولة استفزاز له بالقول أن غالبية الناس تعتقد أن الحب يموت بعد الزواج وتصبح الحياة روتينية واجهني بالقول: “أنا كل يوم أزداد حباً لزوجتي حتى بت أقتنع أن العشق أمر موجود.. بل إن الأزواج ينبغي لهم ألا يقنعوا بما دونه.. وأدعو الناس للسعي لذلك رغم أنني تزوجت بدون حب! أقول لك بكل صدق أن الأوقات التي أقضيها مع زوجتي هي أسعد الأوقات وكذلك الأمر بالنسبة لها ودائما أشتاق للرجوع إلى المنزل”..
كنت أتفهّم مشاعر هذين الزوجين وأتحسسها.. ولا بد أن من يعيشها يسبح قلبه في ملكوت أعلى.. لأنها بحد ذاتها عبادة يُتقرّب بها إلى الله جل وعلا.. فتأسيس بيت مسلم وعائلة مترابطة وبث مشاعر المودة والرحمة في هذا الكيان والركن الأشد في المجتمع من شأنه أن يُعيد سيرة الأوّلين ويُنبِت جيلاً مميزاً قادراً على التغيير..
أبعد هذه الكلمات.. هل ما زال البعض يعتقد أن الحب دائماً يموت بعد الزواج؟!
هي شجرة تبدأ فترة الخطبة ببذرة الراحة النفسية تجاه الآخر.. على أن يسعى الزوجين للاهتمام بها حتى تنمو وتكبر ويكون أصلها ثابتاً وفرعها في السماء.. لتنمو بالرعاية وحسن العشرة والهدف الذي يجمع بعد الزواج..
ومن العناوين العريضة التي تعين على تنمية الحب بين الزوجين بعد الزواج: قبل كل شيء الاقتداء بالحبيب عليه الصلاة والسلام والتأسي بأمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهنّ والصالحات.. ثم من بعد ذلك: العطاء، الاحترام، التقدير، الحوار، المصارحة، البوح، الحنان، الصدق، حسن التبعل، التسامح، التهادي، المشاركة، الإنصات، التفاهم، التقبّل، التزيّن، الإبداع في العلاقة.. وكلٌّ يعرف زوجه وما يسعده!
لا بد لشجرة المودة من ارتواء.. وهذه مسؤولية الزوج والزوجة على حد سواء.. فهل رأيتم نماء.. من دون ماء؟!!

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سحر المصري
  • اجتماعية
  • أُسرية
  • دعوية
  • بوح روح
  • جراح أُمّة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط