اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/daeyat/sahar/35.htm?print_it=1

النظافة الزوجية.. نبراسٌ وعنوان

 أ.سحر المصري


إنّ الإسلامَ هو دينُ النظافة.. بل دين الطهارةِ الحسيّةِ والمعنويّة.. والمسلمون مأمورونَ بطهارةِ القلبِ وطهارةِ الجسدِ وطهارةِ المجتمع.. والطهارةُ هي من القواعدِ التي يُبنى عليها دينُ الإسلام, فالصلاةُ لا تجوزُ بدونِ طهارة, والكثيرُ من العباداتِ التي يُتَقرّبُ بها إلى اللهِ جل وعلا لا تجوزُ بدونِ طهارة, وقد شُرِّع الوضوءُ خمسَ مراتٍ في اليومِ حتى لا يبقى من درنِ المسلمِ شيءٌ إن ظاهراً أو باطناً.. وعادةً ما يكونُ بابُ الطهارةِ أولَ بابٍ في الكتبِ الفقهيةِ لأنها أساس.. وقد أعجبني وصف النظافة من أنها ليست فقط ذوقاً شخصياً بل سلوكاً إسلامياً ومسلكاً حضارياً.. واللهُ جلَّ وعلا يقولُ في كتابِه الكريم “إنّ اللهَ يحبُ التوابين ويحبُ المتطهرين”.. والطهورُ شطرُ الإيمانِ كما قال الحبيبُ عليه الصلاة والسلام.
وفي الإسلامِ سننُ فطرةٍ.. على المسلمِ أن يقومَ بها.. فعنِ النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: الفطرةُ خمس.. الخِتانُ والاستحدادُ ونتفُ الإبطِ وقصُّ الشاربِ وتقليمُ الأظافر.. وجاء في حديثِ عائشةٍ أنها عشرٌ حيثُ قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: عشرٌ من الفطرة: قصُ الشارب وإعفاءُ اللحيةِ والسواكُ واستنشاقُ الماءِ وقصُ الأظافرِ وغسلُ البراجمِ ونتفُ الإبطِ وحلقُ العانةِ وانتقاصُ الماء -يعني الاستنجاء-.
ولئن كانَ المسلمُ مطالَباً بالطهارةِ في حياتِهِ وقايةً للأمراضِ وتطبيقاً للسنّةِ وتقرُّباً إلى اللهِ جلَّ وعلا.. فإنَّه مطالبٌ كذلك بالنظافةِ كزوجٍ –أو زوجةٍ طبعاً- للحفاظِ على استمرارية ِالعلاقةِ الزوجيةِ وإبعادِها عن مطبّاتِ النزاع..
يشكو بعضُ الأزواج ِمن رائحةِ الفمِ الكريهةِ للطرفِ الآخرِ أو رائحةِ الجسمِ جرّاء التعرّقِ ما يجعلُهُم ينفرون من التقرّبِ منهم أو من العلاقةِ الحميميّة.. وهذا يُنذِرُ باضطرابِ العلاقةِ والتباعدِ بين الزوجين.. فإن استفحلَ الأمرُ شعرَ كلُّ طرفٍ بانفضاضِ الطرفِ الآخرِ عنهُ ورفضِهِ لهُ ما يؤثِّر سلباً على استقرارِ الأُسرة.. مع أنّ المشكلةَ ليست معقّدةً ويُمكن أن تُحلَّ بطريقةٍ بسيطة..
ولتفادي النفور بين الزوجين لا بد من أن يحرص الزوجُ والزوجةُ على تنظيفِ الأسنانِ بشكلٍ مستمرٍ وبطريقةٍ صحيحةٍ حتى لا تكونَ هناكَ رائحةٌ كريهةٌ ينفِرُ منها الشريكُ خاصةً أنّهما دائما القربِ والالتصاقِ ببعضهِما البعضِ في البيت.. فاستعمالُ السواك أو معجونِ الأسنانِ أكثرَ من مرةٍ واستخدامُ ملطّفاتِ النَّفَسِ من بخاخاتٍ أو علكةٍ بنكهات مختلفة أمرٌ مهمٌ وسهل.. وكذلك شربُ الماءِ أو أكلُ بعضِ الفواكهِ ذاتِ الرائحةِ الزكيةِ إن كانت الرائحةُ تنبعِثُ من الجوف.. ولا مانعَ من استشارةِ طبيبٍ فلعلَ السببَ يكون بحاجةٍ لعلاجٍ آخرٍ يساعدُ الطبيبُ على استنتاجِه..

ويبيّنُ الدكتورُ عميد خالد عبد الحميد، مديرُ المراكزِ البريطانيةِ للجودةِ في طبِّ الأسنانِ.. الأسبابَ المتعلقةَ بالرائحةِ الكريهةِ للفم، وهي: إهمالُ نظافةِ الفمِ والعــنايةِ به، وأيضاً التهاباتُ اللثةِ قد تكون سبباً في وجودِ رائحةٍ كريهة، وأيضاً التهابُ اللوزتين، والتهابُ الأنف، والجيوبُ الأنفية، وبعضُ أمراضِ الجهازِ التنفسي، والتدخينُ، وأكلُ البصلِ أو الثوم، وعُسْرُ الهضم، وبعضُ الأمراض، مثلَ مرضِ السكريّ والفشلِ الكبديّ أو الكَلَويّ..
أما رائحةُ الجسمِ فالمرأةُ قد تكونُ في المطبخِ وتمتصُّ ثيابُها روائحَ البصلِ والطبخِ فعليها أن تبدّلها قبلَ دخولِ زوجِها البيتَ حتى لا يشمَّ منها إلا ريحاً طيبة.. وقد ورد أن امرأة أعرابية أوصت ابنتها قبل زواجها فكان من بين الوصايا: “التفقد لمواضع عينه وأنفه فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشمّ منك إلا أطيب ريح، وأزين الزينة الكحل، وأطيب الطيب الماء”..
والزوجُ إن أتى البيتَ وكان متعرّقاً فليحرصْ على تغييرِ ثيابِه والاستحمام قبلَ الاقتراب من أهلِهِ وبذلك يكونُ قدوةً لهم.. فلا يؤذيهم برائحةِ العرقِ.. أما استعمالُ العطورِ فهو مطلوبٌ على أن يكونَ استعمالُها بعد الاستحمامِ لأنّ مفعولَها على بشرةٍ نظيفةٍ وثيابٍ طاهرةٍ أدعى وأفضل من استعمالِها على ثيابٍ تفوحُ منها رائحةُ العرق..
أما من كان يشكو من هذه الروائحِ الكريهةِ في شريكِ عمرِه زوجاً أو زوجةً فمن الأفضلِ مصارحتُهُ بطريقةٍ محبّبةٍ وودودةٍ أو التلميحُ أو سردُ قصةٍ مجهولةِ الأشخاصِ عن هذا الموضوعِ لِلَفتِ النَّظر.. كلُّ ذلكَ بدلاً من إخفاءِ الأمرِ وتراكمِهِ ليصلَ إلى حدِ النفورِ وعدمِ القرب.. بينما حلُ المشكلةِ في متناولِ الأيدي.. فلا يجبُ أن يُحرجا من البوحِ حفاظاً على كينونةِ الأسرة.. ومن الممكنِ أن يتذاكى الزوجانِ إن شعَرا فعلياً بالضيقِ وعدمِ القدرةِ على البوحِ كأن يشتري الزوجُ العطورَ ومساحيقَ إزالةِ العرقِ لزوجتِه ويُهديها إليها ويقولُ لها: أرغبُ في شمِّ العطرِ الذي أهديتُكِ إياه كلّما دخلتُ البيت.. ويُمكِن للزوجةِ أن تُخبِر زوجَها حين يدخلُ البيتَ أنّها جهّزت له المياه الساخنة ليُريح جسمَه من تعبِ النهارِ وأنّها قرأت عن فوائدِ الاستحمام.. فالحمامُ الدافئُ لا ينظّفُ الجسمَ فحسب وإنما هو وسيلةُ استرخاءٍ للعضلاتِ وتهدئةٍ للأعصاب.. أما الحمامُ الباردُ فينشِّطُ الدورةَ الدمويّةَ ويقوّي جهازَ المناعة..
وقد تبتكرُ الزوجةُ بإضافةِ الأعشابِ إلى مياهِ الاستحمام ووضعِ المعطّراتِ وشراءِ أنواعٍ متعددةٍ من الشامبو وغيرِها للتشجيع.. وقد تستعمل أيضاً معطِّرات الجو ونشر الورود في البيت لإضفاء رائحة ممتعة ستنعكس ولا بد على الراحة النفسية للأسرة..
وقد أرسَلَتْ زوجةٌ تسألُ شيخاً أنها تمتَنِعُ عن زوجِها بسببِ رائحةٍ كريهةٍ فيه.. إن كانت تُعتبَرُ آثمةً أو عاصيةً أو ناشزاً في الشرع.. فردّ عليها الشيخُ قائلاً: “إن تَحَقّقَت صحةُ كلامِ الزوجةِ فلها الامتناعُ إن كان ما تشمُّه من رائحةٍ غيرَ محتملٍ عندها، ولا تُعَدُّ عاصيةً أو ناشزاً حينئذ، وقد نص الفقهاءُ على أن الزوجةَ لو امتنعت عن زوجها لِوجودِ مانع مستحكِم، وتأذَّت به تأذياً لا يُحْتَمَلُ عادةً لم تُعَدَّ ناشزاً، وواجبُ الزوجِ أن يعالج نفسَه إن كان ما به بسبب مرض، أو يعتني بنظافتِه إن كان سبَبُهُ الإهمال، فكما يريدُ الزوجُ من زوجتِه النظافةَ والتجملَ، كذلك تريدُ الزوجةُ من زوجِها النظافةَ والتجملَ .“
ولقد قال الفقهاءُ: “يجب على المرأةِ أن تزيلَ ما قد يُشينُها، ويُنَفِّرُ منها، ورَوَت بكةُ بنتِ عُقبة أنها سألت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن الحُفاف فقالت: (إن كان لكِ زوجٌ فاستطعتِ أن تنتزعي مُقلتَيْكِ فتصنعيهِما أحسنَ مما هما فافعلي).. ويقابلُ هذا مِثْلَهُ للزوجةِ على الزوج، لقولِ عبدِ الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: إني لأحبُّ أن أتزينَ للمرأة ـ أي للزوجة ـ كما أحبُ أن تتزينَ لي، لأن اللهَ تعالى يقول: (ولهنَّ مِثلُ الذي عليهِنّ بالمعروف)..”
ويؤكدُ الدكتور فهد الدُبَيْس، أستاذٌ في قسمِ الفقهِ المقارنِ في كلية الشريعة بالكويت أنّهُ: “إذا كان أيٌّ من الزوجينِ لهُ رائحةٌ كريهةٌ يجوزُ للآخَرِ اللجوءَ إلى القضاءِ لطلبِ التفريق، وذلك أن أياً من العيوب التي توجبُ النفرةَ وتَحولُ دونَ كمالِ الاستمتاعِ بين الزوجين فإنها تمنعُ من تحقيقِ مقصودِ الزواجِ من الرحمةِ والمودة”..
ويُعَدِّدُ د. فهد الدُبَيْس شروطَ التفريقِ كأن يثبتَ أن هذه الرائحةُ الكريهةُ لا يمكن دفعُها وإزالتُها، وأن يكونَ هناكَ جهةٌ مختصةٌ من العدولِ الثقاتِ هي التي تختصُّ بتحديدِ مدى تأثيرِ هذه الرائحةِ السلبيةِ في الزوجِ الآخر.
وقد حصل فعلاً أن تمَّ خلعُ الأزواجِ في السعودية والكويت والامارات ومصر بسبب رائحةِ الفمِ الكريهةِ لأحدِ الزوجين أو رائحةِ الجسمِ أو القدمينِ أو بسبب اهمالِ العنايةِ بالأسنانِ بعد الأكلِ وقبلَ النوم.. بينما كانت رائحةُ الجسمِ من الأسبابِ الرئيسةِ لتحطُّمِ علاقاتِ الأزواجِ في ماليزيا.. وقد أسرّت لي إحدى المطلّقات أنه من أهم الأسباب التي أبعدتها عن زوجها كانت عدم اهتمامه بنظافة فمه وثيابه ما جعلها تنفر منه وتمتنع عن تأدية حقوقه الزوجية..
ونحن وإن كنا نؤمنُ أن الزوجينِ يجبُ أن يتحمّلا بعضَهُما البعضَ ويسعيان إلى حلِ المشاكلِ بينهما بالحسنى خاصةً إن كان حلُها سهلاً كمشكلةِ النظافةِ الشخصيّةِ ولا تستدعي الوصولَ الى التفريقِ والطلاقِ إلا أننا نركّزُ ونُولي أهميةً كبيرةً لهذا الموضوعِ لأنه يؤثُّر فعلياً على العلاقةِ بين الزوجين وعلى استمتاعِ كلِّ واحدٍ منهما بالآخر..

 

سحر المصري
  • اجتماعية
  • أُسرية
  • دعوية
  • بوح روح
  • جراح أُمّة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط