اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/daeyat/sahar/103.htm?print_it=1

تسبيحات عمرة..

 أ.سحر المصري


استرعى انتباهي شعار يطلقونه من إحدى الفضائيات فوجدتني ألتفت لأرى ما الذي كنا نتمناه فجاءنا.. وأول ما تبادر إلى ذهني هو رمضان.. ففيه مكمن الهناء كله وفي نفحاته ذروة الطمأنينة والرضا.. وطبعاً لم يكن هذا هو المقصود من العبارة.. فما هيّأته لنا روتانا خليجية هو أروع مما تحويه المعاني الروحانية الرمضانية وفاق كل التوقعات حقيقة –بمقياسها طبعاً-.. فلقد جاءتنا هذه القناة لوحدها بأكثر من ثلاثة عشر مسلسلاً ساهمت هي بإنتاج ستٍّ منها تكلفة إحداها أربعة ملايين دولار فقط لا غير! فالجمهور يستحق.. خاصة في شهر كريم يهلّ علينا في كل عام مرّة لنستغلّه –حسب رؤيتهم- بالراحة والترويح والفرفشة! وهي فرصة لتسابق الفضائيات احتلال المرتبة الأولى في إلهاء المسلمين عن الطاعات وإشغالهم بسفاسف الأمور..
سبحان الله.. ينفقون أموالهم وربما تكون عليهم حسرة وندامة يوم القيامة!
فما للمسلمين في رمضان وما لحياة الممثل الكوميدي اسماعيل ياسين “أبو ضحكة جنان” وحياة ليلى مراد “قلبي دليلي” ليضيِّعوا لحظات رمضان الثمينة في معرفة تفاصيل حياتهم والتي ربما قد تكون غير صحيحة في أغلبها! وما الفائدة التي سيستقيها المشاهِد من رؤية مقلب “نجم” ينفّذه بأحد المشاهدين.. هذه القناة “تريد التمايز وليس فقط مجرد الحضور في هذا الشهر الفضيل” كما وصفها قلمٌ لا أدري ما الذي يفقهه من فضائل هذا الشهر! ولِم يتسابق الجميع في هذا الشهر بالذات في ماراتون جنوني لكسب الجمهور والتخطيط لاستدراجه لشاشاتهم؟!

ساقني الفضول إلى التفتيش عن المسلسلات التي ستُعرض في رمضان فكانت 22 مسلسلاً مصرياً و12 مسلسلاً سورياً و 14 مسلسلاً خليجياً هذا عدا المسلسلات التركية وغيرها طبعاً والبرامج الأُخرى الخاصة بالمسابقات والأغاني والفيديو كليب وباقي أبواب “الفنون”!
تُرى كيف يختار المشاهد بين هذا الكمّ من العروض؟ خيّروه فحيّروه.. ومن دهائهم بدأوا قبل رمضان بأسابيع كثيرة بعرض دعايات للمسلسلات حتى بات المشاهِد ينتظر رمضان بلهفة لا ليغتنمه في العبادة كما كان ينتظره السلف ستة أشهر وإنما ليتابعوا المسلسلات “الشهية”!
وفي الطرقات إعلانات منتشرة: بمناسبة الشهر الكريم فيديو كليب جديد لتلك المطربة وحفلة حتى الصباح لتلك الراقصة كأنه لم يعد يكفي رمضان ما يلقونه على كاهله من دعايات تقشعر لها الأبدان وتدمي منها القلوب فأكملوا تلطيخ عقول أبناء الأمّة في الفضائيات والشبكة الرقمية ببرامج بذيئة ومسلسلات تافهة وفيديو كليبات ساقطة.. فمَن فاته متابعة المسلسلات أو ربما تضارب بثها على الشاشة أبدعوا له طرقاً أُخرى حتى لا يُحرَم “خيرها” فحمّلوا الحلقات على الانترنت وأصبح في إمكان المشاهِد “المسكين” متابعة كل شي من الفجر إلى النجر! وأصبح “رمضان يجمعنا” على مائدة الإفطار لتغذية الجسم، وعلى التلفاز والانترنت لإرضاء الشيطان.. فقد أوكل مهمّته -حين صُفِّد- إلى أعلام الإعلام ولربما خشي في قرارة نفسه أن يسرقوا منه الأضواء لابتكاراتهم وتفنّنهم في غواية الجيل حتى فاقوه احترافاً! وصدق فيهم قول الحق عز وجل “ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً”!
سألت إحدى الأخوات هل تتابع المسلسلات في رمضان فردّت بالإيجاب.. سألتها لِم وأنتِ تعلمين أن رمضان له خصوصية ويجب استغلاله بالطاعات؟! فأجابت أنّ إنتاج المسلسلات ضخم جداً ونسبة كبيرة منها رائعة كموضوع وإخراج ما يجذب الناس لمتابعتها.. وأنّ البرمجة لهذه المتابعة قد تمّت من شهور مما جعل الناس تتلهّف لحضورها خاصة أن بعضها يتناول قضية فلسطين فلا يشعر المرء بتعذيب الضمير لأنها قضية إسلامية! وأحياناً –والقول لا زال للأخت- يبدأ الناس بحضور مسلسل للاستطلاع فإذا بهم يتعلّقون به ويتابعونه.. ولكن هذا العام فعلاً الوضع لا يُحتَمَل ونشعر به كتسونامي يجتاح الفضائيات!
هذه الأخت ليست من الفئة التي لا يهمها الدِّين أو التي تأبه كثيراً بالفن ولكن استرسالها في متابعة الفضائيات قد يكون ربما بسبب عدم تحديد الأولويات والتركيز على الهدف في الحياة والتمادي مع الأهواء.. فإن كان الأمر كذلك مع هذه الأخت فما بالكم بمَن لا يعني له رمضان إلا الكفّ عن الأكل خلال فترة الإمساك ويتمادى في الغيّ!!
وردّاً على سؤال يخص الفضائيات الإسلامية ولِم لا تكون بديلاً عن “الفضائحيات” كما يرغب البعض بتسميتها.. فكان الموقف من القنوات الإسلامية أنها تفتقر إلى عناصر التشويق والإبداع في العرض فقد ضاق الناس ذرعاً بالفتاوى والقصص والبرامج التي تُعاد سنة بعد أُخرى ناهيك عن افتقادها إلى المسلسلات الهادفة والإنتاج الراقي.. وهي وإن تحسّنت بشكل ملفِت عن سنوات ماضية إلا أنها لا زالت تعاني من فقدان العناصر التي تجعل المشاهِد ينجذب إليها وهي أصلاً تُعتَبَر قليلة جداً بالنسبة للفضائيات غير الإسلامية فالمتاح يكون ضئيلاً غالباً..
وللأسف فإن الرأسماليين المسلمين ورجال الأعمال لديهم زهد حقيقي بالإعلام فتراهم يسارعون إلى بناء المساجد –وهذا لا شك أمر عظيم- ولكنهم يزهدون في بناء صرح إعلامي ينشر الخير والفضائل ويُعنى بجذب الشباب خاصة والمسلمين عامة إلى إعلام أصيل يواكب التطور ويتمسك بالأصالة.. بل حتى باتت كلمة إعلام في زماننا توازي الفسق والفجور عند شريحة كبيرة من الناس فلا بد من هبّةٍ إسلامية في هذا المجال..
وقد قام بعض الشباب الواعي بحملات إلكترونية تدعو إلى مقاطعة المسلسلات في رمضان فقد أبَوا أن يكونوا مادة رخيصة يستغلها أصحاب الفضائيات لتحقيق مصالحهم الشخصية.. وتعدى الأمر معهم إلى إدراك أهمية نشر الوعي والتوجيه للناس جميعاً فمن مقتضيات الأخوّة الإيمانية أن يحب المرء لغيره ما يحب لنفسه..
والمسؤولية حقيقة منوطة بالقيِّمين على الأُسرة والدعاة وخطباء المساجد والحركات الاسلامية والجمعيات الأهلية والهيئات التربوية والثقافية وكل مهتم بنشر الفضائل بأن يقوموا بحملات توعوية وأن يلتفوا حول الإعلام وتكون غضبة كبرى لما تحاول الفضائيات بثّه في الأمّة عبر مشاهد حميمية وأغاني هابطة وعريّ وفساد وفي أحسن الأحوال عرض أنماط اجتماعية وممارسات غريبة عن واقعنا الاسلامي حتى يستسيغ الناس كل ما يُعرَض فيضيع الدِّين وتهبط الأخلاق!
وعوداً إلى بدء.. و”الحاضر يعلم الغايب”! رمضان نفحة أكرمنا الله جل وعلا بها لنمحو الذنوب ونتقرّب إليه جلّ في علاه فأعمِل عقلك ولا تتّبع السبل فيضلوك عن سبيل الله عز وجل.. وتأكد أنهم يوم القيامة لن يغنوك من الله تعالى شيئاً إن كلٌّ إلا آتيه فردا واحذر أن تعض على يديك وتندم على ما فرّطت!
ما زال أمامك متّسع من الوقت لتنيب.. فألحِق بركب العائدين التائبين فوالله الذي لا إله غيره إن غمسة واحدة في نار جهنم تُنسي نعيم الدنيا كلها ولذة واحدة في الجنّة تُنسي آلام الدنيا كلها.. ورمضان فرصة للتغيير فابدأ بتغيير عاداتك وانقطع عما يقطعك عن الله جل وعلا..
هذا موسم بين يديك فاستغلّه.. وأقبِل!
“جاك ما تمنّى.. حقاً.. فتهنّى”!

 

سحر المصري
  • اجتماعية
  • أُسرية
  • دعوية
  • بوح روح
  • جراح أُمّة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط