صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ثوروا ولا تستيقظوا

صباح نوري محمد الضامن
شبكة المسك الإسلامية النسائية


بسم الله الرحمن الرحيم


لستُ ضد الثورات العارمة التي قامت بها شعوبٌ مستضعَفة ومنهوكة.
ولست ضد مَن أطاح بالطواغيت، ونادى بأن يتولى زمامَ الأمر مَن يهتم بأمر المسلمين، ويُعِين العباد على ما أمر به ربُّ العباد.
لست ضد مَن يقول: لا للظلم.
ولا مَن يضع تحت الشمس دفاترَ اسودَّت \"بخربشات\" الفاسدين، حتى تحترق بضوء الحق والحقيقة.
ولا مَن يرفع الغطاء عن وجوهٍ شاهت، ولبست أقنعة تجميلية؛ لعلها تُخفِي زيفها.
ولا مَن يقول للخطأ: لا.

ولكن!

أصبحتْ رؤوسنا كالكرة الأرضية بكل تضاريسها:
تناقضاتها.
أضدادها.
توافقاتها.
فيها كل شيء، ومن كل نكهة، وكل لون، وكل شكل، وصارت السياسة وأحاديث الثورات ليست نزهة المجالس، بل فتنة المجالس.
لا نوجد في أَرْوِقتها لنفهم اللُّعبة، ونتقي شر مَن يساوم على أمتنا لإسقاطها، بل نُقحَم يوميًّا في جدالات، وصراخ، وتعصب، وكشوف حساب بفواتير باهظة الأثمان، ومَن يدفعها؟ أمتنا واستقرارها.
منذ زمن قصير، لم يكن أحدٌ ليجرؤ على فتح فمه، وكانت الأسرار في غياهب الصدور، لا تقال إلا لهدف، وفي الغالب ليس للصالح العامِّ، وتكون وجبة دسمة لإعلام وشعوبٍ مغيَّبة.
واليوم أصبحت المعلومات، والصراعات، والفضائح، كأنها أطباق سريعة التحضير، تقدَّم لأيدٍ تنهشها كفريسة، ويغيب المنطق، والصواب، والتوازن.
وكأنه مقصود بنا أن تستمر ثوراتنا، ليس فقط على الظلم، بل على بعضنا البعض، نغذيها بنار جهلنا تارة، وبتعصبنا تارة أخرى.
وكأنه مقصود بنا أن نثور، وفي الوقت نفسه لا نستيقظ؛ فقد قال الشاعر قديمًا:
نَامُوا ولا تَستَيقِظوا
ما فاز إلاَّ النُّوَّمُ
واليوم يقولون: ثُورُوا ولا تستيقظوا!
رغم فرح القلب بالخلاص، بسبب الانتفاضات الشعبية، إلا أنه خدر بها، ويعيش بها، وغارق بها، وينسى الكثير الكثير.
فلِمَ لا نترك أصحاب الشأن يعملون؟ فالسفينة التي يكثر رَبَابِينُها تغرَق! فقد أصبح الكل سياسيًّا، وقائدًا، ومفكرًا، وثوريًّا، ومنظِّرًا، ومصلحًا، و...
فلنَعُد لما هجرنا.
فأين مَن كان ليله ونهاره من أجل الدعوة، أو العمل، أو الفكر، أو...، أو...؟ ينشغل الآن بثقافة جديدة، تحتلُّ كثيرًا من وقته.
شُغِلَ بالدوران في الدفاع عن الأقوال والأفعال بالنقاشات والحوارات على التلفاز، وشبكات التواصل الاجتماعي.
همه أن يرى ماذا قال فلان.. ماذا رُدَّ عليه؟
ويدور ويدور في حلقات الرد والصد للكثير والقليل، للهامِّ والتافه.
كم ضاع من وقت ثمين، كنا نجلس نتدارس فيه آيات الكتاب! أو نناقش فكرة فيها بناء لنفس أو مجتمع!
كم ضاع من وقت هنيء، كنا نتواصى فيه بالخير، ونرمِّم صدوعًا، ونزرع هممًا!
كم ضاع من هدوء بالٍ، لَمَّا صار همُّنا فقط الرد على هذا وهذا، وصرنا نظن أننا سنؤكل لو تركناهم ينبحون بالغث!
كم من دورةٍ، ودرس، وعمل، وبحث، واختراع، وإنتاج، وصحبة فُقِدت في خِضَمِّ الانشغال بسياسة، أو أحاديث الثورات، بقصص مستهلكة، مقصود بها فقط إشغال الناس!
كالمد جرف لآلئ كانت تضيء شطآن أرواحنا، ذاك الانشغال بالسياسة والأحاديث التي نظن به أنَّا ندافع عن مكتسبنا وحريتنا ووجودنا.
وننسى أن مكتسبَنا في علمٍ ننتفع به وبه ننفع، وجودَنا في عمل لذاك العلم نبني فيه أمتنا، التي استباحوها بكسلِنا واتكالِنا واستهلاكِنا بلا إنتاج، وحريتَنا في عبادةٍ لله فعليةٍ، وليست فقط حروفًا نرددها في مسبحةٍ ليلَ نهارَ، بل في ترجمة فعلية لمعنى العبادة الحقة.
فإننا نثور ونثور، لَمَّا يساء للرسول -عليه الصلاة والسلام- ونعود في زوابع وأعاصير، نرمي بحممنا في أراضي المتسبِّب؛ لنحرقه، ونغرقه، ونزلزله.
لننسى أن الذئب ما استأسد إلا لنوم الحُمَاة.
تصرُّفنا وردود أفعالنا دائمًا وقتية ومعكوسة ومبالغ فيها.
فلنفهم أن العداء لإسلامنا منذ أن قامت دولة الإسلام؛ فإن أردنا حقًّا ثورات تُعِيد لإسلامنا عزتَه، ولأمتنا قوتها؛ فلنستيقظ ونَعُدْ لفهم ودعوة، فإنتاج.
فمَن نام لا يعمل.
ومَن زادت ثرثرته، قلَّ عمله.
ومَن ثار، فليمطر عملاً؛ فالنار الدائمة تحرق.

------
almeske.net


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
صباح الضامن
  • مـقـالات
  • أدبيات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط