صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أحداث الرياض بغي وحرابة

د. رقية بنت محمد المحارب


استهدف البغاة رجال الأمن من إخوانهم المسلمين، بل استهدفوا منشأة أمنية تغص بالمواطنين العسكريين والمدنيين، فقتلوا وروعوا الآمنين، فماذا يمكن أن يسمى هذا العمل؟ وما جزاؤه من الناحية الشرعية؟
وما الموقف الشرعي الذي لا يجوز سواه؟
الجواب: أن هذا العمل يسمى: بغيا وحرابة وإفسادا في الأرض وإهلاكا للحرث والنسل. لا يختلف على ذلك أحد من المسلمين الذين يستقون أحكامهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يؤيد ذلك أو يسكت عنه إلا صاحب هوى، أو جاهل بدينه، وقد ذكر الله تعالى من يقومون بهذه الأعمال وبين جزاءهم في قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
قال ابن كثير: "وَقَوْله: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَاف أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ..} الآيَة. الْمُحَارَبَة:ُ هِيَ الْمُضَادَّة وَالْمُخَالَفَة، وَهِيَ صَادِقَة عَلَى الْكُفْر وَعَلَى قَطْع الطَّرِيق وَإِخَافَة السَّبِيل. وَكَذَا الإفْسَاد فِي الأرْض يُطْلَق عَلَى أَنْوَاع مِنْ الشَّرّ..".
قال: "وَالصَّحِيح أَنَّ هَذِهِ الآيَة عَامَّة فِي الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرهمْ مِمَّنْ اِرْتَكَبَ هَذِهِ الصِّفَات كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي قِلابَة ـ وَاسْمه عَبْد اللَّه بْن زَيْد الْجَرْمِيّ الْبَصْرِيّ ـ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْل ثَمَانِيَة قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلام فَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَة وَسَقِمَتْ أَجْسَامهمْ فَشَكَوْا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَقَالَ: "أَلا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إِبِله فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالهَا وَأَلْبَانهَا" فَقَالُوا: بَلَى. فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالهَا وَأَلْبَانهَا فَصَحُّوا، فَقَتَلُوا الرَّاعِي وَطَرَدُوا الإِبِل، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي آثَارهمْ، فَأُدْرِكُوا فَجِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ وَسُمِرَتْ أَعْيُنهمْ ثُمَّ نُبِذُوا فِي الشَّمْس حَتَّى مَاتُوا..".
والذي يقوم بهذه التفجيرات يقتل أنفسا بريئة ليس لها ذنب، وقد حرم الله قتل النفس إلا بالحق، سواء قتل النفس أو قتل الغير، أما قتل النفس فقال الله تعالى فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رحيما}.
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَتَلَ نَفْسه بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَته فِي يَده يَجَأ بِهَا بَطْنه يَوْم الْقِيَامَة فِي نَار جَهَنَّم خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسه بِسُمٍّ [تَرَدَّى بِهِ] فَسُمّه فِي يَده يَتَحَسَّاهُ فِي نَار جَهَنَّم خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا". وَهَذَا الْحَدِيث ثَابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ.
فهل تخيل من يفجر نفسه أنه يفجرها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها؟ إنه لو فكر بذلك قبل أن يقدم لم يقدم أبدا، ذلك أنه يفجرها قتلا لها واستعجالا للموت، ظنا منه أنه سينتقل إلى الجنة بمجرد موته. وقد يكون مراده أنه يجاهد وسيكون شهيدا، فأي شهادة بقتل المسلمين والأبرياء؟! ولو قيل له "امش في شدة الحر ساعة على قدميك وسنعطيك مكافأة سيارة"، لم يفعل إذا كان لديه شك في الوعد بنسبة خمسين في المئة، مع أنه إذا لم يكافأ فلن يعاقب، فكيف يقدم على قتل نفسه وتعريضها لتلفها، فيما لا يؤيده أحد من العلماء، وأحسن أحواله أنه في شك، إذ لا نصوص شرعية تؤيدهم. وإذا كان من يفتي له مخطئا فكيف سيلقى ربه بدمه ودماء المسلمين التي تعمد قتلها؟ وقد توعد الله من قتل نفسا بما جاء في سورة التوبة، قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
قَالَ ابن كثير: أخرج اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع قَالا: حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ يَحْيَى الْجَابِرِيّ عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد قَال:َ كُنَّا عِنْد اِبْن عَبَّاس بَعْدَمَا كُفَّ بَصَره فَأَتَاهُ رَجُل فَنَادَاهُ: يَا عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس، مَا تَرَى فِي رَجُل قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا؟ فَقَالَ جَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. قَال:َ أَفَرَأَيْت إِنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اِهْتَدَى؟ قَالَ اِبْن عَبَّاس: ثَكِلَتْهُ أُمّه، وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَة وَالْهُدَى؟ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَمِعْت نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: "ثَكِلَتْهُ أُمّه قَاتِل مُؤْمِن مُتَعَمِّدًا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ تَشْخَب أَوْدَاجه مِنْ قِبَل عَرْش الرَّحْمَن يَلْزَم قَاتِله بِشِمَالِهِ وَبِيَدِهِ الأخْرَى رَأْسه يَقُول: يَا رَبّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي" وَاَيْم الَّذِي نَفْس عَبْد اللَّه بِيَدِهِ لَقَدْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَة، فَمَا نَسَخَتْهَا مِنْ آيَة حَتَّى قُبِضَ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ وَمَا نَزَلَ بَعْدهَا مِنْ بُرْهَان.
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى: أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال:‏‏ "إذا مر أحدكم في مجلس أو سوق وبيده نبل فليأخذ بنصالها ثم ليأخذ‏‏ بنصالها ‏ثم ليأخذ‏‏ بنصالها".‏ قال: فقال‏ ‏أبو موسى: "‏والله ما متنا حتى سددناها بعضنا في وجوه بعض". هذا الحديث الترهيب من الإشارة بالسلاح للمسلم دون قصد؛ لما في أسلوب تكرار الأمر من شدة النكير على المخالف، فكيف بمن أشار بالسلاح عمدا؟! وكيف بمن استعمل الأسلحة المدمرة كالقنابل والمتفجرات؟!
أخرج البخاري بسنده عن همام قال:‏ ‏سمعت ‏ ‏أبا هريرة‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏قال: "‏لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار". قال ابن حجر: ‏هو كناية عن وقوعه في المعصية التي تفضي به إلى دخول النار، قال ابن بطال: معناه إن أنفذ عليه الوعيد, وفي الحديث النهي عما يفضي إلى المحذور وإن لم يكن المحذور محققا، سواء كان ذلك في جد أو هزل, وقد وقع في حديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة وغيره مرفوعا, من رواية ضمرة بن ربيعة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه: "الملائكة تلعن أحدكم إذا أشار إلى الآخر بحديدة وإن كان أخاه لأبيه وأمه". وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن أبي هريرة موقوفا من رواية أيوب عن ابن سيرين عنه, وأخرج الترمذي أصله موقوفا من رواية خالد الحذاء عن ابن سيرين بلفظ: "من أشار إلى أخيه بحديدة لعنته الملائكة" وقال: حسن صحيح غريب, وكذا صححه أبو حاتم من هذا الوجه.
وأخرج الترمذي بسند صحيح عن جابر "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعاطى السيف مسلولا". ولأحمد والبزار من وجه آخر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: "مر بقوم في مجلس يسلون سيفا يتعاطونه بينهم غير مغمود، فقال: "ألم أزجر عن هذا؟ إذا سل أحدكم السيف فليغمده ثم ليعطه أخاه". ولأحمد والطبراني بسند جيد عن أبي بكرة نحوه، وزاد: "لعن الله من فعل هذا, إذا سل أحدكم سيفه فأراد أن يناوله أخاه فليغمده ثم يناوله إياه". قال ابن العربي: إذا استحق الذي يشير بالحديدة اللعن فكيف الذي يصيب بها؟ وإنما يستحق اللعن إذا كانت إشارته تهديدا، سواء كان جادا أم لاعبا كما تقدم، وإنما أوخذ اللاعب لما أدخله على أخيه من الروع, ولا يخفى أن إثم الهازل دون إثم الجاد، وإنما نهي عن تعاطي السيف مسلولا لما يخاف من الغفلة عند التناول فيسقط فيؤذي.
وأخرج البخاري بسنده‏ عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏رضي الله عنهما ‏ ‏قال: قال رسول‏ ‏ ‏صلى الله عليه وسلم: "‏لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما". وأخرج بسنده عن ابن عمر قال: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله". فأين يذهب هؤلاء الأغرار بدماء المسلمين يوم القيامة؟ ومن الذي ستحمل عنهم ذنوبهم: هل هو من أفتاهم أم من أغواهم؟
لقد صدم المجتمع الإسلامي داخل السعودية وخارجها، وأجمعوا على أن المستفيد من هذا العمل هم أعداء الإسلام، ومهما ادعى المدعون من مبررات وأسباب فلا بد أن يأخذ كل مجرم جزاءه، ولا بد له من رادع، فالأمن عزيز، وهو مطلب شرعي يجب توفيره للمسلمين، ومن سلبه أو ساهم في ذلك فقد استحق العقوبة. كما أن من المفسدين في الأرض الذين يجب الأخذ على أيديهم ومنعهم من الفساد: الذين يشيعون الفاحشة في البلاد، أو يوقعون الشبه في قلوب المسلمين؛ ليصدوهم عن المنهج الحق، قال تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}.
قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: "إنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصَفَ هَذَا الْمُنَافِق بِأَنَّهُ إذَا تَوَلَّى مُدْبِرًا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمِلَ فِي أَرْض اللَّه بِالْفَسَادِ. وَقَدْ يَدْخُل فِي الإفْسَاد جَمِيع الْمَعَاصِي, وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَل بِالْمَعَاصِي إفْسَاد فِي الأرْض, فَلَمْ يَخْصُصْ اللَّه وَصْفه بِبَعْضِ مَعَانِي الإفْسَاد دُون بَعْض".
حمى الله ديارنا والمسلمين من كل بلاء، وجعل لنا من كل بلاء عافية.

 

المصدر : لها أون لاين
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.رقيه المحارب
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط