صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







رجل تعدت حكمته حدود جسده

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
الواقع يؤكد أن عداء أولئك لم يكن موجهاً للشيخ أحمد ياسين بذاته بل لما يؤمن به هذا الشيخ ويدعو إليه، ومن الإجحاف التوقف عند اغتياله دون النظر للأهداف الكامنة وراء هذا الجنون وللتوقيت الذي اختير لهذا الاغتيال

لو أدرك أولئك أنهم بما فعلوا حققوا أمل ذلك الشيخ المهيب في مماته وحياته لعضوا أناملهم غيظاً، لو أدركوا أنهم بذلك ثبتوا دعائم فكره ومناهجه عند شبيبة كانت تتطلع لإرشاداته وتوجيهاته لماتوا كمداً، لو أدركوا يقيناً عمق نظرتنا كمسلمين للحياة والممات لما جروا في دائرة مغلقة لا سبيل لفتحها إلا بقبولهم مبدأ الأرض مقابل السلام، فاغتيالهم للشيخ الشهيد - بإذن الله - أحمد ياسين لن يثني صاحب الحق عن المطالبة بحقه، ولن يزيده إلا تصميما، اغتيال أرعب الشعب الصهيوني الذي انتخب من قدّم نفسه ومستقبله السياسي على حساب روح ذلك الشعب وأمنه، وتباهى بذلك!.

لم يكن مستغرباً أن يقوم هؤلاء بفعل مجنون كهذا، فعل يفتقد كل جوانب الحكمة وبعد النظر، فحقدهم على الحق أين كانت وجهته واضح بين، لكن حقدهم الممزوج بالخوف من الإسلام وأهله أوضح وأبين، أ لم يقل دايفد بن جوريون (نحن لا نخشى الاشتراكيات، ولا الثوريات، ولا الديمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نخشى الإسلام ذلك المارد الذي نام طويلا وبدأ يتململ) مارد حاولوا إخماد أنفاسه بكل الوسائل، وما زالوا لهذا الهدف ساعين، وما اغتيال شيخنا أحمد ياسين إلا خطوة مرتدة في هذا الاتجاه اليائس.. لسياسة فاشلة، وكان الأجدر بشارون وزبانيته وهم يخططون لهذا الاغتيال وأمثاله التوقف أمام المخاطر التي سيجنيها الكيان الصهيوني من جراء تهورهم هذا.. كان الأجدر به أن يتذكر قناعته الخاصة بالقوة التي يبثها الإسلام في نفوس أهله، كان الأجدر به أن يتذكر تصريحات أعلنها تنبئ بذلك، أ لم يقل إنه: (ما من قوة في العالم تضاهي الإسلام، من حيث قدرته على اجتذاب الجماهير)؟! وهاهو قد رفع وبذراعيه الملوثتين نصباً تذكاريا لقائد مسلم تحدى الإعاقة الجسدية بقوة إيمانه، تحدى الاحتلال المدجج بترسانة حربية، ترسانة يقال إنها متفوقة، هاهو شارون وبقرارات غير مدروسة العواقب، قد مهد الطريق لذكرى عطرة ستدوم طويلاً لرجل مسلم تحدى الاعتقال والجوع والفقر وخرج من ذلك كله منتصراً، وكيف لا تكون هذه نهايته وقد تحصن بكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.

وفي هذا المقام يحلو لي الإشارة إلى نص نشرته إحدى صحف الكيان الصهيوني (إيديعوت أحرونوت) عام 1978م، والذي حذر كاتبه الصهيوني من مغبة تجاهل قوة وصمود المد الإسلامي: (علينا ألا ننسى حقيقة هامة، هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب، هذه الحقيقة أننا قد نجحنا بجهودنا، وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب ألا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل، ولو اقتضى الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية.. وإذا فشلنا في إقناع أصدقائنا بتوجيه ضربة قاضية إليها في الوقت المناسب، فإن على إسرائيل حينذاك أن تواجه عدوا حقيقيا لا وهميا، عدواً حرصنا أن يبقى بعيداً عن المعركة)! يبدو أن هؤلاء يدركون تماماً أنه من المحال أن يتمكنوا من تحرك دون مساندة أصدقائهم، أصدقاء جبنوا مؤخراً عن التصريح بنوايا وقرارات أعلنت بلا أدنى شك خلف الجدران!

أما توقيت هذا الاغتيال في شهر مارس، فيدعو للتساؤل، فهو الشهر الذي اعتادوا سفك دماء أعدائهم فيه، فعلى سبيل المثال لا الحصر أذكركم أن احتلال العراق الذي يخدم في المقام الأول مطامع الصهاينة كان في 21من شهر مارس العام المنصرم، كما أن اغتيال القائد الشيخ أحمد ياسين حدث مع فجر الاثنين الموافق 22 من الشهر نفسه، توافق لا يمكن أن يكون مجرد مصادفة بأي حال من الأحوال!

الواقع يؤكد أن عداء أولئك لم يكن موجهاً للشيخ أحمد ياسين بذاته بل لما يؤمن به هذا الشيخ ويدعو إليه، ومن الإجحاف التوقف عند اغتياله دون النظر للأهداف الكامنة وراء هذا الجنون وللتوقيت الذي اختير لهذا الاغتيال، فالشيخ أحمد ياسين رمز للمقاومة الإسلامية الحكيمة التي أبت خلط الأوراق وتعاملت مع القضية الفلسطينية بحكمة غاظت أعداءها، أ لم يكن صمام الأمان الذي رفض تماماً أن يتحول نزاع الفلسطينيين مع المحتل الصهيوني لنزاع داخلي، خشية منه على الوحدة الوطنية وعلى الدم الفلسطيني؟، أ لم يتسم بالحكمة التي ألزمته بالتريث في إصدار آرائه وتوجيهاته؟، أ لم يلتزم بالإقامة الجبرية طواعية لأنها صدرت من السلطة الفلسطينية؟ السلطة السياسية الفعلية للفلسطينيين، أ لم يلتزم بها مع علمه يقينا أن شريحة عريضة من الفلسطينيين تقف وراءه وتسانده؟ التزامه بهذا القرار وبغيره يعني لي الكثير، فوحدة الصفوف كانت بالنسبة لهذا الشيخ أجلّ وأعظم من معارك داخلية لن تترك خلفها إلا الدمار لأهلها، كان مدركاً أن معارك كهذه سيصفق لها الصهاينة لو قدر لها الحدوث، ثم أ لم يكن هو الرافض لتحويل ساحة النزاع خارج الحدود الفلسطينية؟، كان بحكمته يعلم أن عدوه ذاك المحتل، وأن مصلحة القضية الفلسطينية تكمن في عدم فتح منافذ لصراعات دولية متعددة، رجل استوعب قوانين اللعبة التي حدد بنودها ذلك الكيان المحتل، فتعامل معها بكبرياء وحكمة أفقدتاهم ما بقي لهم من عقل، رجل تعدت حكمته حدود جسده المتهالك لتصل به إلى مصاف عظماء هذا العصر.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط