صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ولأن الصمت خيانة

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
نستغرب أن نسمع بيننا أصواتاً تعتقد أن شريعة الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام لا تصلح لهذا الزمان، وأن الحل الأمثل يكمن في تطبيق نظم أوجدها آخرون لخدمة مصالحهم وتوجهاتهم، نظم من السذاجة عدم تدبر فشلها في تقديم المأمول منها على أرضها وبين أهلها

كنت قد نويت ترك الكتابة عن الحوار الوطني لا لشيء إلا لأنه نال ولله الحمد من أقلام أساتذتي وزملائي الكتاب رجالاً ونساء اهتماماً يغنيه عن حديث مثيلاتي، ولكن ما جد على الساحة أخيراً غير الموازين الماثلة أمامي... وأعني هنا الخطاب الأخير لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بالذات، أما السبب في تغيير هذه القناعة فيرجع لأن حديث سموه كما كان مفعما بالأمل، كان أيضا مفعما بالحذر، وحق له الحذر، فموضوع الحوار الوطني جلل، ومن التهاون بمكان أن نمر عليه مرور الكرام، إلا إذا كان وقوفنا عنده لا يعدو الاهتمام بشكليات لا يراد منها إلا الدعاية.
لم يكن مستغرباً تلك الصراحة التي ظهرت في كلمات سموه، فقد عرفناه دوماً صريحا في كلامه وفي صمته... إلا أن خطابه الأخير حمل كلمة الفصل في قضية شغلت الساحة الفكرية، وعلى مدى أسابيع في الداخل والخارج على السواء، كلماته تلك لم تترك مجالاً لأصوات عمدت أخيراً على المزايدة على هذا الحوار كل بحسب قناعته ومن زاويته، فهناك من أعتقد أننا في المملكة سنغير عما قريب حتى ثياب رجالنا... بل سنغير قبلتنا لتكون وجهة أفئدتنا إلى الغرب لا إلى مكة المكرمة.

أصوات قالت إن الحوار الوطني ليس إلا ترتيبا شكليا لتصوير أي إصلاح يطرأ على الساحة السعودية، على أنه جاء بإرادة سعودية وطنية... داخلية، في حين أن الواقع سيكون بخلاف ذلك كله... فما سيحدث من تغيير داخلي في البلاد ما هو إلا نسخة طبق الأصل لتوصيات غربية تسعى لدفع البلاد لمنحى تفقد معه أهم خصائصها الذاتية الدينية منها والوطنية... والأمر عند هذه النقطة أخطر من أن يسكت عليه، أو أن يجامل فيه... ومن جانب آخر سمعنا أصواتاً تعتقد أن التوجه للإصلاح كفر أو في أبسط حالاته فساد، أصوات أنكرت على أمتنا البحث والسعي لتدعيم مصالحنا أمام ما استجد من معطيات دولية وداخلية، البحث الذي قرر ولاة الأمر فينا أن توصياته لن تقبل بأي حال إذا ما كانت تحمل في طياتها خروجاً عن معتقداتنا وديننا.
والواقع أننا أمام كل هذه الأصوات كنا في حاجة لسماع أصوات تعمل على توضيح الصورة لنا ولغيرنا، فالمزايدات زادت، وانتعشت لحد ظننت معه أن سوق الرهان سيبدأ للمزايدة على أي من الفريقين سيربح؟.
ونحمد الله أن بيننا من رجال الدين والفكر من يملك الشجاعة ليعترف بأخطاء وقعنا فيها كبشر، رجال لم يجدوا الغضاضة في إعلانهم النية على الإصلاح والتجديد في أمور لا تتعارض البتة مع دين الله، رجال لم يجدوا الغضاضة في الإعلان أن أمتنا ليست أمة معصومة، وهي كغيرها يرد عليها الخطأ والنسيان، وأن ما هو وارد على الساحة الوطنية اليوم ليس كله من وحي الله... أو من سنة نبيه، وأن باب الاجتهاد لم يقفل... وأن بيننا ولله الحمد علماء أفاضل تنطبق عليهم شروط الاجتهاد.

ولكن في المقابل نستغرب أن نسمع بيننا أصواتاً تعتقد أن شريعة الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام - معاذ الله أن تكون - لا تصلح لهذا الزمان، وأن الحل الأمثل يكمن في تطبيق نظم أوجدها آخرون لخدمة مصالحهم وتوجهاتهم، نظم من السذاجة عدم تدبر فشلها في تقديم المأمول منها على أرضها وبين أهلها، الأرض التي تشهد إقبالا منقطع النظير لدين ارتضاه المولى للبشرية جمعاء... بل المستغرب أن نسمع من يعتقد أن تغيير الهوية لتكون هوية الآخر ماثلة أمامنا سيعمل على تقدمنا وازدهارنا وتثبيت حقوقنا كبشر... في حين لم تملك تلك الهوية القدرة إلى اليوم على تقديم حقوق الإنسان بالشكل المأمول منه، نظم لم تراع حق المرأة والطفل، والعامل والفقير... ولا حتى الغني، في حين نجد كل هذه الحقوق ماثلة أمامنا في شريعة أراد الله لها البقاء، وأراد لها الله بفضله ومنته، أن تكون سببا في حماية حقوق الإنسان امرأة كان أو رجلا، شيخاً كان أم شابا، طفلاً أو رضيعاً، مسلماً أو من أهل الكتاب، حيواناً كان أو نباتاً. الشريعة التي تدفعنا للأخذ بمعطياتها الإلهية تدفعنا للعمل والأخذ بأسباب العلم، وتعد البحث في الحيثيات الكونية والتعاون الإنساني في هذا المجال، أمراً واجباً وأساسيا، تحقيقاً لخلافة الله في أرضه.

أما ما أسعدني في خطاب سموه هو تبيان أن التروي من شأنه إنجاح ما يسعى إليه الوطن من إصلاح، وهو أمر تؤكده التجارب فإصدار القرارات ارتجالاً لن يكون من شأنه إنجاح العملية الإصلاحية الوطنية بحجم ما تخطط له البلاد، وما سعادتي تلك إلا لأني لامست بقلق تلهفاً منقطع النظير لبعض المخلصين، لتحقيق المراد بين ليلة وضحاها، وهو أمر من شأنه إفساد المأمول لا إصلاحه.
ولأني أؤمن بمضمون قول القائل الذي جاء فيه: (لقد حان الوقت الذي يعتبر فيه الصمت خيانة... وهذا الوقت هو الآن...) كتبت لكم ما كتبت.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط