صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







المدير نقطة ارتكاز وتحول

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


صفات المدير الناجح قد تتكون عن طريق الدراسة والبحث وقد تكون موهبة، ولكننا نجد من بيننا مدراء مع امتلاكهم للتأهيل العالي في مجال عملهم الاقتصادي أو الصناعي أو الأكاديمي لا يجيدون أبجدية الإدارة ويرفضون الاعتراف بحاجتهم للتأهيل .


نقول هذه المؤسسة ناجحة وتلك فاشلة وهذه مبدعة وتلك خاملة، والمحك الأساسي في ذلك كله ـ كما أفهم ـ هو المدير، إذ إنه نقطة ارتكاز وتحول، فهو القادر على رفع المؤسسة إلى مصاف المؤسسات الناجحة بإذن الله سبحانه، وهو القادر على إصابتها بالشلل النصفي، بل القضاء عليها.
ويعتقد بعض المدراء أنه قادر على إنجاح مؤسسة باعتماده للسياسة العسكرية التي لا تجدي نفعا مع المدنيين، فهو يعتقد أن الصرامة في تطبيق القانون، وتفريغه من أي معنى من معاني الإنسانية هو الطريق الذي يولد الالتزام بين مرؤوسيه، وهو على الأغلب لا يوجه اهتمامه إلا للوائح والأنظمة، ولا يقف عند الحاجات المادية والمعنوية للعاملين تحت إدارته، يثير التذمر والامتعاض حوله، وقد نجده في المقام الأول متتبعا وباهتمام عظيم لتقارير الحضور والانصراف بغض النظر عن إنتاجية العاملين ولا يعتقد أن هناك مجالا لتطوير أدائهم.
وآخر ودود لطيف مع العاملين، إلا انه منشغل دائما، بالكاد يجتمع مع أحد منهم، ولا يهتم بمعرفة آرائهم حول مواطن القوة والضعف في بيئة العمل، والكيفية التي يقترحونها لرفع مستوى الأداء وقد لا يهتم بتوضيح أهداف المؤسسة وسياستها ولا بحقوقهم النظامية، وقد يترك أمر المؤسسة لإدارة الأقسام ويكتفي بالنظر تارة والتثاؤب تارة أخرى، فخياره الدائم لا يتعدى الثبات.. فلا تقدم ولا تأخر، المهم أنه يقف على بر ولو كان هذا البر صحراء قاحلة.
المدير الناجح هو ذلك الإداري المحنك الذي يدرك أن نجاح المؤسسة يتوقف على العاملين فيها وعلى استثمار قدراتهم، وعلى إدراكه لأهمية وجود بيئة عمل سوية ومحفزة تقدر العاملين وتنصت لمطالبهم وتحترم قدراتهم ودورهم، وتقديم الحوافز المعنوية والمادية على السواء، كما يعمل على إيصال الثناء لهم بشكل مباشر وعلني، كما أنه المدرك لمواطن القوة قبل الضعف في العاملين معه ويحاول استثمار طاقاتهم بما يعود بالفائدة على المؤسسة، فلا بأس لو تأخر أحدهم صباحا لدقائق، المهم أن يستثمر بقية الدوام فيما يحقق الفائدة، فهو عندما يتجاوز عن تأخيره يفعل ذلك تقديرا لعطائه وإخلاصه وتفانيه.
المدير الناجح لا يعنيه كمدير وجود موظف يصل قبل الدوام وهو مدرك أنه اعتاد تمضية أغلب دوامه متكاسلا متخاذلا يعمل بروتين ممل يمضي وقته مراقبا عقارب الساعة ليقف مجددا ويوقع للانصراف، المدير الناجح يتوقف عند حاجات العاملين ويعمل على توفير مواطن الراحة وإظهار إبداعهم ويشعرهم باحترامه وتقديره، فهو على يقين أن نجاحهم هو نجاحه وتفوقهم هو تفوقه، المدير الناجح يعرف متى وكيف يؤنب ومتى وكيف يوبخ ومن يلوم ومتى يتوقف ومتى يسترسل؟ ومع من.. يكون بهذه الحالة أو تلك؟.
من المعلوم بالضرورة أن صفات المدير الناجح قد تتكون عن طريق الدراسة والبحث وقد تكون موهبة، ولكننا نجد من بيننا مدراء مع امتلاكهم للتأهيل العالي في مجال عملهم الاقتصادي أو الصناعي أو الأكاديمي لا يجيدون أبجدية الإدارة ويرفضون الاعتراف بحاجتهم للتأهيل، وهناك من يجيد الإدارة ولكنه يفتقد التأهيل في مجال المؤسسة، وهذا المدير وبحسب التجارب أكثر نجاحا من سلفه، فهو قادر على استثمار أصحاب المؤهلات العالية وتوجيهها بنجاح لتحقيق السياسة العليا للمؤسسة، ولتحقيق ذلك يعمل على تخصيص وقت ليسمع لكل الأطراف سواء كان نابعا من الإدارة العليا أو الأفراد العاملين داخلها ، يهتم بتوضيح أهداف المؤسسة ويسعى للوقوف عند آراء الموظفين وعند اقتراحاتهم لتحقيق الجودة العالية، المدير الفاعل يعتمد سياسة التفويض مدركا ضعف مخرجات السياسة المركزية، ساعيا لاستثمار الإمكانيات الإبداعية للعاملين وتفعيلها على ارض الواقع، المدير الناجح يراجع نفسه ويقف على أخطائه ويحاول تصويبها، ولا يخجل من الاعتراف بالخطأ.
ليتنا كمجتمع وكأفراد نهتم بتجارب أسلافنا وتجارب غيرنا في الإدارة الناجحة، فإدارة الموارد البشرية والإبداعية هي من صنعت "اليابان" بعد "هيروشيما " و"ألمانيا" بعد "هتلر"، ونحن قادرون بحول الله على التحول لدولة عظمى في زمن قياسي، لو أحسنا التعامل مع الإنسان ومع الوقت ومع الذات، لو احترمنا العامل البسيط قبل غيره، لو شددنا على يده، لو توقفنا عنده لدقائق، لو أدركنا أن نجاح العاملين وتميزهم كأفراد يعني نجاح المؤسسة، وهو يعني نجاح المدير الذي أدارها بمهنية عالية، الذي قد يرفع بسياسته الحكيمة مستوى المؤشرات التي ترصد مستويات الجودة إلى أعلى، وقد يدفعها بسياسته الفاشلة إلى الحضيض، وقد يتركها لحالها ساكنة سكون المقابر لا إلى أعلى ولا إلى أسفل، فهو يكتفي بإلقاء الخطابات، ويهوى سماع التصفيق، ويكره الإبداع والمبدعين الذين قد يعرضونه لمخاطر هو في غنى عنها.
ولو توقفنا عن إهمال العاملين وتجاهلهم، لو أدركنا أن إحباط العاملين سيولد مؤسسة خاملة لا تسمن ولا تغني من جوع، وإن السكون الذي يعم الأجواء دليل مرض لا صحة، وأن الجسد عندما يموت يتوقف عن الحراك، وإن وجوده كعدمه لا طائل منه، وإن النفوس كالنبات، فإذا كانت قطرة الماء تحيي النبات ، فالكلمة الطيبة واحترام العاملين يحييان نفوسهم ويولدان عندهم الانتماء ويحفزانهم للمعالي، وفي الختام يتوجب علي توجيه شكر خاص لكلية العلوم التطبيقية وخدمة مجتمع "جامعة الدمام" التي اهتمت بتدريس أبنائنا وبناتنا مادة "المهارات الإدارية" فمن خلال دراسة ابنتي الغالية لهذه المادة وعرضها لبعض ما درست، استوحيت هذه السطور ، ووجدت أصابعي تتسابق للكتابة إليكم.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط