صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







"لنبدع في ظل لا إله إلا الله" 2-2

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
ها قد عدت مجددا لإكمال حديث يصعب إتمامه على الوجه الأكمل، فكتاب "سلمان بن عبدالعزيز الجانب الآخر" للكاتب والمفكر القدير زين العابدين الركابي يحوي بين طياته من المنافذ والإشارات البالغة الدقة والملاصقة لشخصية أمير الرياض حفظه الله، ما يعجز قلمي عن الإحاطة به إحاطة كاملة ، ولكني كنت وبعد أن توكلت على الله سبحانه قد عزمت أمري على المحاولة، فلعلي على الأقل أصل بالقارئ لتصور بعض من هذه الجوانب.
ولنبدأ من حيث انتهينا فقد أشرت في الأسبوع المنصرم إلى يقين أمير الرياض أن القرآن الكريم هو نبع الحياة وأن من يزعم أنه عائق أمام التطور والتقدم فهو إما لم يقرأ القرآن أو لم يفهم معانيه ، كما بين دون أدنى شك أن تقصير المسلمين نابع من أنفسهم لا من تعاليم دينهم، موقف أميرنا من كتاب الله الكريم صرح به علنا ليسمعه ويفهمه القاصي والداني، أما علاقته الخاصة بكتاب الله سبحانه فعلاقة لا يعرفها عنه إلا الخاصة من المقربين منه حفظه الله، ومن هنا بين الكاتب أن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان شب على حب كتاب الله سبحانه واقترن به في حله وترحاله، فهو على صلة يومية بكتاب الله عز وجل ، في حضر وفي سفر.
هذه العلاقة الوثيقة بين كتاب الله سبحانه وأميرنا لم تكن وليدة اللحظة فقد نشأ عليها منذ نعومة أظافره، ولعل أول جائزة نالها الطفل سلمان بن عبد العزيز، في حياته العامرة بكل نجاح، كانت نتيجة لتعهده لكتاب الله بالدراسة، والتي كان لها الأثر الإيجابي في علاقته الدائمة بكتاب الله سبحانه، وعن هذه الجائزة يقول الأستاذ الركابي: (نشرت صحيفة أم القرى بتاريخ 24 شعبان 1364 أغسطس 1954 وقائع حفل ختم الأمير سلمان بن عبد العزيز للقرآن الكريم الذي أقامته مدرسة الأمراء، وقد رعى الحفل سمو ولي العهد الأمير سعود بن عبد العزيز، وسلم سلمان جائزته، بعد أن تلا آخر حزب من الختمة، وخطب في هذا الحفل-الحفل القرآني- الأمراء عبدالرحمن ومتعب وطلال ومشاري وبدر وتركي ونايف احتفاء بأخيهم سلمان) هذه الاحتفالية لا شك تركت أثرا فاعلا في نفس ذاك الفتى، فنحن نعلم أنه ما إن شب حتى أخذ على عاتقه رعاية كتاب الله والاحتفال بحفاظه من أبناء الوطن ذكورا وإناثا ، إذ لم ينسه تتابع الأيام وعظم المسؤوليات وتعددها روعة ذلك اليوم الذي التف فيه إخوته حوله لينشدوا الكلمات فخرا بأخيهم الصغير، الذي سخر وقته لأمر جلل، فاستحق التكريم عن جدارة، ولعل تلك الجائزة التي نالها الأمير سلمان من أخيه الملك سعود رحمه الله ما زالت مستقرة في الذاكرة ، وها هو يسعى لتجديد تلك اللحظة الروحانية كل عام، مبادرا بتكريم نفوس شابة تتوق لحفظ كتاب الله سبحانه وتعمل لذلك بجد، أعتقد أننا أصبحنا الآن نفهم منبت (جائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لتحفيظ القرآن الكريم للبنين والبنات)، وهذه العلاقة الوطيدة بينه وبين القرآن الكريم تذكرني بخبر ورد في صحيفة الحياة منذ فترة للصحفي مصطفى بن محمد الأنصاري، فقد نقل لنا كلاماً لسماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ حفظه الله ،جاء فيه:(اعتبر اسم الأمير سلمان مقرونا بأول جمعية لتحفيظ القرآن الكريم في السعودية.. ففي عام 1386 تبرع الأمير محمد بن سعود الكبير بأرض وقفا عن والدته نورة رحمها الله - جزاه الله خيرا- في حين تكفل الأمير الشاب سلمان بن عبدالعزيز برفع أعمدتها، ليكون هذا البناء أول مقر لجمعية تحفيظ القرآن الكريم في البلاد) حفظه الله وبارك فيه وجزاه عنا خيرا.
كما أكد الكتاب ما تناقلته ألسنة الناس من أنه مع عظم مسؤوليات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز إلا أنه رب أسرة بامتياز، فقد ذكر الكاتب أن اهتمام الأمير سلمان بذلك إلى حد أنه قال : (أنا أستغرب من بعض الناس عندما يقول: لا أجد الوقت لأعتني بأولادي .. لا، سيجد الوقت حسب إمكاناته.. إن الملك عبدالعزيز كان يحرص على أن يتناول أبناؤه الغداء والعشاء معه، وكان كل يوم يرى أولاده..الملك عبدالعزيز كان يتفقدنا في الصلاة في الفجر والظهر والعصر والمغرب وكذا العشاء، لذلك كانت تربيته الحزم مع أبنائه في الأشياء الأساسية في عقيدتهم وصلاتهم وفي كبح جماحهم حتى لا يعتدوا على أحد.. وكان في الوقت نفسه يتعاطف ويتفكه معهم ويرعاهم باستمرار، ويسأل عنهم، ويحنو عليهم ،إذا مرضوا، وعلى الرغم من أن مسؤولياته لا تعطيه الوقت الكافي، إلا أنه كان يرعى أبناءه ويتفقدهم ) كما بين الكتاب أن الأمير سلمان هو بدوره يجسد هذا الدور ،فهو يرعى عائلته رعاية المتفرغ لها، ويبذل في سبيلها الكثير من الرعاية والاهتمام، إذ يحرص على تناول أبنائه معه وجبة الغداء في كل يوم .. وفي الوقت نفسه يتابع أبناءه في دراستهم وتعليمهم ويقترح عليهم الاطلاع على كتب معينة تتعلق بمجال دراستهم ،وهكذا استثمر شغفه بالكتاب بما يعود بالفائدة على أبنائه من خلال توجيههم للقراءة التي أدمن عليها.
كما وضحت صفحات الكتاب كيفية فهمه وتطبيقه "للإبداع في ظل لا إله إلا الله" فهو يرى أن الإبداع لا بد أن يكون خيرا صالحا طيبا كله، سلاما كله، هذه سياسة عمد لتطبيقها على أرض الواقع من خلال الإبداع العمراني والحضاري المخطط والمدروس له... خطط تشهد الرياض نتائجها اليوم بحمد الله ومنته ، كما بين الكاتب أن الأمير سلمان : (صدع بحقيقة كبرى جامعة لخصت علاقة المسلمين بالله وبالحياة والكون في عبارة واحد هي قوله : " لنفكر ونبدع في ظل لا إله إلا الله".. وإذا شاء أحد أن يسمي ذلك ..النظرية المعرفية الكاملة، فإن التسمية صحيحة من الناحية الموضوعية) ثم عرج الكاتب لبيان أهمية هذه النظرية في تقدم الأمة الإسلامية فقال إنها:(نفت بحسم.. التناقض المتوهم بين الدين والإبداع.. إذ إن الدين يكسب المؤمن مرانا فكريا خصيبا، ويعود ملكته الفكرية على الإبداع.. وهو أحد الأسباب العميقة الأساسية التي تفسر النهضة الحضارية الإسلامية).
ومن جانب آخر أشار الأستاذ الفاضل الركابي إلى أن سلمان بن عبد العزيز الحازم في إدارة العمل لا يقبل تسيبا ولا تجاوزاً.. قد يتساهل في هذا الأمر أو ذاك مما يجوز التساهل فيه، أما حين يتعلق الأمر بـ (الأمن) :أمن الناس والدولة والمجتمع فإنه لا يقبل في ذلك أي تساهل ولا أي تهاون ولا استرخاء ولا غمض عين.. ويرد العادين على الأمن رد الغيور عن الحرم .
وفي الصفحات الأخيرة من الكتاب أشار إشارات سريعة إلى الأعمال الخيرية التي ارتبطت بالأمير سلمان منذ شبابه المبكر، ولعل وجهة نظر الكاتب في ذلك تعود إلى أن "المعرف لا يعرف" إلا أن الجديد الذي ذهب إليه الكاتب هنا اعتقاده باستحقاق الأمير سلمان حفظه الله نيل "جائزة دولية للعمل الصالح " فقد اعتادت هذه الأعمال الالتصاق بالأمير سلمان، كما اعتاد هو الالتصاق بها حفظه الله.
ويضم هذا الكتاب حديثا متشعبا للأمير سلمان مع وفد من جامعة "هارفارد "جاء البلاد زائرا، إذ تطرق سموه لبيان مفهومنا كشعب مسلم وسعودي للوسطية وللإرهاب، وللشورى موضحا أنها شأن ديني ودنيوي، في حين أن الديموقراطية شأن دنيوي بحت، كما تحدث مع الوفد عن تعدد أدوار المرأة السعودية في وطننا فهي الطبيبة والمهندسة والمعلمة والتاجرة إلى غير ذلك من المجالات ، كما بين للوفد أن موطن الخلاف بينهم وبين الآخرين يكمن في الجهل بنا ،بقوله : (إن المشكلة في عدم المعرفة ..فمن يعرفنا على حقيقتنا لا مشكلة معه قط، لأن معرفته هذه تقوده إلى فهم أوضاعنا ..ليس بالضرورة أن يوافق على منهجنا ،ولكنه يتفهم أن لكل مجتمع خصائصه وتقاليده وأعرافه وقيمه وخياره الحضاري ..ولكل مجتمع- كذلك -حساباته في حركة تطوره..).
وأخيرا ..أقول إن السطور التي انتهيت منها أيها القارئ الفاضل تعد بمثابة قطرات لا تغني بأي حال عن الاطلاع على الكتاب فصفحاته قد تشبع فضول الباحثين لأسئلة كثيرة قد تتردد في أذهانهم .


الأحد 28 رمضان 1429هـ الموافق 28 سبتمبر 2008م العدد (2921) السنة الثامنة
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط