صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لقد أسمعت لو ناديت حياً

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
الاعتقاد بأن كره هؤلاء منحصر على المسجد الأقصى الشريف دون غيره بحجة أن أرضه كانت أرض هيكل سليمان عليه السلام اعتقاد لا أساس له من الصحة مطلقاً، فتطاول هذا الكيان الصهيوني العنصري شمل كل مسجد يرفع فيه اسم الله، وكل كنيسة على أرض فلسطين...

"إسرائيل تحول 76 مسجداً لمعابد وخمارات وبيوت رذيلة"، عنوان طالعتنا به مؤخراً الصفحة الأولى من "الوطن" التي بين يديك، هذا العنوان وغيره والذي عادة ما ينشر أمثاله عبر معظم القنوات الإعلامية الإسلامية والعربية على اختلافها، إعلان للعالم أن ذاكرتنا لا تقبل النسيان كحلّ، خاصة في قضية محورية لامست ديننا وأرضنا وعرضنا، وأننا كأمة مهما انشغلنا أو أُشغلنا فستبقى القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى بإذن الله.

خبر كهذا نقلني للحياة اليومية التي ابتلي بها الشعب الفلسطيني منذ ما يزيد عن نصف قرن، حياة لا يقتصر تهديد المحتل فيها على حياة وكرامة الإنسان كجسد، ولا على أرضه كعرض، بل على دينه ومعتقداته، إذ إن الإساءة للمساجد والكنائس تطبق بشكل دائم، فلا يكاد يمر أسبوع دون تعرض هذه المقدسات للعبث الفاضح.
ففي حين يتجاهل ويبرر هذا الكيان العنصري أية إساءة تصدر من أحدهم تجاه هذه المقدسات، يقوم باتخاذ كل الإجراءات الرسمية لمنع العرب من الوصول إلى أي منها، فهي إما "أرض مغلقة" يمنع الاقتراب منها دون ترخيص مسبق، ترخيص لا يصل لأيدي الإنسان الفلسطيني مطلقاً، وإمعانا في تثبيت هذا المنحى المتعسف قاموا بإغلاق أبواب ونوافذ بعض هذه المواقع وتطويقها بالسياج، أما البقية الباقية فقد قدمت للمستوطنين اليهود الذين عمدوا إما لتحويها لحظائر للمواشي أو مخازن للعلف، هذا ما أشار إليه بحث أجرته "المؤسسة العربية لحقوق الإنسان".

قد يعتقد بعضهم أن هذه السياسة لا تتنامى، إلاّ أن الواقع على أرض فلسطين ينبئ بغير ذلك، ففي عام 2004م قام مزارع يهودي بتحويل مسجد "عين الزيتونة" إلى حظيرة بقر، كما أزال كل المعالم الإسلامية من على جدرانه ليسطر بدلا عنها عبارات عبرية، أما في "عين حوض" جنوب حيفا فقد تحول المسجد إلى حانة، فتباع على أرضه المسكرات وتدار بين جدرانه كل الموبقات، كما تحول عدد من المساجد في عسقلان وقيساريا إلى مطاعم.

هذا الكيان الصهيوني لم يجد سبباً لمنع المتطرفين من أبنائه نهب الأماكن الإسلامية والمسيحية في فلسطين وتحويلها لمعابد يهودية، عامداً في الوقت نفسه لتخويف وفرض الغرامات على كل فلسطيني يحاول الدفاع عنها أو الوصول إليها أو حتى المطالبة الرسمية باستعادتها، فبقرب مسجد "بئر سبع" عمدوا وبشكل مضحك لمصادرة الأحذية إثر انشغال المصلين بالصلاة، المسجد الذي سعت سلطات الاحتلال لتحويله إلى متحف، أما ما يقع من هذه المقدسات داخل مجتمعات يهودية فيمنع وصول العرب إليها بدواع أمنية بطبيعة الحال.

هذا الكيان الصهيوني لا يجد أية ممانعة في تعرض هذه المواقع للانهيار أو الخراب أو الهدم سواء بفعل الزمن أو بفعل الإهمال المنظم، فمن أولوياتها التي لا أعتقد أنها ستحيد عنها طواعية عدم تمكين أصحابها العرب من استرجاع أي منها، فها هي هياكل المسجد والكنيسة الواقعة على أرض قرية "سحمانا" شمال الجليل تقف أمام المشاهد دون سقف، وها هو مسجد قرية "وادي الحوارث" قد هدم بعد أسبوعين من ترميمه، وكذلك فعل بمسجد "صرفند"، أما عبارة "الموت للعرب" فقد اعتاد هؤلاء التغاضي عنها وعن كاتبها خاصة لو سطرت على جدران المساجد والكنائس، أما في عام 2004م فقد صادرت الشرطة الصهيونية بطاقات الهوية الخاصة بالمواطنين الفلسطينيين الذين حاولوا تصوير الضرر الذي لحق بمسجد "الأربعين" في بيسان.

ولا يمكن الحديث عن هذه التجاوزات دون التوقف عند ما نال المسجد الأقصى من اعتداءات متتالية من إحراق عام 1969، وحفريات متواصلة إلى اليوم، سواء حوله أو تحته، ولا يمكن لنا أن نتجاوز كلمة كبير الحاخامات اليهود عند افتتاحه لكنيس يهودي أنشئ بموافقة السلطات ورعايتها داخل نفق عميق وطويل تم حفره تحت الحرم الشريف، فقد قال: (إننا نحتفل اليوم بافتتاح هذا الكنيس، وقد أقمناه هنا تحت الحرم مؤقتاً، وغداً سنحتفل بهدم الحرم وقيام كنيسنا الكبير وإعادة بناء هيكلنا على أرضه، وهي أرضنا، ولن يبقى أحد من هؤلاء العرب الغرباء في بلادنا)!.

إن الاعتقاد بأن كره هؤلاء منحصر على المسجد الأقصى الشريف دون غيره بحجة أن أرضه كانت أرض هيكل سليمان عليه السلام، اعتقاد لا أساس له من الصحة مطلقاً، فتطاول هذا الكيان الصهيوني العنصري شمل كل مسجد يرفع فيه اسم الله، وكل كنيسة على أرض فلسطين، فقد نالت كنيسة القيامة على يد هؤلاء الكثير من العنت إذ أقفلت أبوابها مراراً، ودنست أرضها وسرقت مقتنياتها، وهذا العبث حدث أيضا لكنيسة المهد ببيت لحم، هذا الوضع العنصري دفع صحيفة هيرالد تريبيون للقول: (إن الجو الديني في القدس مضطرب، وإن تصرفات إسرائيل توحي بالاستهانة بكل ما هو ديني. هذه أمور لم تكن تحدث على الإطلاق في ظل الإدارة العربية للمدينة)!.

إن استخفاف هذا الكيان الصهيوني بكل الأنظمة الدولية التي رفضت وطالبت بوقف هذه التجاوزات أمر مسكوت عنه منذ عقود، فعلى سبيل المثال وإثر إحراقهم المسجد الأقصى عام 1969م، أصدر مجلس الأمن قراراً برقم "271" يقضي بإدانة هذا الكيان ويدعوه إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها تغيير وضع القدس، ومضى يقرر أن (أي تدمير أو تدنيس للأماكن المقدسة أو المباني أو المواقع الدينية في القدس، أو أي تشجيع أو تواطؤ للقيام بعمل كهذا يمكن أن يهدد الأمن والسلام الدوليين)، وفي عام 1974م، أصدر المؤتمر العام لليونسكو قراراً يدين هذا الكيان لاستمراره في إجراء الحفريات تحت أرض المسجد الأقصى.
إن حال هؤلاء ينطبق عليه قول الشاعر: (لقد أسمعت لو ناديت حياً... ولكن لا حياة لمن تنادي).

إن غاية هذا الكيان المعلن عنها بأفعالهم قبل أقوالهم هي القضاء على معالم هاتين الديانتين هذا ما أكده "إيهود قمين" بقوله: (إن إعادة بناء الهيكل اليهودي الجديد سيتم على تفكك وزوال الديانتين - الإسلامية والمسيحية - المعارضتين للديانة اليهودية)!.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط