صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







من سمع بهؤلاء؟

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
لا تفغروا أفواهكم عجباً، ولا تتبادلوا النظرات تندراً بما قلت أو بما سأقول، فهذا هو واقع إخوة لنا مسلمين لا نعلم عنهم إلا القليل، سكنوا مشارق الأرض، وبدأ أكثرهم يجمع المال مع نعومة أظفاره لعله ينال حظوة أداء فريضة الحج...

شيخ اكتسى رأسه بالشيب، يتعاطى بصبر مع عقده الثامن، وامرأة تتأبط ذراع حفيدها في محاولة مضنية للصعود إلى حافلة تنافسهما في كهولتهما وضعفهما، أرواح ضاقت بها تلك الأجساد الضعيفة، أرواح لم تقف عند قلة حيلة أصحابها أو ضعف صحتهم أو عند طريق وعر تعمد حرس حدود بعض الدول تمهيده بالأشواك والثلوج والمهالك، ولكن كل ما كان أو سيكون يهون أمام رحلة تتوق لها النفوس المؤمنة بربها. هذه هي رحلة 2000 حاج قرغيزي، وهذه هي قصة بدأ الإعداد لفصولها وتوفير مستلزماتها المادية مع بداية القرن العشرين.

لا تفغروا أفواهكم عجباً، ولا تتبادلوا النظرات تندراً بما قلت أو بما سأقول، فهذا هو واقع إخوة لنا مسلمين لا نعلم عنهم إلا القليل، سكنوا مشارق الأرض، وبدأ أكثرهم يجمع المال مع نعومة أظفاره، أي مع بداية القرن الماضي لعله ينال حظوة أداء فريضة الحج وينال مغفرة ورضا المولى سبحانه.
ولولا الله سبحانه ثم صحيفة المدينة المنورة التي تفردت بنشر أحداث تلك الرحلة من بدايتها، ولولا تكليفها للصحفي نعيم بن تميم الحكيم لمتابعة أحداث هذه الرحلة بالقلم والصورة، لما سمعنا وشاهدنا قصة هي في فحواها أغرب من خيال قصاص عاش ومات في اللاواقع، فخلال الأسابيع الماضية تابعنا سلسلة من الأخبار والمقالات نشرت عبر صحيفة المدينة تتحدث عن قوة إيمان فاقت أجساد أصحابها وإمكاناتهم.

ولأني أدرك أن معاناة كهذه لا يمكن أن يصورها قلم إنسان لم يتذوق معاناة بدت لصعوبتها بعيدة عن التصديق وبعيدة عن الواقع، ارتأيت أن أنقل لكم بعض كلماتهم: (اسمي محمد سلطان عمري تسعون عاماً، ولأتمكن من أداء الحج ظللت أجمع المال طيلة 84 عاماً، أي منذ كنت في السادسة من عمري، بالتحديد مع بداية عملي كعامل في إسطبل للخيول)، في حين ذكر آخر أنهم خرجوا من قرغيزيا في شهر ديسمبر من العام الماضي بقصد أداء فريضة الحج، وعادة ما كان الحجاج يمرون في طريقهم إلى الحج عبر تركمانستان إلا أن الحكومة هذا العام أغلقت الحدود في وجوههم، فلم يجدوا بداً من المرور عبر طريق محفوف بالمخاطر، فقد قطعوا 2000 كلم من الأراضي الأوزبكية التي اكتست أراضيها بالثلوج، ولم تكن حالة الطقس المهلك لمن هم في أوضاعهم الصحية لتثنيهم عن الاستمرار في إكمال رحلتهم إلى مكة لأداء فريضة الحج، وما إن وصلوا للأراضي الروسية حتى وجهتهم السلطات للشمال باتجاه سيبيريا، وهناك زادت معاناتهم فقد توفي أحدهم، كما مرض الكثيرون بسبب الانخفاض الشديد لدرجة الحرارة، إذ وصلت إلى 50 درجة مئوية تحت الصفر، تابعوا رحلتهم عبر دول عدة كان منها أذربيجان وإيران وتركيا وسوريا والأردن، وصادفوا خلال أكثر من شهرين من الزمان ما لم يكن يخطر على بال أحدهم من صعوبات.
وفي يوم السابع من شهر ذي الحجة وصلوا لغايتهم ووقفوا على حدود المملكة العربية السعودية، وهناك حدثت الطامة الكبرى: فقد أعلموا أنهم لن يستطيعوا مشاركة أكثر من مليوني مسلم حجهم هذا العام، فقد وجهوا من قبل بعض من باعوا أنفسهم في قرغيزيا لطلب تأشيرة الحج من سفارة المملكة العربية السعودية في الأردن، وهو ما اتضح لاحقا أنه مخالف للقواعد والأنظمة المتفق عليها بين المملكة ودول العالم الإسلامي.

ومع أن الأمر كان في غاية الصعوبة، لا مال ولا مؤن ولا سكن، ومع أن عدداً من الحافلات لم تملك إلا العودة، بقي منهم قرابة (230 ) صامداً، مئة منهم تجاوزوا(75) عاماً، و(35) ما زالوا أطفالا، فلعلهم بهذا الصمود ينالون مناهم في الولوج للحرم المكي والصلاة فيه، وهكذا ظلوا على الحدود الأردنية يفترشون العراء في أجواء قارسة البرودة وممطرة، وكان الوضع في غاية الصعوبة فلا مال ولا مؤن ولا سكن.
ولكن الأمل تجدد بفضل من الله ثم بفضل إمام مسجد أردني راعه ما هم عليه فاستضافهم في مسجده، ثم عمد لكتابة برقية على لسانهم رفعها لخادم الحرمين الشريفين يطلبون من خلالها منحهم الفرصة لأداء العمرة بعد أن فاتهم موسم الحج، وسرعان ما وصلتهم المكرمة الملكية وليمكنوا من دخول مكة ومن أداء العمرة محفوفين برعاية الله ثم برعاية حكومية وشعبية.

القصة لم تنته بعد، فالباقي أغرب بكثير مما أوردته لكم إلى الآن، ففي مكة المكرمة بادر الدكتور محمد بن سعيد بخاري ناظر وقف يعقوب بإسكانهم ورعايتهم فجزاه المولى عنا وعنهم خير الجزاء، وفي خلال هذه الفترة انتقل فريق من قبل حكومة خادم الحرمين للوقوف على احتياجاتهم ولعمل الترتيبات اللازمة لاستضافتهم في المدينة المنورة وعمل كل التسهيلات لتمكينهم من هذه الزيارة بكل يسر، وغادروا مكة للمدينة وهناك عوملوا كالوفود الرسمية من حيث الترحيب والرعاية، فوفق برنامج أعد خصيصاً لهم زاروا المسجد النبوي، كما قاموا بزيارة مجمع الملك فهد (رحمه الله) لطباعة المصحف الشريف.
لا، لم تنته القصة إلى الآن، فرحلة العودة لهؤلاء الحجاج خصص لها طائرة خاصة، تكفل بها خادم الحرمين الشريفين، كما وجهت لهم الدعوة للحج العام القادم - بإذن الله - كضيوف على خادم الحرمين الشريفين، ليس هم فقط، بل هم وغيرهم من الحجاج الذين كانوا ضمن قافلة الحجاج هذه، وعددهم 2000 حاج قرغيزي، كما حرصت المملكة على معالجة مرضاهم، وأصلحت حافلاتهم التي أهلكتها هذه الرحلة المضنية، ولم يكتفوا بذلك بل قامت المملكة بتقديم مبالغ مالية كمكرمة ملكية تعوضهم التكاليف التي صرفت في رحلتهم.

فجزى الله خادم الحرمين الشريفين على تشريفه لنا كسعوديين بهذا البذل وذاك العطاء، وتلك الأريحية، وشكراً موصولا بالدعاء لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، وكل الفريق السعودي والموجه من قبل وزارة الداخلية والذي كان يتحرك بشفافية وحرص تام على بذل الكثير من الجهد في سبيل راحتهم، ولن أنسى صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن طلال الذي بادر بنفسه بنقل معاناتهم بعد اطلاعه عليها لمقام خادم الحرمين الشريفين، أما صحيفة المدينة، فهي تستحق إشادة ودعم المواطن على تبنيها لهذه القضية وتفردها في ذلك، ولمن أراد الاطلاع على معلومات أكثر حول هذه القضية فليتابع أعداد صحيفة المدينة خلال الأيام العشرة الماضية.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط