صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قصة إبراهيم عليه السلام

أم هاني

 
من منا لا يعلم قصة الذبيـــح ، المُفدى بكبش من السماء مليـــح ؟!
في كل عام وفي كريم ظلّ هذه الآيام ؛ حيث يجود الله على خلقه بكثير من الرحمات  ويعبق الكون حولنا بجميل نعمه و عاطر النفحات ، تلّح على خاطري تلكم الذكريات بكل ما تحمله لنا من صادق الحبّ لله بأنفـــس القربـــات .

وقد كنت أظن أني بكل أحداثها خبيرة ، وبدقيق معانيها و جليلها ملمة بصيرة ،
والحق أني كنت بظني هذا واهمــة ! أدّعي فهما صعب النوال حالمـــة !
فأيــن أنا من عميـــق معانيها ، وتصور عظيم البلاء فيهــــا ؟ !!

عاينت ذلك لما صيرني الله أمًّا تهيم بصغارها حبًّا ، فلا حب يعدل في القلب حب الولد حيث فطرة الله لا يستطيع جحدها من أحد ، وقد جاء في الحديث :
(( أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه ابن له ، فقال له : أتحبه ؟
فقال : أحبك الله كما أحبه ، فمات ففقده ، فسأل عنه فقال : ما يسرك أن لا تأتى بابا من أبواب الجنة إلا وجدته عنده ، يسعى يفتح لك ))
صحيح النسائي / رقم: 1869
والشاهد أن نبينا الكريم -عليه الصلاة وأتم التسليم - لم ينكر على ذلك الوالد شديد حبّه وتعلق قلبه بولده هكذا فطر الله قلوب العباد ومن وجد غير ذلك فعن سَوِيِّ فطرته قد حاد .
- كما جاء في صحيح الأثر :-
(( قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي . فإذا امرأة من السبي ، تبتغي ، إذا وجدت صبيا في السبي ، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته . فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "
أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ " قلنا : لا . والله ! وهي تقدر على أن تطرحه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لله أرحم بعباده من هذه بولدها " .))
صحيح مسلم / رقم: 2754
فرحمة الأم بأولادها شديدة تكاد تكون طاغية فريدة ، لله كم له في خلقه من حكم ، فَفَطْرُهُ قلوب
الأمهات على الرحمة من أكبر العطايا و النعم .

**ولنأتِ أخواتي الفضليات على ذكر أول الحكاية ، وكيف كانت أحداثها عجيبة منذ البداية :-
**(1)**
* رُزق إبراهيم الخليل الولد الذي تمناه ، بعد سنين طوال من الشوق يلقاه
فمــا لبث غير قليل إلا وجاءه الأمر من العظيــم بالرحيـــل
فــي صحراء قاحلة وشُقة عن الديار بعيدة ، يترك سريته مع وليدها عند بيته الحرام وحيدة .
كما جاء في صحيح الأثر عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عند البخاري قد صح الخبر :
(( أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل ، اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه ، حتى وضعها عند البيت ، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعهما هنالك ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم قفى إبراهيم منطلقا ، فتبعته أم إسماعيل ، فقالت : يا إيراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي ، الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مرارا ، وجعل لا يتلفت إليها.....))=
- الحق أني رأيت نفسي بعين الخيال مكانها فلم أقوَ على تصوّر ما نالها ؟
فقلت لنفسي هبي أن زوجي تركني وصغيري في ميدان عام يكتظ بالناس في وسط الزحام ، فراعني أني ما كنت لأقبل تركه لنا ثَــمَّ بسلام هذا إن لم أزده وأشدد عليه العتاب والملام :
- كيف تتركني مع ابني وحيدة في هذا الخضم من الأنام شريدة؟!!
- هبي أنه قال لي : هكذا أمرتُ ؟
ما كنت لأعدم أن أحير جوابا عليه سيماء الدفع و الاعتراض مؤّكَّدا بالنفي والعَبَرات : أن يكون مثل هذا للإله مراد ؟!!
و أكملت مع نفسي الكلام : ومع فارق الحالين التام ، أُراها قابلت هذا البلاء العظيم بكل رضا قلبٍ و كمال تسليم ، بل زادت- عليها السلام - توكلا على الإله عظيم!!
فأخذ بجماع نفسي العجب ، زاده ردًها على الخليل بكمال إيمان وعظيم أدب :-

= ((... فقالت له : آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا ثم رجعت... ))=

**ويبدو أنه لن ينقضي من النفس العجب ، حين صدّق الخليل أمر الإله وذهب لم يلتفت إليهما و أدبر مسرعا إلى البعيد عنهما ، كأنما يخشى غلبة الشفقة على فؤاده ، فيبدوعليه جمّ حبّه لهما و فيض حنانه و وداده ، يخشى أن يفضحه إذا ما التفت ناظراه ، يصبرّ النفس أنه إنما يصدّق أمر مولاه ، لسان حال الخليل :
أوّااااااااه ، أوَّااااااااااه مِن قلبٍ تفطّر وحشة عند الفراق ، فصبر جميل فالله خير حافظا وخير واقٍ فلما انقطع منهما عنه النظر ، استقبل البيت الحرام كما جاء في صحيح الخبر رافعا كفَّيه إلي السماء متوجها قلبه إلى العَلِي بخالص الحبّ و الرجاء :

= (( .... ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه ، استقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ، ورفع يديه فقال : { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } سورة إبراهيم / آية :36.... .)) صحيح البخاري رقم: 3364

**قال السعدي في تفسيره :وذلك أنه أتى بـ "هاجر" أم إسماعيل وبابنها إسماعيل عليه الصلاة والسلام وهو في الرضاع، من الشام حتى وضعهما في مكة وهي -إذ ذاك- ليس فيها سكن، ولا داع ولا مجيب، فلما وضعهما دعا ربه بهذا الدعاء فقال -متضرعا متوكلا على ربه: { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي } أي: لا كل ذريتي لأن إسحاق في الشام وباقي بنيه كذلك وإنما أسكن في مكة إسماعيل وذريته، وقوله: { بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } أي: لأن أرض مكة لا تصلح للزراعة.
{ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاة } أي: اجعلهم موحدين مقيمين الصلاة لأن إقامة الصلاة من أخص وأفضل العبادات الدينية فمن أقامها كان مقيما لدينه
{ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } أي: تحبهم وتحب الموضع الذي هم ساكنون فيه.
فأجاب الله دعاءه فأخرج من ذرية إسماعيل محمدا صلى الله عليه وسلم حتى دعا ذريته إلى الدين الإسلامي وإلى ملة أبيهم إبراهيم فاستجابوا له وصاروا مقيمي الصلاة.
وافترض الله حج هذا البيت الذي أسكن به ذرية إبراهيم وجعل فيه سرا عجيبا جاذبا للقلوب، فهي تحجه ولا تقضي منه وطرا على الدوام، بل كلما أكثر العبد التردد إليه ازداد شوقه وعظم ولعه وتوقه، وهذا سر إضافته تعالى إلى نفسه المقدسة.
{ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } فأجاب الله دعاءه، فصار يجبي إليه ثمرات كل شيء، فإنك ترى مكة المشرفة كل وقت والثمار فيها متوفرة والأرزاق تتوالى إليها من كل جانب.]
انتهــــــــــــى .
* وبعد سوق تلكم الآية وتفسيرها ، هل لاحظتنَّ ما كان من عجيب أمرها :
1- بدأ الخليل بأن دعا لهم بصلاح دينهم (وإقامة الصلاة )
2- لم يدعُ عليه السلام لحَبَّيه بمحض أنسٍ من الأنام .
3- وأخَّر الخليل الدعاء لهم بشيء من الثمرات و الرزق ،
و قرن دعاءه راجيا أن يهديهم ربهم ليقابلوا رزقــه بكثير من الامتنان و الشكر.

اللهم فقهنا في ديننا وعلمنا اللهم ما ينفعنا وانفعنا اللهم بما علمتنا
وزدنا الله من فضلك وجودك وكرمك علما ترضى به عنا آمـين.

 



باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعـــــد :

( 2 )
 

وما زلنا نجتر معا أخواتي تلكم الأحداث ، نعيشها بعين الخيال حابسي الأنفــــــاس انطلق الخليل عائدا إلى دياره بالشام ، مستودعــــا اللهَ أهله داعيا لهم بســـلام لزمت أم اسماعيل مكانها ، تشرب من الماء و ترضع وليدها ، فلما نفد ما معهما من المــاء
وجف ما كان يُقِيتُها من السقاء ، عطشت وأصاب حلقها الصدا ، وياليت عند هذا الحد الأمر  قد انقضى ، بل أصاب شديد العطش صغيرها ، فعلا صراخه مما أفزعها و أفرغ فؤادها :

={ وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء ، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ، أو قال يتلبط ، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى إذا جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ، ففعلت ذلك سبع مرات .
قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فذلك سعي الناس بينهما ) . ..}
صحيح البخاري رقم: 3364

** لله كم تمثلتُ حال سعيِّ حالها ، وبين العلمين الأخضرين عاينت شدة وجدها ، كأني بعين الخيال بين الجبلين أعاين هنالك ما مرّ بها ، أرى عينيها حال السعي لا تفارقان موضع وليدها ، يُطوّف منها اللحظ حواليه يرعاه قلبها ، وعند العلمين الأخضرين في بطن الوادي هنالك اشتدّ كربها ؛ أم توارى عن ناظريها شخص وليدها، فكربتْ وطفقت تجد السعي من شدة وجدها ، لهفة علي الوليد يسبقها قلبها .

***** قال الشيخ ابن العثيمين في كتابه الماتع (( الشرح الممتع على زاد المستقنع )) :
{{( كان رسول الله - الرسول صلّى الله عليه وسلّم – يسعى بين العلمين الأخضرين حتى تدور به إزاره من شدة السعي )
فإن قال قائل: ما الحكمة في كونه يسعى سعياً شديداً بين العلمين.
فالجواب: أنه كان في هذا المكان واد، أي مسيل مطر، والوادي في الغالب يكون نازلاً ويكون رخواً رملياً فيشق فيه المشي العادي، فيركض ركضاً.
وأصل السعي أن يتذكر الإنسان حال أم إسماعيل، فإنها ـ رضي الله عنها ـ لما خلَّفها إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ هي وابنها في هذا المكان، وجعل عندها، سقاءً من ماء، وجراباً من تمر، فجعلت الأم تأكل من التمر وتشرب من الماء، وتسقي اللبن لولدها، فنفدَ الماء ونفد التمر، فجاعت وعطشت، ويبس ثديها، فجاع الصبي، وجعل يتلوى من الجوع، فأدركتها الشفقة، فرأت أقرب جبل إليها الصفا فذهبت إلى الصفا، وجعلت تتحسس لعلها تسمع أحداً، ولكنها لم تسمع، فنزلت إلى الاتجاه الثاني إلى جبل المروة، ولما هبطت في بطن الوادي نزلت عن مشاهدة ابنها، فجعلت تسعى سعياً شديداً، حتى تصعد لتتمكن من مشاهدة ابنها، ورقيت لتسمع وتتحسس على المروة، ولم تسمع شيئاً، حتى أتمت هذا سبع مرات .... / والقصة مطولة في صحيح البخاري / كتاب الأنبياء / رقم : (3364) فهذا هو السبب في كون الناس يسعون سعياً شديداً إذا وصلوا هذا المكان، والآن ليس فيه واد، لكن فيه علامة على هذا الوادي وهو هذا العلم الأخضر.فالإنسان إذا سعى يستحضر:
أولاً: سنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ،
وثانياً: حال هذه المرأة وأنها وقعت في شدة عظيمة حتى أنجاها الله، فأنت الآن في شدة عظيمة من الذنوب فتستشعر أنك تحتاج إلى مغفرة الله ـ عزّ وجل ـ كما احتاجت هذه المرأة إلى الغذاء، واحتاج ولدها إلى اللبن،
وقد قرأ النبي صلّى الله عليه وسلّم حين أقبل على الصفا: «إن الصفا والمروة من شعائر الله» أبدأ بما بدأ الله به[(262)]، ليشعر نفسه أنه إنما طاف بالصفا والمروة؛ لأنهما من شعائر الله ـ عزّ وجل ـ ولذلك لا تقرأ هذه الآية إلا إذا أقبل على الصفا حين ينتهي من الطواف وأما بعد ذلك فلا تقرأ.
مسألة: إذا سعى هو وزوجته ووصلا إلى العلم الأخضر فهل يسعى سعياً شديداً وزوجته معه؟
الجواب: لا يسعى سعياً شديداً، لا سيما في أيام المواسم والزحام فإنه لو سعى ضيعها.
لكن هنا إشكال وهو أنه إذا كان أصل سعينا بين العلمين سعي أم إسماعيل وهي امرأة، فلماذا لا نقول: إن النساء أيضاً يسعين؟
الجواب: من وجهين :
الأول: أن أم إسماعيل سعت وحدها ليس معها رجال.
الثاني: أن بعض العلماء كابن المنذر حكى الإجماع على أن المرأة لا ترمل في الطواف ولا تسعى بين العلمين، وعليه فلا يصح القياس؛ لأنه قياس مع الفارق ولمخالفة الإجماع إن صح....}}
انتهى النقل بتصرف / ج7 / كتاب المناسك / ص: 306-308

** أخـــــــــــواتي :-
أحيا الله بما صدر عن فطرة الأم سنّة ، يتدبرها من حج بيته شاعر له بالمنّــة
كتب الله سبحانه على نفسه الرحمة ، فلا يخلو شرع ولا منسك أمرنا به من نعمة
فمن وجد في قلبه تدبرا لها فقد حاذ في قلبه الجنة .

اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك ،وحب عمل تقربنا به من حبك.
آمـــــــــــــــين .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أم هــاني
  • مقالات
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط