صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







رواد وعلماء اختاروا الإسلام

     اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

د. نهى قاطرجي

 
التمهيد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
لا زال موضوع التحول إلى الإسلام من أهم المواضيع التي تهم القارئ مهما كان انتماؤه العقائدي ، فالمسلم يسر بإسلام غيره ويجد في عرضه لتجاربه سبيلاً إلى تجديد إيمانه هو عبر تذكر نِعم الله تعالى عليه ، فالله عز وجل يقول : " فذكر إن نفعت الذكرى ".
أما الكافر أو العاصي فإنه يجد في هذا النوع من المواضيع إجابة عن الأسئلة التي تؤرقه والتي يرجو أن يجد فيما يقرأ سبيلاً إلى الوصول إلى الحق كما وصل من قبله.
والحديث عن قصص دخول الكفار إلى الإسلام حديث قديم قِدم الإسلام، وقد ذكرت كتب التراجم عدداً كبيراً من هذه القصص ، ولا زال قسم كبير منها إلى الآن يحكى في مجالس وحلقات العلم .
وبالعودة إلى إسلام بعض من هؤلاء نجد اختلافاً كبيراً في كيفية إسلامهم، ففيما أسلم كل من زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم خديجة أم المؤمنين وزيد بن حارثة وعلي بن أبي طالب وأبو بكر رضي الله عنهما منذ أول يوم من أيام الدعوة، كان إسلام عمر بن الخطاب تدريجياً ، وتروي كتب التراجم والسير قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الشكل التالي: التجأ عمر ليلة إلى المبيت خارج. بيته، فجاء إلى الحرم ، ودخل في ستر الكعبة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي وقد استفتح سورة الحاقة فجعل عمر يستمع إلى القرآن ويعجب من تأليفه ، قال: قلت، أي في نفسي،: هذا والله شاعر كما قالت قريش ، قال فقرأ (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41)) (الحاقة 40-41) قال : قلت : كاهن . قال : (وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43) ) ( الحاقة 42-43) قال : فوقع الإسلام في قلبي .
كان هذا أول ما وقع نواة الإسلام في قلبه ، لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية، والعصبية التقليدية ، والتعاظم بدين الآباء هي غالبة على مخ الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه ، فبقي مجداً في عمله في صد الإسلام غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة .
وكان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن خرج يوماً متوشحاً سيفه يريد القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلقيه نعيم بن عبد الله النحام العدوي فأخبره أن أخته وصهره قد أسلما وتابعا محمداً على دينه ، فرجع عمر إلى أخته وصهره وكان عندهما خبَّاب بن الأرت ومعه صحيفة فيها " طه " يقرئهما إياها ، فلما سمع خبَّاب حس عمر توارى في البيت ، وسترت فاطمة أخت عمر الصحيفة ، وعندما سألها عمر عن القراءة التي سمعها وأخبرته عن إسلامها وزوجها ضربها فشجها ، فلما رأى عمر الدم ندم على ما كان صنعه ، وطلب من أخته أن تريه الصحيفة فأبت ذلك حتى يغتسل ويتطهر ، ثم أعطته الصحيفة وفيها "طه " فقرأها وقال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ؟ دلوني على محمد .
وذهب عمر بن الخطاب إلى مكان اجتماع محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، وأعلن إسلامه أمام الرسول وصحبه فكبَّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد ، هذا وقد أثار إسلام عمر ضجة بين المشركين بالذلة والهوان ، وكسا المسلمين عزة وشرفاً .
وإذا كان إسلام عمر بن الخطاب قد أرعب كفار قريش في القرن الأول ، فإن إسلام العديد من المفكرين ورجال العلم والسياسة لا زال إلى الآن يثير سخط الكفار خاصة مع ما يتمتع به هؤلاء من المكانة والعلم والمركز .
من هنا تأتي أهمية الحديث عن سبب تحول كثير من الناس إلى الإسلام ، على الرغم ما يجدونه في حياتهم المعاصرة من رفاه مادي واجتماعي ومن حرية فكرية واجتماعية وعلمية ، مما ينفي مقولة كون الفقر والحاجة هما السبب في التحول إلى الإسلام، كما ينفي مقولة الجهل والتخلف التي يحاول أعداء الإسلام إلصاقها بالإسلام والمسلمين .

المقدمة

إن من الأسئلة التي يمكن أن تخطر على البال عندما نجد شخصاً قد أسلم الأسئلة التالية : لماذا أسلمت ؟ أو ما هو السبب في إسلامك ؟ أو كيف أسلمت ؟ وغير ذلك من الأسئلة التي قد يقف فيها الشخص الذي سئل حيراناً لا يجد ما يجيب به ولو بكلمة أو كلمتين ، لأن السبب وراء إسلام كثير من الأشخاص لم يكن سبباً آحادياُ أو مباشراً بل هو كما عبَّر أحدهم وهو السياسي والمؤلف النمساوي " محمد أسد " عن تجربته بقوله : " لم يكن هناك شيء بعينه من تعاليم الإسلام هو الذي أخذ بمجامع قلبي ، إنه المجموع المتكامل المتناسب والمتماسك من هذه التعاليم الروحية من جانب ، والتي ترسم برنامجاً عملياً للحياة من الجانب الآخر .
لم أكن لأستطيع عندئذ ، وحتى هذه اللحظة ، أن أحدد أي ناحية في الإسلام كان لها في نفسي وقع وأثر أكثر من غيرها ، فالإسلام يبدو لي وكأنه بناء محكم في هندسته وتصميمه ، كل أجزائه متناسبة ليكمل بعضها بعضاً ويشد بعضها بعضاً لا زيادة في ولانقصان ،ويؤدي بذلك إلى نتيجة واحدة هي التوازن الكامل والاستقرار الشامل ".
من هنا لا يصح في كثير من الأحيان أن نعتبر لحظة إعلان أحد ما إسلامه أنه أسلم الآن ، فكثير منهم يكون قد أسلم منذ فترة طويلة ولكنه لم يدرك أنه أسلم إلا بعد أن يخبره أحد ما بذلك ، مثال على ذلك ما حصل مع الدكتور "مراد هوفمان " السياسي الألماني المعروف الذي كان لسنوات طويلة منجذباً إلى الإسلام كالمغناطيس، ولكنه لم يدرك ذلك إلا بعد أن تحدث إلى أحد أصدقائه الذي صدمه بخبر إسلامه ، يذكر الدكتور "مراد هوفمان" هذه الحادثة فيقول : " لقد بدأ ما حدث بعد ذلك من تحول ينكشف لي ، عندما أمعنت التفكير في محاضرة شائقة ألقاها زميلي المسلم "محمد أحمد هوبوم " ، وفي حديثي مع " محمد أحمد رسول " المدير المصري الألماني لدار نشر " المكتبة الإسلامية " بكولون ، وأنا أعرض عليه مخطوطاً من اثنتي عشرة صفحة ، جمعتها لولدي على مر السنين ، لكي أحدد له بشكل جازم ما أراه فلسفياً حقاً ، لقد أذهلني رد فعل " رسول " ، وهو يقول لي : "إن كنت مقتنعاً بما استخلصته فأنت مسلم " !! ولم يكن بوسعي آنذاك أن أدرك هذا ، ومع ذلك فقد أقنعني برغبته في نشر هذا النص في دار نشره ، تحت عنوان " درب فلسفي إلى الإسلام ".
لم يمر سوى أيام معدودات قبل أن أشهر إسلامي بنطق الشهادتين يوم 25/9/1980" .
وهذا ما حدث أيضاً مع الراهبة البريطانية " جاكرو " التي صارت " حليمة " ، حيث بدأت قصة إسلامها بعد أن تعرفت على زميلتين مسلمتين في المغرب تعملان معها في التمريض ، وقالت إحداهما لها يوماً : " أنت مسلمة وإن كنت لم تنطقي بالشهادة ".
من هنا فإن التحول إلى الإسلام يختلف من شخص إلى آخر ، فمنهم من يسلم بعد فترة طويلة من البحث والتقصي والعلم ، ومنهم من يسلم بعد اطلاعه على العقيدة الإسلامية ومقارنتها بغيرها من العقائد ، ومنهم من يسلم إثر احتكاكه المباشر بالمسلمين ، وإعجابه بسلوكهم وأخلاقهم المستمدة من المبادئ الإسلامية ، ومنهم من يؤمن إثر رؤيا يراها في المنام تترك أثراً في نفسه وتدفعه إلى التعرف على عقيدة الإسلام ومبادئه .

البحث والعلم

" أحب أن أقول إن انتمائي للإسلام لم يأت بمحض الصدفة ، بل جاء بعد رحلة عناء وبحث ، ورحلة طويلة تخللتها منعطفات كثيرة ؟ حتى وصلت إلى مرحلة اليقين الكامل ، والخلود إلى العقيدة أو الديانة التي تمثل الاستقرار ، والإسلام في نظري هو الاستقرار " .
بهذا الكلام عبَّر المفكر الفرنسي روجيه جارودي عن تجربته الطويلة مع الإسلام ، والتي تجلَّت صعوبتها في كون المفكر صاحب فكر شيوعي ملحد ، إلا أن حبه للعلم وتحري الحقائق ساعده فى الوصول إلى مبتغاه ، وصدق الله تعالى بقوله : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء )سورة فاطر، الآية 28.
فالإنسان إذا أقبل على دراسة هذا الدين بتجرد وبدون تعصب مسبق لمذهب أو دين ، لا بد أن يصل إلى الحقائق الكونية المتعلقة بالخلق والبعث ، والوحدانية وغير ذلك من الأمور التي يدعو إليها الدين الإسلامي .
هذا وتتعدد الأسباب التي تدفع غير المسلم إلى القراءة والبحث في بطون الكتب الإسلامية ، فمنهم من يفعل ذلك في البدء لهدف دنيوي كالرغبة في التزود بالثقافة الضرورية التي يحتاجها في ميدان عمله ، كما حصل مع مذيعة التلفزيون الأمريكي " ليلى رمزي " الحاصلة على بكالوريوس في هندسة الإكترونيات ، إذ كانت مهنتها هي السبب وراء سعيها إلى الحصول على درجة كبيرة من الثقافة ، "فكانت تطالع كثيراً من الكتب وما يصدر من مؤلفات متنوعة ، وقد مكنها ذلك من قراءة الكثير عن الأديان ، مثل دين الإسلام " .
أما الطبيبة أوشا الهندية والتي صار اسمها " آمنة قريش " فقد كان لتقدم العلوم الطبية أثره في اعتناقها الإسلام حيث قالت عن تجربتها : " من خلال دراستي لحالات المرض عرفت أن الأمراض التي تصيب الإنسان سببها ميكروبات وفيروسات دقيقة تعاونها مخلوقات في جسم الإنسان تقاومها وتتغلب عليها أحياناً ، وتفشل في ذلك أحياناً أخرى ، هذه المعركة التي تحدث في جسد الإنسان تلقائياً وبدون ترتيب ، كنت أقف أمامها وأسال نفسي لا بد أن هناك سبباً خفياً وراء ذلك ... وازدادت شكوكي وتساءلت أكثر من هذا عن هذه الأنسجة الدقيقة التي يتكون منها جسم الإنسان ، كيف خُلقت ؟ ومن الذي خلقها بهذه الكيفية البديعة النظام ؟ ... لقد فهمت زميلتي المسلمة أسباب حيرتي فكانت تعيرني بعض الكتب التي تتحدث عن الإسلام ... وكان أغلبها كتباً علمية عن جسم الإنسان ، والدورة الدموية ، والتشريح ، إنها لمؤلفين مسلمين ماتوا منذ مئات السنين ، وقد ترجمت إلى اللغة الانجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية... مع أن هذه المناهج التي ندرسها الان قيل إنها اكتشفات لم تعرف إلا في القرن الحالي ‍‍ ".
ومنهم من كان البلاء سبباً مباشراً في طلبه للعلم ، ومن هؤلاء " مريم جميلة " الأميركية اليهودية الأصل التي أصابها مرض مفاجئ في صيف 1953 منعها من الذهاب للجامعة عاماً بأسره ، وخلال فترة المرض طلبت من أمها أن تحضر لها ترجمة معاني القرآن الكريم من مكتبة عامة .
ومنهم من كان الصراع الداخلي بين الواقع والفطرة سبباً أساسياً وراء سعيه لإيجاد الأجوبة الشافية عن الأسئلة التي تؤرقه ولا يجد لها جواباً عند من ينتمي إليهم عقائدياً أو فكرياً من رجال دين أو علماء ، وتحكي المهندسة " سيلفي فوزي " عن معاناتها مع هذه الأسئلة قبل الإسلام ، فتقول : " كنت أعيش في أزمة مع نفسي ، وبداخلي تساؤلات عديدة ، لماذا أعيش ؟ وماذا بعد الحياة ؟ لم اكن منسجمة مطلقاً مع ما يحيط بي من تحرر وانحلال ، حياتي اكتئاب دائم وقلق مدمر" .
ولعل أهم هذه الأسئلة هي تلك التي تتعلق بالأمور الغيبية ، مثل أمور الحياة والموت والبعث والنشور ، وغير ذلك من الأمور التي لا يجد أتباع الديانات الأخرى إجابة واضحة عليها كما يعجز العلم مع ما فيه من تطور عن كشف مستورها وخباياها ، ولعل أبسط هذه الأسئلة هو السؤال عن مآل الروح الذي دفع السياسي والمؤلف " محمد اسكندر راسيل " إلى البحث عن الإجابة عنه فترة طويلة ، ويقول عن تجربته : " منذ أحد عشر عاماً ، بدأت أهتم بدراسة الديانات الشرقية واستمعت إلى محاضرات واحاديث لكثير من الكتّاب والمفكرين يتحدثون كأنهم أوتو الحكمة ، عن الذرة والخلية ، ولكن أحداً من هؤلاء جميعاً لم يستطع أن يحدثنا عن الروح في ماضيها ومآلها بعد الموت " .
أما المسائل الغيبية الأخرى التي تتعلق بالموت والحياة ، فهي أيضاً من المسائل المهمة التي تدفع غير المسلمين إلى الاتجاه إلى هذا الدين الحنيف لكونها تتعلق بالهدف الأساسي لحياة ووجود الإنسان على الأرض، والذي أوضحه الله سبحانه وتعالى بقوله : " ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ". فالإنسان إذا غفل عن معنى الحياة الواضح في الآية المذكورة يولد ويموت كالأنعام ، لا يعلم من أين أتى ولا إلى أين يذهب ، وهذا هو بالضبط ما يعتقد به كثيرون ممن لا يؤمنون بدين الإسلام، وتحكي " مريم جميلة " عن تجربتها مع والدها فتقول : " فاجأها والدها ذات مرة في حديث معها وهي الفتاة الداخلة إلى أعتاب الحياة بقوله : إنه لا توجد قيم مطلقة وأن ما يهم هو أن يعيش الإنسان حياته متمتعاً بقرب الأهل والأصدقاء ورفاهة العيش في المجتمع الغربي ، وصدمها مجتمعها بتفاهته وانغماس أقرانها في اللهو والرقص والاختلاط والتواعد بين الرجال والنساء ، وانشغال الفتيات بالتبرج والعري، ولم تجد الهدف الأسمى الذي يؤدي الانسان واجبه نحوه ويحاسب نفسه على أساسه وينتظر الجزاء على معياره ".
ولهذا السبب لم تتردد " مريم جميلة " كثيراً في الدخول في الإسلام بعد أن وجدت فيه الإجابة الواضحة على مشاكل " كانت تؤرقها طيلة مراهقتها وشبابها ، وأول هذه المعضلات تتصل بالموت والخوف منه ، وكانت لا تجد إجابة عند والديها عندما تسألهما عن المصير بعد الموت . إذ كانا يعجبان من سؤالها ، ويقولون لها إن الحياة أمامها طويلة ، ولكنهما في الواقع كانا لا يؤمنان بالآخرة وبالبعث والحساب والجنة والنار " .

العقيدة الإسلامية

ينقسم الحديث عن أثر العقيدة الإسلامية على غير المسلمين إلى قسمين : قسم يتعلق بتوافق العقيدة الإسلامية مع الفطرة التي فطرها الله عز وجل في عباده ، وقسم آخر يتعلق بوضوح هذه العقيدة مقارنة مع غيرها من العقائد والديانات .

1- توافق العقيدة الإسلامية مع الفطرة :

يخلق الله تعالى الطفل وقد أودع فيه إحساساً فطرياً بوجود الله عز وجل ، ويقوى هذا الإحساس وينمو إذا وجد الطفل من يغذي هذه الفطرة ويوجهها إلى الطريق السليم ، بينما ينحرف هذا الطفل إذا نشأ في بيئة غير إسلامية تزرع في داخله مبادئ جديدة تتناقض مع ما هو موجود بالفطرة لديه ، ويؤكد القرآن الكريم على حقيقة كون الإسلام دين الفطرة بقوله : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) سورة الروم، الآية 30.
كما يؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجود هذه الفطرة في داخل كل طفل فيقول صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود إلاّ يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أوينصرانه أويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسّون فيها من جدعاء " رواه البخاري.
وفي هذا الكلام تفسير لما يجده الكافر في لحظات معينة من حياته من تناغم وانسجام مع أمور يسمعها أو يراها لأول مرة دون أن يدرك أن ما شعر به كان ناتجاً عن تغلب طبيعته الفطرية المؤمنة على طبيعته التربوية الكافرة .
هذا ويحكي كثير من المسلمين الجدد عن أحاسيسهم الغامضة إثر أذان سمعوه، أو صلاة شاهدوها لأول مرة ، لذا نراهم عندما يصورون مشاعرهم يبدون عجزهم عن وصف أحاسيسهم في تلك اللحظة التي لم ينسوها على رغم تحولهم إلى الإسلام ، تقول السيدة البريطانية " ميشيل " أو "جميلة " واصفة أحاسيسها :" تعرفت في بريطانيا على شاب سوري مسلم كان زميلاً لي في العمل ، ودعاني إلى وطنه ، فسافرت إلى دمشق ، وهناك استمعت إلى الأذان لأول مرة ، كنت لا أدري لماذا كنت أستعيده دائماً وأنا لا أفهم معنى كلماته ".
أما الأميركي " توماس محمد كلايتون " فإنه تكلم عن تأثير صوت الأذان في نفسه بوصف أكثر دقة فقال : " كانت الشمس قد مالت عن الزوال ، وبينما كنا نمشي عبر الطريق الحار المغبر سمعنا غناءاً رتيباً عذباً غريباً يملأ الجو من حولنا . ولما دخلنا وسط مجموعة من الشجر وقعت أبصارنا على مشهد غريب معجب لم تصدقه عيوننا . فهناك رأينا رجلاً عربياً أعمى ، يرتدي ملابس بيضاء نقية وعلى رأسه عمامة بيضاء كذلك ، كان الرجل واقفاً على برج خشبي عال يكاد يقرع السماء بترنيمه الساحر، فجلسنا دون أن نشعر بذلك وقد أخذنا بإيقاعه الغريب ، وكأنه يصدر عن شبح ، لم نكن نفهم الكلمات التي كان يرددها ولكن سحرها انساب إلى آذاننا وقلوبنا : الله أكبر ! الله أكبر ! لا إله إلا الله ! " .
ويتحدث " توماس محمد كلايتون " أيضاً عن الصلاة مبدياً إعجابه بروح الأخوة التي تجلت في جموع المصلين ، والتي تركت أثرها على نفسه على رغم انقضاء قرابة ثلاث سنوات على رؤيته لتلك الصلاة الجماعية منها سنتان كان فيها مسلماً ً ، فيقول :" ما زلت أجدني وقد أستيقظت أحياناً في منتصف الليل لأرى ثانية أولئك الرجال الذين تجلت فيهم الصفات الحقيقة لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وأخلصوا في اتجاههم إلى الله ".
وتشرح الفنانة الألمانية " كارولا " التي صارت " السيدة سكينة " تفاصيل أكثر حول أمور وتصرفات شدتها نحو المصلين فقالت : " لقد شدتني حركاتهم ، ونظامهم، وسكونهم في الصلاة ، فبدأت أفعل مثلهم وأنا أقف من بعيد ، فلقد كنت أشعر براحة وطمانينة لهذه الصلاة التي لم اكن لأفهم بعد ما الذي يقال فيها ، كما كنت أشعر بهذه الراحة والطمانينة أيضاً كلما دخلت هذا المكان " .
أما الكاتبة الفرنسية المسلمة " فالنتين دي سان " التي صارت " روحية نور الدين " فقد كان في حديثها عن الصلاة نوعاً من المقارنة بين صلاة المسلمين وصلاة النصارى ، فقالت : " لقد رأيت ولأول مرة الإسلام على حقيقته ، وليس كما صورته لي الكنيسة والقسس ، رأيت المسلمين وهم ينطلقون إلى المساجد كلما انطلق صوت الأذان للصلاة ... وعدت بذاكرتي إلى الوراء ، إلى أيام طفولتي ، حينما كنت أذهب قسراً إلى الكنيسة لأستمع إلى ترهات القسس فيما يتناول الفتيات والسيدات مع الشباب نظرات لا تخفى وقاحتها على احد " .

2-وضوح العقيدة الإسلامية

يأتي إسلام كثير من النصارى الملتزمين دينياً نتيجة دراسة مطولة ومعمقة للإنجيل ، دراسة استمرت عند بعض منهم فترة طويلة من الزمن ، خاصة أن منهم من ترك دينه وهو في أعلى مراتب الكهنوت .
ويعود السبب الرئيس لإنكار هؤلاء لدينهم إلى التضارب والتنافر والنقص الذي يجدونه في الأناجيل الموجودة بين أيديهم ، الأمر الذي أثار في نفوسهم الشكوك في مدى صحة هذه الأناجيل وسلامتها من التحريف، وكان من أهم الأمور العقائدية التي أنكروها ورفضوا تصديقها : عقيدة ألوهية وصلب المسيح ، وعقيدة صكوك الغفران .

عقيدة ألوهية وصلب المسيح :

تنبع عقيدة نكران ألوهية المسيح من إنكار فكرة أن الله سبحانه وتعالى تجلى للناس بذاته، ويقول القس فوزي سمعان السيسي من القاهرة : " ألم يكن المسيح في زعم النصارى هو إله وابن إله فكيف يصلب إذن ؟ وكيف يرضى لنفسه الصلب ؟ ألم يكن في مقدوره أن يغفر ويصفح دون أن يصلب ؟
وكيف يؤخذ هو بذنوب غيره أو ذنوب لم يرتكبها هو ؟ فأين العدل إذن ؟
وكيف يقوم بصلبه عبيد وهو إله إبن إله ؟ .
هذه التساؤلات حول ألوهية المسيح دفعت بهذا القس إلى الالتجاء إلى القرآن وتلاوة آياته واستيضاح معانيه بحثاً عن الجواب الشافي والمقنع ، إلى أن توقف ذات يوم فجأة وهو يقرأ القرآن الكريم ودمعت عيناه وارتجف أمام الآية الكريمة : (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ *مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، سورة المائدة، الآيتان 116،117.
ووجد الجواب أخيراً في الآية الكريمة : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " .

صكوك الغفران :

ينكر كثير من النصارى ، حتى الذين لم يسلموا بعد ، فكرة كرسي الاعتراف التي يجلس فيها المذنب إلى القس ليعترف له بذنبه الذي ارتكبه ، وليحصل في نهايتها على صك غفران عن الذنوب التي ارتكبها .
ويعود سبب رفض العديد من النصارى لهذه العقيدة إلى ارتباط المغفرة بشخص إنسان يمكن أن يخطئ ويصيب، يقول "القس فوزي سمعان " عن هذه الصكوك : " كيف يملك عبد حقير لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً أن يغفر الذنوب لعبد مثله ؟ ولماذا هذه الوساطة إذن ؟ وما هي حقيقة الترتيب والتسلسل في عملية الاعتراف ؟
وإذا كان النصارى البسطاء يعترفون للقس،والقس يعترف للبطريرك، والبطريرك يعترف للبابا فلمن يعترف البابا إذن ؟ هل يعترف لله ؟ .
وهذا التساؤل حول حقيقة صكوك الغفران أدت بالسياسي والمفكر " الدكتور مراد هوفمان " إلى أن يقف كثيراً عند قول الله تعالى : ( أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (سورة النجم، الآية 38). ذلك لأنه " لا بد أن تصيب هذه الآية بصدمة شديدة كل من يأخذ مبدأ حب الآخر الوارد في المسيحية مأخذ الجد ، لأنه يدعو في ظاهر الأمر إلى النقيض .
ولكن هذه الآية لا تعبر عن مبدأ أخلاقي ، وإنما تتضمن مقولتين دينيتين تمثلان أساساً وجوهراً لفكر ديني ، وهما :
1- إنها تنفي وتنكر وراثة الخطيئة .
2- إنها تستبعد ، بل وتلغي تماماً ، إمكانية تدخل فرد بين الإنسان وربه ، وتحمل الوزر عنه .
والمقولة الثانية هذه تهدد ، بل وتنسف مكانة القساوسة ، وتحرمهم من نفوذهم وسلطانهم الذي يرتكز على وساطاتهم بين الإنسان وربه ، وتطهيرهم الناس من ذنوبهم .
أما نفي وراثة الخطيئة وذنوب البشر ، فقد شكل لي أهمية قصوى ، لأنه يفرغ التعاليم المسيحية من عدة عناصر جوهرية ، مثل : ضرورة الخلاص ، والتجسيد ، والثالوث ، والموت على سبيل التضحية " .
هذا ولم تقتصر شكوك النصارى بعقيدتهم على الأمور العقائدية الهامة كعقيدتي الصلب وصكوك الغفران ، بل إن هناك أموراً أخرى ساهمت في نفور أهل المسيحية منها ، عن هذه الأمور يتحدث الفرنسي "علي سليمان بنوا" فيقول: " مما كان يباعد بيني وبين المسيحية ، أنها لا تحوي من تعاليمها شيئاً يتعلق بنظافة وطهارة البدن ، لا سيما قبل الصلاة ، فكان يخيل لي أن في ذلك انتهاكاً لحرمة الرب، لأنه كما خلق لنا الروح فقد خلق لنا الجسد كذلك ، وكان حقاً علينا ألا نهمل أجسادنا .
ونلاحظ كذلك أن المسيحية التزمت الصمت فيما يتعلق بغرائز الإنسان الفسيولوجية ، بينما نرى أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي ينفرد بمراعاة الطبيعة البشرية .
كما أن من بين آيات القرآن الذي أوحى الله به منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً ما يحمل نفس النظريات التي كشفت عنها أحدث الأبحاث العلمية ".

السلوك والأخلاق

يلعب سلوك المسلمين وأخلاقياتهم دوراً مهماً في لجوء الآخرين إلى هذا الدين، فكما كان لهذا السلوك دوره في انتشار الدين الإسلامي في بعض الدول قديماً،حيث تمكن التجار المسلمون بصدقهم والتزامهم الديني وبسماحة أخلاقهم من تعريف الناس بالإسلام وهدايتهم إليه، فإنه لا زال لهذا الدور أهميته مع هذا الانفتاح العالمي الذي سهل على المسلمين اختلاطهم بالآخرين نتيجة الهجرة وسهولة التنقل بين بلد وآخر ، وما يحصل بسببهما من تعارف وتقارب بين المسلمين وغيرهم في مجالات العمل والدراسة و الزواج وما إلى ذلك من الأمور الحياتية المختلفة .
ويذكر "الدكتور مراد هوفمان " أهمية هذا العامل في الدعوة إلى الإسلام ناقلاً تجربته الشخصية في الجزائر في فترة الأحداث الجارية آنذاك ، وذلك حين تعرضت فيها زوجته للإجهاض واحتاج إلى نقلها إلى عيادة الطبيب ، يقول الدكتور مراد :"بدأت تنزف عند منتصف الليل، ولم يكن باستطاعة سيارة الاسعاف أن تحضر إلينا قبل الساعة السادسة صباحاً، وبسبب فرض حظر التجول وبسبب شعار " القتل دون سابق إنذار " المرفوع آنذاك … اتجهنا بعد تأخر طال كثيراً إلى عيادة الدكتور شمعون ( قبل أن تنسفها منظمة الجيش السري بوقت قصير)، حيث صادفنا حاجزاً أقامته " الجمعية الجمهورية للأمن " ، وعلى الرغم من صفير البوق الذي كان السائق يطلقه فإنه لم يكن باستطاعته أن يشق طريقه إلا ببطء شديد ، وكانت زوجتي تعتقد ، في تلك الأثناء ، أنها ستفقد وعيها ، ولذلك وتحسباً للطوارئ ، راحت تخبرني أن فصيلة دمها هي0 ذات (RH)سالب، وكان السائق الجزائري يسمع حديثها ، فعرض أن يتبرع لها ببعض من دمه الذي هو من فصيلة دمها نفسه ، ها هو ذا العربي المسلم يتبرع بدمه في أتون الحرب، لينقذ أجنبية على غير دينه " .
وفي هذا تقول الكاتبة الفرنسية " فالنتين دي سان " التي صارت فيما بعد "روحية نور الدين" أن مما شدها إلى الإسلام " أن ترى أهل الشرق المسلمين ، الذي طالما وصفهم مواطنوها بالتخلف ، ورموهم بالرجعية ، يحيون حياتهم في تماسك وتعاطف ، وتكافل اجتماعي ، ومودة وتراحم ، وتعاون على الخير ، ومن خلالهم رأت الإسلام على حقيقته " .
وتتجلى قمة هذا التسامح في حسن معاملة المسلم للأجنبي على رغم كونه من ألد الأعداء، وقد ذكرت " مريم جميلة " تأثرها الشديد عند قراءتها السيرة النبوية الشريفة واطلاعها على " موقف الدفاع الذي قام به الرسول صلى الله عليه وسلم مع السيدة "صفية " رضي الله عنها عندما عيرتها السيدة " حفصة " زوج الرسول وبنت عمر بن الخطاب بأصلها اليهودي ، وعندئذ هدأ النبي من روع السيدة " صفية " وطمأنها بأنها بنت نبي وعمها نبي وهي الآن زوجة نبي ، فلا فخر لحفصة عليها".
وقد اعتبر السياسي الألماني " محمد أمان هوبوهم " أن الإسلام " هو الدين الوحيد الذي استطاع أن يغرس في نفوس من اتبعوه الشعور بمراعاة حدود الآداب والأخلاق ، دونما حاجة إلى سلطان قاهر غير ضمائرهم ، لأن المسلم يؤمن أنه حيثما كان فهو في دائرة رقابة ربه ، وفي هذا ما يردّه عن ارتكاب المعاصي " .

الرؤيا :

تلعب الرؤيا دوراً مهماً في هداية الناس إلى الإسلام ، فكم من شخص لم يكن يصلي أسرع إلى الصلاة بعد أن رأى هاتفاً في المنام يحثه عليها ، وكم من شخص رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام .
من هنا لايمكن لأحد من الناس أن ينكر أثر الرؤيا على النفوس ، فهي التي كانت أول علامة من علامات النبوة التي ظهرت على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي التي بقيت للمسلمين من مبشرات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن هنا أيضاً لا نستطيع ان ننكر أهمية الرؤيا في دفع كثير من الناس إلى اعتناق الإسلام بعد رؤيا معينة رأوها فتحت بصيرتهم وقلوبهم إلى نور الإسلام ، تقول السيدة البريطانية " ميشيل " أو " جميلة " عن تجربتها في هذا المجال : " ذات مساء كنت أقرأ كتاباً عنوانه " كل ما يجب أن تعرفه عن الإسلام والمسلمين ، للأمريكية " سوزان جنيف " وكانت آخر صفحة قرأتها عن شعائر الحج ، وشعرت أني أضع قدمي عند أول الطريق ، واخذت أبكي إلى أن غلبني النوم ، ورأيت في منامي أني أرجم الشيطان ، وتنبهت في الصباح على رنين " التليفون " وكان المتحدث زوجي السابق " أمين " ، وأخذت أبكي وأرجوه أن يأتي ويصحبني إلى المسجد لأني أريد أن أنطق بالشهادتين أمام إمام مسلم متدين ، لقد رجمت الشيطان وانتصرت عليه ، ولن أسمح له بأن ينتصر علي ".
ويحكي أستاذ الدراسات الشرقية من المجر " الدكتور عبد الكريم جيرمانوس " تجربته فيقول : " ذات ليلة رأيت كأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحيته الطويلة المخضبة بالحناء وملابسه البسيطة الأنيقة تفوح منها أريج طيب ، تلمع عيناه ببريق قوي مؤثر وخاطبني في صوت عطوف : " لماذا الحيرة ؟ إن الطريق المستقيم أمامك ، مأمون ممهد مثل سطح الأرض ، سر عليه بخطى ثابتة وبقوة الإيمان ".
قلت باللغة العربية في هذا الحلم العجيب : " يا رسول الله ، إن هذا الأمر سهل عليك ، وأنت الغالب وقهرت كل الأعداء عندما بدأت سبيلك بتوجيه رباني كتب الله لك فيها النصر ، أما أنا فما زالت أمامي طريق شاقة ، ومن يدري متى أجد طمأنينتي؟
فنظر إليّ في صرامة وحزم ، وظلّ لحظة يفكر ، ثم عاد يقول في لغة عربية واضحة ترن كل كلمة منه رنين الأجراس الفضية ، وكأني بلسانه الشريف الذي استوعب تعاليم ربه ، تضغط على صدري تهشمه : (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً ) سورة النبأ، الآيات 5-8.
قلت في حشرجة وقد أجهدني الألم : " إني لا أستطيع النوم ، وليس في قدرتي أن أجلو هذه الغوامض التي تخفيها الأستار الكثيفة : أرشدني يا محمد ، ارشدني يا رسول الله " .
وانطلق من خلفي صريخ منقطع ، كأنما كنت أختنق من ثقل هذا الكابوس ، وكنت أخشى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم شعرت كأنما أهوي من عل إلى أعماق الأعماق ، فجأة استيقظت من هذه الرؤيا أتصبب عرقاً ، يكاد الدم يجمد في عروقي ، وما من عضو إلا يتنزَّى ألماً ، كما أحاط بي صمت مثل سكون القبور، وشعرت بالأسى والوحدة " .
أما قصةً القس " محمد سعيد " من الحبشة ، فإن أهميتها تكمن في أثرها الواضح في إنارة الطريق أمامه ، يقول القس رواياً تجربته: " ذات ليلة بينما أنا نائم رأيت رؤيا حق ، إذ رأيت رجلاً يقترب مني يوقظني هاتفاً بي اقرأ " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، ثم يعقِّب بعدها سورة الإخلاص : " قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد " .
قمت من نومي مفزوعاً يملؤني الرعب والخوف ، فقد تكررت هذه الرؤيا مرتين في ليلتين أخريين بعد ذلك ، إلا أنها في الثالثة حملت معها زيادة واضحة ، لقد زاد عليها نور يملأ الطريق أمام عيني ".

الخاتمة

أخيراً ، إن الحديث عن أسباب التحول إلى الإسلام حديث لا ينتهي ، وما ورد ذكره في هذا الكتيب هو غيض من فيض ، فهناك أسباب كثيرة أخرى لا يسعنا ذكرها كلها، مثل الحديث عن الإعجاز العلمي الظاهر في القرآن ، والحديث عن اللغة العربية ودقة مفرداتها معانيها ، والحديث عن روعة الفن الإسلامي الذي يكمن كما يقول "الدكتور مراد هوفمان " في حضور الإسلام في حميمية شديدة في كل مظاهره، كما في الخط ، والأشغال الخشبية المزخرفة ، ونقوش السجاد ، وعمارة المساجد والمنازل والمدن " .
ومن هنا فإننا لا نستطيع عبر نقلنا لبعض تجارب المسلمين حديثاً الادعاء بأننا أحطنا بالموضوع من كل جانبه ، لأن ما هذا هو القصد والهدف من كتابة هذا الكتيب ، إنما الهدف هو تثبيت المسلم على دينه من جهة ، والإجابة عن بعض التساؤلات التي تدور في أذهان غير المسلمين عن سبب التحول إلى هذا الدين من جهة أخرى والتي منها الأسئلة التالية : لماذا يلجأ مفكر وعالم إلى الإسلام وهو الذي ينتمي إلى عصر اعتبر فيه العلم هو الدين الوحيد ؟ ولماذا " تقبل امرأة على دين يقول عنه قومها في الغرب من دارسين مستشرقين إلى صحفيين في وسائل الاعلام : إنه يحط من شأن المرأة ويحقرها ويجردها من إنسانيتها حسب مفهومهم للإنسانية؟".
أسئلة كثيرة تدور في الأذهان والإجابة عنها جد بسيطة ، إنه الإسلام ككل الذي قالت فيه الفرنسية المهتدية " سيلفي فوزي " : " لقد وجدت في الإسلام منهاج حياة يجيب عن كل التساؤلات ، وينظم للإنسان حياته وفق ما ينفعه ويتناسب مع فطرته … ملبسه ومأكله وعمله ونظام زواجه ، اختياراته في الحياة ، علاقاته بالآخرين … ومن ثم فلا عجب أن من يلتزم بالإسلام يستشعر الاطمئنان والأمان النفسي الذي هو في رأيي أهم العناصر لاستمرار الحياة " .

المصادر والمراجع
القرآن الكريم
كتب السنة
1- روجيه غارودي ، لماذا أسلمت ؟ دراسة محمد عثمان الخشت ، مكتبة القرآن، القاهرة ، مصر ، 1406هـ ، 1986م.
2- الشوادفي الباز ، لماذا أسلم هؤلاء القساوسة ؟ مكتبة العبيكان ، الرياض ، السعودية ، الطبعة الأولى ، 1417هـ ، 1997م.
3- الشيخ صفي الرحمن المبار كفوري ، الرحيق المختوم ،مؤسسة الريان ، بيروت ، لبنان ، 1419هـ ، 1998م.
4- عبد الحميد بن عبد الرحمن السحيباني ، لماذا أسلمنا ؟ دار ابن خزيمة ، الرياض ، السعودية ،الطبعة الأولى ، 1415هـ .
5- عرفات كامل العشي ، رجال ونساء أسلموا ، دار القلم ، الكويت ، الكويت ، الطبعة الثالثة ، 1398هـ ، 1978م.
6- محمد كامل عبد الصمد ، الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء ، الدار المصرية اللبنانية ، القاهرة ، مصر ، الطبعة الأولى ، 1416هـ ، 1995م.
7- د. مراد هوفمان ، رحلة إلى مكة ، مكتبة العبيكان ، السعودية ، الطبعة الأولى، 2001هـ ، 1421م .
8- مريم جميلة ، رحلتي من الكفر إلى الإيمان ، د. محمد محيي ، المختار الإسلامي ، القاهرة ، بدون رقم الطبعة والتاريخ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.نهى قاطرجي
  • مـقـالات عامة
  • مـقـالات نسائية
  • مـقـالات موسمية
  • مـقـالات الأمة
  • المكتبة
  • القصة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط