اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/daeyat/nohakatergi/53.htm?print_it=1

كِلية للبيع

د. نهى قاطرجي

 
لفت الصراخ الشديد الذي تصاعد من أحد أروقة المستشفى انتباه الناس الذين استهجنوا هذا التصرف خاصة أنه صادر من شخصين لا يبدو على سماهما أي مظهر من مظاهر الجهل وسوء التصرف، فالمرأة التي كان يعلو صوتها ويحتد كانت تبدو أنها من عائلة ارستقراطية مهمة، بينما يبدو الرجل الذي يحاول تهدئتها وكأنه أحد رجال الأعمال المهمين ...
فجأة ازداد التوتر وارتفعت اللهجة ولم يعد الفريقان يهتمان بمن يسمع حوارهما ... فقد بدأت اللعبة تلعب على المكشوف.
- إسمع إذا لم تدفع لأخي حقه، فسوف اشتكي على أخيك وأزجه في السجن ... لا تنسى أنني محامية وأستطيع أن أفعل ذلك .
* افعلي ما يحلو لك، أخي لم يرتكب خطأً، وأخوك فعل ذلك بملء إرادته .
- وتقولها بكل وقاحة، وأنتم الذين لاحقتموه لمدة سنتين، ألم ننقذه من بين براثنكم في المرة الأولى في آخر لحظة، واضطررنا إلى سجنه حتى لا تنجحوا في مهمتكم الخبيثة، ولكنكم لاحقتموه ...إلى أن قام بفعلته دون علمنا، ولم نعلم بالأمر إلا بعد انتهاء الصفقة ... وها أنتم تسعون إلى النكث بالوعد، وتحاولون التراجع عن اتفاقكم معه ...

* نحن لم ننكث بالوعد، ولكنكم تريدون ابتزازنا ونحن لا نملك المال الذي تطلبونه، وليس هناك أي اتفاق مما ذكرتيه ... ونحن لن ندفع سوى خمسة آلاف دولار ... افعلي ما يبدو لك ...
- خمسة آلاف دولار تشتروا بها حياة انسان ... ألهذه الدرجة هو رخيص في نظركم ؟ وهذا الرجل المسكين الذي باع لكم حياته، هل كثير عليه أن تؤمنوا له سيارة يرتزق منها بعد أن فقد وسيلة عيشه ... أخي كان يعمل حمالاً ، ماذا سيعمل بعد اليوم ؟ ثم لعلمك فلقد أصيب أخي بعد العملية بالتهاب الرئة ؟ هل تكفي خمسة آلف دولار لعلاجه .

* لقد سبق لأخيك أن سحب مِنّا مبلغ خمسة آلاف دولار، والآن خمسة يكون حقه قد وصل له بالكامل ...
- حقه بالكامل ... حسناً سأريك ماذا أفعل ... سأرفع عليكم دعوى استغلال انسان غير طبيعي، فأخي مريض وبسيط وانتم استغللتم بساطته، سأزج بكم في السجن وسوف ترون .... والأهم من ذلك سوف استرد كِلية أخي ...

***

كلية... كلية... لقد ظن الناس الذين تجمعوا في الرواق أن الموضوع هو اختلاف على تقسيم ارث أو تجارة خاسرة، أو سلعة فاسدة، أي شيء إلا الكِلية ... ألهذه الدرجة باتت اعضاء الإنسان محلاً للبيع والشراء والمفاصلة والاستغلال ... وإذا وصل الإنسان إلى درجة أن يبيع كِليته من أجل تأمين معيشته ... فماذا سيبيع بعد ذلك ...
عندما فارقت المرأة الرجل وعادت أدراجها إلى غرفة أخيها تبعتها العيون لتعرف ما سر هذا الفتى الذي يتعالج في غرفة درجة أولى في المستشفى، مع أنه كما تقول أخته يعمل حمالاً؟ وما هو السر الذي دفعه إلى هذا الفعل؟
مشت المرأة والغضب باد على وجهها وانتقلت مباشرة إلى مكتب الاستعلامات وقالت: أريد الطبيب المسؤول في الحال ؟ واتجهت مسرعة إلى غرفة أخيها .
اقترب الطبيب المناوب وحاول تهدئة المرأة وسألها عما تريده، عندئذ انفجرت في وجهه، وقالت :
- أريد استعادة كِلية أخي.
هكذا ببساطة يمكن تصحيح الأمر... وكأن ما يفقده الإنسان يسترجعه بسهولة... وهل إذا أعاد الأطباء الكلية سيعود هذا الشاب انساناً طبيعياً، وسيسترد نشاطه ولن يعاني من أية مضاعفات ... ألن يرفض جسمه هذا العضو الجديد ويتنكر له؟ ألن يعاني مثله مثل أي مريض وضعت له كلية جديدة ؟
* آسف آنستي، هذا الموضوع ليس من صلاحيتي، ولست أنا من أجرى لأخيك العملية، سأخبر الطبيب الجراح بهذا الأمر فور وصوله...
- اسمع، أذا لم تفعلوا ذلك بالحسنى، فسنفعل ذلك بالقوة، ولو اضطررنا لارتكاب جريمة ... فقد قال لي أخي الصغير بأنكم إن لم تدفعوا المبلغ كاملاً فسيقتحم غرفة المريض ويأخد منه الكِلية عنوة ... كما أننا سنرفع دعوى على المستشفى التي وافقت على إجراء العملية .
* رويدك آنستي، سأبلغ الموضوع للمسؤولين، اهدئي... أرجوك ...

*****

عندما خرج الطبيب نظرت الأخت بحنق إلى أخيها، وقالت : كل هذا من طيشك واستهتارك ... لو اخبرتني على الأقل لكنت ساعدتك ووثقت الاتفاقية عند كاتب العدل، ولكنك كالعادة تتصرف من رأسك وتورط العائلة ورطة وراء أخرى .
نظر الفتى إلى أخته باستهزاء وابتسامة السخرية بادية على وجهه وقال لها: لا تخافي سيدفعون ... انتظري قليلاً ...
وفعلاً ما هي إلا لحظات حتى جاء اخوة الشاب إلى الغرفة، وبشروه بانتهاء الصفقة ... لقد وافق الفريق الآخر على المطالب وسيدفعون للشاب المبلغ المطلوب كما أنهم سيتكفلون بعلاج الفتى مدى الحياة...
- ألم أقل لك ... الشاب طيب جداً ... وانا فعلاً أحببته .
نظرت الأخت إلى أخيها بحنق : ماذ أقول لك صدق المثل : " رزق الهبل على المجاذيب" المهم لقد سوي الموضوع ، نحن ذاهبون الآن ، ولا تتصرف أي تصرف طائش آخر دون أن تعلمنا وإلا لن نلتفت إليك .
عندما خرج الإخوة من الغرفة التفت الشاب إلى الهاتف الذي كان يرن ، ورفع السماعة قائلاً :
- أهلاً... أهلاً ... هل سمعت بالقصة ... طبعاً حقيقية ... وقهقه الشاب ...
* كيف استطعت أن تفعل هذا الأمر ؟
- كيف فعلت هذا ؟ بشكل بسيط جداً ؟ لقد قرأت في الجريدة منذ سنتين اعلان يطلب متبرع بكلية، فاتصلت بالرقم المكتوب، وكنت أنوي أن أهب كليتي من دون مقابل، خاصة أني أحببت الشاب من كل قلبي، ولا ازال إلى اليوم أحبه... ولكن أهلي علموا بالموضوع ومنعوني وحبسوني مدة شهرين ... (تعلم القصة) ومنذ ذلك الوقت صمّمت بأن أنتقم من أهلي وأن أجري العملية دون أن أخبرهم عنها إلا بعد الانتهاء ... وهذا ما حصل .
- وهل صحيح أنك اتفقت معهم على مبلغ عشرون ألف دولار ثمن الكلية ... ولماذا لم توثق هذا الاتفاق عند كاتب العدل على الأقل؟
* لم أكن اعتقد أنهم سيخلون بالاتفاق ... ولكن لا عليك إخوتي تصرفوا ... انتهى الموضوع .
- هكذا ببساطة ؟ ألم يكن ممكناً أن تتصرف بتروي أكثر ... يا أخي، كان يمكن على الأقل أن تطلب مبلغاً أكبر ... مئة ألف دولار مثلاً ...
* ما هذه الفكرة الرائعة ، في المرة القادمة سأفعل .
- وهل سيكون هناك مرة مقبلة، وهل لا يزال يوجد عضو تبيعه، إلا إذا كنت تقصد دماغك ...
* أنت تستهزئ، من قال لك بأنه لا يوجد شيء بعد أبيعه، بلى ... هناك صابونة رجلي ... قه.. قه ...
 

د.نهى قاطرجي
  • مـقـالات عامة
  • مـقـالات نسائية
  • مـقـالات موسمية
  • مـقـالات الأمة
  • المكتبة
  • القصة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط