صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الحرب اللاأخلاقية

د. نهى قاطرجي

 
إن مما يمكن لكل متتبع لأخبار الحرب الدائرة على أرض العراق أن يدرك أن السمة الغالبة لهذه الحرب هي كونها حرب لاأخلاقية ، شعارها القتل والدمار والإرهاب والإذلال والسرقة والنهب ، وسائلها العدوان والكذب والخداع والتضليل ، هدفها إبادة أمة وشعب ووطن ، أسبابها الغيرة والحسد .
إن مما يصح إطلاقه على هذه الحرب الدائرة على أرض العراق أنها حرب الكذب والخداع ، ذلك الكذب الذي يعدّ سياسة قديمة ومعتمدة منذ فترة طويلة في أروقة البيت الأبيض ، فلقد استخدمت أمريكا هذا السلاح في فيتنام عندما ادعت أن حكومة فيتنام شنت هجوما على سفينة حربية أميركية ، وقد ثبت فيما بعد كذب هذه الادعاء الذي فضحه مؤرخو الحرب الفيتنامية فيما بعد، حيث كشفوا " أن «كابتن» السفينة الحربية الاميركية تلقى أوامر بدخول المياه الاقليمية الفيتنامية" ، واستخدمته أيضاً في أفغانستان إثر أحداث 11 أيلول حيث ادعت الولايات المتحدة الحرب أن حربها هي من أجل القضاء على الإرهاب .
أما في حرب العراق فلقد عجزت أمريكا عن ايجاد كذبة كبيرة تتستر وراءها وتقنع الدول الكبرى بها ، فعمدت بدلاً عن ذلك إلى ستر عورتها ببضعة أكاذيب لا يمكن أن يصدقها الطفل الصغير ، فكيف بتلك الدول والشعوب العديدة التي ما عادت لتنخدع بتلك الدولة العظيمة وتصدق بأنها بالفعل حامية للحريات والحقوق ، وناصرة المظلومين .
لو حاولنا استعراض مظاهر هذا الكذب لوجدناها متعددة :
1- الكذب في ذكر الأهداف التي أطلقتها أمريكا قبل بدء المعركة حينما ادّعت أنها تبغي القضاء على أسلحة الدمار الشامل ، لذا حاولت من أجل تغطية كذبها هذا الزام المفتشين الدوليين بالكذب ولمّا لم تنجح في مهمتها ادّعت عدم تصديقهم ومنعتهم من اتمام عملهم .
ولقد تبيّن بعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق خلو هذا البلد من تلك الأسلحة مما يدل على أن استخدام حجة «أسلحة الدمار الشامل» كانت كذبة كبرى.
ومن الأكاذيب التي بثتها من أجل تبرير عدوانها على العراق ، إدعاءها أن هذا البلد يحمي الارهاب ، وأن له علاقة بتنظيم القاعدة ، "وهنا رأى العالم السيدة "كوندوليزا رايس " ووزير الدفاع" دونالد رامسفيلد " يتباريان في ابتكار «وقائع» بأن اسامة بن لادن «شوهد» في بغداد قبل احداث سبتمبر " .
أما "ريتشارد بيرل " الصهيوني الذي كان يترأس لجنة السياسات الدفاعية فى البنتاجون ، فقد ساق " كذبة كبرى لتبرير الحرب ضد العراق نقلتها عنه وكالة الأنباء الفرنسية فى 8 سبتمبر الماضى في حوار أدلى به لصحيفة إيطالية ، قال فيه «إن محمد عطا الذى يعتقد بأنه قاد هجمات الحادى عشر من سبتمبر اجتمع مع صدام حسين فى بغداد قبل 11 سبتمبر ، ولدينا أدلة على ذلك» .

2- الكذب في رفع شعاري الحرية والديمقراطية التي تدعي أمريكا تطيبقها لهما ، بينما هي في الحقيقة التي تقف في وجههما ، وذلك برفضها الالتزام بكل المعاهدات الدولية وإخلالها بكل القوانين التي ناضل من أجلها الإنسان وعلى رأسها قوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن .
لقد بات شعاري الحرية والديمقراطية مطيّة يمتطيها الغربيون من أجل إذلال المسلمين وإزهاق أرواحهم واستلاب ثرواتهم واستنزاف خيراتهم ، إذ إن هذه المفاهيم التي تتسع لتشمل كل ما يوفر الكرامة لكل مواطن في بلده ، ولكل انسان في مجتمعه، لا يمكن أن تتحقق في ظل سلب الشعوب حريتها في التفكير ومورادها في الرزق ، وحقها في الحكم.

3- الكذب في نقل أخبار المعارك حيث عملت على التضخيم في تصوير انتصاراتها على حساب هزيمة الطرف الآخر ، فعمدت إلى تزوير الحقائق أو سترها او تصوير جزء منها وتضخيمها والإيحاء بنقيضها ، مع أن الجميع بات يعلم أنه ما كان لهذه الدولة أن تتنصر لولا استخدامها أسلحة الدمار الشامل ، ولولا الخيانة والجبن الذي أصاب بعض شرائح الأمة .
هذا وقد استعانت أمريكا في سبيل هذه المهمة بوسائل الإعلام المؤيدة والمعارضة ، فألزمت تلك الوسائل المؤيدة بتغطية الأحداث التي تريدها وتوصيل الرسائل التي تحقق أهدافاً محددة ، أما الوسائل المعارضة فقد شنت عليها حرباً شعواء عندما دمرت مراكزها ، وقتلت مراسليها ، وشككت بصحة مصادرها .

إن سمة الكذب الذي تحدثنا عنها ليست السمة الوحيدة التي اتصفت فيها هذه الحرب فهناك إضافة إليها مساوئ أخلاقية أخرى بدت واضحة وجلية في هذه الحرب الوسخة ، يذكر منها :
1- العداوة والبغضاء التي ظهرت واضحة عبر لسان بوش نفسه ، الذي أظهر بشكل واضح وصريح كرهه للإسلام والمسلمين وإن كان يحاول الادعاء بعكس ذلك بقوله : «إنهم يكرهوننا ويكرهون إسرائيل ويهددون اصدقاءنا جيرانهم فى المنطقة» .
هذا وقد ظهرت هذه العداوة والبغضاء واضحة في مواقف عديدة ، إحداها اعتراف بوش الصريح أن حربه على الإرهاب ، كما يزعم ، هي حرب صليبية ، وإذا كان بوش قد اعتذر عن زلّة اللسان التي وقع فيها فإن هذه الزلة ، على افتراض أنها كذلك ، تعدّ في علم النفس الحديث تعبيراً عن مكنونات الصدر ، وصدق الله عز وجل عندما قال : ( ودّوا ما عنتم قد بدت البغضاء في أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) آل عمران ، 118 .
وهناك أيضاً موقف آخر ظهر فيه هذا الكره الدفين الذي يكنّه بوش للعرب والمسلمين ، بدا ذلك في خطاب ألقاه امام الكونجرس في 29/1/2002 والذي تضمن تفصيلات خطيره عن الخطط المستقبلية للسياسة الأمريكة في العالمين العربي والإسلامي ، وكان مما جاء فيه : " وعلى الرغم من أن الحرب في افغانستان توشك على نهايتها فإن أمامنا طريقاً طويلاً ينبغي أن نسيره في العديد من الدول العربية والإسلامية ولن نتوقف إلى أن يصبح كل عربي ومسلم مجرداً من السلاح وحليق الوجه وغير متدين ومسالماً ومحباً لأمريكا ، ولا يغطي وجه امرأه نقاب " .
وقال أيضاً : " من الآن فصاعداً يحق للعالم تناول الخمر والتدخين وممارسة الجنس السوي أو الشذوذ الجنسي ، بما في ذلك سفاح القربى واللواط والخيانة الزوجية !! والسلب والقتل ومشاهدة الأفلام والأشرطة الخلاعية داخل فنادقهم أو في غرف نومهم !! وبالنسبة لشركاتنا التي تنتج مثل هذه المنتجات فسيحق لها الوصول من دون أي عقبات للدول المتخلفة التي منعت تلك الحريات عن شعوبها " .
وقال أخيراً : " إنني آمل أن أكون قد حافظت على إرث آل بوش حياً بمحاربة العرب والمسلمين طيلة عشر سنوات لضمان استمرار الفوضى في بلادهم !! ولن يجبرنا ملك او أمير عربي نفطي على تحسين كفاية وقود سياراتنا المتطورة وهذا لن يحدث وأنا رئيس للولايات المتحدة،وعلى العكس سيضطرون لزيادة الانتاج وتخفيض الأسعار " .

2- الكِبر الذي يجعل صاحبه يحتقر ويستصغر كل من عداه ، فيعتبر نفسه أفضل من غيره ويفرض على الآخرين أفكاره ومبادئه ، يتفرد في التصرف ويتدخل فيما ليس من شأنه ، يترفع عن قبول النصيحة ويسعى إلى الزام الاخرين بالانقياد له، يتطاول على حقوق غيره ويسرق ممتلكاته وأمواله .
كل هذه الصفات التي يتميز بها المتكبر نجدها واضحة في تصرفات أمريكا اليوم، فهي تسعى إلى التفرد في حكم العالم ، وتلغي أي وجود لأي شعب أو دولة أو حضارة ، فالعالم بأسره اليوم ينبغي أن يكون موحِّد المعالم وفق نظام العولمة الأمريكية العلمانية الكافرة التي لا تؤمن بدين ولا خلق ولا قيمة .
لذلك ، قسّمت أمريكا العالم وفق هذه المبدأ إلى قسمين لطالما عبرت عنهما بقولها : " من لم يكن معنا فهو ضدنا " .
إن العالم بأسره اليوم وخاصة الشعوب الفقيرة يجب أن تقدم ولاءها لمن يعتبر نفسه إلهاً ، فتعطيه بالحسنى أو بالقوة أموالها وثرواتها وممتلكاتها ، وتجعل لهذه الدولة العظيمة الحق في تقرير مصيرها وتتخلى من أجلها عن قناعاتها وثقافاتها وحضارتها .
لقد كان لإصابة أمريكا بجنون العظمة أثره في اعتقادها بعدم وجود قوة فوق قوتها ، ناسية بذلك قدرة الله عز وجل الذي قال : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب ان لم يقدر عليه احد ) سورة البلد ، 4-10 ، والقائل أيضاً : ( يد الله فوق أيديهم ) الفتح ، 10.
3- الظلم والعدوان ، الذي حرّمه الله عز وجل على نفسه وجعله بين الناس محرماً ، فقد عانى الشعب العراقي طوال خمسة وثلاثين عاماً من حالة الظلم والكبت وهاهو يعود إلى سلسلة جديدة من الظلم ، والله اعلم إلى متى ستنتهي ، وإذا كان النظام السابق قد كمّ أفواه الناس ، وسجن بعضهم لفترات طويلة ، وقتل الأعداد الكثيرة منهم ، وألزمهم الدخول مع عداوات لجيرانهم وإخوانهم في الدين ، فإن عدواناً أكبر سينتظر هذا الشعب اليوم مع وجود تلك القوة التي لن تكتفي بسلبه ممتلكاته وأرزاقه ، بل تسلبه أيضاً هويته وحضارته وعقيدته ، وهذا العدوان " أشد ضرراً وأسوا نتيجة ، فإن الإنسان قد يتساهل في ماله وحقه ولا يتساهل في عقيدته وأدبه وذوقه" .
وقد اتسم هذا العدوان بصفة أخلاقية سيئة للغاية وهي صفة الوقاحة التي بدأت في الظهور حتى قبل الحرب ، فالحكومة العراقية المرتقبة بدأت بالتشكيل قبل الحرب، والحاكم الذي عيَّنته أمريكا على العراق هو حاكم صهيوني ، والحرب التي خاضها الأمريكيون سيدفعون ثمنها العراقيون الذين قتلوا وشردوا ودمرت بيوتهم ، وحركة إعمار العراق ستقوم بها "شركات أمريكية " وضعت مسبقاً وقبل الحرب مشاريع لإعادة البناء على حساب العراق ، وبرامج التعليم تغيّر لتوافق المناهج الأمريكية ، أما العملة الوطنية فستصبح الدولار .
كل هذه الصفات الأخلاقية السيئة التي يتسم بها الأمركيون الذين يخوضون الحرب الشعواء ضد المسلمين يطغى عليها صفة وحيدة لا يعلم الأمريكيون أنفسهم أنهم يتصفون بها ، وهي الغباء الذي يجعلهم يتصورون أنهم يمكن أن يخرجوا الإيمان من قلوب المسلمين ويبدلوا عزّهم بدينهم ذلاً وهواناً ، او يتخيلوا أن المسلمين يمكن أن يدَعوهم بسلام ، ويسكتون بالتالي عن اغتصاب الأعداء لأراضيهم واعتدائهم على كراماتهم وإهدارهم لثرواتهم .
لقد بلغ بهم الغباء حداً جعلهم يتحدَّون فيه الله عز وجل وينصبون أنفسهم حكاماً منفردين على العالم ، فقال قائدهم : " لقد حان الوقت لنعيد تشكيل العلم على صورتنا ! وبفضل إلهنا سنقوم نحن شعوب العالم من الجنس الأبيض المتحضر بفرض معتقداتنا الرزينة والودودة والتحررية على عالم جائع لأموالنا ورسالتنا ".
وقد تناسى هؤلاء الأغبياء أن الله عز وجل يمدّ لهم مدّا ، وان الله عز وجل لينصرن دينه ولو بعد حين ، ونقول لهم ولكل من يعتبر نفسه إلهاً لا إله إلا الله .
 
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.نهى قاطرجي
  • مـقـالات عامة
  • مـقـالات نسائية
  • مـقـالات موسمية
  • مـقـالات الأمة
  • المكتبة
  • القصة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط