اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/daeyat/nohakatergi/111.htm?print_it=1

بادية في بلاد الغربة

د. نهى قاطرجي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


عندما دخلت بادية إلى بيتها الزوجي كانت الآمال تلفها من كل جانب ، اعتقدت بأنها أخذت كل الاحتياطات الكافية التي تحميها من الوقوع في خطأ سوء الاختيار، فقد حرصت كل الحرص على اختيار الزوج الصالح بشهادة كل من عرفه من زملائه داخل الوطن أو خارجه، في بلاد الغربة حيث يقيم ... إلا ان الرياح أتت بما لم تشته سفن بادية...
القصة بدأت بعد شهر العسل مباشرة، وإثر دخول العروس بادية إلى بيتها الزوجي حيث بادرها زوجها على الفور بقوله : اسمعي يا بنت الحلال البيت كله تحت تصرفك ، ولكن هذه الغرفة هي غرفة خاصة بي.. فيها أوراق ومستندات خاصة بعملي لا أريدك ان تدخليها مطلقا... أنا من سيقوم بترتيبها وتوضيبها، أنا فقط ... هل سمعت ما اقول ؟؟؟
استغربت بادية هذه اللهجة الحاسمة من زوجها، والتي لم تعهدها منه طوال فترة الخطبة وخلال شهر العسل ، حيث كان مثالا للزوج الحنون الطيب الذي يلبي رغباتها مهما كانت صعبة ..
استمرت حياة بادية على وتيرتها اليومية، والمعروفة لدى كل ربة بيت خاصة في الغربة ، حيث لا خروج من المنزل إلا في الليل وبرفقة الزوج الذي ، إن جاء مرتاحا من عمله ، اصطحب زوجته لإحد الأماكن السياحية أو لجلب بعض لوازم البيت ...
بقي الحال على هذا المنوال فترة من الزمن، وبادية لم تلحظ على زوجها أي شيء يعيب، إلا انها كانت كثيرا ما تستيقظ بالليل لقضاء حاجة ما ، فتلاحظ ان زوجها لا ينام بقربها ، وأنه قد دخل إلى غرفته وأقفل الباب عليه .. وهذا الموضوع أقلقها كثيرا، إلى ان اكتشفت أنها حامل واخبرت زوجها بالخبر، ففرح كثيرا، إلا أنه تحجج به حتى ينام في غرفته المستقلة كي لا يزعجها في الليل ..
رضخت بادية على مضض إذ كانت ترفض فكرة نوم الزوجين في غرف مستقلة ، وكان في اعتقادها أن هذا الأمر يعمق الفجوات بينهما ... ولكنها ومن منطلق حرصها على راحة زوجها خضعت لرغبته.. إلى ان جاء ذلك اليوم الذي ترك فيه زوجها الغرفة مسرعاً بعد ان جاءه اتصال مفاجئ من أحد اصدقائه يطلبه فورا ...
في تلك اللحظة شعرت بادية بنفسها ومن دون وعي منها تسرع إلى الجهاز الحاسوب تبحث فيه، وكأنها طفل وجد لعبة ممنوعة عنه فاسرع ليلعب بها قبل ان يأتي أهله وينزعوها منه... إلا أن الفارق كان كبيرا بين تلك اللعبة التي كانت تريد بادية اللعب بها وبين ما اكتشفه في جهاز زوجها...
لقد كان صندوق بريد زوجها مفتوحا ، فبدأت بادية تقلب الرسالة تلو الأخرى لتكتشف بأن معظم هذه الرسائل كانت رسائل حب وغرام، ولكنها لم تكن موجهة لنساء كما كانت تخشى، بل كانت موجهة أو مرسلة من وإلى شباب وأطفال ، ويترافق مع هذه الرسائل صورا لزوجها أو لهؤلاء الشباب في أوضاع شاذة لم تتمكن بادية من متابعة مشاهدتها ...
انصدمت بادية مما رأت إلا انها قررت ومن دون تفكير طويل ان تكمل البحث ، دخلت إلى صفحات الحاسوب ، ووجدت ملفات تحمل عناوين لشباب في المدينة التي تعيش فيها، ومن بين هذه العناوين وجدت عنوان منزلها ... لم تصدق ، هل وصلت به الجرأة إلى أن يجلب الشباب إلى منزله ...
كانت الصدمة قوية على بادية ، اعتقدت أنها في حلم ، وليس في حقيقة، هل يعقل ان يكون هذا الرجل الطيب الذي تزوجته هو نفسه الذي تراه في صور منفرة وقبيحة ... لا يمكن ... لا يمكن ... احتمال ان يكون أحد الأشخاص يبتزه فيركب صورا مختلقة حتى يسيء إليه أو إلى عمله ، فهذا الأسلوب قرأت عنه وشاهدته في أفلام السينما كثيرة ... لا يمكن أن تركن إلى هذا الدليل ... لا بد من وجود ادلة أخرى... خاطبت بادية نفسها وانطلقت بسرعة البرق إلى الخزانة المفتوحة اصلا ، لتجد ما يشيب له شعر الصغار والولدان ... لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً ... أدوات وصور وثياب نسائية وشعر مستعار ووووو وامور أخرى عديدة كلها تثبت بأنها وقعت ضحية رجل شاذ ضحك عليها وغشها لأسباب لم تعرفها ... فهل فعل ذلك لكي ينزع عن نفسه هذه الصفة.؟. أم هل كان ينوي التوبة في وقتها؟؟ أو أنه فعل ذلك كي ينجب الأطفال؟ ... أو لعله فعلها ليرفع بها خسيسته؟؟؟... أو ... أو .. أسئلة كثيرة كانت تدور في ذهن بادية دون أن تجد جواباً شافياً لها ...
... مسحت بادية دموعها وأعادت كل شيء إلى مكانه قبل أن يأتي زوجها ويكتشف بأنها فضحته ... وهذا ما حدث بالفعل ، فما ان غادرت الغرفة حتى فتح زوجها الباب مسرعا ودخل غرفته ليطمئن إلى أن كل شيء في مكانه كما تركه ... وما ان اقترب من غرفة الاستقبال حتى سألته زوجته مصطنعة القلق من خروجه مسرعا من البيت : ها .. لقد أخفتني ماذا هناك ؟ هل حدث لصديقك اي مكروه ؟


************


ما حدث في تلك الليلة أطار النوم من عيني بادية، فهي لم تعرف طعما له منذ تلك الساعة المشؤومة، وبعد ان كانت منزعجة من نوم زوجها لوحده شكرت ربها بأنه غادر غرفتها ، وذلك حتى لا يلحظ أي تغيرات عليها .... وبدأت تفكر في ما تفعله وكيف تترك هذا الرجل وتعود إلى ديارها ؟ وهل سيصدقها كل من تخبرهم بقصتها؟ هل يمكن ان يطلقها؟ ومن سيساعدها إذا ارادت الهرب ؟؟؟ اسئلة كثيرة بدأت تدور في ذهنها إلى ان لمع في ذهنها خاطر ... سحبت سماعة الهاتف واتصلت بصديقتها نيفين، هي في بلد قريب من البلد الذي تقطن فيه.. فلعلها تستطيع أن تساعدها أو على الأقل تعطيها فكرة عما يمكن ان تفعله ...
لم تستغرب نيفين كثيرا ما سمعته، فهي تعيش في مجتمع غربي، وكل يوم تسمع قصص مشابهة، ولكن ما استغربت له هو صدور مثل هذا الفعل من زوج بادية المشهود له بالخلق والسمعة الحسنة ... وهي لم تزكيه عند بادية إلا لاعتقادها بوجود تقارب بينها وبينه من هذه الناحية ..

*هدئي من روعك يا عزيزتي ... سأتصرف انا ... لا عليك سأساعدك ... قالت نيفين لصديقتها وأضافت: المهم ألا يشعر ابدا بأنك عرفت شيئا .. ولا تخبري أهلك بهذا الأمر حتى لا تشغلي بالهم ... اسمعي ... سآتي إليك عبر القطار بعد أن احجز لك تذكرة سفر إلى لبنان ، وسأنقلك إلى بلدتي ومن ثم إلى الطائرة .. سيحدث كل هذا بينما هو في العمل ... لن ينتبه إلا بعد أن تكوني قد سافرت ... لا تخافي ..
ارتاحت بادية قليلا بعد ان اخبرتها صديقتها بأنها ستساعدها، وبدأت في تلك الفترة تحاول أن تهتم بشكل زائد في زوجها كي لا يشعر بأي تغيير من قبلها ... إلى ان جاء الوقت الموعود وسافرت بادية إلى بلدها، من دون أن تترك له رسالة واحدة، ومن شدة ذكائها قامت بكسر باب الخزانة لتجلب معها معظم الأدوات والصور التي وجدتها أمامها كي تستعين بها كدليل يساعدها على طلب الطلاق في المحكمة ...
أما زوجها فعندما عاد إلى المنزل ووجد باب الخزانة مكسورا ادرك ما حصل تماما، ولم يحاول أن يتصل منذ ذلك الوقت لا بها ولا بأهلها وتركها كالمعلقة تنتظر ان يفك أسرها وتحصل على حريتها وعلى حق حضانة ابنتها ...


 

د.نهى قاطرجي
  • مـقـالات عامة
  • مـقـالات نسائية
  • مـقـالات موسمية
  • مـقـالات الأمة
  • المكتبة
  • القصة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط