صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







((ماذا بعد الفكر الجهادي؟؟))

نبيلة الوليدي


بسم الله الرحمن الرحيم


الشباب هم الطاقة المحركة لعجلة الأحداث ,وهم الفتيل المشتعل في قلب المجتمعات ,وهم المعوّل عليهم في النهوض الحضاري وهم الشهود على العصر وصبغة الله لكل حقبة من حقب الدهر..
فتارة يكونون صبغة نور, ومعول بناء , ومحرك خير, ووقود إنتاج وإثمار و إعمار. وتارة يكونون على النقيض من ذلك .

إلا أنهم دائما وأبدا يبقون الثروة الحقيقية لكل أمة ،بل هم قلب الأمة النابض بالحياة ,المسيّر لعجلة النمو والتطور والبناء فيها.

وشباب الأمة الإسلامية يمثلون رقما صعبا في لعبة الحياة ,ليس بسبب التفوق النوعي بل التفوق الكمي,فنحن بفضل وجودهم مجتمعات شابة فتية ,فإن استطعنا أن نصل بهم ذروة التفوق النوعي فسنحدث نهضة حضارية للأمة نبلغ بها مرحلة الشهود الحضاري..وإن احتجنا لأجل ذلك لخوض معركة شرسة مع جميع المعطيات والمتغيرات التي تفرضها علينا طبيعة هذا العصر,والمعركة هي معركة فكر قبل أيّ شيء آخر.

يقول:(د.عصام البشير) في محاضرته القيمة التي ألقاها في مؤتمر الشباب والمسؤولية الاجتماعية "يبدأ المشروع الحضاري بإصلاح الأفكار لبناء الإنسان معنى وليس مبنى ,فالفكر الصحيح يقتضي نقد الذات وفهم الذات ...وأعني بالذات الذات الحضارية".

لقد عمدت قوى عدة للترويج للفكر الجهادي المتطرف بين أوساط الشباب على مدار ربع قرن ,واستعملت جميع الوسائل لجعله جزءا من منظومة الفكر الإسلامي للشباب الملتزم مستغلة بذلك انخفاض درجة الوعي بالذات لدى الشباب المسلم ,وأعني بالذات الذات الشخصية والذات الحضارية.

فشبابنا يعاني من انقطاع منهجي بينه وبين المعين الأصيل لتعاليم الدين ,وكذا الأسس المتينة التي انبنت عليها الحضارة الإسلامية ,كتعلم الأصول ومقاصد الشريعة "وأخذ العلم النافع الذي ينبني عليه العمل الذي تؤكد عليه الأدلة الشرعية من أهله المتحققين به على الكمال والتمام"...

وقد قام أحد الباحثين الغربيين ببحث استهدف به تاريخ عدد كبير من الشباب الذين يسمون بالاستشهاديين أو الانتحاريين فوجد أنه لا أحد منهم تلقى العلم الشرعي في أي من المعاهد أو الجامعات الإسلامية المعروفة!!

بل جلهم قد تلقفته محاضن يلفها الظلام , وتعمها الجهالة , وتسيرها المؤامرات, محاضن علمتهم صناعة الموت وكان يجدر بهم تعلم صناعة الحياة وعشق الشهود والخلود الحضاري..
تختلف طاقات البشر باختلاف إراداتهم وأشواقهم فيكون رجل بألف ورجل هو نصف رجل أو أقل من ذلك..والمؤسف أن الشباب الوثّاب الطامح الذي يحدوه شوق دائم للعلو هو من يقع ضحية لهذا الفكر القاتل للحياة ,فخيرة شبابنا هم من يذهبون وقودا لأتون الفكر الظلامي والهلامي, وهم قد لا يدركون ما الذي يحدوهم لاقتفاء أثره والوقوع في متاهاته ,ونعزو ذلك لضعف وعيهم بذواتهم ومبدأ إراداتهم ودوافعهم الخفية..

يقول :"د.عبد الكريم بكار"الناس لا يحبون أن يتعرفوا على ذواتهم لأن ذلك يضعهم في اختبار ,وقد يترتب عليه عمل تغيير فهم لا يحبون أن يفعلوا ذلك".
وأما "ستيفن كوفي" صاحب كتاب "العادات السبع للأشخاص الأكثر فعالية" فيقول :"أنه جرب استبيانا حول المنح الأربع ..ومنها منحة الوعي بالذات مع ألاف الأشخاص في مواقف مختلفة وكانت الملاحظة العامة هي أن أكبر المنح إهمالا هي منحة الوعي بالذات _وأنا أيضا جربت الاستبيان مع المتدربات لديّ فخلصت لذات النتيجة!_من المؤكد أن ثمة عوامل أخرى تسهم في قذف شبابنا في أتون التطرف وتيه الفكر المريض ,منها البطالة ,فقد أوردت "قناة الجزيرة"تقريرا صدر في ديسمبر2009م عن جامعة الدول العربية يقول أن مستوى البطالة بين الشباب العربي بلغ26%وهو الأعلى على مستوى العالم.

إلا أنه لا أحد يخالفني بأن الانتصار في معركة الفكر والوعي بالذات هي البداية الصحيحة للتغيير الحقيقي والعميق . والنفس البشرية في زماننا تعاني من تعقيدات مؤلمة بصمتها بها طبيعة العصر المتهاوي في أحضان المادة ,المتهالك على القشور, المتسارع في متغيراته ,اللاهث وراء السلام الغائب.والشخصية المسلمة نالها نصيب وافر من هذا التعقيد ,فهي مطالبة بالثبات على الأصل ومسايرة العصر,وثقافتها وأمتها واقعة تحت وطأة مؤامرات متتالية لتمزيقها وتشتيتها..

فلا بد من اقتراح أدوية ناجعة لهذا التمزق المؤلم الممض,ولا مانع من استقاء الحلول بمزاوجة بين العلوم الإنسانية الحديثة والمتفوقة في تقنيات فهم الذات والنماذج الإسلامية الأصيلة في تاريخنا للخروج بمناهج إ بداعية تعين الشباب على التوازن الروحي والعقلي والنفسي في ظل كل هذه المتغيرات والتعقيدات..

ومن أروع النماذج في تاريخنا الإسلامي للشاب الطموح ذي الروح التواقة للمعالي ,شخصية "عمر بن عبد العزيز"رحمه الله, كان يتمتع بوعي عال بذاته ,فعندما صار أميرا للمؤمنين زهد في الدنيا وطرحها جانبا فعوتب في ذلك فقال:" لي نفس تواقة تاقت للإمارة فحصلت عليها وتاقت للخلافة فحصلت عليها وهي الآن تتوق للجنة..".

ففعل بتوقه هذا في أقل من عامين ما أعجز من جاء من الخلفاء بعده ! ورد الخلافة الإسلامية إلى عهودها الذهبية حتى أطلق عليه لقب "خامس الخلفاء الراشدين" ,وهكذا تكون ثمار أشواق الفكر المتبصر الواعي المؤمن..
أما أن تحيلك أشواقك إلى مسمار صدأ في ترس عجلة تهوي لهدف مجهول بالنسبة لك ,قد يكون وطنك,دينك, أمتك..فهذا هو الخسران المبين..

أخيرا:
أيها الشاب المتوثب للخلود في عليين: أنت لست مضطرا لأن تصبح رئيسا لأمريكا لتشبع توقك للعلو وأشواقك للمجد,بل تعلّم أن تفرح بانتصاراتك الشخصية مع ذاتك ومع الكون..فتعلّم وافهم مراد الله..
فالفهم هو لب العلم ..
افهم ذاتك ,ارفع وعيك بذاتك وبالحياة ,وقدّر قيمة الحياة واستمتع بأشواق الخلود حتى إذا علا النفير كنت رجلا بألف وكنت مفتاح النصر.

أختكم من اليمن" نبيلة الوليدي "
8_7_2011م


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
نبيلة الوليدي
  • مقالات دعوية
  • بحوث علمية
  • هندسة الحياة
  • سلسلة في العلاقة الزوجية
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط