اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/daeyat/mervat/16.htm?print_it=1

الإعجاب والانتحال..!

مرفت عبدالجبار

 
الحمد لله وبعد،
كم هو جميل أن يكون للإنسان هويته وشخصيته الذاتية التي يعتز بها..
لكن في كثير من الأحيان نجد أشخاصاً يعجبون بآخرين..
بل كلنا ذاك الشخص، لابد من أن نمر بأشخاص نعجب بتدينهم, بطريقة تفكيرهم, بأخلاقهم.. إلخ..
لكن الأمر الذي لا ينبغي أن يتوصل إليه هو: ((انتحال شخصية الآخرين))..
ليس بالانتحال المتعارف ذاته، بأن يدعي الشخص أنه فلان من الناس بعينه، ولكن بطريقة تشابهه مع الفارق، بحيث يصبح الآخر متعايشاً معنا في كل شأن من حياتنا فكراً ومنهجاً وطريقة!
أعجب حقيقة عندما أرى من يحاول تقليد الآخرين بشكل!
وكل هذا نتيجة الإفراط الزائد بالإعجاب بشخص ما!
فترى طالبة مثلاً تحاكي معلمتها لدرجة الهيئة والمظهر وتسريحة الشعر!
وترى طالب علم يقلد شيخه حتى في طريقة المشي والنحنحة والهيئة... إلخ..
وترى أماً تطالب ولدها بالمضيّ قدماً حذو ابن أختها أو جارتها..
وهكذا!
ولو نظرنا إلى حال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وسلف الأمة الصالح - رحمهم الله تعالى - جميعاً..
لوجدنا أن لكل منهم شخصيته وتميزه!
كما أن الرسول صلوات ربي وسلامه عليه أبرز هذا الجانب وخص كلاًّ منهم بصفة تبرز هذا التميز والاختلاف!
فذاك الصديق رضي الله تعالى عنه, وذاك فاروق الأمة رضي الله عنه، وذاك رجل يحبه الله ورسوله رضي الله عنه، وذك سيف الله رضي الله تعالى عنه, وتلك وذاك...
فلكل منهم شخصيته وتاريخه!
بل حتى في اقتدائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وجدناه اقتداءً معتدلاً، كما قال عز من قائل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(الأحزاب:21)
ولا يلامون إن اقتدوا به صلوات ربي وسلامه عليه حتى في الجزئيات!!
كيف لا وهو خاتم النبيين وسيد الأنبياء والمرسلين، ومن كملت أخلاقه على سائر العالمين؟..
ولكن مع ذلك اتبعوا المنهج الوسط دون غلو ولا تفريط.
فديينا دين يحث على العمل والتميز والإنتاج، لا التقليد الموصل للتبعية المطلقة.
ومازلت أعجب الحقيقة من أناس غلوا في هذا الجانب - وهو محاكاة أوتقليد الآخرين- لدرجة أنك ما عدت تدري من التابع من المتبوع!
بل وتجد الهجوم الشديد إذا ماتعرض المرء لشخص مفرط في الإعجاب به أو انتقدته أو خالفت فكره!
ناهيك عن درجات التقدير والمحبة التي توصل إلى الشرك، عياذاً بالله، وهذا باب آخر يطول شرحه وتناوله الكثير من المختصين بالشرح والبيان والتفصيل..
لكن حديثي هنا عن ظاهرة أراها انتحال بطريقة أخرى ويراها غيري تقليد والتي من أولى سلبياتها: فقد الإنسان لهويته وتوازنه، بل وتعطله عن الإنتاج المعرفي الذي ينبغي أن يكون!
وتشعره بعقدة النقص الملازمة أن فلاناً خير منه, بل حتى تنعدم تلك المشاعر لتصبح اقتداءً محضاً يراه هو عين الكمال، بل لا يقدم على مخالفته فيما يراه خطأ!!
بلا شك إن الاقتداء بالناجحين والناجحات أمر طيب ومرغوب..
ولكن لا يصل إلى درجة فقدان الهوية ومحاولة التقليد المفرط لفلان من الناس.
فالمسلم ذو شخصية مستقلة لا تحمله على الإعجاب المفرط الفاقد للهوية لإعجابه بفكر زيد وطرح عبيد، بل عندها يحكم الإنسان على نفسه بالسير خلف فلان من الناس فقط والتسمر عند أفكاره وأقواله ونهجه، لكن يستفيد من هذه المواهب والقدرات لدى الآخرين استفادة تزيد من رصيد شخصيته وإثبات وجوده بقلمه.. بفكره.. بكلمته..
عندها تزداد ثقته بنفسه، وتنمى قدراته ومواهبه، ويأخذ من الآخرين ما يحتاج إليه.
_عندما كنا صغاراً ربما مرت علينا وعليكم بعض مواقف الأهل التي تطالب أو تتمنى أن نصبح مثل خلود وعهود!!
أو حتى مدح هند وسعاد؛ لتثار الغيرة في نفوسنا..!!
وهذا حسن إذا كان القصد منه التحفيز لكل خير، والمبادرة لكل جميل..
لكن هناك نماذج أخرى تلغي تماماً شخصية أبنائها وتمطرهم بألوان التجريح والتحقير وعبارات الهدم ((يا غبي، يا بليد، أصلاً أنت فالح بشي)) وهكذا!!
هذه النماذج ما هي إلا معاول هدم لكل بناء وتميز ينفرد به كل ابن أنثى!
فهم يلغون الكثير من المحاسن المختزلة داخل الطفل.. والمهارات التي ينبغي أن تكتشف.
فقد خلقنا الله صوراً وأشكالاً وأفكاراً وعقولاً متباينة لا متطابقة، وإلا لما اختلفنا ولا تميزنا ولما برزت شخصياتنا..
بل لأصبحنا دمى متحركة، أو ببغاوات مقلدة لا تعي ولا تنتج تماماً..

_ ولذا لا أرى أن يحقر الإنسان نفسه أيضاً ويزدريها لدرجة أنه يلغي وجودها..
حتى إن كان لا يملك ما يمتلكه الغير، أياً كان ذلك الامتلاك.
فالعلم بالتعلم, ولا بأس بالمحاولة تلو المحاولة.. وليس هذا مدعاة لتحقير الذات وانتقاصها!
ويكفيه الشعور الداخلي بأنه يريد التغير، فعندها عليه أن يسعى وسيصل بإذن الله تعالى..
_نموذج آخر ذو قدرة وموهبة فائقة لو فتح لها المجال لانتشرت ولأفاد بها أناس آخرون!
لكنك تجده متردداً لا يملك الثقة الكافية التي يبرز بها ما لديه من موهبة..
وبالتالي حرم نفسه والآخرين من الجواهر التي يمتلكها.

ونموذج آخر مفرط بجانب عدم الأخذ عن الآخرين خبرة واستفادة، أو حتى مؤيداً لأفكارهم أو كافاً لشره عنهم؛ مخافة أن يوصم بالتقليد، فتراه مجتهداً بمخالفتهم ومغالطتهم لا للخطأ ذاته ولكن لغرض المخالفة كأنه يقول: ها أنا ذا.
ولا تجده متقبلاً لنصيحة أو تصحيح!
بل محملاً بالأوزار لتجريحه ذا، وهتكه عرض ذاك!
والصحيح لا إفراط ولا تفريط، والحق أحق أن يتبع.
نموذج آخر لا يقل سوءاً عمن سبقه:
تجده متميزاً فيما رزقه الله من مواهب، أياً كانت!
ومع ذلك تراه مغروراً متشنجاً لما لديه ولا تجده إلا قائلاً:
أنا فعلت، أنا كذا، أنا متميز، أنا وأنا... ومع الأسف تجد أن من أسباب استمراره في سلوكه المعوج الذي يراه هو ثقة بالنفس!
مجاملة الآخرين له وتماشيهم مع غروره، لا ثقته كما يدعي!
فهذه النماذج لم تستفد الحقيقة مما لديها بشكر المنعم وبذل الفائدة، ولم تكفّ عن تمجيد ذاتها والتطبيل لها على حساب سذاجة الآخرين وإرضاء الغرور..
_ وخاتمة الكلام...

لكل منا شخصية مستقلة!
فعلى الإنسان أن يصنع ذاته بذاته بالاستفادة من تجارب الآخرين ولا يسمح لإعجابه بأي شخص كان أن يفقده هويته.
وشتان بين الإعجاب والانتحال.

مجرد رأي، والله أعلم.

 

مرفت عبدالجبار
  • فكر وقضايا معاصرة
  • جهاد وهموم أمة
  • دعويات
  • أسرة ومجتمع
  • موقف وقصة
  • عامة
  • لقاءات
  • مع الحسبة
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط