صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حوار مع الشيخ د.معاذ سعيد حوّى حول"المرأة"

 حاورته: لبنى شرف - الأردن

 
قضايا وأمور كثيرة تثار حول المرأة في عصرنا، كحرية المرأة وحقوقها ومساواتها التامة بالرجل، وغيرها من القضايا الاجتماعية والحياتية والفكرية، وحوارنا التالي مع فضيلة الشيخ د.معاذ حوّى يتضمن مناقشة بعض هذه القضايا والأفكار المعاصرة.
يسرنا بداية أن نرحب بفضيلة الشيخ د.معاذ سعيد حوّى، إمام مسجد الأوابين في مدينة عمّان، والحاصل على درجة الدكتوراة في الفقه وأصوله من الجامعة الأردنية، والمدرس في عدد من المراكز العلمية والقرآنية في الأردن..

س1: لا يخفى على من قرأ التاريخ أن الإسلام منع احتقار المرأة واستغلالها وجعلها في رتبة الرجل في إنسانيتها، وأعطاها مكانة عظيمة وحقوقاً كثيرة، فهل لحضرتك أن تبين لنا أهم ما ميز الإسلام به المرأة وما أعطاها من مكانة؟

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
تحاول كثير من بنات المسلمين تقليد المرأة الغربية، لما تشعر به من عقدة النقص، حيث ترى واقع المسلمين فيه من الضعف والتخلف ما فيه، وإذا أرادت أن تهرب من مشكلة فإنها وقعت في مشكلة أخرى أكبر منها، حيث ظنت أن في أفكار البشرية خير لها مما شرع الله لها، وظنت أن في مظاهر الحرية والتفلُّت والتعري سبيلاً للحفاظ على حقوقها وحماية شخصيتها، وما علمت أنها تجعل من نفسها سلعة حيوانية لأهل الشهوات الذين لا يرون من حرية المرأة إلا أن تكون على حال يستطيعون اقتناصها فيه.
وتجهل كثير من بناتنا أن كثيراً من الضعف الذي نعيشه ليس هو بسبب ديننا، وإنما بسبب إجرام الذين تقتدي بهم من الغربيين، الذين استعمروا البلاد وأخذوا خيراتها وغيّروا ثقافتها وقيّدوا حكّامها وفرضوا علينا حالة الضعف ومنعونا من الاستفادة من طاقاتنا في أي نوع من أنواع الحضارة وأسباب المجد والتحرر والصلاح، ومنعونا من تطبيق شريعتنا كما هي.
لقد أعطى الله تعالى في شريعة الإسلام المرأةَ حريتها، وأَكْبَرَ شخصيتَها، واختار لها وظيفةً حياتية تكمل وظيفة الرجل ولا تقل أهمية عنه، وهيأ لها من الظروف من خلال تشريعاته ما تؤدي به تلك الوظيفة، وخلق فيها من الطبائع والعواطف والقدرات ما يتناسب مع وظيفتها التي خلقها لها.
أعطى الإسلام للمرأة حريتها اللائقة بها وبالمجتمع، وأكرمها، وعدل بينها وبين الرجل: فقرر إنسانيتها﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[الحجرات:13]. وسوى بين الرجل والمرأة في التكليف﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[النحل:97]. وجعل المرأة نفساً محترمة﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس﴾، فالرجل يُقتَل بالمرأة إذا قتلها عمداً وعدواناً.
وأمر الزوج بحسن المعاملة لها وإعطائها حقها من حسن الخلق والكلمة وقضاء حاجتها:﴿ وعاشروهن بالمعروف﴾، فليس الأصلُ العداوةَ بين الزوجين، وبين الرجال النساء، بل الأصل التعاون والتكامل والإحسان، وليس الأصل سوء الخلق والترفع والتكبر، بل المطلوب التواضع وحسن الخلق وجمال المعاملة والكلام الطيب، مع أمر الله العام الذي يشمل معاملة الرجل لغيره والمرأة لغيرها:﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى﴾، فأمرنا بأن نعطي كل ذي حق حقه وذلك العدل، وأمرنا معه بالإحسان بأن نعطيه فوق حقه.
وأمر النبي-صلى الله عليه وسلم-أن يعامل الرجل نساءه كما يعامل نفسه فقال:"أطعموهن مما تطعمون، واكسوهن مما تكسون"، ونهى عن شتمهن وسبابهن:"ولا تقبحوهن"، وأمرنا أن نعاملهن بالإحسان زيادة على حقها المعروف:"استوصوا بالنساء خيراً"، بل جعل علامة خيرية الرجل أن يكون خيراً مع أهله وزوجته:"خياركم خيركم لأهله".
وأمرنا الله بأن نعتني بتربية الأهل ذكوراً وإناثاً، زوجة وأبناءاً، وآباءاً وأمهات، وتعليمهم، ليكون ذلك سبباً في نجاتهم وفلاحهم في الآخرة:﴿ قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً﴾. وجعل الله تعالى الدفاع عن الأهل والمرأة والزوجة واجباً، ومن قتل وهو يدافع عنهم فهو شهيد، إكباراً لمهمته في حفظ أهله وحمايتهم والدفاع عنهم، فقال صلى الله عليه وسلم:"من قتل دون أهله فهو شهيد".
وجعل الإسلام للمرأة شخصيتها المالية المنفصلة المستقلة، فهي تتملك كالرجال، ولها حق الهبة والتبايع، وسائر المعاملات المالية كالرجال. وأعطى المرأة حق الميراث وفق نظام رباني حكيم، قد يكون للمرأة فيه نصيب أعلى من نصيب الرجل، وقد يكون أقل في بعض الحالات، وفق نظام يتناسب مع التشريعات الأخرى في هذا الدين من كون المرأة لا يجب عليها الإنفاق على غيرها بل يجب على غيرها أن ينفق عليها، زوجاً أو أباً أو ابناً أو غيرهم، ولم يجب عليها الإنفاق ليتناسب ذلك مع وظائفها التي خلقها الله لها.
ومنع الإسلام إجبار البنت والشابة بكراً كانت أم ثيباً على التزوج ممن تكره وممن لا ترضاه، فأمر عليه الصلاة والسلام أن تُستأمر الأيم أي الثيب، وأن تُستأذن البِكْر، ويكفي سكوتها علامة على رضاها، لكنها إن اعترضت فلها ذلك، وليس لوليها أن يزوجها جبراً عنها، وإذا زوجها وليها بغير رضاها فقد جعل لها الحق أن ترفع أمرها إلى القاضي فيبطل نكاحها.
وأما إعطاء القوامة للرجل في البيت فهو أمر إداري ترتيبي لا يعني التسلط والاستبداد والقهر لأهل البيت، وإنما هو تكليف ليقوم بحاجات البيت.

س2: الحريات التي جعلها الإسلام للمرأة، والقيود التي جعلها عليها، ما هو المقياس الموضوعي في اعتبارها سليمة ومحققة لمصلحة المرأة ومصلحة الإنسانية والبشرية؟

قبل أن ننظر إلى الواقع ونحاكمه عقلياً ومنطقياً هل أعطى المرأة حريتها حقاً، وهل حقق مصالحها، وهل كانت حرياتها لصالح المجتمع أم لا؟ قبل أن ننظر إلى ذلك علينا أن ننظر نظراً عقلياً منطقياً هو أهم من هذا وأولى، وهو أن القاعدة المنطقية التي قامت عليها دعوات الحرية في العالم كله تقول: من يملك الشيء هو أحق بالتصرف فيه، وهو حر فيه، وبناءاً على ذلك قالوا: المرأة تملك جسدها فهي حرة فيه، ولا يجوز أن نقيدها بلباس معين، ولا يجوز أن نمنعها من استعمال شهوتها على طريقة معينة، ولا يجوز أن نمنعها من العمل في أي عمل تريده، ولا يجوز أن نمنعها حق الحكم والسياسية، وغير ذلك، ومثله للرجل.
بناءاً على هذه القاعدة نقول: إن المالك الحقيقي لكل الأشياء وللمخلوقات البشرية وغيرها وللرجال والنساء هو خالقهم الذي أوجدهم، فهو مالكهم، ولو لم يخلقهم ويوجدهم لما كانوا ولما كان لهم تصرف ولما ملكوا شيئاً، فما يملكونه من أنفسهم لا يلغي ملكية من أوجدهم الذي يقدر على التصرف فيهم والذي أعطاهم وسخر لهم ما يملكونه وما يقضون به حوائجهم، والذي يقدر على إنزال البلاء والشدة المرض بهم بحيث لا يستطيعون الانتفاع مما يملكون ومن أنفسهم، والذي يقدر على أن ينهي حياتهم بالموت، وهم لا يملكون لأنفسهم موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا يملكون لأنفسهم أن يخلقوا لها ما تنتفع به وما تملكه، ولا يقدرون على دفع الضر عن أنفسهم. فهل لهؤلاء المحتاجين إلى خالقهم أن يتصرفوا بأنفسهم كما يشاؤون، أم أن خالقهم ومالكهم هو صاحب الحق في أن يأمرهم بأن يتصرفوا كما يشاء؟ فما داموا مملوكين لله، فهو صاحب الحق وهو صاحب الحرية في تصرفاتهم، وليس لهم ما داموا لا يملكون أنفسهم ولا يملكون شيئاً من النعم التي سخرت لهم إلا بعد خلقه وإذنه، ليس لهم أن يدَّعوا أنهم أحرار، يتصرفون في ملكهم، فليس لهم ملك إلا ما ملكهم إياه وإلا ما سمح لهم بالتصرف فيه.
فكما يقولون: إن المرأة حرة بما تملك، نحن نقول: إن الله له الحرية فيما يملك من الرجال والنساء، فلا يجوز لأحد أن يكون حراً في نفسه وهو مملوك لغيره، وإنما حريتنا الحقيقية هي ضمن أحكامه وضمن أوامره، حريتنا الحقيقية مقيدة بإرادته والخضوع له، حريتنا الحقيقية أن نكون عبيداً له مطيعين، حريتنا الحقيقية أن لا نخضع لأقوال البشر الذين لا يملكوننا. فمن ترك أمر الله وإرادته وخضع لتشريعات البشر، فقد جعل من نفسه عبداً لمن هو مثله، وقيد نفسه لمن لا يملكه، فخرج عن حقيقة الحرية. أما من خضع لمن يملكه ويخلقه؛ فهو قد أعطى صاحب الحرية حريته، ولم يتجاوز قدره.
لأجل كل هذا نبهنا الله أنه الخالق الآمر﴿ ألا له الخلق والأمر﴾، فلا يكون حرية الأمر إلا للخالق. ولأجل هذا نبهنا في عدد كبير من الآيات أنه هو المالك لنا ولكل شيء في هذا الكون، وربط بين كونه المالك وبين كونه المشرع الحاكم في ملكه، فقال سبحانه:﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِياًّ حَمِيداً﴾[النساء:131]، وقال:﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[المائدة:120]، وقال تعالى:﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[الأعراف:158]، وقال سبحانه:﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً، وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَراًّ وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُوراً﴾[الفرقان:3].
ومما مر تجد أن استعمال القاعدة التي يعطون المرأة بها الحرية، تهدم حريتها وحرية كل مخلوق، وترد الأمر إلى حرية الخالق ومشيئته واختياره وإرادته وتشريعه، فالمنطق أن نستسلم لأحكام الله مهما كانت، وليس لنا حرية المناقشة والاعتراض، خاصة وأن الله هو العليم بخلقه، الخبير بما ينفعهم، الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه ويحقق مصالح الخلق جميعاً في الدنيا والآخرة فيما يشرعه لهم، العدل الذي يعطي كل شيء حقه، فلا يظلم أحداً، اللطيف الرحيم بخلقه﴿ ألا يعلم مَنْ خَلَقَ وهو اللطيف الخبير﴾. فحينما يفرض الخالق شيئاً على خلقه، فلا حرية لهم، وإنما الحرية من وراء العبودية، والخروج عن هذه العبودية هو العبودية لغيره، وليس هو بالحرية، والله تعالى أخرجنا جميعاً إناثاً وذكوراً من العبودية لأنفسنا وشهواتنا وللخلق، أخرجنا إلى الحرية حينما جعلنا عبيداً له لا يحكمنا إلا هو، إذ هو وحده الذي يستحق أن يحكم على الجميع رجالاً وإناثاً لأنهم خلقه وملكه وعبيده.

س3: بعض النساء يطالبن بالحرية المطلقة، ويطالبن بالمساواة التامة مع الرجال، فهل ترون إعطاء الحرية التامة والمساواة الكاملة يحقق مصلحة المرأة ولا يتناقض مع مصالح المجتمع؟

أولاً: تعلمون أن الديمقراطية والرأسمالية وأن الغرب العلماني يتخذون لأنفسهم شعار:الحرية والمساواة والعدل، فلنسألهم: إذا تعارضت حرية الفردِ ومصلحته الشخصيةُ الخاصة مع حرية المجتمع ومصلحته العامة، فأيهما تقدمون؟ يقولون: نقدم مصلحة المجتمع، لأننا من خلال تقديم مصلحته نكون قد قدمنا حرية عدد أكبر من الأفراد، فهذا أقرب إلى إقامة الحرية من أن نعطي الفرد حرية تكون على حساب الأمة، نقول: فلماذا جاءت قوانينكم في شأن المرأة والمال، دون غيرها، خارجة عن هذه القاعدة، فجعلتم حرية المرأة الخاصة مقدَّمة لا تقيَّد حتى ولو أضرت بالمجتمع، وحرية التملك الفردية مطلقة حتى ولو أضرت بالمجتمع، وقد بدأ ينهار نظامهم المالي، وظهر خزي فخرهم بنظامهم المالي الربوي، فاضطروا لأن تتدخل الدولة على حساب الأفراد، وظهرت الخسائر بالتريليونات-على مستوى الدولة وعلى مستوى الشعب-خلال أقل من نصف سنة في أمريكا وحدها، ويحال إلى البطالة من مصانعهم وشركاتهم مئات الألوف في كل شهر، ونظامهم في حرية المرأة ظهر عواره وفساده وأثره السيئ عليهم وعلى مجتمعاتهم علمياً واجتماعياً واقتصادياً وأخلاقياً، وهو سيؤدي إلى كارثة هائلة وانهيار في مجتمعهم، ومع ذلك لا زالوا يكابرون، كما لم يعترفوا بأن المَحْق الذي أصابهم هو بسبب الربا وبسبب نظامهم الفاشل المخالف للفطرة والمخالف لأمر الله ﴿ يمحق الله الربا﴾، ونحن نريد لهم أن يهتدوا، فإن أبوا فنريدهم أن يبقَوا على مكابرتهم حتى يريهم الله دماره لهم بمخالفتهم فطرته وأمره، وإنما نوجه خطابنا للمسلمين، والمؤمن المستسلم لأمر الله يعمل به ولا يتردد، ولا يحتاج إلى مثل كلامي، إنما أخاطب به هؤلاء ليحملوه إلى من وراءهم، وأخاطب به أبناءنا الذين أثَّرت فيهم العلمانية، وانحرفوا عن أمر الله، وظنوا أن طريقة الغرب هي أحسنُ للمرأة، في خروجها ولباسها وزينتها وتفكيرها وتعليمها وعملها وفاحشتها وإثارتها للرجال وغير ذلك، أُوَجّه كلامي إلى هؤلاء ليعلموا أنهم مخدوعون لا يحسنون التفكير، يسهل التغرير بهم، تقودهم شهواتهم لا عقولهم.
ثانياً: يطالبون بالمساواة، فهل يصح عقلاً المساواة بين غير المتساويين، هل يصح أن تحمل الطفل ما يستطيع أن يحمله الكبير بحجة المساواة، هل يصح أن تحمل السيارة العادية ما تحمل الشاحنة من الأثقال بحجة المساواة، أما وقد خلق الله المرأة غير مساوية للرجل في خِلْقَتها، فكيف نطلب المساواة في شيئين لم يستويا، وكيف لا تكون هنا فروق بين هذين المختلِفين بقدر اختلافهما، ومن أعلم من الله بما يختلفان به، حتى يشرع لهم بعدل ما يتساوى مع ما خلقهم عليه، ومن يدري إلا الله-على التمام-لماذا خلقهم مختلفان؟ وماذا يريد أن يحقق من مصالح لنا بذلك، فهو الذي يحق له أن يضع من التشريعات ما يتناسب مع المصالح والمقاصد التي أرادها من هذا الاختلاف، فتشريعاته هي الوحيدة التي يمكن أن تراعي حقيقة الفوارق، لأنه هو وحده صاحب الخلق، وهو وحده الذي وضع الفروق، وهو وحده الذي جعل الفروق لتتناسب مع التشريعات التي يريدها من كل جنس. فما داما مفترِقَين فلا بد من اختلاف الأحكام بينهما، بل الأحسن أن نقول: إن الله أراد توزيع الأحكام في بعض الأمور بينهما، فخلقهما مختلِفَين ليحصل هذا التوزيع في الأحكام، فيكون على وجه العدل. فحينما تحمل كل إنسان بحسب طاقته وخِلْقته واستعداده فذلك العدل، فإن سويت بينهما رغم اختلافهما، فتلك المساواة ليست سليمة ولا ممدوحة، بل هي مذمومة وهي عين الظلم، وبهذا ينهار شعار من شعاراتهم التي يرفعونها، فالمساواة التامة بين الجنس أمر مستحيل وهو ظلم، وإنما يسوى بينهما فيما استويا به، ولا يستطيع تقدير جوانب التساوي والاختلاف أحد أكثر من الله الخالق.
أما الأدلة على الاختلاف بين الرجل والمرأة في الخِلقة مما يستدعي الاختلاف في الأحكام: اختلاف شكل الجسم، واختلاف بعض الأعضاء، واختلاف الصوت، واختلاف الغُدَد، واختلاف البَشَرة، واختلاف نعومة الجسم، واختلاف القدرة على الحَبَل والولادة، ووجود الحيض، واختلاف قوة الجسم، واختلاف حجم المخ، واختلاف مقدار استعمال العقل والعاطفة بينهما، وغير ذلك كثير، مما هو معروف وثابت علمياً، فالله تعالى ما جعل هذه الاختلاف الخَلْقية والنفسية إلا ليعطي أحكاماً مختلفة بين الجنسين في بعض الأمور، لتتناسب مع الوظيفة التي أرادها الله لكل جنس منهما، وليكون لكل واحد منهما دور حياتي مختلف عن الآخر في بعض الأمور.

س4: ينظر كثير من الناس إلى أن الحرية والكرامة التي تليق بالمرأة هي تلك الحرية التي أعطاها الغرب للمرأة، وهي التي تحقق مصلحة المرأة، فما هو جوابكم على ذلك؟
نجد أن بعض الأنظمة البشرية والقوانين الوضعية شرعت للفتاة والمرأة تشريعات، وأعطتها حريات، بحسب رأيهم، فجعلوا من حريتها أن لها الحق أن لا تحتجب عن الرجال، وأن تظهر مفاتنها الطبيعية والإضافية، يسمحون لها أن تخالط الرجال، يسمحون لها أن تثير الرجال، يسمحون لها أن تزني وأن تساحق، في أي سن تريد حتى ولو كانت بنت ثماني سنين، ويمنعونها من الزواج قبل سن الثامنة عشر، يطالبون بأن تعمل في كل مجال، حتى في ما لا تحتمله أجساد النساء ولا يناسب طبيعتها وأنوثتها وعاطفتها، يطالبون بالتسوية بين الرجل والمرأة في كل شيء، يطالبون بالتسوية بينهما في الميراث، يطالبون بالتسوية بينهما في طلب العلم، يطالبون بالتسوية بينها وبين الرجال في الخدمة داخل البيت، وفي حرية سكن كل واحد من الزوجين حيثما أراد، يطالبون بالتسوية بينهما بأن نعتبرهما جنساً واحداً يتعايشان بغير ضوابط ولا قيود ولا محاذير، لأن المرأة كالرجل تماماً على رأيهم، يسمحون للمرأة أن تستأصل رحِمَها الذي تحبل به، وأن تحوِّل نفسها إلى رجل، يسمحون للمرأة أن تطرح الجنين الذي في بطنها حينما تشاء، يسمحون لها أن تترك بيتها لتترك تربية أبنائها إلى غيرها.. كل ذلك بدعوى حرية المرأة.
حسبما أجبنا في سؤال سابق فإنه ليس من حق إنسان أن يعطي حقوقاً أو يرتِّب واجبات أو يمنع أموراً للرجال أو للنساء، وإنما هذا الحق هو لمن يملك الرجال والنساء، وهو خالقهم، لذلك فلا قيمة لأي نظر ولأي حرية يراها أحد خلاف أمر الله، فليس من المنطق أن نقدم حكم المخلوق على حكم الخالق. ومع ذلك فلننظر هل هذه التشريعات الوضعية تحقق فعلاً حرية المرأة ومصلحة البشرية؟ هل عملوا فعلاً لتحرير المرأة وإكرامها؟ وهل عملوا فعلاً لمصلحة المجتمع حينما خالفوا أمر الله في كل هذه الأمور؟ أم أن تشريعات الله في المرأة هي التشريعات الحكيمة الموافقة لفطرتها وهي المراعية لمصلحتها ومصلحة المجتمع؟ يريدون حريتها أم يريدون إخراجها من عفتها ونقائها، أم يريدون وجودها بين أيديهم في كل مجال، ليستطيعوا التلذذ بها والاعتداء عليها وانتهاك عرضها، يريدون المساواة بينها وبين الرجل أم يريدون جعلها لعبة وسلعة يتناولونها حيثما أرادوا، يريدون حريتها والمساواة لها بغيرها، أم يريدون معاندة الله؛ ولَمَّا يعلموا قيمة شرعه، ولا فطرية تشريعاته، ولا شؤم مخالفة أمره.
إن الله تعالى أعطى المرأة حقوقها وسوى بينها وبين الرجل في التكليف جملة، مع اختلاف بعض التكاليف ليؤدي كل واحد منها دوره المختلف في المجتمع والحياة، والذي يتناسب مع الخِلقة التي خلق الله عليها كل واحد منهما.
إن البيت مهما كان صغيراً وأفرادُه قليلين يحتاج إلى خدمات، من إعداد طعام وشراب، وترتيب، وغسيل، وتنظيف وتكنيس، وتربية أبناء، وحضانة، وإرضاع، وغير ذلك، والله تعالى هيأ المرأة لتقوم بهذا الدور تلقائياً فأمرها بأن تقر في البيت﴿ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾، فأخرجها الغرب من حجابها وبيتها، لتجد متنفساً على رأيهم، ولتحقق أرباحاً اقتصادياً، وتجد حريتها بذلك، فهل حققت ذلك فعلاً؟ لننظر إلى واقعها:
إن حاجتهم إلى تقرير يوم للمرأة يدلك على أن المرأة عندهم مهضومة مضيَّعة مستغلة، وخروجها من بيتها وعملها؛ جعلها تعمل كالرجل، بدلاً من أن يكون عملها البيتي كافياً، ثم يضطر الزوجان لأَنْ يأتوا بعمّال وخدم للبيت، فأين الجدوى الاقتصادية في ذلك؟ فراتب الرجل والمرأة يُصرَف أكثرُ من نصفه، أو أكثر من راتب المرأة، على الأعمال التي تركتها المرأة في بيتها، فيذهب جزء المال على المطاعم التي تصنع الطعام بسعر أغلى من تكلفته حين صنعه في البيت، ويذهب جزء من المال على محلات الغسيل، ويذهب جزء من المال على ترتيب البيت وتنظيفه، ويذهب جزء من المال على تربية الأبناء وحضانتهم وتعليمهم، ويذهب جزء من المال على الخادمة وعلى مدارس الحضانة، وغير ذلك. فعندما تركت المرأة عملها الفطري الذي خُلِقَتْ له لتشتغل فيما لم تُخلَق له، وجاءت بالرجال أو النساء الآخرين إلى بيتها ليقوموا بأعمالها، فلو قامت بها لكان أربح لها ولزوجها، وأغنى لهما من أن ينفقان في هذه الأمور، وأسلم لبيتها، إذ تتولى أمورها بنفسها، مع الراحة النفسية والسكن النفسي لها وللزوج وللأبناء، فأنت ترى أن عمل المرأة خارج البيت ليس مُجْدٍ اقتصادياً، فهم يكذبون علينا وعلى أنفسهم.
ومع الخسارة المادية والاقتصادية، هناك خسارة أكبر منها: خسارة الطمأنينة والسكن في البيت والمودة والراحة﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[الروم:21]، فالزوج بدلاً من أن يأتي إلى بيته فيأوي إلى زوجته فيجد حنانها واستقبالها وقضاءَ وطرِه وشهوته عندها، يجدها متعبة مثله مُعرِضة عنه، فيبحث في خارج البيت عن شهواته، ثم تلحقه لتبحث عن آخرين لشهوتها، فيصير كل واحد منها كالمسعور، خرج من بيته لم يجد فيه سكناً ولا راحة ولا عفة.
ومع الخسارة المادية والمعنوية في بيوت الزوجية، هناك خسارة أكبر منهما تأتي بسبب السُّفُورِ وترك الحجاب، الذي يؤدي إلى الإثارة الجنسية، والتي تؤدي بدورها إلى الزنا، والذي يؤدي بدوره إلى أولاد الحرام اللقطاء، فالأم ليست مستعدة لأن تتكفل الولد وحدها، لأنها لو تكفلت به يصير لها عملان؛ عمل خارج البيت، وعملها في خدمة الولد وتربيته داخل البيت، والأب لا يعترف بولده من الزنا، وليس مستعداً لأن يتكفله، لأنه غير مطمئن من أنه ولده، ولأنه لا يرغب أن يقيد بقيود، ولأنه لا يرغب بحمل وعبء مالي جديد، فيُلقَى الولد إلى الملاجئ وبيوت اللقيط والأيتام، فما هي النتيجة؟
اجتماعياً: بدلاً من أن يعيش الولد في كنف والديه بالرفق والحنان الدائم المستمر؛ يعيش مع موظفين يتصنعون له الحنان، وفي أي لحظة يتركه الموظف ويأتي الآخر أو الأخرى، ومهما كان عندهم من حنان فلن يكون كحنان الوالدين الذي يلفه في بيته، وهذا بدوره يوجد فرداً في المجتمع لا علاقة له أسريةً ولا عائليةً ولا عشائريةً، ولا قرابةَ بينه وبين أحد، فيعيش في عذاب وانفصام، وينظر إلى المجتمع نظرة سوداوية شرانية، فيخرج هذا الولد شريراً مجرماً في كثير من الأحيان، وهذه النظرة الشرانية تؤدي بدورها إلى كثرة الجرائم كما سنبين. أما الأزواج، الرجل والمرأة إن تزوجا، فيعيشان بلا أولاد، وإن جاءهما أولاد تركوهما بسبب الحرية التي يدعونها، وبعض الآباء يطرد الأبناء بعد سن معينة حتى لا يتكفل به مالياً، فيكبر الواحد منهم، الأب والأم، فلا يرى ولداً ولا حفيداً، لا يجد حنان الأبناء وخدمتهم وأنسهم، فلا يعيش حياة اجتماعية بصورتها الأسمى والأقوى في القرابة والرحم، بينما نجد في مجتمعاتنا الإسلامية عشرات الأبناء والأحفاد يقدمون الحنان والخدمة وخفض الجناح والأنس والإيناس وحياة الرحمة والكفالة المادية والمعنوية لآبائهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم. فهل ربح الغرب في حريته وفاحشته وتركه للحجاب، أم هو خاسر؟
أما أخلاقياً فنتيجة وجود أولئك الأفراد من الزنا، الذين يعيشون في الملاجئ ولا يتربون على الأخلاق تربية قويمة، لأنه لا يوجد مُرَبٍّ شديدُ الحرصِ على أخلاقهم وحسنِ سلوكهم، وهو الأب والأم والجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة وغيرهم من الأقارب، فمربية اللقطاء التي تأتي لساعات، ثم يأتي غيرها، وقد تترك وظيفتها وتنتقل إلى أخرى بعد شهر وتأتي أخرى، لا تدري ما الذي رُبِّيَ عليه هذا المولود، وما الذي لم يُرَبَّ عليه، وهي لا تحرص إلا على راتبها، أكثر من حرصها على تربية هذا المولود ليكون صالحاً في المجتمع، بخلاف المولود في كنف والديه، يحرصان على حسن أخلاقه ومعاملته وخيره من غير نظر إلى راتب ومال ونفع مادي، لأنه أمر فطري، بينما يخرج الولد من بيوت اللقطاء يشعر بالعدائية نحو المجتمع، ويشعر بالعزلة والحرمان، لأنه لم يجد من الحنان والعطف والتربية ما يكفيه.
أما اقتصادياً: يظن الرجل والمرأة الغربيان أنهما إذا لم يتزوجا واكتفيا بالزنا وإلقاء الأولاد إلى بيوت اللقطاء، يظنان أنهما قد تخلصا من الإنفاق على المولود، ويظنان أنهما قد وَفَّرا مالياً واقتصادياً مبلغاً من المال، والواقع أنهما قد خسرا الولد، لكنهما بقيا ينفقان عليه بطريقة غير مباشرة، فقد تحول الإنفاق عليه إليهما من خلال الضرائب التي تفرضها الدولة، لتنفقها على هؤلاء اللقطاء، ولا ينفقان عليه فقط ما يحتاج من رعاية، كالتي يحتاجها لو كان في بيتهما، بل يزيد على ذلك ضريبة أخرى، لسبب آخر هو الجريمة التي تهاجم المجتمع من هؤلاء اللقطاء، فجرائمهم وما تحتاج من إنفاق هائل على الأمن والمراقبة وتبعات الجرائم ترهق الدولة، وباعتراف الغرب، فإن نسبة الجرائم التي توجد في مجتمعاتهم هي بنسبة تزيد على 90% من هؤلاء اللقطاء، فهل أدى السفور والزنا إلى خير المجتمع؟ وهل أدت حرية الفرد في الزنا إلى مصلحته فعلاً؟ أم أدت إلى هدم مصلحته ومصلحة مجتمعه معه؟ وإذا علمنا أن مواليد الزنا في بريطانيا وفرنسا-على سبيل المثال-صار أكثر من مواليد الزواج، فقد جاوز 50% في السنوات الأخيرة الماضية، فلك أن تتصور حجم المشكلات التي تتولد من مخالفة أمر الله في الزواج والزنا وترك الحجاب وفتنة النساء والإثارة الجنسية.
وترك الحجاب والإثارة الجنسية من خلال فتنة الجمال والتجمل يؤدي إلى هدم التعليم، بسبب انشغال فكر الطلاب بل والأساتذة بالمثيرات داخل الصف المختلَط، وباعتراف أحد التقارير الغربية فإن نسبة التحصيل العلمي في المدارس والجامعات المختلَطَة هو 40% فقط من التحصيل في المدارس غير المختلطة، فهل أردوا خيرهم علمياً في هذا السفور؟ وترك الحجاب وإثارة الفتنة والجمال يؤدي إلى هدم الطاقات والانتاج في العمل، فنسبة الانشغال النفسي والشرود الذهني والانشغال الفعلي بالشهوة في المصانع المختلَطة والمعامل والشركات والمؤسسات المختلَطة كبيرة، تؤثر على إنتاج العامل تأثيراً كبيراً، كما أن جو الفتنة في الشارع والبيت والتلفاز وفي كل مكان يذهب بكثير من طاقة العمال والشباب. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك: أن الصين لمست في السنوات الماضية ضعفاً في أداء العمال والمدراء والطلاب وغيرهم، فتتبعت الأمر، فوجدت أن السبب الأساسي لذلك هو المواقع الإباحية في الانترنت، فقررت في العام الماضي حظر هذه المواقع وترتيب عقوبة شديدة على الشركات الالكترونية التي تسمح بمرور هذه المواقع، وقد عاقبت في هذه العام عدداً من الشركات الكبرى على ذلك، فرغم أن الصين شيوعية لا تأبه بالحلال والحرام، لكن ظهر لها كيف أن الإثارة والفتنة الجنسية تؤدي إلى تحطيم الإنتاج والعمل والعلم، فاضطرت إلى هذا التصرف الذي يشهد لدين الله أنه حق، وأن الشهوات والإثارات هي طريق انهيار الحضارات.
وحرصاً من بعض قادة الغرب على إفساد المجتمعات والأمم، لتبقى متخلفة مشغولة بشهواتها، لا تفكر في عز ولا مجد ولا صناعة ولا تقدم، فإنهم يوجهون لبذل الأموال الطائلة في أسباب الإفساد والشهوات، كالأغاني والموسيقى والرقص والفيديو كليبات والأفلام الموجهة للإفساد باسم الحرية، إذ يُنفَق سنوياً ما يزيد على 500 مليار على ذلك. فلو تحولت هذه الأموال إلى الضعفاء والمساكين والفقراء ألا تغني فقراء العالم؟ ألا تحل مشكلات ما يسمى بالعالم الثالث؟ فأين الصادقون في دعوى إنسانيتهم، أم أن شهواتهم فوق فقر الفقير وحاجته وضعفه؟ أم أنهم يبذلون هذه الأموال لتبقى بلادنا في تخلف وذلّ وانشغال بالشهوات؟ وهم لا يستطيعون أن يضبطوا أنفسهم، فليوقعونا معهم، وليذهبوا بطاقاتنا ويحولوا دون تعلمنا وإنتاجنا وحضارتنا. فهل ننتظر بعد هذا أن تأتي الشواهد من واقع الشرق والغرب لتدلنا على أن تشريعات ديننا هي الصواب فيما شرعت للمرأة من حجاب وقرار في البيت ونحو ذلك؟

س5: يرى بعض دعاة الحرية أن الإسلام أنقص المرأة ولم يعدل بها مع الرجل حينما جعل القوامة للرجل في البيت، وحينما وصفها بأنها ناقصة عقل ودين، فهل هذا صحيح؟
يثير الناس ويستشكلون مسألتين: مسألة إعطاء القوامة للرجل على المرأة، ومسألة وصف المرأة بنقصان العقل والدين، وقبل أن نبين معنى ذلك وحكمته، ينبغي أن لا نغفل عن مكانة المرأة وموقعها الصحيح عند الله، ضمن إطار قول الله تعالى:﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[النحل:97]. وضمن إطار قول الرسول-عليه الصلاة والسلام-:"إن النساء شقائق الرجال" رواه الترمذي وأبو داود وأحمد، وهو حديث حسن، فالمرأة تتكامل مع الرجل، ولها أجرها في التزامها بأمر الله كالرجل، كل بحسب ما أُمِر. والمرأة ليست موضع تحقير، ولا موضع تنقيص، ولا موضع عداوة، إذ كيف نعادي المرأة، وكيف ننقصها، وكيف نحقرها وهي أُمُّنا وجدتنا وأختنا وبنتنا وحفيدتنا وعمتنا وخالتنا، فكما أعطى الإسلام للمرأة حرمتها إنسانياً، وأوجب احترامها، وأعطاها حقوقها، وجعل لها مكانتها، وحررها مما فرضه عليها البشر من قيود باطلة، كذلك جعلها الله أمك المكرمة المطاعة التي أوجب التذلل لها﴿ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة﴾، وهي زوجتك المحبوبة المكملة لك التي تنفق عليها وتكرمها﴿ وعاشروهن بالمعروف﴾، وهي أختك وبنتك المصانة المكرمة المدللة المخدومة، وهي عمتك وخالتك التي تشتاق إليها وإلى دلالها لك، فأي عداوة بيننا وبين النساء، وأي احتقار يجوز منا للنساء؟
فأما قوامة الرجال على النساء، فهو أمر قرره الله وقضاه، وهو أمر ترتيبي إداري تنظيمي، ولا بد من تحديد مدير في كل شيء، فحدده الله في البيت سَلَفاً منعاً للخلاف، ولِما جعل من طبائع في الرجل تؤهله لهذه الرتبة أكثر من غيره ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾[النساء:34]، فقوله بما فضل الله.. يدل على أن الأمر ليس مرتبطاً بالإنفاق فقط، بل هو قضية استعداد وخِلْقَةٍ في الرجل أَهَّلَه الله بها.
أما نقص العقل والدين الذي ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال:"يا معشر النساء تصدقن فإني أُرِيْتُكُنَّ [أي أراني الله إياكن] أكثر أهل النار"، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال:"تكثرن اللعن [أي السب بصيغة لعنه الله]، وتكفرن العشير[أي تنكر إحسان الزوج]، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ[أي أكثر إذهاباً لِعَقْلِ] الرجل الحازم من إحداكن"، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال:"أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل"، قلن: بلى، قال:"فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟"، قلن: بلى، قال:"فذلك من نقصان دينها".
إن الذي يخبر بذلك هو النبي-صلى الله عليه وسلم-، وهو إنما يتكلم عن وحي، فلا يجوز الشك في قوله ما دام الحديث صحيحاً، لكن لا بد أن نفهم؛ هل ورد ذلك على سبيل الذم والمؤاخذة، أم على سبيل وصف الواقع وليست المرأة مؤاخذة عليه:
إن المرأة تستوي مع الرجل في القدرة على استعمال العقل للوصول إلى الهداية، وبعض النساء تكون أكثر عقلاً من كثير من الرجال في هذا، إذ تستعمل عقلها وعلمها وتنتفع منه، فلا تكونُ المؤمنةُ أنقصَ عقلاً من الكافر والغافل والعاصي. ومما يدل على أن نقصان العقل لا يعني نقص العقل التكليفي؛ أن المرأة لم تؤمر بنصف صلاة الرجل ونصف زكاته ونصف صيامه ونصف حجه، بل أمرت كالرجل على السواء، إلا ما اختص بها لأمر خارج عن مسألة العقل التكليفي. ونقص الدين والعقل المذكور في الحديث يتفرع إلى جهتين:
الأولى: نقص الدين والعقل تصرفاً منها، وهذا الذي يتحدث عنه الحديث في شقه الأول، حيث قال عليه الصلاة والسلام:"يا معشر النساء تصدقن فإني أُرِيْتُكُنَّ أكثر أهل النار"، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال:"تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن". فكان نقص الدين هنا لتصرفات منهن وأعمال تصدر عنهن، هي من المعاصي والمنكرات وسوء الأخلاق، كقلة الصدقة وكثرة الشتم واللعن وإنكار إحسان الزوج، فهي تتحمل مسؤوليتها وتعاقب وتحاسب عليها، وهي مذمومة بها لأنها من اختيارها وفعلها. وكان نقص عقلها بسوء استعمالها للعقل، فهي لا تتكلم وفق منطق سليم، بل إذا حدثها الرجل اللبيب العاقل البعيد عن الهوى بالحجة والمنطق والعقل أجابته على خلاف ذلك، حتى ينفد صبره فلا يعرف كيف يتكلم معها، ولا كيف يقنعها، مما يخرجه عن صبره وحِلمه، وهذا أيضاً من اختيارها وفعلها وتتحمل مسؤوليته، وتكون به مذمومة تستحق العقاب. وهذا الأمر إنما هو وصف لحال أكثر النساء من حيث الواقع، فالتي توافق حالتها هذه الحال فهي التي يتحدث عنها بأنها من أهل النار، ومن لم تكن كذلك؛ فهي ليست مذمومة، ولا ناقصة عقل ودين، من هذا الوجه، وكل امرأة تستطيع أن لا تكون ناقصة عقل ودين بهذا الاعتبار، وإنما يرجع الأمر إليهن، والرجل يذم إذا كان كالمرأة في تلك الأمور المذمومة، وإنما أشار الحديث إلى أن النساء في هذا أكثر من الرجال بكثير.
والثانية: نقص الدين بإرادة من الله، ونقص العقل جِبِلَّة وخِلْقَة: وهذا الذي تحدث عنه الشق الثاني من الحديث: قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال:"أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل"، قلن: بلى، قال:"فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟"، قلن: بلى، قال:"فذلك من نقصان دينها". وما دام هذان الأمران بإرادةٍ وخلقٍ من الله، فالمرأة ليست مذمومة به، لأنه خارج عن إرادتها وفعلها. وكان نقص الدين هنا نتيجة حُكْم من الله عليها، بأن لا تصلي إذا حاضت ولا تصوم، فما يقع منها من عبادات هو أنقص مما يمكن أن يقع من الرجل، وما دامت هي مجبرةً على ذلك، ممنوعةً حال حيضها ونفاسها أن تصلي وأن تصوم؛ فكيف تلام في شيء لا يجوز لها أن تخالفه، ولو كانت مذمومة به لأذن لها الشرع أن تستدركه بأن تصوم وتصلي في الحيض، ولم يأذن لها الشرع بذلك، بل حرمه عليها. لكن المرأة الصادقة الصالحة الحريصة على صلاحها وزيادة دينها، تستطيع أن تستدرك شيئاً من ذلك، من خلال انشغالها بطاعات أخرى. وكان نقصان العقل هنا متعلقاً ببعض الجوانب التي أراد الله أن يبعد المرأة عنها، لتكون في الوظيفة التي أرادها منها، ومتعلقاً ببعض الجوانب التي أراد الله أن يميز بها المرأة من جانب غير جانب العقل، وهو جانب العاطفة، أيضاً لتؤدي من خلال ذلك وظائف أرادها الله منها. ونقصان عقل المرأة لا يعني أنها لا تعي التكاليف أو لا تستطيع أن تدركها، فالعقل التكليفي الذي تُدرِك به المرأة الخطاب التكليفي الشرعي هي فيه كالرجل، ولا يعقل أن يكلفها الشرع بشيء وهي غير قادرة على تعقُّله، فالمقصود بنقصان العقل غير هذا المعنى. ونقصان عقلها المتعلق بجوانب محدودة كجانب الشهادة؛ راجع إلى طبيعة وظيفة المرأة، فوظائفها التي خلقها الله لها وأمرها بها، وارتباطها بالبيت؛ تجعلها لا تهتم بما ترى من أمور تحتاج إلى شهادة في معاملات الناس وخصوماتهم، فتنسى هذه الأمور ويقل ضبطها لها. والله تعالى كتب على المرأة أن تؤدي وظيفة معينة، فخلقها على حال عقلي وقلبي وجسدي يتناسب مع دورها الحياتي الذي أراده الله منها، ليتكامل دورها مع دور الرجل، إذ لا تصلح البشرية إلا بتوزيع المهام والوظائف.
وخلاصة الأمر: أن الحديث جاء ليحث المرأة على أن لا تكون ناقصة عقل ودين، فهو يحثها على أن تستعمل عقلها حتى لا تكون ناقصة مذمومة، فلا تجعل النقص الخِلْقي الفِطري سبباً في نقصان استعمال العقل فيما كلفت به، ويحثها على أن تعرف للرجل ميزته لتعطيه القوامة، ولا تنافسه في الإمارة، ولا تعتدي على دوره الذي يختلف عن دورها الحياتي في بعض الأمور، والحديث يحثها على أن لا تكون ناقصة دين، بأن تجتهد في طاعات أخرى غير الصلاة إذا جاءها الحيض. ولا يفهم من نقص عقل المرأة أن المرأة لا تَعقل ولا تُشاور ولا تُقبل مشورتها، بل نجد النبي-صلى الله عليه وسلم-يحفل بمشورة النساء، كما حفل بمشورة أم سلمة يوم الحديبية، حيث قالت: احلق وتحلل، فيتبعونك، فنجح ما أشارت به. ولا ينبغي أن نقول: شاوروهن وخالفوهن، وإنما شاركوهن الرأي وانظروا، فربما كان رأي امرأة عاقلة برأي عشرة رجال.

س6: كيف ينبغي أن يكون تعليم المرأة، وكيف تقيمون بشكل عام واقع تعليم المرأة؟
كل إنسان رجلاً أو امرأة يحتاج إلى التعليم، ويجب عليه طلب العلم، لكن ما الذي يجب، وما الذي يجوز من ذلك؟ وبشكل عام؛ فكل ما يحتاجه الإنسان للنجاة في الآخرة فَتَعَلُّمُه والعمل به واجب، وكل ما يحتاجه في الدنيا لبقائه فتعلمه والعمل به واجب، وكل ما تحتاجه الأمة لبقائها وعزتها فتعلّمه والعمل به واجب عليها بمجموعها، فلو قام به البعض سقط عن الباقين.
وأما فيما يتعلق بالمرأة خصوصاً؛ فينبغي أن يكون تعليم المرأة وحرصها على العلم والدراسة ليخدم الأمور التي يجب أن تعمل بها ووظائفها التي تستطيع أن تتحملها: فتتعلم علم ما يخصها في دينها وآخرتها، أي تتعلم أحكام الدين، وتتعلم ما يتعلق بوظيفتها الطبيعية في خدمة البيت وتربية أبنائها وإعفاف زوجها، فهذا العلم الواجب على كل بنت وشابة وامرأة، وتتعلم العلوم البسيطة التي يحتاجها كل إنسان في حياته كاللغة العربية وأساسيات الحساب وشيء عن الأحياء والتاريخ والجغرافيا، ويمكنها أن تطلب الدنيا إن احتاجت، من خلال عملها بتعليم ما تعلمت، فتكون قد جمعت فائدة العلم والعمل معاً، ثم يمكنها إذا أرادت أن تخدم المجتمع أن تقوم بوظيفة مما يحتاجه المجتمع، ويحتاج إلى المرأة فيه، كوظيفة التمريض للنساء، ووظيفة الطب لمعالجة النساء، أو وظيفة الخياطة للنساء، والماشطة لهن، ونحو ذلك، ويجوز للمرأة أن تتعلم بعض التخصصات المدنية والتي تحتاجها الأمة، وقد يكون ذلك واجباً عليها إذا قصر فيه الرجال وكانت تستطيعه.
أما واقع تعليم المرأة فإنه مقصر جداً في تعليمها أمور دينها، ومقصر جداً في تعليمها كيف تتعامل مع زوجها، وكيف تُعِفُّه، وكيف تربي أبناءها، ومقصر جداً في تعليمها كيف تقوم بالبيت وطعامه وغسيله وترتيبه وسائر حاجاته. فكثير من الشابات لا تحسن التعامل ولا تعرف كيف تتعامل ولا كيف تتأدب ولا كيف تتكلم مع زوجها وأهله، ولا تحسن القيام بشؤون بيتها، وكثير من حالات الطلاق تنتج عن ذلك. والواقع يشهد أيضاً أن أكثر النساء التي تتعلم الهندسة والكيمياء والفيزياء والاتصالات واللغة الانجليزية ونحوها من التخصصات؛ لا تنتفع منها في حياتها، أو تتزوج بعد تخرجها أو بعد سنوات من تخرجها، وتلقي الشهادة التي لم تنتفع منها، ولا تركت محلها للشباب لينتفعوا من الدراسة والشهادة والعمل بها، وأُنفق عليها في دراستها ما لا تَنْتَفِعُ به ولا تَنْفَع فيه، إلا قليلاً ونادراً، فلو أن هذا الإنفاق كان على الشباب وتدريسهم لكان أنفع للأمة، وأبعد عن منافسة المرأة للرجال في أعمالهم، وتستبدل ذلك المرأة في تعلمها لعلم مما ينفعها وينفع الأمة طول حياتها، كعلوم دينها ومعاملاتها وبيتها.
وكما أننا نجد في الواقع أن أكثر النساء لا تعرف شيئاً كثيراً عن دينها، ولا عن واجباتها البيتية من خدمة ورعاية وتربية وزوجية، ولا تحرص على التعليم المتعلق بذلك، نجد أن كثيراً منهن تحرص على التعليم المتعلق بتلك التخصصات التي لا تنتفع منها ولا تنفع، وقد تخدم بها المجتمع لفترة قليلة ثم تتزوج وتتركها، وربما كان المبلغ الذي أنفق على تدريسها أكثر من المبلغ الذي حصلته في عملها في أشهر أو سنوات، فهل هذا يخدم اقتصاد الأمة وهل يتناسب مع القدرة المالية للآباء؟
وقد نجد في الواقع أن دراسة بعض الشابات يفتح باب الفساد خلال دراستها وتعليمها المختلط، فتؤذي المجتمع وتفسد فيه وتشغل الشباب أكثر مما تنفع به المجتمع حينما تعمل بعلمها.
إن من أهم ما تحتاج المرأة إلى تعلمه بعد أمر دينها: أن تتعلم كيف تقوم بوظيفتها الطبيعية الفطرية البيتية: تتعلم كيف تتعامل مع زوجها، كيف تلاطفه وتتودد إليه وتُريحه، وكيف تقضي حاجته، تتعلم كيف تقوم بحاجات أبنائها وخدمتهم ورعايتهم وحضانتهم وإرضاعهم، كيف تربي أبناءها وتوجه سلوكهم، تتعلم كيف تحسن الطبخ والطعام والشراب وكيف تنظم أوقاته، وكيف تغسل الثياب وتطهرها، وكيف ترتب البيت وتطيب رائحته، كيف تملأ وقتها الفارغ: بعبادة تُقَرِّبُها إلى الله، أو بعمل ينفع أهل البيت كالغزل والخياطة، أو بزيارة نافعة لا لغو فيها ولا غيبة ولا فتنة ولا إفساد.
س7: دوافع كثيرة تقف وراء تعلُّمِ المرأة وعملها، وفي بعض الأحيان تكون الحاجة هي الدافع للعمل ولطلب الشهادات العلمية، فما هي الضوابط التي يجب أن تراعيها المرأة في خروجها إلى التعليم والعمل؟ وكيف تنظرون لعمل المرأة وفق الواقع الذي نعيش؟
إذا اضطرت المرأة والفتاة أن تخرج إلى المجتمع، أو أرادت أن تتعلم، أو اضطرت إلى العمل، فإن دين الله لا يمنعها أن تخرج من بيتها لخير، من علم أو دعوة أو عمل تنفع به المجتمع أو تنتفع به إذا اضطرت إليه، ولا يمنعها الإسلام من أن تطلب الرزق الحلال إذا اضطرت لذلك، ولم يوجد من ينفق عليها ويقضي لها حوائجها، لكنه جعل لها ضوابط تحافظ عليها، وتحافظ بها على المجتمع وعفته.
فواجب المرأة أن تحافظ على الحجاب الذي أمرها الله حينما تكون في موضع يمكن أن يراها فيه الذكور، فإذا خرجت المرأة لطلب العلم أو إلى العمل أو غير ذلك فلتحرص على حجابها، والحرص على الحجاب الشرعي حرص على عفة المجتمع وإنتاجيته ورُقِيِّه العلمي، ولا بد أن يكون الحجاب بشروطه الشرعية حتى يؤدي إلى العفة، فاللباس الشفاف والضيق لا يؤدي إلى عفة، واللباس الملون والمزركش الذي يسرق العيون لا يؤدي إلى عفة، واللباس القصير الذي يبدي فتنة اليدين والرجلين ليس بحجاب شرعي ولا يؤدي إلى عفة، فلا بد أن تحرص المرأة العاملة وغيرها على حجابها بشروطه الشرعية، بحيث يكون سبباً في العفة لا يجلب الأنظار ولا يثير الشهوات، سابغ ساتر واسع، يغطي الرأس والجسد، حجاباً يحقق أمر الله ومراده من الحجاب. وإذا كان من حق رئيس المستشفى أو مدير شركة أن يفرض على المرأة لباساً، ومن حق رئيس جيش أن يفرض عليه لباساً معيناً، فنطيع، ولا نعتبر ذلك من تقييد الحرية، أليس من حق الله الخالق المدبر للكون وللخلق جميعاً أن يفرض على الرجل والمرأة لباساً بصفات معينة؟ ولا يجوز أن يعتبر ذلك مناقضاً للحرية التي يستحقها الناس.
ومن واجب المرأة أن تتجنب مصافحة الرجال، ولا ينبغي للمرأة أن تغتر بمن يقولون إنهم لا يتأثرون بالمصافحة والنظر، فهؤلاء يكذبهم العلم والواقع، فالنواحي النفسية والفسيولوجية في الرجل والمرأة تضطرب وتتأثر وتفور حينما تحصل الملامسة بين الجنسين، مما يدعو إلى الحذر في التعامل وعدم المصافحة واللمس، وقد حرم الله النظر وأمر بغَضِّه فكيف لا يكون اللمس محرماً، قال تعالى:﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾[النور:30]، وقد استثنى ديننا من حرمة اللمس حالات الضرورة كالطبابة وأمثالها من الضرورات ضمن ضوابطها وبقدر ضرورتها.
وواجب المرأة أن تحفظ نفسها عن نظر الرجال إليها، حفاظاً على نفسها وعفتها، وحفاظاً على الرجال من أن تُدخل عليهم الشهوات، قالعليه الصلاة والسلام:" فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" رواه البخاري، وقال:" ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء" رواه البخاري.
ومن واجب المرأة في عملها أن تحذر من الاختلاط، وأن تعلم المؤمنة أن أهم ضوابطه في الشريعة: أن لا تكون خلوة، قالعليه الصلاة والسلام:"لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجة، قال: اذهب فحج مع امرأتك" رواه البخاري ومسلم. وإذا اضطرت للكلام مع الرجال فيجب ألا يكون منها خضوع في القول وميوعة وتغنج وإثارة، وألا تنظر إلى الرجال إلا بقدر الضرورة، وأن تمنع نظر الرجال إليها إلا في حدود الضرورة، وأن تحافظ في اختلاطها على حجابها الساتر العفيف، وأن تكون هناك ضرورة للاختلاط، فلا يجوز أن يصير الاختلاط طبيعياً في حياتنا.
ولا ينبغي أن يكون طلب العلم أو العمل على حساب واجباتها الشرعية، وواجباتِها البيتية، فلا يحق للفتاة أن تجعل أمها خادمة لها في البيت بحجة طلبها للعلم، ولا يحق للمرأة أن تقصر في إعفاف زوجها وقضاء حاجته وشهوته بحجة العمل، وإلا فإنها تكون بذلك مضيعة للحقوق والواجبات وربما تكون سبباً في إفساد الزوج والمجتمع.
وإذا أرادت المرأة أو الفتاة أن تعمل أو تطلب العلم، واحتاجت إلى السفر لأجل ذلك، فلا ينبغي لها أن تسافر بغير زوج أو محرم، فسفرها لوحدها وطلبها للعلم أو عملها بعيدة عن محارها وأقاربها يعرضها للفتنة، والإسلام حينما أوجب المحرم إنما أوجبه حفاظاً على المرأة من جهة، مِن أن تستغل أو تستدرج إلى الفساد، وأوجبه من جهة حفاظاً عليها من أن يعتدى عليها، والواقع يشهد بضرورة هذا الأمر، فمعلوم كم تتعرض المرأة للاعتداء والغصب والمشاكسات والمعاكسات، وباعتراف بعض التقارير الغربية فإن نسبة الاعتداء على المرأة تتجاوز 40% من النساء العاملات والموظفات، كما أن بعض التقارير الغربية تبين أن النساء اللواتي يلجأن إلى الشرطة لحمايتهن؛ فإن نسبة غير قليلة منهن يتعرضن لاعتداء الشرطة عليهن جنسياً.
وإذا أصرت الفتاة على طلب العلم أو العمل؛ فلتحرص على أن يكون مما تنتفع به في آخرتها وحياتها، ومن العلوم والأعمال التي تختص بالمرأة أكثر من غيرها. وما تقوم به المرأة من عمل في بيتها هو عمل لا ينبغي تجاهله، ولا يجوز أن نطلب لها عملاً آخر نحملها فيه عملاً آخر، فيجعلها تعمل عملين، أو يجعلها تعمل خارج البيت ثم تأتي بمن يعمل مكانها داخل البيت، فبأي منطق تخرج عن عملها الأليق لها ثم تأتي بنساء الآخرين أو بالرجال ليعملوا في بيتها ونظافته وطعامه وتربية أبنائها، أليست هي الأحق والأولى بذلك؟
ولا بد من التنبيه هنا إلى أن حاجة المرأة إلى العمل إنما ظهرت بعد خروج الناس عن أحكام الله وتمردهم على شريعة الله وانحلالهم عن الأخلاق والآداب التي أمر الله بها، فإذا التزم الناس منظومة الإسلام بتفاصيله، فلن تحتاج المرأة إلى العمل خارج بيتها، فالإسلام كفل لها الرزق وأوجب لها الإنفاق عليها، من زوجها، من أبيها، من ابنها، من أخيها، من سائر قرابتها، فليس هناك ما يدعوها أو يحيجها إلى العمل، ولكن انحلالَ أخلاق كثير من الناس وحِرصَهم على الدنيا وبُعدَهم عن أحكام الله؛ جعل كثيراً منهم يدفع المرأة إلى العمل دفعاً، طمعاً في مزيد من الكسب، وتخلصاً من الإنفاق عليها، وبعض الناس يدعوها إلى التعليم والعمل طمعاً في أن تكون الشابة والمرأة أمامه في العمل ليشبع شهواته، إلى غير ذلك من أسباب. فلو صلحت أخلاق الناس ونفوسهم لما وجدت هذه الأسباب التي تدفع المرأة إلى العمل.
وقد تندفع المرأة إلى العمل رغبة منها بحجة الملل والفراغ، وذلك راجع إلى أمور، من أهمها: أنها تجهل وظيفة العبادة لله فلا تعرف أن تشغل نفسها بالعلم والقرآن والصلاة والذكر، فلو علمت وظيفة الخلق في عبادة الله وحرصت عليها لما وجدت رغبة في عمل آخر لا ينفعها في آخرتها. وقد يكون دافع العمل تأخُّر زواجِها، رغبة منها في الظهور أمام الرجال لعلها تتزوج، والواقع يدل على أن ظهورها لم ينفعها في ذلك، بل كانت بنات المسلمين يتزوجن جميعاً قبل أن تبلغ البنت سن الخامسة عشر، دون أن تخرج إلى عمل ودون أن تظهر للرجال، ولم تكن مشكلة العنوسة إلا بعد فشو عمل المرأة وتعليمها بصورته المعاصرة. كما أن تأخر الزواج هو نتيجة أوهام وأفكار منحرفة وواقع مريض مخالف لأمر الله، فلو صحح هذا الواقع لما احتاجت إلى العمل.
وقد يكون سبب عمل المرأة قعود زوجها عن العمل، وعدم وجود من ينفق عليه، فتضطر المرأة للإنفاق على بيتها وزوجها، وذلك قد يرجع إلى أن النساء نافست الرجال في العمل فأدى إلى البطالة في مجتمعاتنا بنسبة كبيرة، وقد يرجع إلى مرض الزوج أو إعاقته، فالواجب أن يتولاه قرابته من الرجال أو تتولاه الدولة بالإنفاق عليه، وليس الواجب أن يصير هذا العبء على الزوجة، فتقصير الأقارب وتقصير الدولة هو أحد أسباب اندفاع المرأة إلى العمل، وهذا التقصير أمر مخالف لنظام الإسلام ناتج عن البعد عن أحكام الله وأوامره.
إنه من خلال معرفة وظيفة المرأة يتحدد عمل المرأة وتعليمها، فالطبيعي أن تعمل المرأة ضمن التخصصات التي تتناسب مع طبيعتها وخِلقتها، في الأعمال التي تستطيع أن تؤديها خيراً من الرجل، وقد بينت ذلك من خلال الكلام عن تعليم المرأة، وواجبنا أن نستسلم لله فيما خلق المرأة عليه من طبيعة وفيما أمر به المرأة من قرار في البيت وقيام بحق الزوج والأبناء، وقد يظن بعض الناس أن ذلك يتنافى مع المساواة، وأنه منع لها من مجالات عملية كثيرة، وتضييع لما يمكن أن تبدعه، وأنه احتقار للمرأة، لذلك أقول: من خلال نظرة إلى المجتمع وحاجاته نجد حاجة المجتمع إلى خباز وعاملِ نظافةٍ وممرِّض وحلاق.. فهل هذه الأعمال حقيرة بالنسبة للطبيب والمهندس والوزير.. وإذا كانت حقيرة لماذا لا نمنعها في المجتمعات، ونُحرِّم على الناس أن يشتغلوا بها تحريراً لهم من الحقارة؟ إن أي عمل وأي تخصص مهما كان فإنه عظيم القدر ما دامت البشرية تحتاجه، ولم يحرمه الله عليها، أليس الملك والوزير والطبيب يحتاجون إلى عامل النظافة والحلاق والممرض؟ ترى لو لم يوجد هؤلاء ألا يضطر الملك أن يصير عامل نظافة لنفسه، ألا يضطر الوزير أن يحلق لنفسه؟
هل الأدوار التي ينبغي أن تقوم بها المرأة من الحبل وإرضاع الطفل وتنظيفه وتعليمه وتربيته، ومن عفة للزوج وسكن له؛ هل هي محتقرات، أم هي وظائف لا بد أن يوجد في المجتمع من يقوم بها؟ وهل نستطيع أن نعطيها للرجل، أم أن الرجل لم يُهَيّأْ لها، وأن استعداد المرأة لها أكبر وأحسن؟ والذي خَلَقَ في المرأة هذا الاستعداد، هو الذي أمرها أن تمكث في البيت لتؤدي الوظائف الملقاة إليها﴿ وقرن في بيوتكن﴾، واقتصار المرأة على بيتها وتجملها لزوجها؛ ليست صفات مزرية بالمرأة، بل هي صفات إجلال وإكرام وحفظ للمرأة، تجعلها كالجوهرة المخبأة، وكيف لا تكون صفات إكرام وهي صفات نساء الجنة﴿ حُورٌ مَقْصوراتٌ في الخيام﴾ أي محبوسات حبس صيانة وتكرمة [تفسير القرطبي:17/189]، وقال تعالى في وصف نساء الجنة:﴿عُرُباً﴾ أي يُحْسِنَّ التبعل والتجمل للزوج [تفسير الطبري:11/640].
والذي خَلَق في المرأةِ الجَمالَ، الذي خلقه الله ليجذب الرجل إلى المرأة فيحصل التزاوج والإنجاب؛ هو الذي أَمَرَها بالحجاب﴿ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾، ﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين﴾ حتى لا يُعرَف جمالُها فيثير شهوة الرجال نحوها، وهو سبحانه الذي أَمَرَ بغضِّ البصر ومَنَعَ الخلوةَ ومنعَ خضوع المرأة بالقول واستثارتها للرجال واستمالتها لهم، لِيَحفظ عفةَ المجتمع ويطهره بذلك﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾[النور:30]، ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى، وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾[الأحزاب:32-33]، وإذا كانت هذه المطالب قد طولبت بها أمهات المؤمنين وهنّ أمهاتنا، ولا يجوز زواجنا منهن، فغيرهن أولى بالالتزام بذلك، لأن احتمال الطمع بغيرهن أكبر، وما نزل من تشريع لهن تشريع لجميع نساء العالمين.
وإذا اشتركت المرأة مع الرجل في تكاليف وأعمال مشتركة عامة، كالصلاة والزكاة ﴿ وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله﴾، وإذا خُصَّت المرأة بتكاليف خاصة وبأعمال بيتية؛ فالرجل كذلك خص بأعمال خارج البيت: بالعمل خارج البيت وما فيه من شدة وحاجة إلى قوة بدنية وعقلية، وبالنفقة على زوجته وأولاده وبيته، وخُصَّ الرجل أيضاً بصلاة الجماعة وبالجهاد غير ذلك.
ديننا ليس بحاجة لأن ندافع عنه، لأنه من عند الله، والله لا يكون متهماً في شيء ولا متهماً في أحكامه وتشريعاته، بل نحن بحاجة أن نتعلم تشريعاته ونتفهمها ونستسلم لها، ونبحث عن حِكمتها وجمالها وعظمتها. والله تعالى إذ جعل المرأة تُكَمِّل الرجل، والرجل يكملها، بعدل وحكمة؛ كذلك فقد جعل الأجر والجزاء أيضاً عادلاً، فالمرأة تأخذ ثواب إيمانها وأعمالها الصالحة كالرجل، والذين يشرعون لها خلاف أمر الله لن يدخلوا معها القبر ولن يستطيعوا أن يدافعوا عنها عند الله، فالكل سيحاسب على أعماله، خيراً أو شراً، قال تعالى: ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِياًّ وَلاَ نَصِيراً، وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً﴾[النساء:123-124]. والآية تدل على أن المرأة تأخذ من الأجر في أعمالها كما يأخذ الرجل أجره في أعماله، حتى عند اختلاف أعمالهما، فهي في أعمالها البيتية والزوجية والتربوية تأخذ من الأجر مثل ما يأخذ الرجل من الأجر في الجهاد وصلوات الجماعة والإنفاق، ورد في حديث ضعيف، حسنه بعض العلماء، وإنما أذكره لأن معناه صحيح موافق لروح الشريعة، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية من بني عبد الأشهل أنها أتت النبي-صلى الله عليه وسلم- وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك، واعلَم-نفسي لك الفداء-أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا [أي بقدومها إلى النبي سائلة] أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي [أي ما خطر في بالها مما ستقوله يخطر في بال النساء ويوافقنها الرأي فيه]، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلـٰـهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصوراتٌ مقصوراتٌ، قواعدُ بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملاتُ أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فُضِّلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خَرج حاجاً أو معتمراً ومرابطاً؛ حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثواباً، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر، يا رسول الله؟ قال:" فالتفت النبي-صلى الله عليه وسلم-إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسنَ من مسألتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي-صلى الله عليه وسلم-إليها، ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة وأعلِمي من خَلفَك من النساء: أن حُسْنَ تَبَعُّلِ إحداكن لزوجها[أي تجملها لزوجها بما يقضي شهوته ويؤدي إلى عفته]، وطلبَها مرضاتَه، واتباعَها موافقته؛ تَعْدِلَ ذلك كلَّه"، قال: فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً.[رواه البيهقي في شعب الإيمان:6/421].
س8: في ختام هذا الكلام الطيب، هل من وصايا تقدمها للنساء المسلمات؟
مما يجب أن تحرص عليه النساء المسلمات: أن تحرص على صلاتها وصومها وتحصين فرجها وطاعة زوجها، فذلك موجب لدخولها الجنة، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها؛ قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت"رواه أحمد وابن حبان. فماذا تريدين من الحياة إلا ما أراد الله لك؟ لم يطلب منك جهاداً ولا إمرة ولا قضاءاً ولا إمامة المصلين، لم يطلب منك طلباً للرزق، فالعاقلة من تشتغل بما طلب الله منها، ولا تضيع عمرها بما لم يطلب منها، وبما أراحها الله منه، وتفوِّت الأجر العظيم بعملها الذي طلب منها.
ويجب على فتيات المسلمين الحذر من الحب الشهواني قبل أوانه، فلا يجوز للشباب ولا للشابات أن تنشئ علاقة حب مع الجنس الآخر إلا بعد عقد الزواج، وإذا أَعجَبَك شاب فذلك مبرر لحب الزواج منه، لا مبرر لحبه الحب الشهواني، أما الحب الإيماني فهو الذي يرتبط بالإيمان والعمل الصالح، فهو واجب بين كل المسلمين، ولا يبرر توجه النفس بالميل إلى المحبوب على سبيل الشهوة. إن وقوع كثير من الشباب والشابات في هذا الحب قبل وقت جوازه سبب كبير في الشهوات وسبب كبير في الوقوع في الزنا، فلنتق الله في أنفسنا، ولنحذر من أي تعلق شهواني بالآخرين، إلا من أباح الله لهم شهوة بينهما، وهما الزوجان، ولا تكون الشهوة بينهما مباحة إلى بعد عقد الزواج، لذلك لا يجوز تحريك العاطفة الحبية الشهوانية إلا بعد الزواج، وبين الزوجين فقط.
ويجب أن تحرص كل امرأة متزوجة على إعفاف زوجها، بالتجمل له في كل وقت، وبقضاء شهوته، قال تعالى: ﴿ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم﴾، وقال سبحانه: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾[البقرة:187]، والمرأة كما بين النبي-صلى الله عليه وسلم-: "خير متاع الدنيا المرأة الصالحة" رواه مسلم، وبين أهم أوصافها مع زوجها: "إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته" حديث حسن. أما أن تكون المرأة متجملة في جامعتها وعملها وفي الشارع وفي الأعراس، وتكون في بيتها بلا تجمل وعلى أسوء حال؛ فذلك مما يفتح أبواب الفساد، فتفسد حيثما وجدت، وتفسد الزوج حينما لا تعفه فيتطلع إلى الحرام خارج بيته.
وأن تحرص المرأة على تربية أبنائها وسعادة بيتها، لا تبحثي عن السعادة خارج البيت وتفسدي السعادة داخله، وأعظم ما يصنع السعادة في البيت الكلمة الطيبة وتكلف الأدب والخلق مع الزوج، وتكلف الزوج الأدب والكلمة الطيبة مع زوجته.
احرصي أيتها المسلمة على لسانك، واتركي الغيبة والسخرية، ولا تضيعي وقتك بالكلام الفارغ، واشغلي نفسك بذكر الله، وعودي لسانك على الكلمة الطيبة وخاصة مع الزوج والأبناء، والوالدين والأهل، واستعملي لسانك وكلامك في الدعوة إلى الخير والدين والحق والخُلُق والعمل الصالح، بدلاً من الكلام اللغو الذي لا ينتج عنه شيء، ولا نفع في الدنيا ولا في الآخرة، ولا تكوني سبباً في فتنة بين قرابة أو أهل أو جيران، صغري المشكلات وتجاهليها، ولا تكبِّريها، واحذري من الجدال مع الزوج جدالاً يُذهب حلمه ويخرجه عن عقله وطوره.
أيتها الفتاة لا تؤخري زواجك بدعوى العلم والعمل، لكن احرصي على الزوج الذي يتقي الله ويحرص على الأخلاق، فلن يظلمك، ولن يحيجك إلى العمل، واعلمي أن سن الزواج الطبيعي للرجال والنساء هو السن الذي تبدأ فيه الشهوة عند الطرفين، وهو ما يسمى بسن المراهقة، فمن العجيب أن نترك الشباب والشابات في هذا السن بلا زواج ثم نطالبهم بالعفة، إنه لن يصلح المجتمع ولن ينتهي الفساد ولن تشيع العفة إلا إذا شاع الزواج المبكر، الذي يعالج الشهوة في بدايتها، وإذا كان بعضنا يناقش في جواز الزواج قبل البلوغ أو في سن مبكرة، فجواب ذلك أن سن الزنا في الواقع الغربي دليل على أن البشر يحتاجون إلى الزواج مبكراً، ودليل على أنه يمكن أن يكون الزواج حتى قبل البلوغ، فالنسبة الأكبر بحسب إحصائياتهم ذكوراً وإناثاً يقعون في الزنا قبل سن البلوغ، أما مسألة الوعي على الزواج ومسؤولياته، فذلك تبع للثقافة التي نربي عليها المجتمع، لا لضعف في الجنسين، ولا لعدم استعداد للأخلاق اللازمة للزواج. والأمم المتحدة أصدرت قوانينها بإباحة ممارسة الجنسين للشهوات والزنا من سن الثامنة، وحرموا الزواج إلا بعد سن الثامنة عشرة، أليس قرار الأمم المتحدة يدل على أن الجنسين قد يحتاجا إلى قضاء الشهوة من سن الثامنة، فلِمَ حرّموا أن تكون بطريق الزواج؟ لماذا لم يعتبروا مسألة الزواج مسألة حرية، لماذا قيدوها، أم أنهم يريدون إشاعة الحرام وتضييق الحلال؟ والبعض ينكر على الزواج المبكر بحجة أن التعليم لا ينتهي إلا في سن الثانية والعشرين تقريباً، فجواب ذلك أنه يمكن أن يحصل الزواج في فترة التعليم، خاصة إذا حرصنا على نبذ التكاليف والإنفاقات التي لا فائدة منها وما هي إلا أوهام وتقاليد مُرهِقة، وجواب ذلك أيضاً أن التعليم بصورته الحالية غير سليم، فيمكن أن تغير المناهج بحيث يحصل الطالب في سن الخامسة عشر ما يحصل في سن الثانية والعشرين، ليكون جاهزاً للعمل عند بلوغه وقوته، أما أن نضيع قوته في طلب العلم فذلك تضييع للطاقات والأعمار، وفشل في إدارة الحياة الإنسانية.
لا تجعلي المهر عائقاً عن زواجك فهو لإكرامك فلا تجعليه سبباً في إهانتك، فالمهر الغالي لا يمكن أن يحميك، وإنما يحميك أن يكون زوجك صاحب دين وخلق، فإنه لا يظلم، أما من كان قليل الدين والتقوى والأخلاق، فإذا كان مهرك غالياً وأراد أن يتخلص من مهرك؛ آذاك وأساء إليك حتى تطلبين منه الطلاق مع التنازل عن المهر، والواجب أن نحرص على الزواج المبكر، وعلى تيسير المهور والزواج، وعلى تخفيف تكاليف الزواج، فلا ترهقي الشباب بمهر غالٍ وتكاليف باهظة، فتفسدي الزواج أو تؤخريه، وتُذهِبي بركته، وتلاحقكما الديون، قال عليه الصلاة والسلام: "أعظم النساء بركة أيسرهن صداقاً" حديث صحيح أخرجه الحاكم. ثم تكاليف الزواج لمصلحة من؟ تكاليف حفلة العرس ليست لمصلحة الزوجين، وإنما هو غرور وتفاخر ورياء للناس، وتكاليف اللباس ليس لمصلحة الزوجين، ففائدته تكاد تقتصر على أيام أو أشهر وتضيع الأموال، فلو أنها اقتصرت على القليل ثم تشتري ما يناسب جسمها وتغير بنيتها وحبلها في كل فترة، خير من أن تشتري شيئاً كثيراً ثم لا تلبس منه إلا القليل ويصير صغيراً على جسمها فلا تستفيد منه، وتكاليف الأثاث لمصلحة من؟ ونحن نرى كثيراً من هذه البيوت تهدم بالطلاق، ألا يمكن الاقتصار منه على القليل، ثم يزداد ويتوسع فيه مع الأيام، كيف تزوج آباؤنا وأجدادنا، وكيف صلحت بيوت الزوجية، ما بال الشاب الذي يريد أن يزني نسهل عليه الزنا، ومن يريد العفاف نجعل بينه وبين العفاف مسافات شاسعة وجدراً مُمَنَّعَة، لا تجعلوا للتقاليد حكماً عليكم بالإسراف بلا عقل ولا نفع، ولا مصلحة حقيقية، لا تكوني سبباً في تراكم الديون على زوجك بسبب هذه التكاليف ثم يضيق عليك طول حياتك وهو يسد هذه الديون، تزوجي بلا ديون وعيشي في بحبوحة وسعة، أنت وزوجك.
تذكري أيتها المسلمة عملك الطبيعي الفطري، وحاولي أن تكوني فيه، وإذا عملت خارج إطار البيت فاجعلي عملك في مصلحتك وعفتك، وفي مصلحة الأمة، لا سبباً في تخريب جسدك وعفتك، ولا سبباً في إشغال الرجال والشباب عن إنتاجهم وعلمهم، ولا سبباً في استغلالك شهوانياً واستغلال ضعفك وحاجتك.
يجب على نساء المسلمين وعلى جميع النساء أن يحاربن الإعلام الذي يستغل أجسادهن، ويجعل منهن مشروع فساد وتضييع للوقت وإهدار للطاقات وإشغال عن العلم والعمل والإنتاج. ويجب على نساء المسلمين أن يحاربن الدعايات الإعلانية التي تستغل جسد المرأة، فلا تجعل منه سلعة بل هو أقل من سلعة، هو مروج لسلعة.
ويجب على المسلمين وعلى المسلمات أن يسعين وخاصة في بلاد المسلمين إلى إيجاد مراكز علمية تختص بتدريس المرأة ما تحتاجه من أمور دينها، وما تحتاجه في حياتها البيتية، من علاقة وأخلاق مع الزوج والأبناء، ومن طبخ وتنظيف وترتيب وغير ذلك مما ذكرنا أنه مما تحتاج المرأة أن تتعلمه، وهو واجب عليها، وإذا وجدت هذه المراكز فإنها ستكون البديل الناجح بإذن الله عن المدارس والجامعات التي تضيع عمر المرأة فيما لا ينفعها.

بارك الله فيكم شيخنا الفاضل ونفع بكم.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
لبنى شرف
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط