صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







هل استشعر قلبك حب الله؟

 لبنى شرف / الأردن

 
إن الإنسان بجبلته يحب نفسه وبقاءه وكماله، ويحب بطبعه من أحسن إليه، وهذا يقتضي غاية المحبة لله عز وجل، إذ كيف يتصور أن يحب الإنسان نفسه ولا يحب ربه الذي به قوام نفسه، ومنه وجوده ودوامه وكماله؟ ثم كيف يتصور أن يحب الإنسان من أحسن إليه من الناس، ولا يحب مَن أنواع إحسانه لا يحيط بها حصر؟! فلو عرف الإنسان حق المعرفة، لعلم أن الإحسان من الناس هو بالمجاز، وأن المحسن في الحقيقة هو الله تعالى ﴿وما بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فمِنَ اللهِ﴾ [النحل:53].
يقول الإمام الغزالي: "بيان ذلك، أنا نفرض أن شخصاً أنعم عليك بجميع خزائنه وما يملك، ومكنك فيها لتتصرف كيف شئت، فإنك تظن أن هذا الإحسان منه، وهو غلط، فإنه إنما تم إحسانه بماله، وبقدرته على المال، وبداعيته الباعثة له على صرف المال، فمن الذي أنعم بخلقه وخلق ماله، وخلق إرادته وداعيته؟ ومن الذي حببك إليه، وصرف وجهه إليك، وألقى في نفسه أن صلاح دينه ودنياه في الإحسان إليك، ولولا ذلك ما أعطاك؟ فكأنه صار مقهوراً في التسليم لا يستطيع مخالفته، فالمحسن هو الذي اضطره وسخره لك".
فهل استشعر قلبك حب الله؟
إن حب الله لا يقوى في القلب إلا بتفريغ القلب مما سوى الله، وبقطع علائق الدنيا والمخلوقين؛ إذ كيف يقوى حبك لله وقلبك معلق بالدنيا وما فيها، أو معلق بخلق من خلقه؟ وكيف يستوي حب الله في قلبك مع حب المخلوقين؟! فأنت إن دعوت الله لباك، وإن طلبت منه أعطاك، وابن آدم إن طلبت منه شيئاً غضب وما عاد يريك وجهه، وتولى عنك كأنه لا يعرفك! فالله هو الكريم، وهو المعطي، وهو الرحيم، بل كما قال عليه الصلاة والسلام: ((لله أرحم بعباده من هذه بولدها)) [صحيح البخاري:5999].

لا تطلبن بني آدم حاجة *** وسل الذي أبوابه لا تحجبُ
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يسأل يغضبُ

والله يغفر ويصفح ويعفو ويستر، ولكن ابن آدم لو كان الأمر بيده، ما أدخل أحدٌ أخاه الجنة! فالإنسان بخيل حتى بالرحمة، وهذه جبلته ﴿وكانَ الإنسانُ قَتوراً﴾ [الإسراء:100]، هذه الآية وردت في سياق الحديث عن الرحمة؛ ولذلك من أراد الحج، وجب عليه استسماح الناس، فحقوق العباد مبنية على المشاححة؛ وأما الله، فهو العفو، واسع المغفرة، وقابل التوبة، يضاعف الحسنات، ويغفر الزلات، ويكشف ضرنا بعد كربنا، وهو ثقتنا ورجاؤنا، فيا ربنا، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.

يا من إذا قلتُ يا مولاي لباني *** يا واحداً ما له في ملكه ثاني
أعصي وتسترني، أنسى وتذكُرُني *** فكيف أنساك يا من لست تنساني

أوبعد هذا، لا يملأ قلبك حب الله؟!
ثم إن حب الله لا يقوى إلا بمعرفة الله تعالى، فلذة القلب لا تكون إلا بمعرفته سبحانه، ولا يوصِل إلى هذه المعرفة إلا - كما قال الإمام الغزالي -: "الفكر الصافي، والذكر الدائم، والتشمير في الطلب، والاستدلال عليها بأفعاله سبحانه، وأقل أفعاله الأرض وما عليها، وملكوت السماوات.. فوجود الله سبحانه وتعالى وقدرته وعلمه وسائر صفاته يشهد له بالضرورة كل ما نشاهده من حجر وشجر ومدر، ونبات وحيوان، وأرض وسماء وكوكب، وبر وبحر؛ بل أول شاهد علينا أنفسنا وأجسامنا، وتقلب أحوالنا، وتغير قلوبنا، وجميع أطوارنا في حركاتنا وسكناتنا".
فإذا حصلت المعرفة تبعتها المحبة، وليت شعري: هل في الوجود أجل وأعلى وأشرف وأكمل وأعظم من خالق الأشياء ومبدعها، ومبديها ومعيدها ومدبرها؟!
قال الحسن البصري: "إن من عرف ربه أحبه، ومن عرف الدنيا زهد فيها"، وقال: "من عرف ربه أحبه، ومن أحب غير الله تعالى، لا من حيث نسبته إلى الله، فذلك لجهله وقصوره عن معرفته. فأما حب الرسول صلى الله عليه وسلم فذلك لا يكون إلا عن حب الله تعالى، وكذلك حب العلماء والأتقياء، لأن محبوب المحبوب محبوب، وكل ذلك يرجع إلى حب الأصل، ولا محبوب في الحقيقة عند ذوي البصائر إلا الله تعالى، ولا مستحق للمحبة سواه".
إن من أحب خالقه اجتهد في طاعته وعبادته والتقرب إليه، دون كلل أو ملل، وقد يتعب البدن، ولكن لا يفتر القلب.
قال فرقد السبخي: "قرأت في بعض الكتب: من أحب الله لم يكن عنده شيء آثر من هواه، ومن أحب الدنيا لم يكن عنده شيء آثر من هوى نفسه. فالمحب لله تعالى أمير مؤمر على الأمراء، زمرته أول الزمر يوم القيامة، ومجلسه أقرب المجالس فيما هنالك. والمحبة منتهى القربة والاجتهاد، ولن يسأم المحبون من طول اجتهادهم لله تعالى، بحبونه ويحبون ذكره ويحببونه إلى خلقه، يمشون بين عباده بالنصائح، ويخافون عليهم من أعمالهم يوم القيامة يوم تبدو الفضائح، أولئك أولياء الله وأحباؤه وأهل صفوته، أولئك الذين لا راحة لهم دون لقائه".
وقال الإمام الغزالي: "اعلم أن أسعد الناس وأحسنهم حالاً في الآخرة أقواهم حباً لله تعالى، فإن الآخرة معناها القدوم على الله تعالى ودرك سعادة لقائه. وما أعظم نعيم المحب إذا قدم على محبوبه بعد طول شوقه، وتمكن من مشاهدته من غير منغص ولا مكدر، إلا أن هذا النعيم على قدر المحبة، فكلما ازداد الحب ازدادت اللذة".
ومن ثمار المحبة، الأنس بالله ومناجاته، وتلاوة كتابه، واغتنام هدوء الليل وصفائه بانقطاع العوائق، فإن أقل درجات الحب التلذذ بالخلوة بالحبيب، والتنعم بمناجاته.

يا غافلاً والجليل يحرسهُ *** من كل سوء يدب في الظلمِ
كيف تنام العيون عن مَلِكٍ *** تأتيه منه فوائد النعمِ

وقال الحسن: "من رضي بما قسم له، وسعه، وبارك الله له فيه، ومن لم يرض، لم يسعه، ولم يبارك له فيه"، وعن مكحول قال: "سمعت ابن عمرـ رضي الله عنهما ـ يقول: إن الرجل يستخير الله فيختار له، فيسخط، فلا يلبث أن ينظر في العاقبة، فإذا هو قد خير له".
وهذا كائن، لو أننا نفهم عن الله، فكم من أمر قضاه الله كان فيه اللطف والرحمة وكل الخير! وكم من محنة وابتلاء كان فيها منحة ورفعة! وكم من بلاء كان فيه علو في الدرجات!
فيا الله ما أكرمك، وما أرحمك، وما أحلمك، وما أوسع فضلك!
يا من رحمتك وسعت كل شيء، ويا من أرحم بنا من أمهاتنا اللاتي ولدننا، "يا من إذا بارت بنا الحيل، وضاقت علينا السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت بنا الحبال، وضاقت صدورنا، واستعسرت أمورنا، وأوصدت الأبواب أمامنا.. نادينا: يا الله! فإذا اللطف والعناية، والغوث والمدد، والود والإحسان.. إليه تمد الأكف في الأسحار، والأيادي في الحاجات، والأعين في الملمات، والأسئلة في الحوادث.. باسمه تشدوا الألسن وتستغيث وتلهج وتنادي، وبذكره تطمئن القلوب، وتسكن الأرواح، وتهدأ المشاعر، وتبرد الأعصاب، ويستقر اليقين.. الله لطيف بعباده".
أوَبعد كل هذا، لم يستشعر قلبك حب الله؟!
رُوي عن خلق من أهل البلاء، أنهم كانوا يقولون:"لو قطعنا إرباً إرباً، ما ازددنا له إلا حباً".

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
لبنى شرف
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط