اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/daeyat/kearieh/26.htm?print_it=1

لاحياة لمن لاصلاة له

خيرية الحارثي

 
إن الدين حقوق وواجبات ... وإن الدنيا حقوق وواجبات فأد واجبك ، واشعر بعبئه على كاهلك ... ولاتلتمس منه المهارب فإذا وفيت بما عليك ، فانتظر حقك ، أو اطلبه كاملاً فلن يعيبك أحد .
أما أن تنطلق " متطلعاً شعارك " هل من مزيد " من غير كفاية ولا استحقاق ... فهذه هي الكارثة ...
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ... قيوم السموات والأرضين ، إله الأولين والآخرين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين ، وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوه واقتدوا به قولاً وفعلاً وعدلاً وإحسانا ...

أما بعد فهذه رسالة من القلب ... أبعثها لمن ضاقت به الدنيا ، واختلطت عليه المفاهيم ، ولم يجد طعماً للحياة ، لأنه تولى وصرف همته عن معرفة الحكمة التي خلقه الله لأجلها ... متناسياً عظم الأمانة التي حملها وأشفقت السموات والأرض عن حملها ...

رسالة قلب مشفق مبعوثة إلى قلب لم يذق طعم النعيم ، وفقد التلذذ بالطاعة فلم تطب له الحياة التي يعيشها ... ولم يعط نوراً يفرق به بين الحق والباطل فوقع فريسة للشقاء والضلال ، وجانب التقوى واستغنى عن الهدى ولم يستمع لمولاه وهو يطلب منه طاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم لينال رحمة الله يقول عز من قائل :
( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) آلا عمران 132 ويقول سبحانه : ( مايفعل الله بعذابكم إن شكرتكم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً ) النساء 147

فا إليك أخي الحبيب ، وأختي الحبيبة :
من وقعت في يده أن يتأملها في لحظة هدوء ، وأن يرعي لها سمعه ، عساها أن تشرق شمسه ، وينشرح لها فؤاده ، فيذوق حلاوة الدمعة ، ويجرب لذة المناجاة ليتصل بربه ، ويتبصر برسالته في هذه الحياة قبل أن تكون النهاية فلا يجد شيئاً ، وسيدرك حينها أن الأمر جد خطير
وصدق القائل :
إذا أوجعتك الذنوب فداوها ** برفع يد بالليل والليل مظلـــم
ولاتقنطن من رحمة الله إنما قنوطك منها من ذنوبك أعظم

* لاحياة لمن لاصلاة له *

حياة الروح ... وروح الحياة ...
ما أجلها وما أجملها ... عظيمة رفيعة ...
تنبض لها القلوب ... وتختلج بها الجوارح ...
تسيطر على الجسد فتجعله يسمو ويعلو ...
تعمر القلب فتجعله ساكناً مطمئناً ...

من ! من يستطيع أن يعيش بدونك ؟ كيف تحلو الحياة إلا بك !
من يتعلق بك تتعلقين به ، ومن يشدك تشديه ، طبعك الوفاء ، وفية أنت لأصحابك ... ليس في الدنيا بأسرها وفياً مثلك ، وليس في الكون أعظم من نفحاتك 0 سرور القلب ونوره الذي لا يشبهه شيء من نعيم الدنيا
أنت حياة المؤمن الطاهرة ، ودواء السقيم والعليل 0 أنت نور البصائر من عماها ، وشفاء الصدور من أدوائها 0

لولاك ! لما تفرقت الهموم والأحزان ... لولاك لهاجمتنا جيوش الشياطين ، ولتقطعت بنا الأسباب أنت الغاية التي يتسابق إليها المتسابقون ... ويشمر لها العاملون ... أنت القائدة التي تقودين صاحبك إلى جنات النعيم 0 لست أدري ! كيف يقدرون على هجرك !
كيف يعيشون بلا وصلك ! كيف يتمتعون بغيرك !
لست أدري كيف هي مشاعرهم ؟ ماذا تختلج به صدورهم ؟ من ؟ من هجروك !
كيف يستريحون إلى جانب غير جنابك !
أنت القلعة العظيمة التي ندخل منها على رب الأرباب ، وخالق البريات 0

لقد شاءت إرادة الحكيم العليم أن يخلق البشر ، ويمنحهم العقل الذي يرجحون به الهدى من الضلال ثم وضع لهم ميزان الشريعة وثبته كي لا تعصف به الأهواء 0

وهنا أُسائل نفسي :
كيف تكون بنية إسلامية سوية ، لامعطلة ولامشوهة ، بل بكامل قواها وعافيتها وعقلها وتعرض عن الحق ، ولاتستجيب لنداء الإيمان ...
بل تختار لنفسها الصد والبعد والانحياد عن سبيل الرشد 0 إن إنسانية المسلم ترفض الجمود ... فلا تضع على عقلها قيداً من الفتور، ولا تدع قلبها مغلقاً عن تدبر المواعظ والآيات فيكون حالها كحال الذين قال الله فيهم :
( ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ) هود20 يامسلم ... يامن تشهد أن لاإله إلا الله ... لقد خُلق الإنسان ليسعى لا ليكون نائماً هائماً يقوده هواه كما يٌقاد البعير ... إن الحياة والعافية والنعمة الرغيدة التي تعيشها وتستمتع بها دون أن تلتفت إليها ، وأعني بها نعمة الإسلام التي هي أكبر من كل نعمة ...هي إحسان من الله عليك وتفضلاً منه لك ، فذلك يتطلب منك أن تكون شاكراً للمنعم ولا تستطيع أن تحصي ثناء عليه ...

إن الساهي عن عبادة ربه عاجز لا يصل إلى أغراضه ، ولا يحقق رغائبه ... أما أولئك الواصلون إلى مراميهم بالأماني والأحلام وهم لا يتقربون إلى خالقهم بالصلاة فلابد أن تدمي أقدامهم وعورة الطريق كلما اجتاز عقبة وقع في أخرى هذا في الدنيا ثم في الآخرة سيُكتوون بنار الخذلان عياذاً بالله 0 فلم نر أونسمع عن مسلم قعد عن الصلاة إلا داسته الحياة ونبذته وألقته على هامشها

لماذا تقطع حبل الوصال بينك وبين ربك ؟
إلى متى ستظل تائهاً عن الطريق ؟ الست تبحث عن السكون والراحة ؟ إلى متى ستظل تملك نفساً مختلة تسيطر عليها الوساوس ، وتنهكها العلل ؟

إلى متى ؟ إلى أن تكتشف خسارتك ؟
عندما تجد ما عملته من سوء ماثلاً أمامك ، يقول الله تعالى :
( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد ) آل عمران 30

كم أتمنى أن أتجول في داخل مسلم لا يصلي ، كيف يعيش ؟ لابد أنه يعيش بداخل مظلم ؟ معوّج ، مضطرب 0 ما الذي يضئ داخلك ، وخارجك وجوارحك ؟ كيف تعيش بدون وصل الحبيب الذي يستحق الحب والوصل ، لقد أوصاك بوصل قريبك ووالديك وأحبابك ... فكيف بوصله ! قرة عين المحبين ، ونعيمهم ، ولذة حياتهم في مناجاته 0

أنت ترى ظلمك لنفسك في تخليك عن الصلاة ، وتدرك خطرها ، ويسوؤك من يتهاون بها من أقرانك أوممن هم دونك ... فإلى متى ... إلى متى تخبط في الدنيا خبط عشواء ؟ إلى متى تسير كما يحلو لك دون حساب للرقيب ، غافلاً عن معرفة الحق ؟ إن من حق الله عليك أن تتوجه إليه بعبادته ، وأعظمها الصلاة ... إنك تعرف وتدرك !
ومن حقه جل شأنه أن يغضب على من يقطع صلته به ...إذا عرف وانحرف ، وأدرك واقترف

بم شُغلت عن ربك ؟ وبماذا تشتغل الآن ؟
هل الصلاة مشقة وعذاب ؟ هل الصلاة تعب وعناء ؟ إن كثيراً من أعمال الدنيا أشد مشقة وأكثر عناء وجهداً 0 بالله عليك " كم تأخذ الصلاة من وقتنا في اليوم والليلة ، ساعة أو أقل أو أكثر قليلاً ، مقابل ماذا مقابل أن يعطيك الله من الثواب مالا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر 0

انظر إلى سائقي الشاحنات ، وانظر إلى الحداد والغواص ، والبناء الذي يعاني برد الشتاء وحر الصيف ... وغيرهم كثير ممن يبذلون الجهد الجهيد في كسب العيش . إن كنت ستجيب ... أن الصلاة مشقة ، فقد نوافقك قليلاً ، ولكنها مشقة ممزوجة باللذة ، وإن ثقلت عليك تذكر نعيمها الذي لا يساويه نعيم ، فالدنيا كلها تتهاوى عندما يفقد المسلم صلاته ... ويتحقق له الرقي والفلاح عندما يكون من المصلين 0

سأطرح عليك سؤالاً قد تتعجب منه ! هل تريد الجنة ؟ ستقول نعم ، وبتعجب ! كيف ؟ وأين الثمن ؟ أنظر إلى الرزق ، هل يمطر عليك من السماء ؟ إن لم تسعى له وتتعاهده ، كذلك الجنة ... تحتاج إلى بذل وسعي ، فعندما طلب ربيعة بن كعب رضي الله عنه مرافقته صلى الله عليه في الجنة ، قال له :
أعني على نفسك بكثرة السجود .
والله جل شأنه يقول :
( وتلك الجنة التي أُورثتموها بما كنتم تعملون) الزخرف 72 إن الله يدعوك إلى دار السلام يقول سبحانه : ( والله يدعو إلى دار السلام ) يونس 25 ثم رضوان اللــه عليك أكبر من الجنة ( ورضوان اللــه أكبر ...) التوبة 72
ثم النظر إلى وجهه العظيم نسأله ألا يحرمنا فضله ـ ففي الحديث الصحيح : حديث الرؤية :
( فو الله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجهه ) فا إذا رأوا وجه اللــه نسوا ماهم فيه من النعيم ... ألا تريد رؤية ربك الحبيب ؟

أترجو الرحمة والمغفرة ؟ إن هذا جهل مركب وليس بسيط !
فا الله تعالى يقول : ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ...0 ) 156الأعراف ويقول تعالى : ( إن رحمت الله قريب من المحسنين ) 56 الأعراف لماذا لاتريد أن تدخل تحت ظلال رحمته ؟

أتخشى الله وتخافه ؟ كأني بك ستقول نعم !
بمـــاذا ؟ فإن للخوف ثمرات ، تهون بها اللذات ، وتقود القلب إلى رب البريات ، وأنت تعلم أن الله لو أراد أن يهلك العالمين لم يبال ... وما أهون العباد لديه إذا هم عصوه 0 ومن يخاف يحذر ... يحذر من بطشه وعقابه ... يقول عليه الصلاة والسلام : ( أنا أعرفكم باللــه وأشدكم له خشية ) إن الاستخفاف بفريضة الله عليك وتفريطك لها ، وضعف إرادتك ، هو لأنك أسقطت خوفك وتعظيمك له سبحانه ، وبهذا سُلبت محبته ورضاه 0 تعرف إلى الله ، فمتى عرفته عظمته ، ومتى عظمته خشيته ، وإذا خشيته عبدته وأحببته 0

الصلاة راحة أعصاب من أعباء الحياة المرهقة ، وطمأنينة القلوب التي عهدت بأعبائها إلى من هو أقوى وأقدر ... واستشعار صلة بالجناب الذي لا يضام من يلجأ إليه ، ولا يخيب من اعتصم به 0 إنها مهذبة للسلوك الإنساني ، متممة له 0

إنك بحاجة إلى الشكوى ...
تشتكي لمن ؟ للمخلوقين ؟
إنك بحاجة إلى الرحمة ...
تسترحم من ؟ الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً 0
إذا ضاقت بك الدنيا ...
تلجأ إلى من ؟ إلى ضعاف الخلق ...
إذا أثقـلتك الهموم والأحزان ...
تنادي من ؟

إنه الحبيب ... العزيزالحكيم ... التواب الرءوف 0 إنه العظيم ... الذي خضعت لعظمته الجباه ... إنه الملك ... الذي ذلت له الملوك ...

ألديك شك في ذلك ؟ يامن قطعت وصلك به
يامن أخطأت الطريق ، لايكن حظك كحظ الدواب فالله تعالى يقول : ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون ) الأنفال 22 وهم الذين لم تُفد فيهم الآيات والنذر، ولا يفرق بين ما يضره وما ينفعه 0

ذكرنا بنداء عظيم لم يجعلنا نعتمد على أنفسنا الأمارة بالسوء ، المصابة بطبع الفتور ، بل من عظيم نعمه أنه ينادينا إليها في اليوم والليلة خمس مرات ، نعم بل من عظيم منته أن ينادينا :
حي على الصلاة ...لنترك كل شيء ... الصلاة خير من النوم ... فهو المحبوب محبة دائمة لا كمحبة النوم والخمود ، إقبال على واسع المغفرة 0

في جنابها ، ومن خلال أدائها نشهد أن الله واحد ، الله أكبر ... أكبر من كل شئ ، الله أكبر بالجنان وباللسان ، فهو خالق كل شيء ، ومبدع كل شيء ، ومصور كل شيء ، وقاهر كل شيء 0 وله الكبرياء في السموات والأرض ... الإله الحق والملك الحق ... سبحانه يحب أن يظهر لعباده حلمه وصبره ، وسعة رحمته وصبره ، فاقتضت حكمته أن يخلق من يعصيه ويسعى في مساخطه ومع ذلك يسوق له الطيبات ويرزقه ويعافيه .

الله أكبر ! يامن لاتصلون ... كيف تعيشون ؟ وكيف تطمئنون ، بل كيف تنامون وتأكلون وتشربون ؟ كيف يرفلون في نعم الله ، وهم لايصلون 0 ولولا رحمة ربي لحطمهم ، ، لولا صبر ربي على الذين لايصلون لساواهم بالتراب ، لكن من صفاته الرحمة والإمهال والصبر ...

إنهم يعاقبون ولا يشعرون ، بل يشعرون ، إنهم معاقبون بالهموم والغموم ، إنهم معاقبون بظلمة الصدور ، ، وقلق النفوس ، إنهم مبتلون بالضيق والملل ، ضيق الأرزاق ، وضيق الأخلاق ... إنهم مصابون بالخوف ، وبغض الخلق ، وأذهانهم طائشة ، وإن لم يشعروهم بذلك 0 كيف يطمئنون وهم منقطعون عن وصل القادر الذي إن شاء خسف بهم الأرض ، ما الذي يجعلهم آمنون وهم منفصلون عن مقام العبودية لخالقهم ورازقهم 0 إن كانوا آمنون 0 إنا نصلي ولله الحمد والفضل سبحانه ، ومع هذا فإنا نخشى ألا تُقبل صلاتنا ، فعندما نسمع عن صلاة رسول الله وصحبه ، وسلفنا الصالح نشفق على أنفسنا وصلاتنا ، ولا نعلم كم قُبل منها فكم يروعنا ذلك الحديث الصحيح :
( ليس للعبد من صلاته إلا ماعقل منها ، وأن المصلي قد يصلي الصلاة ، فلا يكتب له منها إلا سدسها وإلا عشرها ) رواه أحمد ، وأبو داود...

إذا لم تستجب للنداء يا من لا تصلي فإنك إذا حرمت من كنوز الدنيا التي تفوق كنوز قارون ، وكنوز ملوك الدنيا ... لأن كنوزها هي التي تفتح لك كنوز الآخرة ، فالدنيا مزرعة الآخرة ، ولاأظن أن هذا الأمر غريباً عليك ! إذاً اسمع مني عسى الله أن يفتح مسامع قلبك ويقذف فيه من نوره ... ويهديك إلى صراطه المستقيم 0

ضع يدك في يدي وحلق معي أطلعك على بعض كنوزها ، فأنا لا أخفيك سراً أني لا أستطيع أن أحصيها ، فمهما كتب فيها المحبون المصلون المشفقون لن يحصي كنوزها إلا الذي فرضها سبحانه

أول كنوزها بعد الأذان : الوضوء جوهر الصلاة وروحها ، النور الذي يزيل ظلام الخطايا من الجوارح ، من الوجه إلى اليدين إلى الرجلين ... يغسل الأعضاء لتُزال الخبائث الجسمانية والروحانية ...لتقف أمام خالقك نظيفاً ، صافياً شاكراً له على أن جعلك من خير أمة أخرجت للناس ، شاكراً لنعمته إذ بعث فيك نبياً من نفسك ، أخرجك من الظلمات إلى النور!
ولاأظن عاقلاً لبيباً يُرد على أعقابه بعد أن هداه الله لنور الإسلام ... فلماذا تريد أن تعود إلى غياهب الظلمات ؟ وهنا من بداية الأمر فقد جحدت نعمة ربك ، لأن من شكر النعم القيام بحقها ، فا إذا أنت لم تصل ِ فلن تتوضأ وهنا حرمت من الكنز الأول 0 حرمت من نور الوضوء الذي هو من خصائص الأمة المحمدية فقد جاءت الأحاديث الصحيحة :
( إنهم يُبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء ) فأثر الوضوء في الدنيا نور في الأعضاء ، وفي الوجه لمعة بيضاء مشرقة ... ويوم القيامة يتعرف عليك نبيك الحبيب بلمعة في جبينك ، وبياضاً في أعضاء الوضوء ... ألا تشفق على نفسك إذا حرمت هذا الفضل العظيم ؟

أما الكنز الثاني فمثولك أمام ربك في الصلاة ، وبعد تكبيرة الإحرام دعاء الاستفتاح ، دعاء تستفتح به رحمة الله فإنك لاتعيش إلا برحمته ، وهو قادر على أن يجعل نهايتك بشربة ماء – سبحانه – حرمت من قولك : اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : إن الغسل بالماء الحار أبلغ في الإزالة ، ولذا جئ هنا بالثلج والبرد ليناسب حرارة الذنوب التي يُراد إزالتها 0

وإن قلت سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ، ولا إله غيرك :
سبحته وحمدته وعظمت جلاله وسلطانه ، واعترفت بعبوديته بحق إذ لا معبود سواه 0 كم يقولها المصلي في اليوم والليلة من خمس مرات إلى أضعافاً مضاعفة لمن يتقربون بالسنن والنوافل ... أرأيت يا من لا تصلي حرمانك !
وإن قلت لبيك وسعديك والخير كله بيديك ، والشر ليس إليك 0 والله تعالى يقول : ( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها ) الروم 30 فمن لم يفعل ما خُلق له ، وفُطر عليه من محبة الله وعبوديته ، والإنابة إليه عُوقب على ذلك بأن زين له الشيطان ما يفعله فإن صادف قلباً خالياً – قابلاً للخير والشر ... ولو كان فيه الخير الذي يمنع ضده لم يتمكن منه الشر ، فإذا خلا القلب وفرغ عُوقب بتسليط الشياطين ، وقد لا يحس بألم العقوبة وهذه من أعظم العقوبات ...

وإذا تمعنت في الكنز الثالث : وهو كنز عظيم في قراءة المثاني والقرآن العظيم ، أم القرآن ، فاتحة الكتاب الشافية الواقية ، الكافية ... أعظم سورة في كتاب الله ، اشتملت على أمهات المطالب ولذلك لاصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، في كل ركعة ... سبعة عشر مرة تُقرأ في الفريضة ، إنها خطاب بين الرب وعبده :
فإذا قال الحمد لله رب العالمين ، ففي هذه الآية حمد اللــه نفسه على عدم الشريك ، وحمد نفسه على أنه لا يموت ، وحمد نفسه على أنه لا تأخذه سنة ولا نوم ، وحمد نفسه بأنه لا يظلم أحد ... فأنت إذا حمدته بقراءتك الحمد لله رب العالمين : قال الله : حمدني عبدي 0

الرحمن الرحيم ، الرحمة وصفه ، والرحيم الراحم لعباده ، والرحمة سبب واصل بينه وبين عباده فإذا قرأت الرحمن الرحيم : قال الله : أثنى علىّ عبدي ... مالك يوم الدين : إذا قرأتها قال الله : مجدني عبدي ... إياك نعبد ، وإياك نستعين ، عبودية الله لا غيره ، بأمره وشرعه لا بالهوى ولا بالرأي ، والاستعانة به على تحقيق عبوديته التي تدفع الرياء والكبرياء ...

فإذا قرأت : إياك نعبد وإياك نستعين : تحقق لك ذلك ... بقوله جل في علاه : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ...
حمد وتمجيد وثناء وعظمة لا تجدها إلا في هذه السورة التي حرمت من تكرار قراءتها ما أنزلت في الكتب السماوية مثلها .

ياعجباً ! أي مقام أجل وأعلى من هذا المقام ... الله بعزته وجلاله يخاطبنا ، يسمعنا ونحن نناجيه بهذه الآيات ، ثم يجيبنا ، ويشف صدورنا اللطيف الخبير 0 ثم إذا قلت ( إهدنا الصراط المستقيم ) وهذه غاية المسلم ... إذا كنت لا تتلوها ولا ترددها لأنك هاجراً لصلاتك ، فكيف يهديك الصراط المستقيم ؟ الست تريد أن تسير إلى ربك بصراط مستقيم في الدنيا فيصون لك نور الصراط يوم القيامة فهما متلازمان ، إذا اعوج صراطك في الدنيا – أظلم صراطك يوم القيامة ...

صراط من ؟ استمع !
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين :
أتريد أن تكون من الذين أنعم الله عليهم ؟ كيف ؟ ولماذا ؟ ستقول أني أثقلت عليك بكثرة السؤال ، إني أريد أن أجد لك مخرج ، انعم الله علينا وعليك بأن جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، الأمة المصطفاة ، أمة الإجابة ، الأمة التي عرفت الحق واتبعته وهي منة من الله يمن بها علينا ... غير المغضوب عليهم من اليهود ولا الضالين من النصارى ...

طيب إذا كنت أصلاً لا تصلي ، فلن تقرأ الفاتحة ، ولن تنال بركة آياتها ، ولن تكون من الذين أنعم الله عليهم ... إذاً ستكون ممن ؟ من اليهود والنصارى ؟ حاشاك !
لكن ليس لديك إلا اختيارين ودقق فيها النظر :
إما الصراط المستقيم السائر على السكة المحمدية ، أو سكة أهل الغضب والضلال 0 وأظنك تعلم حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم :
( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) رواه مسلم وإذا كان الويل والتهديد لمن أخرها عن وقتها : قال تعالى:
( ويلُ للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون ) الماعون 4- 5
فيا لك من آيات حق لو اهتدى * بهن مــــريد الحق ، كن هواديــــا
ولكن على تلك القــلوب أكنة * فليست وإن أصغت تجيب المناديا

نرجو ألا تكون منهم ... هيا ! بادر بالصلاة لتتمتع بقراءة الفاتحة وبركتها ، وتنال مطالبك بها ، وامسح بها على قلبك لتشفيه ...ودافع الضد بضده ، لتخمد النفس الشيطانية التي أقعدتك عن الخير ، ونصبت لك الكمين الذي لا ينقطع إلا بارتباطك بالرب الرحيم الرحمن... مالك يوم الدين محتمياً بكمال ربوبيته ، متعلقاً بصفات الكمال والجمال سبحانه ...

الكنز الرابع : متى تعظم الله إذا لم تكن تركع ، كيف يسمع الله حمدك وأنت أصلاً قد حُرمت من قولك سمع الله لمن حمد ه ، فلم تحمده ولم يسمعك !
حرمت لذة السجود ، وتسبيح العلي الأعلى في علاه ... حُرمت من القرب منه ، فأقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد ... يسبح المصلي ربه مئات التسبيحات ... هل سألت الله المغفرة متى ذلك ! إذا كنت لا تسجد فأنت لم تتمتع بالجلوس بين السجدتين ، ولم تتجه إلى الله بقول رب اغفر لي وارحمني وارزقني واجبرني كم يقولها المصلي في اليوم والليلة 0

الكنز الخامس : شرع الله للمصلي الجلوس للتشهد الأول ، وافهم معناه وعظمته ، التحيات لله والصلوات الطيبات : : تشمل معاني التعظيم كلها لله تعالى ، ففيها الثناء المطلق لربوبيته ، فجميع الصلوات والأعمال والأوصاف الطيبة هي مستحقة لله تعالى 0 ثم تسلم على خير العباد ، وسيد المرسلين الذي لاقى ما لاقاه في سبيل دعوته ... وجاهد في الله حق جهاد ، لينقذ أمته من النار 0 عليه صلوات ربي وسلامه ، فتقول :
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته :
ورحمة الله ... صفة حقيقية لله تعالى تليق بجلاله يرحم بها عباده ، فهل أنت مستغن ِ عن رحمته ؟ وبركاته البركة الخير الكثير التي تفيض بها الخيرات الإلهية 0

السلام علينا : إنك تسلم على نفسك وعلى الحاضرين الإمام والمأمومين ، والملائكة ... وعلى عباد الله الصالحين ... هم من صلح باطنه وظاهره ، وهم القائمون بما أوجب الله عليهم من حقوقه ، وحقوق عباده 0 قال الترمذي : من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبداً صالحاً وإلا حُرم هذا الفضل العظيم ... فهل أنت عبداً صالحاً أيها المفرط في صلاتك ؟
أترك الجواب لك !

وقد جاء في الحديث فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض فيفرح المصلي بهذا الفضل العظيم ...
والذي لايصلي لن يحظى بهذا السلام ... ولن يسلم عليه أحد 0

ثم الشهادة : أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، التي من كانت آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ، والمسلم يذكرها عند وضوئه وفي صلاته في التشهد الأول فيكررها في اليوم والليلة ما يزيد على العشرين ، نسأله ألا يحرمنا فضله وأن يجعلها آخر كلامنا من الدنيا 0

ثم شرع لك في آخر الصلاة أن تثني على الرب تعالى بأنه حميد مجيد ، فالحمد والمجد على الإطلاق لله الحميد المجيد ، فالحميد الحبيب المستحق لجميع صفات الكمال ، والمجيد العظيم
فهو المجيد ، وكلامه مجيد ، وعرشه مجيد ... وهو أحق بالثناء والمجد ...الواسع القادر الغني ...
متى تثني عليه ؟ ومتى تثني على صفاته ؟

ثم الانتهاء من الصلاة ، والجلوس في المصلى ، والتسبيح وقراءة آية الكرسي ، واستغفار الملائكة للمصلي ... فضل عظيم ، ونعم متتالية ... فضل من الله ونعمة ... يتمتع بها المصلي 0 ينطلق المسلم من صلاته منشرح الصدر شاكراً لعظيم نعمه ، مستبشراً بفضله ، طامعاً في
رحمته وجنته ...

فإذا كنت ذا لب وأنا لديّ يقين بذلك غيّر نفسك وسلوكك واستعذ من الشيطان الرجيم ، فسيعصمك الله ويغير أحوالك ... فكما تتغير الصحراء القاحلة إلى روضة غناء ، وكل ذلك بقدرته ، قادر على أن يغير أحوالك إذا صدقت معه ... وسيقبل توبتك ، فمن صفاته سبحانه تواب رحيم 0
لقد نادى الله النصارى ودعاهم إلى التوبة وقد أدعو الولد له ـ سبحانه ـ تعالى عما يشركون
فقال جل في علاه : ( أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ) المائدة 74 وقد روي في السنن عن علي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما :
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( ما من مسلم يذنب ذنباً فيتوضأ ويحسن الوضوء ، ثم يصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر له ) وقرأ هذه الآية :( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) آل عمران 135 _ صحيح رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه 0

قم ... انهض ... امسح عن قلبك ران البعد ...واظب على الطاعة ثم رجاء الله ... فهل ينبت البذر دون تفقد الأرض ؟

عزيمة وإرادة ... تصميم وشجاعة ... تجاهد بها جيوش إبليس ، فهو قد قطع على نفسه العهد
( فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين ) 82 ، 83 ص وفي المقابل ذكر الله تعالى : ( ...إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ) النساء 76 قم واسأل الله أن يشرح صدرك فقد سأله موسى عليه السلام قبلك وهو نبي قال :
( رب اشرح لي صدري )0 عندما أراد أن يواجه فرعون الظالم الطاغية ... قلها وواجه عدوك إبليس بها ،وحطم سلاسله الغلاظ بنور التوحيد ... قل في تسليم ويقين :
رضيت با لله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ورسولاً ... استعن بالله ولا تعجز ... استأنف المسير ... حطم ظلام الماضي ، ولا تسمم مستقبلك به ، تعهد نفسك ، وراجع سجلات حياتك ، واطمس ظلمة المعاصي والبعد ، بنور الصلاة والإيمان 0

صحح توبتك واستغفر ربك على ما مضى ولا يكن استغفارك بلسانك فذلك استغفار المراوغين ولا ينطبق عليك قول القائل :
أستغفر اللــــه من أستغفر اللــه ** من لفظة بدرت خالفت معناها
وكيف أرجو إجابات الدعاء وقد ** سددت بالذنب عند الله مجراها
أسع في فكاك رقبتك فالمولى عز وجل يقول : ( ويحذركم اللـــه نفسه ...) آل عمران 30

قم الآن توضأ وتتطهر فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ... قم طهر سرك وقلبك ... ماذا تنتظر ! لا تكن قلباً بليداً لا يستيقظ إلا إذا حل به البلاء 0 ألا تحب الله ؟ ألست مشتاقاً لمناجاته ؟

ألست بحاجة لمن تأنس بقربه ؟
ألا تريد أن يسكن قلبك ويطمئن من قلقه ؟
إذاً لا تدع قلبك أرضاً صلبة سبخة لا تقبل بذراً ، ولا تمسك ماءً ، ولا تنبت زرعاً 0

وثق في أن الله سيبدل سيئاتك حسنات إذا تبت توبة نصوحاً يقول عز وجل : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) الفرقان70 وخرج الإمام أحمد ، من حديث عقبة بن عامر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( مثل الذي يعمل السيئات ، ثم يعمل الحسنات ، كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ، ثم عمل حسنة أخرى ، فانفكت أخرى حتى يخرج إلى الأرض )

إذا قم جرب ، انطرح بين يديه ، وقل :
يارب ... يارب ...
قل اللهم إني عائد إليك فاقبلني ... فهو كريم غفور رحيم ...
الجأ إليه ... وقل يارب ، يا من تحب التوابين ، إني تائب فاغفر لي 0 قل يامن بذكره تطمئن القلوب ... اجعلني من الذاكرين قل يامن خشعت له قلوب المحبين ... اجعلني من أحبابك الخاشعين ...

اصرف جهدك كله لله ، تضرع إليه بالدعاء ، واسأله أن يثبتك ، لأن العمر سريع الزوال ، فقد أكون أنا ، أو أنت الليلة أو غدا من أهل القبور 0 حطم إبليس وجنوده وعقباته ... فلكل ذات إنسانية سلاحها ، وسلاح المسلم صلاته ينمو بنموها ويضمر بضمورها 0

سلام عليكم يا من كنتم لا تصلون ، سلام عليكم... فالله سيغفر لكم إذا رجعتم ، وأخلصتم بصلاتكم وعزمتم نادمين على ألا تفرطوا فيها ... ستباشر السكينة قلوبكم ، ويسكن خوفكم ، وتهدأ نفوسكم وستخرجون بإذن الله من دائرة
( ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) ولقد أثنى الله على خواص خلقه بقوله :
( والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً ) الفرقاان 65 ويقول تعالى مخوفاً أولياءه من النار :
( لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك الذي يخوف الله به عباده ياعباد فاتقون ) الزمر 16 الآن نادي بنداء الإيمان وردده بيقين :
( ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ) آل عمران 193

لقد خصصتك أخي الحبيب بهذه الرسالة ... وأنت تفهمني ...
لم نعد نُلح عليك بترك المعاصي "
إنما نقول لك صلِ قبل أن يصلى عليك 0

سائلة المولى فاطر السموات والأرض أن يجعلها هداية لك ، ولغيرك من الذين بعدوا عن الله ، وإني لأرجو الله سبحانه بأسمائه وصفاته أن تبلغ الآفاق ، وأن يجعل فيها تحريك لقلوب الذين لا يصلون ، وأن يجعلها خالصة لوجهه ، وأن يرفعني بها في الفردوس الأعلى ، ويريني بفضله بركتها في الدنيا ، ويجعل فيها زيادة في صلاتي وخشوعي وإيماني 0
سبحانك ما خاب يوما من رجاك
فإني أرجوك بأحب الأسماء إليك
أن تقر عيني بصلاح ذريتي وأزواجهم ، وإخوتي وذرياتهم
وشباب المسلمين وفتياتهم يا من لا يخيب سائله ...
 

خيرية الحارثي
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط