صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وأنا من يعذرني؟؟

هيا الرشيد

 
بسم الله الرحمن الرحيم


استيقظت لأداء صلاة الفجر،وكعادتها أخذت جولة بين غرف الأولاد والبنات لإيقاظهم،عادت إلى حجرتها وأيقظته للمرة الثانية،دقائق معدودة وتقام الصلاة،نظر إلى الساعة وهبّ من مكانه بسرعة ونطق بجملته المعهودة:-
- لن أنتظرهم،أيقظيهم ليلحقوا بي.
توضأ وذهب للمسجد على عجل،وعادت مرّة أخرى لأولادها،أحدهم يتوضأ،والآخر ينتظر أخوته،وشقيقهم الأصغر لا زال نائماً في فراشه،أيقظته للمرة الثانية،دقائق ويغادر الجميع المكان،بدأت الصلاة فور خروجهم،تأخروا كعادتهم،وتوقعاتها كبيرة لجرعة توبيخ تتلقّاها من والدهم لدى عودته،أدت صلاتها،وإذا بالجميع يعودون وكل منهم يتوجه إلى فراشه ليحظى بالراحة قليلاً قبل بزوغ الشمس،حمّلها كعادته مسئولية تأخر أولاده عن الصلاة،وذهب إلى فراشه لينام قليلاً قبل موعد العمل.

هدأ البيت،فالجميع عادوا إلى النوم،أسرعت بنزول السلالم متوجهة إلى المطبخ،أعدت بعض الشطائر،ومقدارا من الشاي والحليب،وسارعت بترتيب بسيط لمطبخها،واستعدت بتحضير مبدئي لوجبة الغداء،نظرت إلى ساعتها،الوقت قد أزف،ويجب عليها إيقاظهم مرّة أخرى،تسارع بصعود السلالم،توقظ البنات ثم الأولاد،يستيقظ الجميع فتحثهم على السرعة،تذهب إلى حجرتها لارتداء ملابس المدرسة،تتحرك بهدوء خوفاً من إيقاظه،تنتهي على عجل،تخرج من حجرتها وتناديهم،أوشك الجميع على التأخر،يتراكضون على السلالم،يتناولون إفطاراً خفيفاًً،ومن ثم ينطلقون إلى السيارة،توصد أبواب البيت وتلحق بهم.

المعاناة اليومية في هذه اللحظات،الجميع يخشى التأخر،وكل منهم يصر أن يذهب أولاً،تتلقى صراخهم بصمت،والسائق في حيرة من طلباتهم،وتعرف أنها كالعادة ستكون ضحية للدور الأخير،تصل إلى المدرسة متأخرة،تدخل المدرسة وقد بدأت الإذاعة المدرسية،تستحث الخطا نحو الإدارة،لقد سبقها الخط الأحمر وحل مكان توقيعها اليومي،لا بأس مرة أخرى فالمهم الآن أن المديرة في طابور الصباح، ومنشغلة مع الطالبات،تسارع بالخروج من الإدارة، وتدخل إلى حجرة المعلمات وأنفاسها متسارعة،كل شيء تقوم به بسرعة ومع ذلك يكون نصيبها التأخر في كل شي،أسرعت مرة أخرى إلى فصلها،ووجدت مديرتها لها بالمرصاد،اضطربت،تلعثمت،وفي النهاية تلقت تأنيباً قاسياً،أطرقت برأسها ودخلت فصلها.
في منتصف اليوم الدراسي حضرت إليها المرشدة الطلابية برفقة بعض أمهات الطالبات،أسئلة متلاحقة من الأمهات،وإجابات صريحة منها،فهذه ابنتها ثرثارة،وتلك ابنتها مهملة،والأخرى ابنتها انطوائية،وفي النهاية تجد نفسها مطالبة بمراعاة الطالبات،فهي معلمة وتعتبر بمكانة الأم الثانية للطالبات في المدرسة،والأكثر من ذا وذاك فهي تتقاضى راتباً مجزياً وعليها تحمل كل شيء،أومأت برأسها علامة الموافقة،وانسحبت لتكمل عملها.

ذهبت إلى غرفة المعلمات لتمضية حصة فراغها بين أكوام الأوراق لتصحيحها،تمنت أن تحظى ببعض المتعة مع أحاديث زميلاتها،لم تجد لديهن جديداً،أخبار الأزواج والخادمات تتكرر،ووصف دقيق لطريقة تحضير بعض الأطباق،وفي نهاية المطاف كان الحديث عن الأسواق والمحلات والأماكن المناسبة والتخفيضات الموسمية،رفعت رأسها لفترة بسيطة،تابعت قليلاً ولكنها سرعان ما انكبت على أوراقها مرّة أخرى وهي تأمل أن تنتهي منها مع نهاية هذه الحصة.

وفي نهاية اليوم الدراسي تقابلها المديرة في أحد الممرات،وتبتسم لها وتبادرها بقولها:-
• اعذريني لقسوتي معك صباح اليوم،إنه واجب العمل يستدعي مني أن أكون حازمة.
• أعذرك!!!نعم أعذرك،وأعذر الجميع لكل شيء.

ذهبت إلى فصلها مرّة أخرى،وكلمات اعتذار المديرة ترن في رأسها،ورأي المرشدة الطلابية ماثل أمام عينيها،ونظرات أمهات الطالبات لها لا تفارق مخيلتها،ومسئولية الطالبات بين يديها،فكرت في حالها ووضعها اليومي مع كل هؤلاء،زوجها يؤنبها عندما تتوانى في إيقاظه،أولادها يؤنبونها عندما لا يجدون حاجياتهم كاملة ونظيفة في أماكنها،المديرة تؤنبها على تأخرها اليومي،وفي الظهر جرعة تأنيب من الجميع،فالغداء لم يكن جاهزاً في الوقت المحدد،الجميع جائعون ويريدون النوم!!قارنت بين وضعها مع طالباتها وإدارتها المدرسية من جهة،وبين زوجها وأولادها من جهة أخرى،لا تعلم سبباً لمقارنتها المفاجئة بينهن وبين زوجها وأولادها،تشعر بوجود عامل مشترك،فكرها المنهك لم يعطها فرصة لتحديد هذا العامل،هزّت كتفيها وتابعت عملها.
ينتهي اليوم الدراسي،هي الأولى في ركوب السيارة،تتذكر موعد خروج كلاً منهم،تريد تنظيم مرورها عليهم،تتمنى أن تسلم ولو لمرّة واحدة من غضب بعضهم للتأخر،تمرّ عليهم الواحد تلو الآخر،علامات التعب والملل بادية على وجوههم،وابنها البكر يتمتم ببعض العبارات الغاضبة،لاذت بالصمت ولم تعلّق بأي شيء،سبحت في سماء أفكارها،وأحداث يومها تمرّ متسلسلة أمام ناظريها.
تصل إلى البيت،تستحث الخطى إلى مطبخها،تكمل ما بدأته صباحاً،تسابق الدقائق والثواني لينتهي الطعام في الوقت المحدد،ذهب الجميع إلى حجراتهم لتغيير ملابسهم،أما هي فقد بقيت في ملابسها لضيق الوقت،يأتي زوجها،ويحين موعد الطعام،يحضر الجميع ولكن الطعام لم ينتهي بعد،تذمر واضح،وبعض الانتقادات اللاذعة،يريدون تناول الطعام الآن ليتسنى لهم النوم قليلاً قبل أذان العصر،تعد المائدة وتحضر الطعام،ينتهي الجميع ويذهبون للنوم،تذهب في هذه اللحظة على عجل لتبديل ملابسها،تعود بسرعة إلى مطبخها،تنظيف وترتيب إلى موعد أذان العصر،تنظر إلى الساعة بين لحظة وأخرى،فسمعها يخونها أحياناً فلا تسمع المؤذن،حان وقت الصلاة،جولة جديدة بين الحجرات،بعضهم لا يستيقظ من أول مرّة،تكرار وتأكيد حتى يهب الجميع من فرشهم،يذهب الزوج مع أولاده إلى المسجد المجاور،وفي هذه اللحظة تدخل حجرتها،تؤدي الصلاة ومن ثم تعود إلى المطبخ لأعداد الشاي.

تجلس بينهم،تشعر بالتعب والإرهاق،تنظر إلى وجوههم،أحاديث متنوعة،مرح يتعدى الحدود،نفسياتهم تغيرت عن الصباح،أمزجتهم ليست كما كانت ظهراً،يشعرون بمتعة الرّاحة الآن بعد عناء يوم كامل،وتبدأ موجة من الاعتذار،زوجها يلقي بكلمة رقيقة ويطلب السماح عمّا يبدر منه من عصبية ويقول:-
• اعذريني فأنت تعرفين أنني أكون حاد المزاج دائماً مع استيقاظي من النوم.
• نعم أعذرك.
تكتمها بين جنبات صدرها، وتستكمل أعمالها،ها هي ابنتها البكر تعتذر عن حدة مزاجها أيضاً، وتعترف أمامها بأنها كانت مخطئة،الابن أيضاً له نصيب من موجة التأسف والاعتذار لما حدث في ساعات هذا اليوم،والجميع بعد أن ترتاح أعصابهم من شقاء يوم بأكمله يعلنونها أمامها،اعذرينا.
نعم تعذرهم،تعذر زوجها لعصبيته،ومديرتها لقسوتها،وابنتها لحدة مزاجها،وابنها عن شقاوته،وتلميذاتها لإهمالهن،وفي لحظة يسيرة تتأمل نفسها، وتقول فيما بينها وبين نفسها :-
نعم أعذرهم،أعذرهم جميعاً.
تتوقف فجأة وتقولها بصوت عال ولأول مرة :-
نعم، أنا أعذركم،أعذركم جميعاً،ولكن أنا من يعذرني؟؟؟؟؟؟


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
هيا الرشيد
  • الأسرة والمجتمع
  • الفكر والثقافة
  • القصص
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط